kolonagaza7
ثورة يوليو منذ البداية توجه شعـبي واضح لا يستطيع أي كان انكاره . وهي مسائل جوهرية تتصل في العمق بمفهوم الديمقراطية .. وبما ان التمشي الذي سلكته الثورة كان في مجمله من وحي أفكار قائدها ، فان الحكم على الديمقراطية في مصر ارتبط الى حد بعـيد بعبد الناصر شخصيا ..
و لعل المتتبع للمسار الذي سلكته الثورة في هذا الخصوص يلاحظ جانبين مهمين يتصلان بموضوع الديمقراطية و هما يتمثلان في طريقة تفاعل الثورة مع عامة الشعـب من جهة ، و مع الاحزاب من جهة ثانية ..
بالنسبة للشعـب فان ثورة يوليواعـتمدت على الاتصال المباشر والتعـبئة الجماهـيـرة كاسلوب للتواصل والتاطير الشعـبي الذي تتوفـر فـيه المصارحة و المشاركة معا ..
أما المصارحة فقد كانت تتجلى بوضوح في اللقاءات الجماهيرية المفتوحة التي يلتقي فيها عبد الناصر بلآلاف المواطنين في الساحات والميادين ، وبالجماهير العـربية في كل مكان من خلال وسائل الاعلام المسموعة التي كانت تنقل خطبه كاملة .. وقد كان عبد الناصر شديد الحرص على مصارحة الشعـب و نقل الحقائق اليه من خلال الحديث في كل المجالات التي تهم ظروف الناس ومستقبلهم .. فكان يهتم بأدق التفاصيل ، ويعـتمد على آخـر الاحصائيات والارقام المتوفـرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعـية ، لتوضيح توجّهات الدولة وسياساتها الداخلية و تجاربها في مختلف المجالات .. و قد كان عبد الناصر أحيانا يبرز دون تكلف أو غـرور كثـيـرا من النجاحات الانجازات ، كما كان احيانا اخرى ينتقد دون خوف أو حـرج بعض الاخفاقات و يذكر الخطاء .. لكنه كان دائما يشدد على خيارات الثورة في مواجهة اعدائها .. وانتصارها لقضايا الشعـب المتعلقة بكرامة المواطن والعدالة الاجتماعية و توفـيـر ضروريات الحياة .. معـلنا في كثير من الأحيان عن القرارات الثورية التي كانت تتخذها الثورة تباعا لفائدة الفئات الضعيفة وعموم الشعـب .. كما كان عبد الناصر يتحدث في تلك المناسبات باسهاب عن قضايا الامة ، مبرزا كل النضالات والتضحيات الجسيمة التي قدمتها الاجيال السابقة في سبيل الحرية والاستقلال ، الى جانب الحديث عن سياسات مصر الخارجية وعلاقاتها الدولية ، وأهم الصراعات التي تدور في المنطقة والعالم وكل خفاياها ، معـبرا دائما عن تصميم الثورة على مواجهة الاحلاف و سياسات الهيمنة والتزامها بالدفاع عن قضايا الامة و مساندتها للحركات الثورية في كل مكان ..
أما المشاركة فقد كانت تتمثل في اسلوب التنظيمات الشعـبـية التي أنشاتها الثورة منذ مطلعها ، لايمانها بفكرة العمل الجماهيري الذي تتولى الجماهير من خلاله التدرب على الديمقراطية الى جانب مشاركتها الفعالة في النقاش وطرح الحلول واتخاذ القرارات .. وهو اسلوب عملي يساهم في الارتقاء بالممارسة النضالية للمواطن الذي لم تمكنه النظم الاستبدادية من اكتسابها قبل قيام الثورة .. و حيث كان يقـتصر مفهوم الديمقراطية على المشاركة السلبية التي لا تتجاوز نيل الاصوات في فترات الانتخاب ثم عودة كل طرف الى المربع الذي كان فيه .. حيث يعود الشعـب الى اللامبالاة و عدم الاكتراث بالشان العام حتى تاتيه نفس الاحزاب بعد اربع او خمسة سنوات تطلب صوته من جديد .. كما تعود الاحزاب الفائزة والمنهزمة على حد السواء ، الى الصراعات و التجاذبات و تصفية الحسابات بكل الوسائل المشروعة واللامشروعة التي لا يلتفت اليها الشعـب ولا يعلم عـنها شيئا .. وقد كان لزاما على الثورة في تلك المرحلة ان تقدم البديل بعد اقدامها على حل تلك الاحزاب فكانت فكرة التنظيمات الشعبية بديلا موضوعـيا مناسبا لتحقيق هدفين هامين : الاول يتمثل في تاطيرالناس لاخراجهم من السلبية وتدريبهم على الممارسة الديمقراطية الحقيقية من خلال الانخراط في الشأن العام وتبادل الآراء وقبول الاختلاف .. والثاني يتمثل في سحب البساط من تحت أقدام كل الاحزاب بما فـيها حتى حـزب الوفد نفسه .. و هي الى حد ذلك الحين تمثل أحزابا مهترئة اصلا بسبب ماضيها وعلاقاتها بالملك و بسلطة الاحتلال ..
وقد كانت هيئة التحريرأول تنظيم شعبي أنشاته الثورة ، في جميع ربوع مصر في 23 جانفي 1953 و بعد اسبوع واحد من حل الاحزاب .. ” فجاءت هيئة التحرير حجرا ألقي في بحر الركود الشعبي . و امتلأت القرى و الكفور والاحياء الشعبية بالاضافة الى المدن بمقار هيئة التحرير ، ووقع كل مصري تقريبا ، أو ختم ، أو بصم على طلب العضوية ، وظهرت في القرى صفات يتنافس عليها الناس غير العمودية و المشيخة و الخفر ، تلك هي صفة عضو هيئة التحرير ، واحتفض الاميون في جيوبهم ببطاقات عضوية هيئة التحرير قبل أن يعرفوا بطاقات اثبات الهوية ، ولم تتركهم الثورة يلتقطون انفاسهم . فهي تدعوهم و تجمعهم و تحشدهم في كل مكان من ارض مصر وفي كل مناسبة و حتى بدون مناسبة ليستمعوا في فضول و عجب و اعجاب الى رجال الثورة يتحدثون اليهم احاديث طويلة ، عن التحرير و الحرية و الاستعمار ومصر التي هي مصرهم و الحكم الذي هو حكمهم و المستقبل الذي هو مستقبلهم ، و تشهر امامهم علنا و باقسى الالفاظ بالملوك و الامراء و الباشوات و الباكوات و السادة الذين ما كان يخطر ببال المستمعين قط أنه من الجائز التعرض لهم بالتشهير … ” ( د.عصمت سيف الدولة الاحزاب ومشكلة الديمقراطيو في مصر ) . والواقع فان تلك التجربة لم تكن حلا نهائيا لمشكلة الديمقراطية كما كانت تطلبها النخب السياسية التي كان الكثيرون منهم يرون فيها تهريجا و مضيعة للوقت ، غـيـر ان الثورة لم يكن يعـنيها كثيرا ما تفكر فيه النخب التي خذلت الشعـب على مدى عقود طويلة و هي تلعـب معه لعـبة سخيفة تسمى الديمقراطية الليبرالية ن بل اتجهت الى الشعـب واختارت طريقا صعبا ” فاقـتحمت كل المواقع ، وايقضت النيام و حملتهم حملا على ان يفتحوا أعـينهم على القصايا العامة ، و ان يستمعوا الى احاديث و اناشيد الحرية .. و كان ذلك انجازا ديمقراطيا كبيرا بصرف النظر عمن بقي يقظا و من عاد الى نومه ، وبصرف النظر عن كل أسباب الضحك مرحا او الضحك سخرية ، يكفي دلالة على التقدم نحو الديمقراطية أن يقضة الشعب اثناء العدوان الثلاثي قد تجاوزت اطار تنظيمها . و اثبتت بذلك انها في حاجة الى ما هو اكثر فاعلية من هيئة التحرير و كان ذلك قمة النجاح ديمقراطيا في ظروفه … ” ( المصدر السابق ) . ولعل المراقب لتطور الممارسة الشعبية التي اتبعتها ثورة يوليو كبديل لنموذج التنافس الحزبي على الطريقة الليبرالية التي رفضها دستور سنة 1956 مع الابقاء على التنافس بين الافراد للترشح لمجلس الشعـب .. يلاحظ انه مع صدور قانون انشاء الاتحاد القومي لم يعد دور الشعب مقتصرا على لاانتخاب الدوري لمن ينوبوه ، كلر فترة نيابية ، بل يتعداه لاختيار ترشيح العضوية قبل الانتخابات من طرف الاعضاء في الاتحاد القومي .. و هو ما يعني ان الاتحاد القومي اصبح سلطة رابع دائمة الانعقاد يشارك فيها كل ابناء الشعب الذين يستطيعون قول كلمتهم في جميع المترشحين الذين لا يكسبون ثقتهم فلا يمنحهم الشعب فرصة الترشح للانتخابات .. و قد كانت تلك اضافة دستورية صادرة سنة 1956 لم تكن معروفة في غيرها من الدساتير فكان انشاء هذا التنظيم الشعبي و بتلك الصلاحيات ، دليلا واضحا على نية الثورة في الابقاء على الممارسة الشعبية ..
الى حد تلك الفترة كانت التجارب الديمقراطية تقوم على فكرة الممارسة الشعبية التي تؤمن بها الثورة ، غير أنها لم تكن مكتملة في تجسيدها باعتبار تواصل الرهان طوال فترة الخمسينات على المسار الليبرالي .. الى ان اتضح من خلال التجربة و الخطا ، فشل هذا الخيار الذي لم يقدم شيئا للاقتصاد الوطني .. وحيث ظل الراسمال الاجنبي يبحث دوما عن مصالحه ، كما ظل الراسمال الوطني مرتبطا به وتابعا له .. فكان اعلان الثورة عن الميثاق الوطني سنة 1961 بكل مافيه من قرارات ثورية تتعلق بالتوجه نحو الحل الاشتراكي ، واعتماد التخطيط الاقتصاد آداة للسيطر على وسائل الانتاج الاساسية في المجتمع .. و هو ما يعني انعكاس تلك الخيارات على الممارسة الديمقراطية ، باعتبار العلاقة العضوية بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاقتصادية .. كما تاثرمفهوم الديمقراطية بعد اعلان الميثاق و المبادئ الاشتراكية بالقوانين الصادرة لعـزل القوى المعادية للثورة ، لذلك طرحت الثورة في اطار محاولاتها لمعالجة الديمقراطية الشعـبية التي تتبناها فكرة انشاء الاتحاد الاشتراكي الذي يمثل اطارا تنظيميا منتخبا يظم كل فئات الشعب طبقا للقرار رقم 1 الصادر سنة 1962 الذي بموجبه ” تمت انتخابات الوحدات الاساسية للاتحاد الاشتراكي العربي . ثم توالت الانتخابات من 1962 الى 1963 . انتخابات اللجان النقابية . انتخاب ممثلي العمال في مجلس الادارة . انتخابات الجمعيات التعاونية الزراعية . انتخابات مجالس ادارة النقابات المهنية . انتخابات مجلس الامة …. واصبحت عضوية الاتحاد الاشتراكي لازمة فيمن يرشح لمجلس الامة ، ولعضوية النقابات المهنية ، و والجمعيات التعاونية ، و لمجالس الادارة النقابية ، والجمعيات التعاونية ، و العمد و المشايخ و مجالس الادارة المحلية …” ( المصدر السابق ) . بالنسبة للاحزاب ، فان الثورة بتلك التوجهات الشعبية واتباعها لسياسة اجتماعية منحازة للشعب ، نجحت في سحبت البساط من تحت أقدامها جميعا .. اضافة الى انصراف تلك الاحزاب عن هموم الناس وحصر اهتمامها في المنافسة و الصراع من أجل الوصول الى السلطة ، حيث لا يتم التفكيرفي مشاكل الناس ، أو الاهتمام بأوضاعهم الا في فترات النفاق و الخداع ، وهي الفترات التي يحتاجون فيها لاصاوات الناخبين .. والواقع فان قرار الثورة بحل جميع الاحزاب كان قرارا ثوريا بامتياز ، باعتبار أن تلك الاحزاب بالذات لم تكن تمثل تطلعات الشعـب ، لانها ببساطة لم تخدم قضاياه و لم تقدم له شيئا يذكر قـبل الثورة ، بل على العكس من ذلك ، فانها كانت أحزاب انتهازية عميلة للملك و الاحتلال معا .. ولذلك فان تلك الاحزاب لم تكن تمثل أي عمق شعـبي بالمعـنى الواسع في تلك الفترة التي كان فيها أكثر من 90 في المائة من الشعـب خارج اللعـبة السياسية .. لان جل فئاته غارقة في الفقر والجهل والحرمان ، فلم يكن أحد من بين هؤلاء يعـنيه حتى مجـرد الحديث عن السياسة أو الديمقراطية التي لا تعـني شيئا بالنسبة اليهم اذا كانت غير مقترنة بتغيير جذري لاوضاعهم .. وقد كان وراء تلك الاوضاع سلطتين عدوتين للشعـب : أحدهما تتمثل في سلطة الاحتلال البريطاني الجاثم على صدر مصر وشعـبها ، والثانية تتمثل في سلطة الملك الذي يتقاسم الثروة والنفوذ مع أقلية لا تسأل عن معاناة الشعـب ومستقبله ، وهي المعـروفة بجماعة النصف في المائة .. ورغم ان قرار حل الاحزاب كان في نظر البعض اجراءا تعسفيا منافيا للديمقراطية ، الا ان هذا الموقف يقوم على خلفية مغايرة للتي تقاس بها الاشياء من منظور الثورة ، حيث بينت الظروف و الوقائع ان مطلب تلك الاحزاب بعد الثورة برجوع العسكريين الى الثكنات عقب اجراء انتخابات برلمانية و رئاسية ، ليس مجرد مطلب سخيف ، بل ويقوم على انتهازية حزبية ، وخيانة للشعـب من طرف قادة الثورة لو وافقت على هذا الطلب .. لان ذلك كان يعـني باختصار تقديم السلطة للمنظومة القديمة التي قامت عليها الثورة نظرا لطبيعة المرحلة المتمثلة في غياب الشعب كليا عن الممارسة السياسية ، اضافة الى جاهـزية الاحزاب التقليدية للمشاركة و الفوز في الانتخابات بنفس الطريقة التي كانت تمارسها من قبل .. و هو ما يعـني وقـتها الضحك على الثوار و الشعـب معا ..
ومهما كان الامر فان قادة الثورة لم يكونوا معغـفـلـين الى هذه الدرجة ، بل على العكس من ذلك كانوا ثوريين حقا ، عندما قبلوا التحدي و قادوا ثورتهم الى النهاية محققين انجازات كبيرة لم تتحقق للشعب على مدى قرون .. وان ما يتردد من اتهامات للثورة في الجوانب الديمقراطية فانه لا يمكن ان يقع فيه الحكم الموضوعي الا بانظر الى التجربة في ظروفها التاريخية .. و لعل ما ذكره سامي شرف في كتاباته حول نماذج من الممارسة التي انتهجتها الثورة في التعامل مع خصومها السياسيين ، يكذب تلك الادعاءات .. وهذه مقتطفات مطولة من شهاداته تبين كل التفاصيل حيث يقول :
” بعد حل الاحزاب استمرت المنظمات الشيوعية المختلفة الموجودة على الساحة المصرية فى نشاطها تحت الأرض فى مصر ، وكانت المعلومات تشير إلى أن الحزب الشيوعى المصرى هو أنشط تيار، تليه فى النشاط منظمة “حدتو ” ( الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى … وقد لوحظ فى الفترة التى أعقبت قيام الوحدة بين مصر وسوريا أى من العام 1958 حتى العام1962 زيادة النشرات التى كانت تصدر عما كان يسمى بالحزب الشيوعى المصرى ، وكان التوقيع الذى يذيّل كل منشوراته يحمل أسم ” الرفيق خالد ” . ولقد اهتم الرئيس جمال عبد الناصر بما يكتبه و أراد أن يعرف من هو الرفيق خالد ، وكلفت الأجهزة أن تتابع هذا الموضوع لكى تكشف من هو الرفيق خالد ، ولكن مضت مدة لم تكن قصيرة نسبيا ولم تستطع الوصول إلى نتيجة إيجابية .. وكانت التخمينات غير مؤكدة . مما ترتب عليه أن تدخل عبد الناصر شخصيا بمجهود ذاتى وشخصى منه للوصول إلى حقيقة هذه الشخصية ، وكان قد تكونت لديه انطباعات واستنتاجات عن حقيقة هذه الشخصية ، لكنه أراد أن يقطع الشك باليقين . استدعى الرئيس عبد الناصر فى أحد أيام شهر أكتوبر سنة 1964 ” أحد الأشخاص ” .. وكان لدى الرئيس انطباع قوى أنه يعرف من هو الرفيق خالد . قال له عبد الناصر : ” . . . حا أسألك سؤال واحد ، وأنا واثق إنك حا تجاوبنى عليه بحكم العلاقة التى تربطنا ، وبحكم الوطنية التى تجمعنا وبحكم مصريتك ، وثق أن الغرض ليس أبدا أنى أطلب منك أن تفشى أسرار، أو أن تكشف عن شخص قد يكون عزيزا عليك . . ولكنى أرجوك أن تكون صادقا معى كما كنت طول عمرك . ” إندهش الضيف وقال : ” إسأل يا ريس . . إيه هو السؤال؟! سأله الرئيس : ” مين هو الرفيق خالد ؟! كان السؤال مفاجئا ومباغتا، ولكن بعد تفكير قصير لم تطل مدته أكثر من دقيقة من الزمن قال للرئيس أن الرفيق خالد هو الدكتور فؤاد مرسى . كان الرئيس عبد الناصر قبل أن يستدعى هذا الضيف قد ظل حوالى شهرين يحلل ويقرأ كتبا وأبحاثا ودراسات لخمسة أشخاص بعينهم ، الدكتور فؤاد مرسى واحد منهم، ووصل إلى شبه قناعة شخصية أن الرفيق خالد قد يكون هو الدكتور فؤاد مرسى ، ولكنه أراد أن يقطع الشك باليقين، ويؤكد هذا الاستنتاج من شخص يعلم تماما أنه يعرف من هو الرفيق خالد ، وصدق ظنه واستنتاجه من أن الرفيق خالد هو الدكتور فؤاد مرسى . وقبل أن يغادر الضيف بيت الرئيس قال له الرئيس عبد الناصر : ” ثق أن هذه المقابلة لن يعلم بها أحد ، فأنت كما كنت دائما شريفا وصادقا ولم تراوغ” . وعقب هذه المقابلة كلفنى الرئيس بالاتصال بالدكتور فؤاد مرسى ومقابلته ، كما كلف السيد على صبرى بنفس الشيئ . … وفى لقاء آخر معى وكنت قد طلبت منه إبداء رأيه فى نقد التجربة والأوضاع الاقتصادية ؛ فقدم الرجل دراسة أبدى فيها رأيه بوضوح وبصراحة ، وفى نهاية اللقاء طلب مقابلة الرئيس عبد الناصر الذى حدد له موعد بعدها بأقل من أسبوع . فى لقائه مع الرئيس عبد الناصر كاشفه قائلا له أنه كان يعلم أن الرفيق خالد هو نفس الدكتور فؤاد مرسى ، وحسب ما دار فى الحديث فقد أبدى الدكتور فؤاد مرسى اندهاشا واستغرابا . ولم ينكر الرجل ولكنه طلب أن يسأل سؤالا واحدا هو : هل الأجهزة هى التى اكتشفت هذه الحقيقة ؟ فقال له الرئيس : لا ، أنا من تتبعى وقراءاتى لما كتبته أنت والآخرين استنتجت أنك الرفيق خالد ، وبناء على ذلك تم الاتصال بك . وقال له الرئيس : أنا كنت شاكك فيك إنت أو الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله . وفى هذا اللقاء أيضا قال له الرئيس : ” أننا نمر بمرحلة تعاد فيها صياغة المجتمع ، وهناك ضوابط بالنسبة للمجتمع المصرى وبالنسبة للتطبيق الاشتراكى ، ولا يمكن أن نطبق الماركسية فى مصر ؛ لأن لدينا ما يحول دون ذلك ، ومن ناحية المبدأ نحن لا نأخذ أقوالا ونطبقها ؛ لأن الذى يطبق النظم هم البشر ، ولا أستطيع أن أضع البشر الذين يصوغون التجربة عمليا فى قوالب جامدة ، فلنا تجربتنا الخاصة المختلفة والمتميزة والفوارق جوهرية بين النظرية الماركسية والتطبيق الذى نمارسه لاشتراكيتنا وهو على سبيل التحديد كما يلى : إن اشتراكيتنا تستند فى أساسها وتطبيقاتها على القيم الروحية ، وتلتزم بما نادت به رسالات السماء ، وعلى سبيل المثال تأخذ اشتراكيتنا بنظام الإرث ، وهو ما ترفضه الماركسية . إن اشتراكيتنا تؤمن بتذويب الفوارق بين الطبقات سلميا ، ولا تأخذ بأسلوب الصراع والعـنف ، فهى تصفى امتيازات ونفوذ الإقطاع والرأسمالية المستغلة ، ولا تصفى الإنسان إنما تحرره من الاستغلال . إن اشتراكيتنا تحترم إنسانية الإنسان ، وتتـيح له فرصة الحياة الكريمة ، ولا تنظر إليه كترس فى آلة ، وإنما ما عليه من واجبات ، وهى فى الوقت نفسه ترفض الأخذ بالماركسية التى تضحى بأجيال لم تطرق بعد أبواب الحياة . إن اشتراكيتنا تؤمن بسيطرة الشعـب على وسائل الإنتاج والهياكل الرئيسية له ، وفى الوقت نفسه تتـيح قدرا من المشاركة لنشاط القطاع الخاص تحت الرقابة الشعـبـية ، فلا تأخذ بالتأميم فى كل جزئيات الإنتاج كما هو الحال فى النظم الشيوعـية. الرأسمالية الوطنية الغـيـر مستغلة جزء أساسى من تحالف قوى الشعب العامل . إن اشتراكيتـنا تعطى القيادة ديموقراطيا لتحالف قوى الشعب العامل ( العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية غير المستغلة ) ، وترفض أن تقوم سلطة الدولة على ديكـتاتورية الـبـرولـيتاريا ( الطبقة العاملة ) . إن اشتراكيتنا فى التوزيع تقوم على مبدأ كل بقدر إنتاجه وعمله ، وليس بقدر حاجته، وفى هذا تكريم للعمل وإثارة لحوافـز الإنتاج ، بعكس الماركسية التى تطبق مبدأ لكل حسب حاجـته . إن اشتراكيتنا لم تأخذ بتأميم ملكية الأرض ، وإنما آمنت بالملكية الخاصة فى قطاع الزراعة ، وبما لا يسمح بالاستغلال عن طريق تفـتيت الملكيات الكبـيـرة بمقـتضى قوانين الإصلاح الـزراعى، وزيادة عدد الملاك من صغار المعدمين من الفلاحـيـن . إن اشتراكيتنا هى بيت سعيد لكل أسرة يقوم على القادرين أى المهيئين للعمل رجالا ونساء ، مجتمع الرفاهـية ، مجتمع تكافوء الفرص ، مجتمع العدالة الاجتماعية . إن اشتراكيتنا هدفها مجتمع الكفاية فى الإنتاج والعدالة فى التوزيع ، مجتمع الكفاية والعدل ،نحن نؤمن بالله وكتبه ورسله ، وديننا واضح ، ونحن نتمسك بهذا الدين. ثم قام الرئيس بشرح الفروق فى التطبيق وبين ما يحدث فى الكتلة الشرقية . كان الدكتور فؤاد مرسى واضحا وصريحا فى رد فعله على كلام الرئيس عبد الناصر ، فقال (وأنا أذكر تماما نص كلامه ) : ” يا سيادة الريس أنت بإصدارك القوانين الاشتراكية تجاوزت كل ما كنا نطمع فى تحقيقه ، ولو تلاحظ سيادتك أننا فى النشرات الأخيرة حاولنا أن نواكب التجربة التى تطبقها ؛ لأن نظرتنا كانت قاصرة منذ سنة 1952 حتى صدور القوانـيـن الاشتراكية سنة1961 ، وما واكبها وصاحبها من تطبـيق ، الحقيقة يا ريس كان على عـيوننا منظار أسود ، كنا متأثرين بأن الحكم العسكرى لن يستطيع أن يحقق التحول الاجتماعى فى مصر بالأسلوب الذى تقوم به وتعلن عـنه ” . ورد عليه الرئيس قائلا أنه يرى أن القوة القادرة على إحداث التغـيـير فى المجـتمع من أجل مصر يجب أن تضع أيديها معا فى ظل الشرعـية ، وفى ظل إطار قانونى ، وفى ظل مبادئ يسلمون بها، وفى ظل قواعد متـفق عليها ، ومن المصلحة أن تلتقى كل الآراء من أجل الوصول إلى التغـيـيـر . وأضاف الرئيس عـبد الناصر بقوله : ” يا دكتور فؤاد أنا بأطرح عليك رأيا لتفكر فـيه ، وهو غير ملزم ، كل ما أطلبه منك إنك تفكر ، وعندما تصل إلى قناعة أو إلى قرار ، فإن بابى مفتوح لك لنـتـناقش فيما وصلت إليه ؛ والموضوع باختصار شديد هو أن تـنضم العناصر اليسارية فى الساحة المصرية إلى تحالف قوى الشعب العامل بشكل أو بآخـر . . فكروا . . وقدموا مقـترحاتـكم.. “. وانتهى اللقاء عـند هذا الحد من الحديث . وبعد هذا اللقاء أصدر الرئيس جمال عبد الناصر تعليماته لى لكى أبلغها للسيد على صبرى الأمين العام للاتحاد الاشتراكى العربى والسيد شعراوى جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم للاتحاد الاشتراكى ولباقى الأجهزة بما دار من حديث ليكونوا على علم بالتطورات الجديدة ، كما أبلغت اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة أيضا بما استجد؛ حيث كان الرئيس قد طلب أن تكـف الأجهزة المعـنية بالبحث عن الرفيق خالد لأننا عرفنا من هو. اتصل الدكتور فؤاد مرسى بعد ذلك وأبلغـنى ، كما أبلغ السيد على صبرى أيضا أنه قد تم بحث الأفكار التى طرحها الرئيس فى لقائه الأخـيـر معه، وهم يرحـبون بالمساهمة فى الاتحاد الاشتراكى، ولو أن هناك مشكلة أن البعض يريد أن يكون لهم وضع خاص. كان رد الرئيس عبد الناصر قاطعا صريحا وواضحا لا لبس فيه ؛ وهو أن من يريد أن يشارك فى العمل العام يدخل كفرد عادى ولا يمثل إلا نفسه فقط . . وكل واحد عاوز ينضم عليه أن يتقدم بطلب للعضوية، ويأخذ موقعه فى محل سكنه جغرافيا ، أو مهنيا فى مكان عمله . وبدأت بعد ذلك لقاءات مع السيد على صبرى حول هذا الأمر، وعـندما تم الاتفاق أصدرت قيادة الحزب الشيوعى المصرى تعمـيما داخليا للأعضاء بأن الأمور قد سويت، وأنه يمكن للأعضاء أن يمارسوا النشاط ضمن تشكيلات الاتحاد الاشتراكى كأفراد و لا يمثلون إلا أنفسهم . و فى هذه المرحلة كان قد تم اتصال من السيد محمد حسنين هيكل مع الدكتور فؤاد مرسى بالاتـفاق مع الرئيس عبد الناصر ؛ حيث لعـب دورا فى تصفـية بعض العقبات على المستويات الشخصية، وليس من ناحية المبدأ، و شارك معه كل من لطـفى الخولى ومحمد سيد أحمد بشكل أساسى . وكانت نتيجة كل هذه الاتصالات واللقاءات فى بداية سنة 1965 أن تم الاتفاق ، دون أى ضغط ، على إصدار بيان من الحزب الشيـوعى المصرى يعلـن فـيه حل نفسه ، وأن من يريد مباشرة أو المشاركة فى العمل السياسى فأبواب الاتحاد الاشتراكى مفـتوحة على مصراعـيها للجميع ، كما تم الاتفاق على أن يتم رفع العـزل السياسى عن أعضاء الحزب ، واصبح كل واحد منهم مثل أى مواطن عادى ليس له انتماء حزبى، وليس هناك تسلسل قيادى ولا تعليمات ولا تعميمات ، وهكذا بدأ أعضاء التنظيمات الشيوعية يدخلون فى وحدات الاتحاد الاشتراكى كأفراد ، وكانوا ليزيدون عن 950 شخصا ..” .
خلاصة القول ان ما نتعلمه من ثورة يوليو هو ان الديمقراطية مقدرة على التطور و ليس تسابق نحو انتزاع الشرعية المزيفة ..
و لعل المتتبع للمسار الذي سلكته الثورة في هذا الخصوص يلاحظ جانبين مهمين يتصلان بموضوع الديمقراطية و هما يتمثلان في طريقة تفاعل الثورة مع عامة الشعـب من جهة ، و مع الاحزاب من جهة ثانية ..
بالنسبة للشعـب فان ثورة يوليواعـتمدت على الاتصال المباشر والتعـبئة الجماهـيـرة كاسلوب للتواصل والتاطير الشعـبي الذي تتوفـر فـيه المصارحة و المشاركة معا ..
أما المصارحة فقد كانت تتجلى بوضوح في اللقاءات الجماهيرية المفتوحة التي يلتقي فيها عبد الناصر بلآلاف المواطنين في الساحات والميادين ، وبالجماهير العـربية في كل مكان من خلال وسائل الاعلام المسموعة التي كانت تنقل خطبه كاملة .. وقد كان عبد الناصر شديد الحرص على مصارحة الشعـب و نقل الحقائق اليه من خلال الحديث في كل المجالات التي تهم ظروف الناس ومستقبلهم .. فكان يهتم بأدق التفاصيل ، ويعـتمد على آخـر الاحصائيات والارقام المتوفـرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعـية ، لتوضيح توجّهات الدولة وسياساتها الداخلية و تجاربها في مختلف المجالات .. و قد كان عبد الناصر أحيانا يبرز دون تكلف أو غـرور كثـيـرا من النجاحات الانجازات ، كما كان احيانا اخرى ينتقد دون خوف أو حـرج بعض الاخفاقات و يذكر الخطاء .. لكنه كان دائما يشدد على خيارات الثورة في مواجهة اعدائها .. وانتصارها لقضايا الشعـب المتعلقة بكرامة المواطن والعدالة الاجتماعية و توفـيـر ضروريات الحياة .. معـلنا في كثير من الأحيان عن القرارات الثورية التي كانت تتخذها الثورة تباعا لفائدة الفئات الضعيفة وعموم الشعـب .. كما كان عبد الناصر يتحدث في تلك المناسبات باسهاب عن قضايا الامة ، مبرزا كل النضالات والتضحيات الجسيمة التي قدمتها الاجيال السابقة في سبيل الحرية والاستقلال ، الى جانب الحديث عن سياسات مصر الخارجية وعلاقاتها الدولية ، وأهم الصراعات التي تدور في المنطقة والعالم وكل خفاياها ، معـبرا دائما عن تصميم الثورة على مواجهة الاحلاف و سياسات الهيمنة والتزامها بالدفاع عن قضايا الامة و مساندتها للحركات الثورية في كل مكان ..
أما المشاركة فقد كانت تتمثل في اسلوب التنظيمات الشعـبـية التي أنشاتها الثورة منذ مطلعها ، لايمانها بفكرة العمل الجماهيري الذي تتولى الجماهير من خلاله التدرب على الديمقراطية الى جانب مشاركتها الفعالة في النقاش وطرح الحلول واتخاذ القرارات .. وهو اسلوب عملي يساهم في الارتقاء بالممارسة النضالية للمواطن الذي لم تمكنه النظم الاستبدادية من اكتسابها قبل قيام الثورة .. و حيث كان يقـتصر مفهوم الديمقراطية على المشاركة السلبية التي لا تتجاوز نيل الاصوات في فترات الانتخاب ثم عودة كل طرف الى المربع الذي كان فيه .. حيث يعود الشعـب الى اللامبالاة و عدم الاكتراث بالشان العام حتى تاتيه نفس الاحزاب بعد اربع او خمسة سنوات تطلب صوته من جديد .. كما تعود الاحزاب الفائزة والمنهزمة على حد السواء ، الى الصراعات و التجاذبات و تصفية الحسابات بكل الوسائل المشروعة واللامشروعة التي لا يلتفت اليها الشعـب ولا يعلم عـنها شيئا .. وقد كان لزاما على الثورة في تلك المرحلة ان تقدم البديل بعد اقدامها على حل تلك الاحزاب فكانت فكرة التنظيمات الشعبية بديلا موضوعـيا مناسبا لتحقيق هدفين هامين : الاول يتمثل في تاطيرالناس لاخراجهم من السلبية وتدريبهم على الممارسة الديمقراطية الحقيقية من خلال الانخراط في الشأن العام وتبادل الآراء وقبول الاختلاف .. والثاني يتمثل في سحب البساط من تحت أقدام كل الاحزاب بما فـيها حتى حـزب الوفد نفسه .. و هي الى حد ذلك الحين تمثل أحزابا مهترئة اصلا بسبب ماضيها وعلاقاتها بالملك و بسلطة الاحتلال ..
وقد كانت هيئة التحريرأول تنظيم شعبي أنشاته الثورة ، في جميع ربوع مصر في 23 جانفي 1953 و بعد اسبوع واحد من حل الاحزاب .. ” فجاءت هيئة التحرير حجرا ألقي في بحر الركود الشعبي . و امتلأت القرى و الكفور والاحياء الشعبية بالاضافة الى المدن بمقار هيئة التحرير ، ووقع كل مصري تقريبا ، أو ختم ، أو بصم على طلب العضوية ، وظهرت في القرى صفات يتنافس عليها الناس غير العمودية و المشيخة و الخفر ، تلك هي صفة عضو هيئة التحرير ، واحتفض الاميون في جيوبهم ببطاقات عضوية هيئة التحرير قبل أن يعرفوا بطاقات اثبات الهوية ، ولم تتركهم الثورة يلتقطون انفاسهم . فهي تدعوهم و تجمعهم و تحشدهم في كل مكان من ارض مصر وفي كل مناسبة و حتى بدون مناسبة ليستمعوا في فضول و عجب و اعجاب الى رجال الثورة يتحدثون اليهم احاديث طويلة ، عن التحرير و الحرية و الاستعمار ومصر التي هي مصرهم و الحكم الذي هو حكمهم و المستقبل الذي هو مستقبلهم ، و تشهر امامهم علنا و باقسى الالفاظ بالملوك و الامراء و الباشوات و الباكوات و السادة الذين ما كان يخطر ببال المستمعين قط أنه من الجائز التعرض لهم بالتشهير … ” ( د.عصمت سيف الدولة الاحزاب ومشكلة الديمقراطيو في مصر ) . والواقع فان تلك التجربة لم تكن حلا نهائيا لمشكلة الديمقراطية كما كانت تطلبها النخب السياسية التي كان الكثيرون منهم يرون فيها تهريجا و مضيعة للوقت ، غـيـر ان الثورة لم يكن يعـنيها كثيرا ما تفكر فيه النخب التي خذلت الشعـب على مدى عقود طويلة و هي تلعـب معه لعـبة سخيفة تسمى الديمقراطية الليبرالية ن بل اتجهت الى الشعـب واختارت طريقا صعبا ” فاقـتحمت كل المواقع ، وايقضت النيام و حملتهم حملا على ان يفتحوا أعـينهم على القصايا العامة ، و ان يستمعوا الى احاديث و اناشيد الحرية .. و كان ذلك انجازا ديمقراطيا كبيرا بصرف النظر عمن بقي يقظا و من عاد الى نومه ، وبصرف النظر عن كل أسباب الضحك مرحا او الضحك سخرية ، يكفي دلالة على التقدم نحو الديمقراطية أن يقضة الشعب اثناء العدوان الثلاثي قد تجاوزت اطار تنظيمها . و اثبتت بذلك انها في حاجة الى ما هو اكثر فاعلية من هيئة التحرير و كان ذلك قمة النجاح ديمقراطيا في ظروفه … ” ( المصدر السابق ) . ولعل المراقب لتطور الممارسة الشعبية التي اتبعتها ثورة يوليو كبديل لنموذج التنافس الحزبي على الطريقة الليبرالية التي رفضها دستور سنة 1956 مع الابقاء على التنافس بين الافراد للترشح لمجلس الشعـب .. يلاحظ انه مع صدور قانون انشاء الاتحاد القومي لم يعد دور الشعب مقتصرا على لاانتخاب الدوري لمن ينوبوه ، كلر فترة نيابية ، بل يتعداه لاختيار ترشيح العضوية قبل الانتخابات من طرف الاعضاء في الاتحاد القومي .. و هو ما يعني ان الاتحاد القومي اصبح سلطة رابع دائمة الانعقاد يشارك فيها كل ابناء الشعب الذين يستطيعون قول كلمتهم في جميع المترشحين الذين لا يكسبون ثقتهم فلا يمنحهم الشعب فرصة الترشح للانتخابات .. و قد كانت تلك اضافة دستورية صادرة سنة 1956 لم تكن معروفة في غيرها من الدساتير فكان انشاء هذا التنظيم الشعبي و بتلك الصلاحيات ، دليلا واضحا على نية الثورة في الابقاء على الممارسة الشعبية ..
الى حد تلك الفترة كانت التجارب الديمقراطية تقوم على فكرة الممارسة الشعبية التي تؤمن بها الثورة ، غير أنها لم تكن مكتملة في تجسيدها باعتبار تواصل الرهان طوال فترة الخمسينات على المسار الليبرالي .. الى ان اتضح من خلال التجربة و الخطا ، فشل هذا الخيار الذي لم يقدم شيئا للاقتصاد الوطني .. وحيث ظل الراسمال الاجنبي يبحث دوما عن مصالحه ، كما ظل الراسمال الوطني مرتبطا به وتابعا له .. فكان اعلان الثورة عن الميثاق الوطني سنة 1961 بكل مافيه من قرارات ثورية تتعلق بالتوجه نحو الحل الاشتراكي ، واعتماد التخطيط الاقتصاد آداة للسيطر على وسائل الانتاج الاساسية في المجتمع .. و هو ما يعني انعكاس تلك الخيارات على الممارسة الديمقراطية ، باعتبار العلاقة العضوية بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاقتصادية .. كما تاثرمفهوم الديمقراطية بعد اعلان الميثاق و المبادئ الاشتراكية بالقوانين الصادرة لعـزل القوى المعادية للثورة ، لذلك طرحت الثورة في اطار محاولاتها لمعالجة الديمقراطية الشعـبية التي تتبناها فكرة انشاء الاتحاد الاشتراكي الذي يمثل اطارا تنظيميا منتخبا يظم كل فئات الشعب طبقا للقرار رقم 1 الصادر سنة 1962 الذي بموجبه ” تمت انتخابات الوحدات الاساسية للاتحاد الاشتراكي العربي . ثم توالت الانتخابات من 1962 الى 1963 . انتخابات اللجان النقابية . انتخاب ممثلي العمال في مجلس الادارة . انتخابات الجمعيات التعاونية الزراعية . انتخابات مجالس ادارة النقابات المهنية . انتخابات مجلس الامة …. واصبحت عضوية الاتحاد الاشتراكي لازمة فيمن يرشح لمجلس الامة ، ولعضوية النقابات المهنية ، و والجمعيات التعاونية ، و لمجالس الادارة النقابية ، والجمعيات التعاونية ، و العمد و المشايخ و مجالس الادارة المحلية …” ( المصدر السابق ) . بالنسبة للاحزاب ، فان الثورة بتلك التوجهات الشعبية واتباعها لسياسة اجتماعية منحازة للشعب ، نجحت في سحبت البساط من تحت أقدامها جميعا .. اضافة الى انصراف تلك الاحزاب عن هموم الناس وحصر اهتمامها في المنافسة و الصراع من أجل الوصول الى السلطة ، حيث لا يتم التفكيرفي مشاكل الناس ، أو الاهتمام بأوضاعهم الا في فترات النفاق و الخداع ، وهي الفترات التي يحتاجون فيها لاصاوات الناخبين .. والواقع فان قرار الثورة بحل جميع الاحزاب كان قرارا ثوريا بامتياز ، باعتبار أن تلك الاحزاب بالذات لم تكن تمثل تطلعات الشعـب ، لانها ببساطة لم تخدم قضاياه و لم تقدم له شيئا يذكر قـبل الثورة ، بل على العكس من ذلك ، فانها كانت أحزاب انتهازية عميلة للملك و الاحتلال معا .. ولذلك فان تلك الاحزاب لم تكن تمثل أي عمق شعـبي بالمعـنى الواسع في تلك الفترة التي كان فيها أكثر من 90 في المائة من الشعـب خارج اللعـبة السياسية .. لان جل فئاته غارقة في الفقر والجهل والحرمان ، فلم يكن أحد من بين هؤلاء يعـنيه حتى مجـرد الحديث عن السياسة أو الديمقراطية التي لا تعـني شيئا بالنسبة اليهم اذا كانت غير مقترنة بتغيير جذري لاوضاعهم .. وقد كان وراء تلك الاوضاع سلطتين عدوتين للشعـب : أحدهما تتمثل في سلطة الاحتلال البريطاني الجاثم على صدر مصر وشعـبها ، والثانية تتمثل في سلطة الملك الذي يتقاسم الثروة والنفوذ مع أقلية لا تسأل عن معاناة الشعـب ومستقبله ، وهي المعـروفة بجماعة النصف في المائة .. ورغم ان قرار حل الاحزاب كان في نظر البعض اجراءا تعسفيا منافيا للديمقراطية ، الا ان هذا الموقف يقوم على خلفية مغايرة للتي تقاس بها الاشياء من منظور الثورة ، حيث بينت الظروف و الوقائع ان مطلب تلك الاحزاب بعد الثورة برجوع العسكريين الى الثكنات عقب اجراء انتخابات برلمانية و رئاسية ، ليس مجرد مطلب سخيف ، بل ويقوم على انتهازية حزبية ، وخيانة للشعـب من طرف قادة الثورة لو وافقت على هذا الطلب .. لان ذلك كان يعـني باختصار تقديم السلطة للمنظومة القديمة التي قامت عليها الثورة نظرا لطبيعة المرحلة المتمثلة في غياب الشعب كليا عن الممارسة السياسية ، اضافة الى جاهـزية الاحزاب التقليدية للمشاركة و الفوز في الانتخابات بنفس الطريقة التي كانت تمارسها من قبل .. و هو ما يعـني وقـتها الضحك على الثوار و الشعـب معا ..
ومهما كان الامر فان قادة الثورة لم يكونوا معغـفـلـين الى هذه الدرجة ، بل على العكس من ذلك كانوا ثوريين حقا ، عندما قبلوا التحدي و قادوا ثورتهم الى النهاية محققين انجازات كبيرة لم تتحقق للشعب على مدى قرون .. وان ما يتردد من اتهامات للثورة في الجوانب الديمقراطية فانه لا يمكن ان يقع فيه الحكم الموضوعي الا بانظر الى التجربة في ظروفها التاريخية .. و لعل ما ذكره سامي شرف في كتاباته حول نماذج من الممارسة التي انتهجتها الثورة في التعامل مع خصومها السياسيين ، يكذب تلك الادعاءات .. وهذه مقتطفات مطولة من شهاداته تبين كل التفاصيل حيث يقول :
” بعد حل الاحزاب استمرت المنظمات الشيوعية المختلفة الموجودة على الساحة المصرية فى نشاطها تحت الأرض فى مصر ، وكانت المعلومات تشير إلى أن الحزب الشيوعى المصرى هو أنشط تيار، تليه فى النشاط منظمة “حدتو ” ( الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى … وقد لوحظ فى الفترة التى أعقبت قيام الوحدة بين مصر وسوريا أى من العام 1958 حتى العام1962 زيادة النشرات التى كانت تصدر عما كان يسمى بالحزب الشيوعى المصرى ، وكان التوقيع الذى يذيّل كل منشوراته يحمل أسم ” الرفيق خالد ” . ولقد اهتم الرئيس جمال عبد الناصر بما يكتبه و أراد أن يعرف من هو الرفيق خالد ، وكلفت الأجهزة أن تتابع هذا الموضوع لكى تكشف من هو الرفيق خالد ، ولكن مضت مدة لم تكن قصيرة نسبيا ولم تستطع الوصول إلى نتيجة إيجابية .. وكانت التخمينات غير مؤكدة . مما ترتب عليه أن تدخل عبد الناصر شخصيا بمجهود ذاتى وشخصى منه للوصول إلى حقيقة هذه الشخصية ، وكان قد تكونت لديه انطباعات واستنتاجات عن حقيقة هذه الشخصية ، لكنه أراد أن يقطع الشك باليقين . استدعى الرئيس عبد الناصر فى أحد أيام شهر أكتوبر سنة 1964 ” أحد الأشخاص ” .. وكان لدى الرئيس انطباع قوى أنه يعرف من هو الرفيق خالد . قال له عبد الناصر : ” . . . حا أسألك سؤال واحد ، وأنا واثق إنك حا تجاوبنى عليه بحكم العلاقة التى تربطنا ، وبحكم الوطنية التى تجمعنا وبحكم مصريتك ، وثق أن الغرض ليس أبدا أنى أطلب منك أن تفشى أسرار، أو أن تكشف عن شخص قد يكون عزيزا عليك . . ولكنى أرجوك أن تكون صادقا معى كما كنت طول عمرك . ” إندهش الضيف وقال : ” إسأل يا ريس . . إيه هو السؤال؟! سأله الرئيس : ” مين هو الرفيق خالد ؟! كان السؤال مفاجئا ومباغتا، ولكن بعد تفكير قصير لم تطل مدته أكثر من دقيقة من الزمن قال للرئيس أن الرفيق خالد هو الدكتور فؤاد مرسى . كان الرئيس عبد الناصر قبل أن يستدعى هذا الضيف قد ظل حوالى شهرين يحلل ويقرأ كتبا وأبحاثا ودراسات لخمسة أشخاص بعينهم ، الدكتور فؤاد مرسى واحد منهم، ووصل إلى شبه قناعة شخصية أن الرفيق خالد قد يكون هو الدكتور فؤاد مرسى ، ولكنه أراد أن يقطع الشك باليقين، ويؤكد هذا الاستنتاج من شخص يعلم تماما أنه يعرف من هو الرفيق خالد ، وصدق ظنه واستنتاجه من أن الرفيق خالد هو الدكتور فؤاد مرسى . وقبل أن يغادر الضيف بيت الرئيس قال له الرئيس عبد الناصر : ” ثق أن هذه المقابلة لن يعلم بها أحد ، فأنت كما كنت دائما شريفا وصادقا ولم تراوغ” . وعقب هذه المقابلة كلفنى الرئيس بالاتصال بالدكتور فؤاد مرسى ومقابلته ، كما كلف السيد على صبرى بنفس الشيئ . … وفى لقاء آخر معى وكنت قد طلبت منه إبداء رأيه فى نقد التجربة والأوضاع الاقتصادية ؛ فقدم الرجل دراسة أبدى فيها رأيه بوضوح وبصراحة ، وفى نهاية اللقاء طلب مقابلة الرئيس عبد الناصر الذى حدد له موعد بعدها بأقل من أسبوع . فى لقائه مع الرئيس عبد الناصر كاشفه قائلا له أنه كان يعلم أن الرفيق خالد هو نفس الدكتور فؤاد مرسى ، وحسب ما دار فى الحديث فقد أبدى الدكتور فؤاد مرسى اندهاشا واستغرابا . ولم ينكر الرجل ولكنه طلب أن يسأل سؤالا واحدا هو : هل الأجهزة هى التى اكتشفت هذه الحقيقة ؟ فقال له الرئيس : لا ، أنا من تتبعى وقراءاتى لما كتبته أنت والآخرين استنتجت أنك الرفيق خالد ، وبناء على ذلك تم الاتصال بك . وقال له الرئيس : أنا كنت شاكك فيك إنت أو الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله . وفى هذا اللقاء أيضا قال له الرئيس : ” أننا نمر بمرحلة تعاد فيها صياغة المجتمع ، وهناك ضوابط بالنسبة للمجتمع المصرى وبالنسبة للتطبيق الاشتراكى ، ولا يمكن أن نطبق الماركسية فى مصر ؛ لأن لدينا ما يحول دون ذلك ، ومن ناحية المبدأ نحن لا نأخذ أقوالا ونطبقها ؛ لأن الذى يطبق النظم هم البشر ، ولا أستطيع أن أضع البشر الذين يصوغون التجربة عمليا فى قوالب جامدة ، فلنا تجربتنا الخاصة المختلفة والمتميزة والفوارق جوهرية بين النظرية الماركسية والتطبيق الذى نمارسه لاشتراكيتنا وهو على سبيل التحديد كما يلى : إن اشتراكيتنا تستند فى أساسها وتطبيقاتها على القيم الروحية ، وتلتزم بما نادت به رسالات السماء ، وعلى سبيل المثال تأخذ اشتراكيتنا بنظام الإرث ، وهو ما ترفضه الماركسية . إن اشتراكيتنا تؤمن بتذويب الفوارق بين الطبقات سلميا ، ولا تأخذ بأسلوب الصراع والعـنف ، فهى تصفى امتيازات ونفوذ الإقطاع والرأسمالية المستغلة ، ولا تصفى الإنسان إنما تحرره من الاستغلال . إن اشتراكيتنا تحترم إنسانية الإنسان ، وتتـيح له فرصة الحياة الكريمة ، ولا تنظر إليه كترس فى آلة ، وإنما ما عليه من واجبات ، وهى فى الوقت نفسه ترفض الأخذ بالماركسية التى تضحى بأجيال لم تطرق بعد أبواب الحياة . إن اشتراكيتنا تؤمن بسيطرة الشعـب على وسائل الإنتاج والهياكل الرئيسية له ، وفى الوقت نفسه تتـيح قدرا من المشاركة لنشاط القطاع الخاص تحت الرقابة الشعـبـية ، فلا تأخذ بالتأميم فى كل جزئيات الإنتاج كما هو الحال فى النظم الشيوعـية. الرأسمالية الوطنية الغـيـر مستغلة جزء أساسى من تحالف قوى الشعب العامل . إن اشتراكيتـنا تعطى القيادة ديموقراطيا لتحالف قوى الشعب العامل ( العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية غير المستغلة ) ، وترفض أن تقوم سلطة الدولة على ديكـتاتورية الـبـرولـيتاريا ( الطبقة العاملة ) . إن اشتراكيتنا فى التوزيع تقوم على مبدأ كل بقدر إنتاجه وعمله ، وليس بقدر حاجته، وفى هذا تكريم للعمل وإثارة لحوافـز الإنتاج ، بعكس الماركسية التى تطبق مبدأ لكل حسب حاجـته . إن اشتراكيتنا لم تأخذ بتأميم ملكية الأرض ، وإنما آمنت بالملكية الخاصة فى قطاع الزراعة ، وبما لا يسمح بالاستغلال عن طريق تفـتيت الملكيات الكبـيـرة بمقـتضى قوانين الإصلاح الـزراعى، وزيادة عدد الملاك من صغار المعدمين من الفلاحـيـن . إن اشتراكيتنا هى بيت سعيد لكل أسرة يقوم على القادرين أى المهيئين للعمل رجالا ونساء ، مجتمع الرفاهـية ، مجتمع تكافوء الفرص ، مجتمع العدالة الاجتماعية . إن اشتراكيتنا هدفها مجتمع الكفاية فى الإنتاج والعدالة فى التوزيع ، مجتمع الكفاية والعدل ،نحن نؤمن بالله وكتبه ورسله ، وديننا واضح ، ونحن نتمسك بهذا الدين. ثم قام الرئيس بشرح الفروق فى التطبيق وبين ما يحدث فى الكتلة الشرقية . كان الدكتور فؤاد مرسى واضحا وصريحا فى رد فعله على كلام الرئيس عبد الناصر ، فقال (وأنا أذكر تماما نص كلامه ) : ” يا سيادة الريس أنت بإصدارك القوانين الاشتراكية تجاوزت كل ما كنا نطمع فى تحقيقه ، ولو تلاحظ سيادتك أننا فى النشرات الأخيرة حاولنا أن نواكب التجربة التى تطبقها ؛ لأن نظرتنا كانت قاصرة منذ سنة 1952 حتى صدور القوانـيـن الاشتراكية سنة1961 ، وما واكبها وصاحبها من تطبـيق ، الحقيقة يا ريس كان على عـيوننا منظار أسود ، كنا متأثرين بأن الحكم العسكرى لن يستطيع أن يحقق التحول الاجتماعى فى مصر بالأسلوب الذى تقوم به وتعلن عـنه ” . ورد عليه الرئيس قائلا أنه يرى أن القوة القادرة على إحداث التغـيـير فى المجـتمع من أجل مصر يجب أن تضع أيديها معا فى ظل الشرعـية ، وفى ظل إطار قانونى ، وفى ظل مبادئ يسلمون بها، وفى ظل قواعد متـفق عليها ، ومن المصلحة أن تلتقى كل الآراء من أجل الوصول إلى التغـيـيـر . وأضاف الرئيس عـبد الناصر بقوله : ” يا دكتور فؤاد أنا بأطرح عليك رأيا لتفكر فـيه ، وهو غير ملزم ، كل ما أطلبه منك إنك تفكر ، وعندما تصل إلى قناعة أو إلى قرار ، فإن بابى مفتوح لك لنـتـناقش فيما وصلت إليه ؛ والموضوع باختصار شديد هو أن تـنضم العناصر اليسارية فى الساحة المصرية إلى تحالف قوى الشعب العامل بشكل أو بآخـر . . فكروا . . وقدموا مقـترحاتـكم.. “. وانتهى اللقاء عـند هذا الحد من الحديث . وبعد هذا اللقاء أصدر الرئيس جمال عبد الناصر تعليماته لى لكى أبلغها للسيد على صبرى الأمين العام للاتحاد الاشتراكى العربى والسيد شعراوى جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم للاتحاد الاشتراكى ولباقى الأجهزة بما دار من حديث ليكونوا على علم بالتطورات الجديدة ، كما أبلغت اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة أيضا بما استجد؛ حيث كان الرئيس قد طلب أن تكـف الأجهزة المعـنية بالبحث عن الرفيق خالد لأننا عرفنا من هو. اتصل الدكتور فؤاد مرسى بعد ذلك وأبلغـنى ، كما أبلغ السيد على صبرى أيضا أنه قد تم بحث الأفكار التى طرحها الرئيس فى لقائه الأخـيـر معه، وهم يرحـبون بالمساهمة فى الاتحاد الاشتراكى، ولو أن هناك مشكلة أن البعض يريد أن يكون لهم وضع خاص. كان رد الرئيس عبد الناصر قاطعا صريحا وواضحا لا لبس فيه ؛ وهو أن من يريد أن يشارك فى العمل العام يدخل كفرد عادى ولا يمثل إلا نفسه فقط . . وكل واحد عاوز ينضم عليه أن يتقدم بطلب للعضوية، ويأخذ موقعه فى محل سكنه جغرافيا ، أو مهنيا فى مكان عمله . وبدأت بعد ذلك لقاءات مع السيد على صبرى حول هذا الأمر، وعـندما تم الاتفاق أصدرت قيادة الحزب الشيوعى المصرى تعمـيما داخليا للأعضاء بأن الأمور قد سويت، وأنه يمكن للأعضاء أن يمارسوا النشاط ضمن تشكيلات الاتحاد الاشتراكى كأفراد و لا يمثلون إلا أنفسهم . و فى هذه المرحلة كان قد تم اتصال من السيد محمد حسنين هيكل مع الدكتور فؤاد مرسى بالاتـفاق مع الرئيس عبد الناصر ؛ حيث لعـب دورا فى تصفـية بعض العقبات على المستويات الشخصية، وليس من ناحية المبدأ، و شارك معه كل من لطـفى الخولى ومحمد سيد أحمد بشكل أساسى . وكانت نتيجة كل هذه الاتصالات واللقاءات فى بداية سنة 1965 أن تم الاتفاق ، دون أى ضغط ، على إصدار بيان من الحزب الشيـوعى المصرى يعلـن فـيه حل نفسه ، وأن من يريد مباشرة أو المشاركة فى العمل السياسى فأبواب الاتحاد الاشتراكى مفـتوحة على مصراعـيها للجميع ، كما تم الاتفاق على أن يتم رفع العـزل السياسى عن أعضاء الحزب ، واصبح كل واحد منهم مثل أى مواطن عادى ليس له انتماء حزبى، وليس هناك تسلسل قيادى ولا تعليمات ولا تعميمات ، وهكذا بدأ أعضاء التنظيمات الشيوعية يدخلون فى وحدات الاتحاد الاشتراكى كأفراد ، وكانوا ليزيدون عن 950 شخصا ..” .
خلاصة القول ان ما نتعلمه من ثورة يوليو هو ان الديمقراطية مقدرة على التطور و ليس تسابق نحو انتزاع الشرعية المزيفة ..