الاثنين، 8 أغسطس 2011



kolonagaza7

الثورة السورية

يقطع بشار الأسد مع عهد سابق و يبدأ مرحلة جديدة في حياته السياسية , هو يظنها مرحلة جديدة و هي كذلك لكنه سيتعامل معها بنفس أسلوبه السابق المعتاد : النصف خطوة , لكن المشكلة أنه في هذه الأثناء يهدد النظام بتحطيم الأسس نفسها التي قامت عليها سوريا الحديثة و التي سيعني دمارها خروج سوريا إلى نفق طويل و مظلم قد يغير شكل البلد إذا لم يصمد الشارع المنتفض على موقفه …. لقد أصبح بشار خطراً على سوريا
المشاهد الاحتجاجية التي نراها على الشاشات او في الساحات ليست بسيطة. لا نستطيع التكهن بنتائجها، بسبب غياب السوابق التي يمكن القياس عليها. قبل أسابيع أو شهور، لم يكن العربي يجرؤ على ذكر اسم الحاكم إلاّ مُرفَقاً بعبارات التبجيل، كان يخشى ان ينتقده حتى داخل منزله وفي غرفة مسدلة الستائر. فجأة، رأينا شباناً في الساحات يخاطبون الرئيس بكلمة «ارحل». لم يكن زعماء المعارضة في الداخل والخارج يغامرون باستخدام كلمة من هذا النوع. أوقحُ مطالبِهم كانت الدعوة الى الإفراج عن سجناء، أو تخفيف القيود التي تفرضها الأجهزة الأمنية على الأقلام والعقول، وكانت المطالب تأتي غالباً في صورة مناشدات، او التماسات، هاجسها أن المقصود إقناع الحاكم بإطلاق مبادرة، وليس تحدِّيه أو هزّ صورته او طرح مصير نظامه
النظام السوري منذ أن ثبت أقدامه في سوريا قبل 41 عاماً بالتمام و الكمال عمل ببطئ و لكن بثقة على تدمير البلد بشكل يكاد يكون منهجياً و مدروساً – عن قصد أو بغير قصد – فقام أول الأمر بكسر الدولة السورية بمفهوم دولة القانون و المؤسسات و وضع فوقها حزب البعث بأطره المقيته و مؤسساته الديناصورية و نصب نفسه قادئاً للدولة و المجتمع في نص دستوري من الطراز الستاليني … ثم وضع فوق الحزب مؤسسة أمنية أخطبوطية بست عشر ذراعاً مارست عملها الذي اقتصر على تحقيق الانتصارات على الشعب السوري دون غيره فلاحقت المعارضة و أخرست الصحافة المستقلة و أغلقت الأحزاب و عطلت المجتمع المدني و بعبارة أخرى أبعدت الناس عن الشأن العام و عن تقرير مستقبل بلادهم و فصار هم الناس رغيف الخبز و فقط , هذه المنظمات الأمنية دانت بالولاء لشخص الرئيس و تنافست بوحشية على ارضاءه فتأسس حكم حديدي في سوريا استطاع تغيير وجهها الديمقراطي الذي بدأت فيه بعد الاستقلال إلى وجه أحادي اللون
و عندما مات حافظ الأسد أثبتت الأيام أنه سوف يحكم سوريا من القبر فقد استمر النظام عندما اكتملت عملية توريث الأسد الصغير في مسرحية هزلية من الدرجة العاشرة قضت على آخر الآمال باحترام لدستورية البلاد و هي الأساس لأي مجتمع محترم . استمر بشار على مسار تدمير سوريا ففي عهده الميمون حدثت أكبر هجرة جماعية في الشرق الأوسط بعد نكبة الفلسطينيين و هجرة العراقيين , غادر مليونا فلاح سوري أراضيهم في الجزيرة و الرقة على أثر موجة جفاف كشفت هزالة المشاريع الزراعية و كذبها و تدفق هؤلاء على أحزمة البؤس في ضواحي دمشق و حمص و حلب و الساحل و تراجع اسهام الزراعة لأول مرة في تاريخ سوريا إلى ما دون 20 بالمئة و هي البلد الزراعي القديم و في عهد الأسد الصغير الميمون ارتفعت نسبة السوريين الفقراء من 12 بالمئة يوم توليه منصبه عام 2000 إلى 34 بالمئة اليوم كما أورد الباحث الاقتصادي السوري محمد جمال باروت … الأمر الغريب هنا أن الاقتصاد السوري كان يحقق نمواً يقارب 5 بالمئة سنوياً غير أن هذه الزيادة هبطت على دمشق و حلب و على مخلوق جديد نما في عهد بشار , مخلوق من رجال الأعمال – الأمنيين المقربين من آل الأسد و شركائهم و سماسرتهم و هن ” نادي المئة الكبار” و خرج للسوريين رامي مخلوف و ظاهرته الأسطورية بفسادها و جشعها و احتكارها و قربها من دائرة الحكم العائلية بشكل مفضوح دون خجل و دون حس بالحياء من السوريين حتى سيطر منفرداً على 60 بالمئة من حجم الاقتصاد السوري .
فجأة، وجدنا أنفسنا في عالم مختلف. كَسَرَ الناس حاجز الخوف، أحالوا أسلوبَ الاستعارات والتوريات الى التقاعد، وبدأ الكلام المباشر، الذي كان ممنوعاً. يكفي الجلوس امام الشاشة لبعض الوقت، في الساحات مطالباتٌ بالإصلاح والتغيير وبالشفافية وتداوُل السلطة ودولة القانون. ولا نبالغ إنْ قلنا إنّ السلطات لم تَعتدْ على سماع مثل هذا الهدير في ساحاتها، وهي تعتقد أن التظاهرات يجب ان تكون موالية أو لا تكون على الإطلاق، وأن الناس ينزلون الى الشارع بتكليف رسمي حتى ولم تم إخفاؤه. السلطات نفسُها تعرف خطورة ان ينزل الناس الى الشارع بمبادرة منهم، او للتذكير بحقوقهم
لقد وجد النظام الذي اعتاد على الحكم دون التفات للداخل ودون حساب له , وجد نفسه و قد وضعه الشعب السوري بقطار متشقلب كما في مدينة الملاهي وانطلق به و برئيسه من سرعة 0 إلى 200 كم/سا في 3 ثوان كما يقولون في عالم السيارت
و بشار سيتعامل مع الموقف المفاجئ بأسلوبه القديم : النصف خطوة فهو ببساطة غير قادر على تنفيذ أمر يقرره و غير قادر على تحمل تبعاته و السير به للنهاية
عندما شرف حضرة الوريث قرر انتهاج أسلوب الانفتاح السياسي و بدأ ربيع دمشق بزخم نخبوي مؤثر رغم حالة الجمود التي فرضها الأسد الأب , و فجأة قرر أن يتوقف في نصف الخطوة لأن هذه الحالة النشيطة تهدد حكمه فقرر قمع الربيع الدمشقي القصير فبدأت الأجهزة الأمنية اعتقالاتها و أشبعت المعارضين المثقفين النخبويين اعتقالاً و تنكيلاً و ملاحقةً
ثم رأى أنه سيتبع أسلوب الانفتاح الاقتصادي فأنتج لنا بمساندة حلقة ضيقة من الدردريين و العطريين و طبعاً دون أخذ رأي الشعب السوري , وتوقف مرة جديدة في نصف الخطوة فأنتج نظاماً اقتصادياً مسخاً و فاشلاً سماه اقتصاد السوق الاجتماعي فلا هو رأسمالي بما للرأسمالية من حسنات التنافس الحر الشريف و حرية الابداع و المبادرة و لا هو اشتراكي بما للاشتراكية من حسنات العدالة الاجتماعية و حماية الفقراء , بل كان نظاماً اقتصادياً حوى أسوء ما في الحالتين من نشوء طبقة من الحيتان الفاسدة المرتبطة بالقصر لخدمة مصالحه و رفد حسابه المصرفي في ظل بقاء القطاع العام البائس و شركاته الخاسرة
حتى بالشأن الخارجي اتبع نفس الأسلوب , فعندما قرر أنه سيسطر على لبنان بشكل تام بعد أن أحس بتهديد ما من المعارضة اللبنانية لحكمه هجم و قرر تمديد ولاية الرئيس الدمية أميل لحود ثم وبغباء أقصى و بالاغتيال مع شريكه الأبدي السرمدي حزب الله , أقصى الرجل القوي الوحيد في لبنان و هو رفيق الحريري لكنه من جديد توقف في نصف الخطوة و لم يتحمل تبعات قراره عندما ثار عليه اللبنانيون و المجتمع الدولي و سحب جيشه مكللاً بالعار أمام كاميرات التلفاز في مشاهد تليق بانسحاب الجيوش المحتلة مضحياً باسشتهاد آلاف الجنود السوريين في لبنان على مذبح جشع و فساد ضباطه
ثم قرر أن سوريا قادرة على صرف مليارات الدولارات لبناء مفاعل نووي بمساعدة كوريا الشمالية و إيران و من جديد توقف في نصف الخطوة عندما أغارت طائرات سلاح الجو الاسرائيلي على الموقع عام 2007 و قصفته و أحالته أثراً بعد عين في ربع ساعة دون أي يبدي حركة واحدة أو حتى أن يفكر باعادة بناء المفاعل
واليوم حين يفكر بشن الحرب على شعبه السوري المنتفض في ساحات مدن سوريا من أقصاها إلى أقصاها , نظن أنه اتخذ قراراً بالحسم لكنني واثق أن سيعود ليقف في منتصف الخطوة , فحسب شهود العيان لم تدخل الدبابات إلى قلب حماة و يعتمد على قناصة دون وجود لرجل أمن واحد ضمن المدينة و الحملة التي أرادها تأديبية لباقي المدن كي تعتبر من مصير حماة أتت عكسها فقد تظاهرت سوريا بالأمس في أكبر مظاهرات خارج أيام الجمعة و خرجت دمشق و حمص بمظاهرات حاشدة كان ابرزها في الميدان و كفرسوسة و ريف دمشق كاملاً و خالدية حمص …. حتى حماة خرجت بها مظاهرة صغيرة بالمئات رغم كل شيئ
الوقت معنا … مخطئ من يظن أن الشارع مطالب بالحسم , خطأ … إن الشارع يكفيه عدم الانكسار أما النظام الرسمي كي ينتصر . وليس العكس … الوقت معنا و ماذا ستفعل يا بشار ؟ تبقي المدن محاصرة لشهور ؟ تبقى الجيش لشهور ؟ نعلم أن حلك يقوم على السرعة … لكن الشارع كفيل بالبقاء على صموده فالوقت يلعب لصالحه
كلفة الاصلاحات كبيرة، بحيث أن الاسد أكل حتى الان نحو ثلث احتياطاته من العملة الصعبة (تبقى نحو 12 إلى 14 مليار دولار)، ولا يزال الحبل على الجرار. الاقتصاد السوري يتحطم بوتيرة هائلة، من اسبوع الى اسبوع. لا سياحة، لا استثمارات، لا نمو، لا افق. لن يكون ممكنا الاستمرار هكذا لزمن طويل آخر واضافة الى ذلك، ففي ضوء الولاء العالي (حاليا) للجيش، فان الاسد قادر على ان يطيل حربه الوجوديه لسنة سنتين. الطبقة . ومع ذلك، فالجيش السوري منهك. هذه هي المرة الاولى التي يشهد فيها الجيش تجربة طوارىء بهذا الحجم وينتشر في الميدان في صيغة حربية منذ حربتشرين في العام 1973. الجنود لم يذهبوا الى بيوتهم منذ أشهر وهم منهكون. من جهة اخرى، فان معظم الجيش يرى في اعمال القمع العنيفة فعلا شرعيا. ومن جهة ثالثة، العدد الكبير للقتلى، عدم النجاح في قمع الاضطرابات، انعدام الجدوى من الوضع، كل هذا يمكنه أن يخلق شقوقا ستتسع بسرعة.
الأسد الذي قرر بغباء أن يشن حرباً على شعبه أصبح خطيراً … فهو يهدد باثارة حرب أهلية , مشاهد القتل و الذبح مؤلمة و صاعقة و إلى متى سيقدر السوريين على إدارة الخد الأيسر مرة بعد مرة بعد مرة … إنع يعبث بالأوتار التي تشد سوريا إلى بعضها و يهدد بتحطيمها و خلق شرخ في الشعب السوري قد يغير وجه البلد
لكن الشعب السوري واثق و قرر منذ تحطيم أول تمثال و حرق أول صورة أن سفن العودة قد حرقناها و سيبقى في الشارع
لأن الأسد كان سيئاً و أصبح خطراً .. و التظاهر كان مهماً و أصبح ضرورياً

مشاركة مميزة