kolonagaza7
محمد السعيد إدريس
ليس هناك شعور بالمرارة يفوق شعور إنسان يتوجه مرغماً لخوض منافسة أو معركة يدرك عن يقين مسبق أنه مهزوم فيها، لكن يبدو أن المرارة ليست لها أية حدود، فما قد يتصوره المرء شديد المرارة قد يفاجأ بأن هناك ما يفوق كل مراراته، وهذا ما ينطبق الآن على الحال الفلسطينية . فالتوجه الفلسطيني نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على اعتراف بدولة فلسطين وفقاً لحدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967 لم يكن توجهاً اختيارياً، ولكنه جاء اضطرارياً وفقاً لاعتراف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقائه مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، ففي هذا اللقاء الذي جرى بينهما في اسطنبول (25/7/2011) قال عباس: “نحن ذاهبون إلى الأمم المتحدة ليس لأننا نريد ذلك، بل لأننا مرغمون” . ولمزيد من التوضيح والتأكيد أضاف: “خيارنا الأول والثاني والثالث هو الذهاب إلى المفاوضات، إنما إذا أقفلت الأبواب في وجهنا، فلا بد أن نذهب إلى الأمم المتحدة لنشكو أمرنا إلى الأمم المتحدة، ولنقول لهم نحن، 44 عاماً، تحت الاحتلال نريد حلاً لنا، نريد موقفاً دولياً كبقية شعوب الأرض، وآخرها جنوب السودان” .الذهاب إلى الأمم المتحدة اضطراري حسب قناعة محمود عباس بعد انسداد أفق المفاوضات بسبب شروط رئيس الحكومة “الإسرائيلية” نتنياهو وبسبب الانحياز الأمريكي لهذه الشروط .فقبل يومين من اجتماع اللجنة الرباعية الدولية في واشنطن يوم 16 يوليو/ تموز الماضي استبق بنيامين نتنياهو الأحداث وأجرى حوارات مكثفة مع الإدارة الأمريكية أكد خلالها موقف حكومته وخاصة ما يتعلق بالتفاوض الذي تريده واشنطن بين الحكومة “الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية بديلاً للتوجه الفلسطيني نحو الأمم المتحدة للحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية . فقد أكد نتنياهو أن “إسرائيل” لن توافق على أي مبادرة سياسية لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين تتضمن عبارة “حدود عام 1967” . لكن الأهم من ذلك أن الإدارة الأمريكية حرصت على أن تعدل مقترحات أو تعهدات الرئيس أوباما بخصوص الدولة الفلسطينية وحدودها بما يتوافق مع الشرط “الإسرائيلي”، كما أنها غيرت موقفها ودخلت اجتماع اللجنة الرباعية من أجل تمرير الشرط “الإسرائيلي” والحيلولة دون طرح أي مبادرة من اللجنة لا تريدها ولا تقبلها “إسرائيل” . فقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت “الإسرائيلية” أن واشنطن أعدت مبادرة تقدمت بها إلى اللجنة الرباعية الدولية نصت على أن تستأنف المفاوضات المتوقفة بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” على أساس حدود عام 1967 “دون أن يعني ذلك أن “إسرائيل” توافق سلفاً على الانسحاب إلى هذه الحدود”، إضافة إلى بعض المقترحات التجميلية لهذا “القبح” في الموقف الأمريكي الذي يفرغ الاقتراح من مضمونه ويتلاعب بالكلمات، قبل إطلاق بضع مئات من الأسرى، وأن ترعى الإدارة الأمريكية، بشكل سري، اتصالات بين حركة “حماس” و”إسرائيل” بهدف التوصل لهدنة طويلة الأمد تضمن تحقيق هدوء إلى جانبي الحدود بين قطاع غزة و”إسرائيل” .لم يتوقف الأمر على ذلك، فحسب ما نشرته صحيفة هآرتس “الإسرائيلية” تضمن الاقتراح الأمريكي بنوداً عدة من رسالة للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش لرئيس الحكومة “الإسرائيلية” الأسبق أريل شارون التي قال فيها إن الحدود ستعكس التحولات الديموغرافية منذ سنة ،1967 أي ضم الكتل الاستيطانية اليهودية الكبرى في الضفة الغربية والقدس إلى الكيان الصهيوني . كما تضمن الاقتراح الأمريكي اعترافاً ب “إسرائيل” دولة يهودية دون أي تطرق للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المقترحة، أو إلى تجميد الاستيطان، أو أي إشارة لحق العودة، ولذلك أخفق اجتماع اللجنة الرباعية الدولية وكان الموقف الروسي هو الأبرز في رفض تلك المقترحات الأمريكية .وهكذا لم يعد هناك بديل تراه السلطة الفلسطينية، حسب قناعاتها والتزاماتها، للخروج من هذا المأزق سوى التوجه إلى الأمم المتحدة، ومن هنا تأتي المرارة التي يشعر بها أبو مازن وأركان سلطته، لكن ما هو أشد مرارة هو الإدراك، عن وعي، للفشل الذي ينتظر هذا التوجه، فإذا كانت السلطة الفلسطينية قد استطاعت بمساعدة عربية ودولية تأمين موافقة 130 دولة من إجمالي 193 عضواً في الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام ،1967 فإن هذا القبول لن تكون له قيمة فعلية دون الحصول على موافقة مسبقة من مجلس الأمن الدولي، وكلنا يعلم أن الفيتو الأمريكي جاهز . السلطة الفلسطينية تدرك، والدول العربية تدرك ذلك، ومن ثم لا يمكن قبول أن التوجه نحو الأمم المتحدة يعد بديلاً للمفاوضات المباشرة التي أضحت مستحيلة في ظل الشروط “الإسرائيلية” والانحياز الأمريكي الذي يتجاوز ويتناقض مع تعهدات أمريكية سابقة .هذا يعني أن التوجه نحو الأمم المتحدة رهان خاسر عملياً نعم، لكنه أيضاً رهان خاسر أخلاقياً في ظل كل تلك المواقف السلبية للأمم المتحدة وكافة أجهزتها ووكالاتها من الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية حيث لم تستطع هذه المنظمة الدولية تنفيذ قرار واحد من القرارات الهزيلة التي أصدرتها لصالح القضية الفلسطينية لسبب واحد هو الرفض “الإسرائيلي” والمساندة الأمريكية لهذا الرفض، لكن ما هو أسوأ هو انحدار مكانة هذه المنظمة أخلاقياً في تعاملها مع القضية الفلسطينية وعلى الأخص قرار المفوضية العامة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بتغيير اسمها إلى مجرد “وكالة اللاجئين” تنفيذاً لضغوط أمريكية و”إسرائيلية” هدفها انتزاع أي وعي دولي بوجود ما يسمى “لاجئين فلسطينيين” لوضع نهاية ل “حق العودة”، والقرار الثاني الصادر من هيئة رئاسة اليونيسكو وبتواطؤ من الأمين العام وبتعليمات أمريكية صهيونية يغطي ما جرى ويجري من تهويد للقدس، ويمهد للاعتراف بيهوديتها ويهودية الكيان الصهيوني .المفاوضات لم تعد ممكنة، والتوجه نحو الأمم المتحدة رهان خاسر ولا يمثل حلاً لشعب يريد أن يحصل على حقوقه، لأن الحل الحقيقي لا بد أن يكون من جنس الأزمة، والأزمة هي احتلال وطن وتشريد شعب ومصادرة حقوق تحت سمع وبصر نظام عالمي غير أخلاقي وظالم، ولا حل لمثل تلك الأزمة غير المقاومة، لكن الواقع الفلسطيني والعربي الآن لا يوفر شروط ميلاد مشروع مقاومة، ولذلك لا بد أن يكون مشروع المقاومة هو عصب مشروع وطني وقومي شرط أن نبدأ بالتأسيس لهذا المشروع مجدداً ومن الآن .
ليس هناك شعور بالمرارة يفوق شعور إنسان يتوجه مرغماً لخوض منافسة أو معركة يدرك عن يقين مسبق أنه مهزوم فيها، لكن يبدو أن المرارة ليست لها أية حدود، فما قد يتصوره المرء شديد المرارة قد يفاجأ بأن هناك ما يفوق كل مراراته، وهذا ما ينطبق الآن على الحال الفلسطينية . فالتوجه الفلسطيني نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على اعتراف بدولة فلسطين وفقاً لحدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967 لم يكن توجهاً اختيارياً، ولكنه جاء اضطرارياً وفقاً لاعتراف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقائه مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، ففي هذا اللقاء الذي جرى بينهما في اسطنبول (25/7/2011) قال عباس: “نحن ذاهبون إلى الأمم المتحدة ليس لأننا نريد ذلك، بل لأننا مرغمون” . ولمزيد من التوضيح والتأكيد أضاف: “خيارنا الأول والثاني والثالث هو الذهاب إلى المفاوضات، إنما إذا أقفلت الأبواب في وجهنا، فلا بد أن نذهب إلى الأمم المتحدة لنشكو أمرنا إلى الأمم المتحدة، ولنقول لهم نحن، 44 عاماً، تحت الاحتلال نريد حلاً لنا، نريد موقفاً دولياً كبقية شعوب الأرض، وآخرها جنوب السودان” .الذهاب إلى الأمم المتحدة اضطراري حسب قناعة محمود عباس بعد انسداد أفق المفاوضات بسبب شروط رئيس الحكومة “الإسرائيلية” نتنياهو وبسبب الانحياز الأمريكي لهذه الشروط .فقبل يومين من اجتماع اللجنة الرباعية الدولية في واشنطن يوم 16 يوليو/ تموز الماضي استبق بنيامين نتنياهو الأحداث وأجرى حوارات مكثفة مع الإدارة الأمريكية أكد خلالها موقف حكومته وخاصة ما يتعلق بالتفاوض الذي تريده واشنطن بين الحكومة “الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية بديلاً للتوجه الفلسطيني نحو الأمم المتحدة للحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية . فقد أكد نتنياهو أن “إسرائيل” لن توافق على أي مبادرة سياسية لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين تتضمن عبارة “حدود عام 1967” . لكن الأهم من ذلك أن الإدارة الأمريكية حرصت على أن تعدل مقترحات أو تعهدات الرئيس أوباما بخصوص الدولة الفلسطينية وحدودها بما يتوافق مع الشرط “الإسرائيلي”، كما أنها غيرت موقفها ودخلت اجتماع اللجنة الرباعية من أجل تمرير الشرط “الإسرائيلي” والحيلولة دون طرح أي مبادرة من اللجنة لا تريدها ولا تقبلها “إسرائيل” . فقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت “الإسرائيلية” أن واشنطن أعدت مبادرة تقدمت بها إلى اللجنة الرباعية الدولية نصت على أن تستأنف المفاوضات المتوقفة بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” على أساس حدود عام 1967 “دون أن يعني ذلك أن “إسرائيل” توافق سلفاً على الانسحاب إلى هذه الحدود”، إضافة إلى بعض المقترحات التجميلية لهذا “القبح” في الموقف الأمريكي الذي يفرغ الاقتراح من مضمونه ويتلاعب بالكلمات، قبل إطلاق بضع مئات من الأسرى، وأن ترعى الإدارة الأمريكية، بشكل سري، اتصالات بين حركة “حماس” و”إسرائيل” بهدف التوصل لهدنة طويلة الأمد تضمن تحقيق هدوء إلى جانبي الحدود بين قطاع غزة و”إسرائيل” .لم يتوقف الأمر على ذلك، فحسب ما نشرته صحيفة هآرتس “الإسرائيلية” تضمن الاقتراح الأمريكي بنوداً عدة من رسالة للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش لرئيس الحكومة “الإسرائيلية” الأسبق أريل شارون التي قال فيها إن الحدود ستعكس التحولات الديموغرافية منذ سنة ،1967 أي ضم الكتل الاستيطانية اليهودية الكبرى في الضفة الغربية والقدس إلى الكيان الصهيوني . كما تضمن الاقتراح الأمريكي اعترافاً ب “إسرائيل” دولة يهودية دون أي تطرق للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المقترحة، أو إلى تجميد الاستيطان، أو أي إشارة لحق العودة، ولذلك أخفق اجتماع اللجنة الرباعية الدولية وكان الموقف الروسي هو الأبرز في رفض تلك المقترحات الأمريكية .وهكذا لم يعد هناك بديل تراه السلطة الفلسطينية، حسب قناعاتها والتزاماتها، للخروج من هذا المأزق سوى التوجه إلى الأمم المتحدة، ومن هنا تأتي المرارة التي يشعر بها أبو مازن وأركان سلطته، لكن ما هو أشد مرارة هو الإدراك، عن وعي، للفشل الذي ينتظر هذا التوجه، فإذا كانت السلطة الفلسطينية قد استطاعت بمساعدة عربية ودولية تأمين موافقة 130 دولة من إجمالي 193 عضواً في الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام ،1967 فإن هذا القبول لن تكون له قيمة فعلية دون الحصول على موافقة مسبقة من مجلس الأمن الدولي، وكلنا يعلم أن الفيتو الأمريكي جاهز . السلطة الفلسطينية تدرك، والدول العربية تدرك ذلك، ومن ثم لا يمكن قبول أن التوجه نحو الأمم المتحدة يعد بديلاً للمفاوضات المباشرة التي أضحت مستحيلة في ظل الشروط “الإسرائيلية” والانحياز الأمريكي الذي يتجاوز ويتناقض مع تعهدات أمريكية سابقة .هذا يعني أن التوجه نحو الأمم المتحدة رهان خاسر عملياً نعم، لكنه أيضاً رهان خاسر أخلاقياً في ظل كل تلك المواقف السلبية للأمم المتحدة وكافة أجهزتها ووكالاتها من الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية حيث لم تستطع هذه المنظمة الدولية تنفيذ قرار واحد من القرارات الهزيلة التي أصدرتها لصالح القضية الفلسطينية لسبب واحد هو الرفض “الإسرائيلي” والمساندة الأمريكية لهذا الرفض، لكن ما هو أسوأ هو انحدار مكانة هذه المنظمة أخلاقياً في تعاملها مع القضية الفلسطينية وعلى الأخص قرار المفوضية العامة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بتغيير اسمها إلى مجرد “وكالة اللاجئين” تنفيذاً لضغوط أمريكية و”إسرائيلية” هدفها انتزاع أي وعي دولي بوجود ما يسمى “لاجئين فلسطينيين” لوضع نهاية ل “حق العودة”، والقرار الثاني الصادر من هيئة رئاسة اليونيسكو وبتواطؤ من الأمين العام وبتعليمات أمريكية صهيونية يغطي ما جرى ويجري من تهويد للقدس، ويمهد للاعتراف بيهوديتها ويهودية الكيان الصهيوني .المفاوضات لم تعد ممكنة، والتوجه نحو الأمم المتحدة رهان خاسر ولا يمثل حلاً لشعب يريد أن يحصل على حقوقه، لأن الحل الحقيقي لا بد أن يكون من جنس الأزمة، والأزمة هي احتلال وطن وتشريد شعب ومصادرة حقوق تحت سمع وبصر نظام عالمي غير أخلاقي وظالم، ولا حل لمثل تلك الأزمة غير المقاومة، لكن الواقع الفلسطيني والعربي الآن لا يوفر شروط ميلاد مشروع مقاومة، ولذلك لا بد أن يكون مشروع المقاومة هو عصب مشروع وطني وقومي شرط أن نبدأ بالتأسيس لهذا المشروع مجدداً ومن الآن .