kolonagaza7
محمد إسحاق الريفي
عندما تصل الأحزاب إلى السلطة في العالم العربي، فإنها تبادر إلى الهيمنة واحتكار السلطة، وتبني دولة بوليسية داخل الدولة، محكمة قبضتها على كل شيء؛ المال، الأمن، الإعلام، الاقتصاد، المؤسسات، المنظمات... وهكذا، وتعمل على تعزيز نفوذها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فتكون العدالة الاجتماعية أول الضحايا وأكثرها تضرراً، وتتعمق الانقسامات السياسية والاجتماعية، وتضيع معايير المواطَنة الصالحة وتنهار الأسس التي تقوم عليها.
وعلى ما يبدو، لا توجد حدود لأطماع الأحزاب في الهيمنة والاحتكار، ولا تنتهي هذه الممارسات عند مرحلة يكون فيها الحزب قد وصل إلى سن النضج والرشد والتعقل، بل تتعمق وتتسع هذه الممارسات حتى تُغرق المجتمع والدولة والشعب في الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والفساد المالي والإداري والسياسي، ويصبح الإصلاح المبني على العدالة والحرية ضرباً من المستحيل والجنون، لأنه يتحول إلى صراع دموي على السلطة بين الأحزاب الساعية إلى الهيمنة والاحتكار، وقد ينجم عن محاولة الإصلاح مقتلة واحتراب داخلي دموي يروح ضحيته الوطن والشعب، كما نشاهد اليوم في عدد من الدول العربية. ومن المؤسف أن هذه الصورة المحبِطة تتكرر في عالمنا العربي عبر الزمان والمكان، وكأنها سمة مميزة للعرب، وتظهر هذه الصورة حتى في فلسطين التي يغتصبها الأعداء، والتي تعاني من الممارسات القمعية للاحتلال الصهيوني، ويتعرض فيها وجود الشعب الفلسطيني وهويته وقضيته إلى التصفية، والتي تخضع فيها جميع الفصائل والأحزاب بطريقة أو بأخرى لسلطة الاحتلال الغشوم.
تكون البداية الإفراط في تمجيد مبادئ الحزب وأهدافه وقادته ومكوناته البشرية والمؤسساتية، واعتبار الحزب هدفاً وغاية مقدسة ومقدمة على كل الاعتبارات، لا وسيلة لسياسة المجتمع والأمة، وتكون النهاية الظلم الاجتماعي الشامل، مروراً بظهور مراكز القوى التي تمارس ما يمكن أن نسميه "الاستعمار الداخلي"، حيث تدوس هذه القوى على القانون وتعبث به، وتتحول إلى وحش نهم منفلت من كل ضوابط أخلاقية أو دينية، ليعيث في المجتمع ظلماً وفساداً وتخريباً، فتُنتهك الحريات الإنسانية العامة، وتطغى مصالح الحزب على مصلحة الوطن والمواطن، ويحتل الانتهازيون المواقع والمناصب بطريقة تعسفية همجية، ويستغلون مواقعهم الحزبية أبشع استغلال، فتنمو أرصدتهم وأموالهم في البنوك، وتتعاظم الأراضي والممتلكات التي يسيطرون عليها، وتُسحق كرامة المواطن ويُتاجر فيها.
ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع، ظهور بوادر هذه الظاهرة في غزة، حيث تُقدم الاعتبارات الحزبية على معايير الكفاءة والمواطنة الصالحة في التوظيف والتعيينات في المواقع والمناصب الحكومية والحزبية، ولم تسلم بعض الجامعات المحلية من هذه الظاهرة، فالحزب هو الذي يوزع المناصب على المتنازعين عليها دون نظر إلى كفاءتهم أو أهليتهم للعمل في تلك المواقع. وحيث يُتخذ من الانتماء إلى أذرع المقاومة غطاء للعربدة والتطاول على المواطنين والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والدوس على القانون، وتُستغل إمكانات المقاومة في تحقيق المصالح الشخصية الدنيئة. لا تدمر هذه الممارسات الحزبية المقيتة المجتمع فحسب، بل تدمر الحزب الذي يمارسها نفسه، لأنها تفتح الباب على مصراعيه أمام المتملقين والمنافقين والمتسلقين إلى التهافت على الانتماء للحزب، ليشكلوا فيما بعد عبئاً مالياً وتنظيمياً ثقيلاً عليه، وليصبحوا كالسوسة التي تنخر عظام مبادئه وهيكله ومؤسساته، فيلجأ إلى القمع والاستبداد من أجل تثبيت نفسه والمحافظة على إنجازاته الحزبية المقيتة.
ولمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من إرساء معايير المواطنة الصالحة في المجتمع، فلا فضل لمواطن على مواطن آخر إلا بالمواطنة الصالحة، وليس بالتعصب للحزب، وبغير ذلك فلا إصلاح ولا تغيير، ولا حرية ولا كرامة، ولا تحرر ولا نهضة.
ا.د. محمد إسحاق الريفي
عندما تصل الأحزاب إلى السلطة في العالم العربي، فإنها تبادر إلى الهيمنة واحتكار السلطة، وتبني دولة بوليسية داخل الدولة، محكمة قبضتها على كل شيء؛ المال، الأمن، الإعلام، الاقتصاد، المؤسسات، المنظمات... وهكذا، وتعمل على تعزيز نفوذها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فتكون العدالة الاجتماعية أول الضحايا وأكثرها تضرراً، وتتعمق الانقسامات السياسية والاجتماعية، وتضيع معايير المواطَنة الصالحة وتنهار الأسس التي تقوم عليها.
وعلى ما يبدو، لا توجد حدود لأطماع الأحزاب في الهيمنة والاحتكار، ولا تنتهي هذه الممارسات عند مرحلة يكون فيها الحزب قد وصل إلى سن النضج والرشد والتعقل، بل تتعمق وتتسع هذه الممارسات حتى تُغرق المجتمع والدولة والشعب في الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والفساد المالي والإداري والسياسي، ويصبح الإصلاح المبني على العدالة والحرية ضرباً من المستحيل والجنون، لأنه يتحول إلى صراع دموي على السلطة بين الأحزاب الساعية إلى الهيمنة والاحتكار، وقد ينجم عن محاولة الإصلاح مقتلة واحتراب داخلي دموي يروح ضحيته الوطن والشعب، كما نشاهد اليوم في عدد من الدول العربية. ومن المؤسف أن هذه الصورة المحبِطة تتكرر في عالمنا العربي عبر الزمان والمكان، وكأنها سمة مميزة للعرب، وتظهر هذه الصورة حتى في فلسطين التي يغتصبها الأعداء، والتي تعاني من الممارسات القمعية للاحتلال الصهيوني، ويتعرض فيها وجود الشعب الفلسطيني وهويته وقضيته إلى التصفية، والتي تخضع فيها جميع الفصائل والأحزاب بطريقة أو بأخرى لسلطة الاحتلال الغشوم.
تكون البداية الإفراط في تمجيد مبادئ الحزب وأهدافه وقادته ومكوناته البشرية والمؤسساتية، واعتبار الحزب هدفاً وغاية مقدسة ومقدمة على كل الاعتبارات، لا وسيلة لسياسة المجتمع والأمة، وتكون النهاية الظلم الاجتماعي الشامل، مروراً بظهور مراكز القوى التي تمارس ما يمكن أن نسميه "الاستعمار الداخلي"، حيث تدوس هذه القوى على القانون وتعبث به، وتتحول إلى وحش نهم منفلت من كل ضوابط أخلاقية أو دينية، ليعيث في المجتمع ظلماً وفساداً وتخريباً، فتُنتهك الحريات الإنسانية العامة، وتطغى مصالح الحزب على مصلحة الوطن والمواطن، ويحتل الانتهازيون المواقع والمناصب بطريقة تعسفية همجية، ويستغلون مواقعهم الحزبية أبشع استغلال، فتنمو أرصدتهم وأموالهم في البنوك، وتتعاظم الأراضي والممتلكات التي يسيطرون عليها، وتُسحق كرامة المواطن ويُتاجر فيها.
ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع، ظهور بوادر هذه الظاهرة في غزة، حيث تُقدم الاعتبارات الحزبية على معايير الكفاءة والمواطنة الصالحة في التوظيف والتعيينات في المواقع والمناصب الحكومية والحزبية، ولم تسلم بعض الجامعات المحلية من هذه الظاهرة، فالحزب هو الذي يوزع المناصب على المتنازعين عليها دون نظر إلى كفاءتهم أو أهليتهم للعمل في تلك المواقع. وحيث يُتخذ من الانتماء إلى أذرع المقاومة غطاء للعربدة والتطاول على المواطنين والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والدوس على القانون، وتُستغل إمكانات المقاومة في تحقيق المصالح الشخصية الدنيئة. لا تدمر هذه الممارسات الحزبية المقيتة المجتمع فحسب، بل تدمر الحزب الذي يمارسها نفسه، لأنها تفتح الباب على مصراعيه أمام المتملقين والمنافقين والمتسلقين إلى التهافت على الانتماء للحزب، ليشكلوا فيما بعد عبئاً مالياً وتنظيمياً ثقيلاً عليه، وليصبحوا كالسوسة التي تنخر عظام مبادئه وهيكله ومؤسساته، فيلجأ إلى القمع والاستبداد من أجل تثبيت نفسه والمحافظة على إنجازاته الحزبية المقيتة.
ولمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من إرساء معايير المواطنة الصالحة في المجتمع، فلا فضل لمواطن على مواطن آخر إلا بالمواطنة الصالحة، وليس بالتعصب للحزب، وبغير ذلك فلا إصلاح ولا تغيير، ولا حرية ولا كرامة، ولا تحرر ولا نهضة.
ا.د. محمد إسحاق الريفي
أستاذ الرياضيات في الاحتمالات والإحصاء