الخميس، 11 أغسطس 2011

مستشفى شهداء الأقصى .. آلام وآمال

kolonagaza7

رمزي صادق شاهين
لسنا بصدد تضخيم الأمور ، أو الحديث عن واقع غير موجود ، أو التجني على أحد ، أو أن يُفهم هذا المقال على أنه في إطار انتقاد وزارة الصحة أو المؤسسات الصحية ذات العلاقة ، بل ما نتحدث عنه هو من باب المصلحة العامة ، لكون القضية تهم كُل مواطن فلسطيني يُعاني ما يعانيه أبناء شعبنا ، ويشعر بشعور أصحاب الحاجة ، ويتألم لآلام الأطفال والشيوخ الذين يحتاجون للرعاية الصحية ، والتي هي حق إنساني وطبيعي لكُل البشر ، فمستشفى شهداء الأقصى الواقع بالمحافظة الوسطى ، والذي تم إنشاؤه كمركز للخدمات الطبية العسكرية قبل انتفاضة الأقصى ، وسرعان ما تم تحويله إلى مستشفى لوزارة الصحة مع اندلاع الانتفاضة ، نظراً لعدم وجود مستشفى تُغطى احتياجات عشرات الآلاف من المواطنين في هذه المحافظة .
مساحة المحافظة الوسطى ( 59 ألف دونم ) ، فهي تمتد من مفترق الشهداء جنوب مدينة غزة ، وصولاً إلى مفترق المطاحن ( أبو هولي جنوباً ) وعدد سكانها (220 ألف نسمة ) وبها ثمانية مناطق مابين مدينة وقرية ، وهي المنطقة الأكثر احتكاكاً من حيث الأحداث مع الاحتلال الإسرائيلي لكونها منطقة تماس شهدت وتشهد العديد من الأحداث والمواجهات بشكل يومي تقريباً .
مستشفى شهداء الأقصى ، وطواقمه الطبية قدمت خلال انتفاضة الأقصى الكثير من الجهد والعرق ، وكان لهؤلاء الجنود الفضل بتقديم الخدمات الصحية لأبناء شعبنا طيلة عشرة سنوات تقريباً ، وهذا لا يمكن إنكاره لكن الآن الأمور أصبحت بحاجة إلى وقفة جدية ، خاصة أننا أمام مسؤولية إنسانية ووطنية تتعلق بحياة الناس ، ولأننا سنُحاسب على مسؤولياتنا أمام الله والتاريخ ، بأننا قصرنا هنا أو هناك ، فالشكاوى أصبحت كثيرة ، والهموم أكبر ، والمواطن يحتاج لمن يخفف عنه أعباء الحياة ، فشعبنا الصابر الصامد في غزة يُريد أن يرى خدمات صحية على الأقل تساوى صموده وتُلبي احتياجاته ، حتى لا يفقد ما تبقى له من ثقة في مُجمل الخدمات التي يتلقاها ، هذا المواطن الذي يعلم خفايا الأمور أيضاً ، وهو على علم بأن المبررات كثيرة ، وأن هناك نواقص وحصار ومعاناة ، لكن إذا تعلق الأمر بحياة الناس ، فهنا يجب أن يقف الجميع ، حتى لا نُصبح جميعاً في دائرة التيه ، ونحمل كل شيئ على شماعة الحصار .
ضيـق المكــان :
مساحة مستشفى شهداء الأقصى صغيرة ، وهو في مكان غير لائق أصلاً ، لكونه يقع في منطقة ضيقة جغرافياً وبها مساكن قديمة ومنطقة سكانية وجزء منها زراعي ، والمستشفى يُغطي مُعظم الخدمات الطبية في أقسام ضيقة وصغيرة ، بالمقارنة مع حجم المرضى والنزلاء ، ناهيك عن عدم تطوير المستشفى منذ إنشاءه ، حتى أن إدارة المستشفى نقلت قسم الولادة منه إلى مستشفى خاص لتخفيف العبء واستغلال المكان ، والذي لم يتم حتى الآن عمل شيئ به .
إمكانيات ضعيفة :
الإمكانيات الموجودة في مستشفى الأقصى ضعيفة ، ولا تُلبي مُعظم الإحتياجات ، فأي مستشفى يُقدم خدمات لهذا العدد من المواطنين بحاجة لتطوير دائم في إمكانيات الفنية واللوجستية ، وكذلك إمداده بالمعدات والأجهزة الطبية ، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى جهد رسمي ومساهمة وطنية ، حتى لو اضطر المواطن لأن يُساهم في تطوير ذلك من خلال الحملات الوطنية لتحسين الخدمات الصحية في قطاع غزة .
كوادر طبية غير كافية :
جرت العادة في غزة أن يقول الأطباء عن أنفسهم بأنهم خيرة القوم ، وأنهم لا يمكن أن يكونوا على خطأ ، دائماً يكون المواطن المُخطئ ، لأن الطبيب مرفوع عنه الحجاب ، ولأنه يعتبر أن الكل جاهل وهو الذي يحمل العلم فقط ، متناسياً أن الشعب الفلسطيني لديه الثقافة وإدراك لأن يُحدد الخطأ من الصواب ، وأن التجربة كانت قاسية جداً مع شريحة الأطباء ، وهذا بالتأكيد حالنا مع كوادرنا الطبية بمستشفى الأقصى ، والتي تحتاج إلى دعم وتطوير وإعادة تأهيل وزيادة في الخبرات ، وذلك من خلال المؤتمرات المحلية والدولية ، والإطلاع على التجارب العربية والدولية الحديثة في مجال الطب .
زيادة سكانية :
الزيادة السكانية شيئ طبيعي ، ولا تغيير في واقع المستشفى ، وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى ضعف الخدمات ووجود الأخطاء ، وبالنهاية سيدفع المواطن الثمن ، وهذا ما يجعلنا نتساءل ، لماذا لا يتم بناء مستشفى جديد في المحافظة الوسطى ، علماً أن هناك إمكانيات رسمية ووطنية للمساهمة في إنشاء مستشفى طبي مميز يخدم هذا الكم السكاني ، فهناك أصحاب نخوة وهناك أهل الخير ، وشعبنا تعود على الوقوف أمام مسؤولياته الوطنية ، وأعتقد أن هناك مشاريع إنشاء لعشرات المساجد في قطاع غزة ، ولا أعتقد أن بناء مستشفى يكون أقل أهمية من بناء مسجد ، لأن المساجد موجودة بكثرة ، لكن المستشفيات في القطاع أقل من عدد أصابع اليد الواحدة ، ولماذا لا يتم تطوير الكوادر الطبية وتدعيم المستشفى بكادر طبي يحمل المزيد من الخبرات ، بما يضمن استمرار تقديم أفضل الخدمات للمواطن ، ولماذا لا يتم إيجاد وسيلة ناجحة للرقابة على الأفراد والمعدات وكافة اللوازم الفنية والإدارية .
النهاية :
سيخرج البعض ليُدافع عن الطواقم الطبية ، وهذا بالتأكيد حق مشروع ، مع العلم أننا لا نشكك في إمكانيات كوادرنا الفلسطينية ، لكن الواجب أن نقف أمام مسؤولياتنا ، لأن القضية قضية أرواح لأطفال ونساء وشيوخ ، ولقد كانت تجربة فقدان الثقة بالكادر الصحي الفلسطيني مريرة ، حيث يُريد أن يُسافر للعلاج بالخارج كُل مواطن حتى لو كانت مُصاب بالرشح أو بالأنفلونزا ، وهذا بالتأكيد لم يأتي من فراغ ، بل نتيجة حالة عاني منها المواطن ودفع ثمنها أرواح وضحايا .
أعان الله شعبنا على أحواله ، وأعان الله المسئولين على مسؤولياتهم ، وأعان الله كُل متساهل بقضايا الناس ، لأن الله سيُحاسب كُل من حمل المسؤولية العامة وتقاعس عن أداء عمله أو تجاهل الخطأ أو تهاون في تقديم الخدمة الإنسانية أو الطبية للناس .
صحفي وكاتب فلسطيني
Ramzi.s.shaheen@gmail.com

--

مشاركة مميزة