kolonagaza7
بو الجليل النابلسي-نابلس
اليوم، مرَّ على مكتبي زميل ورفيق قديم أخبرني أنَّ بعض القيادات في "الجبهة" تنتقدني على "تطرُّفي" في مناكفة "الشعبيَّة" وانتقاد مواقفها السياسيَّة هذه الأيَّام، ومنذ دخولها "معركة" انتخابات أوسلو وموقفها من الانقسام الحاصل بين "حماس" و "فتح" حتَّى يومنا هذا تحديدًا. صديقي وزميلي هذا الذي أحترمه لنضاله ومثابرته منذ عرفته، أي أكثر من 35 سنة. وكم شدَّ على يدي مؤيِّدًا لبعض مواقفٍ كنت أتبنَّاها، ولكن ربَّما كان لسان حاله يقول: "تعال وانتقد من الداخل." هذا ما لم أكنه منذ دخول "الشعبيَّة" في "خيمة أوسلو"، ليس لأنَّني على حقٍّ، بل لأنَّني مقتنعٌ تمامًا بعدم جدوى "أوسلو" جملة ونفصيلاً.
كان انتمائي إلى "الجبهة" وإيماني بخطِّها عن قناعة ذاتيَّة محضة، وليس بحضٍّ من أصدقاء وزملاء، أو مجاملة لهم. كان يوم انتسابي إلى "الجبهة الشعبيَّة" من أعظم أيَّام عمري الذي لن أنساه ما حييت. يومذاك، كنت شابًّا يافعًا، تتغلَّب، كمعظم الشباب أو بعضهم، عاطفته على تفكيره، وربَّما غاب عنه ما قد يحمله المستقبل له من جرَّاء اختياره الذي لم يأبه كثيرًا لعواقبه. ومع ذلك الإصرار "المتهوِّر" إن صحَّ التعبير، فقد كان أصعب من أن يليِّنه أو يفتَّ فيه مراقبة المخابرات الكنديَّة حيث وجودي إذ ذاك، أو الأمريكيَّة التي لا تُسبل جفونها على أعينها. لأنَّه كان خيارًا لا رجعة فيه، هاتفت مكتب "الشعبيَّة" في هافانا- كوبا لأعلمهم بأنَّني ورفيقين آخرين نريد الانضواء التنظيمي في صفوف "الجبهة". بعد حديث مقتضب، وأخذ معلومات أوَّليَّة، وُعدنا خيرًا. لم يطل الأمر لنبلَّغ بزيارة كانت فاصلة في عمري "الجبهوي". لم تمض بضعة شهور، فإذ بنا نلتقي في المطار الرفيق المناضل الراحل علي قاصد، المعروف بعفويَّته ودماثة أخلاقه وتواضعه الثوري الجبهوي. وما أن تمَّ اللقاء حتَّى ضمَّنا بحنوِّ الوالد لأبنائه. وجلس معنا على مستوى "قعدة تنظيميَّة".
كان ما كان من عمل وتنظيم وفعل وحراك نقابي وجماهيري وطالبي، لي الفخر والشرف بأن كنت من أوائل بُناة "الجبهة" في كندا، ومن ضحايا الاستهداف المخابراتي هناك أيضًا حيث مُنعت من العمل في أيِّ مكان له علاقة بالدولة حتَّى يومنا هذا. وتتتابع المراقبات والملاحقات، وجلسات الحضور والاستجوابات في مكاتب مخابراتيَّة متعدِّدة في مدن كنديَّة. كانت تلك كلُّها تجارب تعزِّز الإيمان وتقوِّي الثبات في نفس شاب "جبهاويِّ" كان يحسُّ برجولته الثوريَّة وقناعته العفويَّة تزداد عنفوانًا وترسيخًا، ورويدًا رويدًا يستحيل "تهوُّر" الشاب إيمانًا مطلقًا بعقيدة ثابتة جذورها وباسقة فروعها، تستلهم قي مسارها أبطالاً جبهويِّين سوف يسطِّر التاريخ الفلسطيني والعربي أسماءهم في رأس قائمة البطولة والتضحيات.
كنَّا نسافر مئات الأميال، وربَّما الآلاف أحيانًا، لجلب جريدة "الهدف" ومن ثمَّ بيعها، وجمع التبرُّعات لتتبدَّد في التسعينيَّات من "مؤتمنين" لا حسيب عليهم ولا رقيب، أو لتغطِّي تكاليف حضور مهرجانات أو "لتمثيل" الجبهة في ما كان يُعرف بـ "لجان فلسطين الديمقراطيَّة". آنذاك، كنَّا طلاًّبًا وعمَّالاً وكادحين ندفع من جيوبنا عن قناعة وإيمان وسرور واندفاع قلَّ نظيره بين معظم اليساريِّين العرب. في تلكم الأيَّام، كنَّا نرفع رؤوسنا عاليًا بجبهتنا وحكيمنا ورفاقنا في الداخل وعلى التخوم. كنَّا نقف بكلِّ حزم "للمنبوذ" وزلمه في كلِّ المواقع. نظَّمنا الجماهير العربيَّة (ليس الفلسطينيَّة فقط) لتكون جماهير "الشعبيَّة"، وكانت لنا الحاضنة من رفاق وأصدقاء من المغرب حتَّى السعوديَّة. كان عمر السعودي، وعزيز المغربي، ومحمود الأردني، وإلياس السوري، وعلي اللبناني. كانت الجبهة آنذاك جامعة الأمَّة العربيَّة، على الأقلِّ في رؤيتنا الجبهاويَّة في كندا. فلا علي اللبناني أو ناصر الفلسطيني أو إلياس السوري بأفضل من عمر السعودي أو محمود الأردني أو أنا الفلسطيني. كنَّا كلُّنا عربًا و"جبهاوية". كنَّا أيامها جبهاويِّين مرفوعي الرؤوس.
لست بصدد سردٍّ ذاتيٍّ. لكن لا مناص من ذكر حقائق قد يجهلها كثيرون، ويتجاهلها غيرهم. وربَّ سائلٍ عنِّي مَن ذا الذي تفيض قريحته بالتنظير والمزايدات؟ مَن هو ذلك المجهول بات يناكفنا ويجول ويصول علينا نحن المناضلين الوحيدين في رام الله وغزَّة ودمشق؟ نعم مَن أنا في مسير النضال وفي زمن التراخي؟ كائنًا مَن كُنت، لقد تعلِّمنا من الحكيم ووديع بأن نكون جنودًا مجهولين وأسماؤنا ليست الموضوع أو المقياس عندما تكون القضيَّة الرهينة إن لم أقل الضحيَّة. لكن الذي يحصل هذه الأيَّام، ولا سيَّما منذ المؤتمر السادس للجبهة الذي تمَّ فيه اجترار أدبيَّات من الماضي لتجميل الآتي الذي بدأت معالمه تتَّضح بعد استقالة الحكيم، ثمَّ قرار "الخطيئة المميتة" بانتقال الشهيد أبوعلي مصطفى إلى الأرض المحتلَّة، ليصفَّى هناك كمن يُساق بقدمه إلى حتفه. ويتتابع المسلسل إلى القبول بـ "أوسلو" والمشاركة في انتخاباتها المريبة التي سيَّست المقاومة، وبعدها تربيع الدوائر وتدوير المربَّعات في الكيل بمكيالين فاضحين بمفاضلات ومقاربات الانقسام الفتحاوي- الحمساوي!
كلُّ الذين التقيتهم هذه الأيَّام ممَّن يعتبرون أنفسهم "جبهاويِّين" يشاطرونني الرأي في ما آلت إليه "الشعبيَّة" من أمتهان وتقزيم وشطب سواء في غزَّة أو في رام الله. فعلى سبيل المثال في غزَّة، "تراهم "قاعدين لحماس على نكشة"، في حين أنَّهم في رام الله يجلسون بكلِّ محبَّة ووئام مع قادة الانقلاب الفتحاوي على الثوابت الوطنيَّة الفلسطينيَّة والميثاق الوطني الفلسطيني، بل يوزِّعون عليهم صكوك الشرعيَّة ووحدانيَّة تمثيل الشعب الذي بيع مرَّات ومرَّات على مذابح "أوسلو" ومؤتمرات القمم العربيَّة والأورو-أمريكيَّة من نيابوليس وسواها. طبعًا، مع "تتبيلة" النصح وعدم الموافقة والحرد على هذا الموقف أو ذاك من مواقف يُندى لها الجبين اليساري. وتبقى "الجبهة" في لجنة م.ت.ف ومجلسها المركزي لكي تقول: "لا يا جماعة مش هيك، فضحتونا، رح نطلِّع فيكم بيان، لكن مش تزعلوا، بنضلنا حبايب." لأنَّ ذكر الحقيقة جارح، لا يني نفرٌ من "الهواة الجبهويِّين" عن نعتي بالتطرَّف و "الانفصام الواقعي". وحبَّذا لو تكرَّم هؤلاء الذين احتكروا "الجبهة" وأعلمني رفاق الأمس عن مفهوم التطرِّف لديهم، فلربَّما أرشدوني إلى "جادَّة الصواب" التي منذ "أوسلو" أو قبلها بقليل، لم يجنِ منها شعبنا سوى الويلات والثبور. هل حبُّ الوطن والالتزام بفكر "الشعبيَّة" وتوجُّهاتها كما أرساه المبدعون الأوائل تطرُّف؟ أليس التزام "رفاق الأمس" بـ "البرغماتيَّة اليسرويَّة" أو "العسراويَّة" ونرسسيَّة تحليلهم هو التطرُّف اليميني المتآمر؟
لا يا قيادة الشعبيَّة، ما هكذا تورد الأبل! قلتها منذ زمن ليس ببعيد: إنَّ الذي يخاف على نفسه من الاعتقال أو المطاردة أو الاستشهاد، ما عليه سوى الرحيل، وترك العمل للمستعدِّين للتضحية أمثال "أبو غسَّان"، الأمين العام للجبهة. فكما وصف الحكيم الثورة بأنَّها "قطار يمرُّ بمحطَّات فيها من يصعد وفيها من ينزل." وهذا وصف أنتم أكثر مَن ينطبق عليهم قول الحكيم هذا. وخير ما تفعلوه بعدما مللتم أو أعياكم المسير أو أغراكم حكم "المخترة" ألاَّ تحاولوا حرف سكَّة القطار في مسارة، بل غادروه مُشيِّعين بألف سلامة. وما أصدق ما قاله غسَّان كنفاني منذ أكثر من 40 سنة أيضًا، "إذا لم تُحَل القضيَّة، فلا تغيِّروها بل غيِّروا من يقوم عليها."
"الجبهة" أكبر منَّا جميعًا. بل هي أكبر من وديع وغسَّان والحكيم. رحم الله آباءكم، فلترحوا، واتركوا "الشعبيَّة؟ نعم "الشعبيَّة" بحاجة إلى تغيير مُلِحٍّ، لكن ليس بكم ولا من خلالكم ولا بمبادراتكم التي بفضلها نخرها السوس وكاد يودي بها "عطر مَنشمِكم".
كان انتمائي إلى "الجبهة" وإيماني بخطِّها عن قناعة ذاتيَّة محضة، وليس بحضٍّ من أصدقاء وزملاء، أو مجاملة لهم. كان يوم انتسابي إلى "الجبهة الشعبيَّة" من أعظم أيَّام عمري الذي لن أنساه ما حييت. يومذاك، كنت شابًّا يافعًا، تتغلَّب، كمعظم الشباب أو بعضهم، عاطفته على تفكيره، وربَّما غاب عنه ما قد يحمله المستقبل له من جرَّاء اختياره الذي لم يأبه كثيرًا لعواقبه. ومع ذلك الإصرار "المتهوِّر" إن صحَّ التعبير، فقد كان أصعب من أن يليِّنه أو يفتَّ فيه مراقبة المخابرات الكنديَّة حيث وجودي إذ ذاك، أو الأمريكيَّة التي لا تُسبل جفونها على أعينها. لأنَّه كان خيارًا لا رجعة فيه، هاتفت مكتب "الشعبيَّة" في هافانا- كوبا لأعلمهم بأنَّني ورفيقين آخرين نريد الانضواء التنظيمي في صفوف "الجبهة". بعد حديث مقتضب، وأخذ معلومات أوَّليَّة، وُعدنا خيرًا. لم يطل الأمر لنبلَّغ بزيارة كانت فاصلة في عمري "الجبهوي". لم تمض بضعة شهور، فإذ بنا نلتقي في المطار الرفيق المناضل الراحل علي قاصد، المعروف بعفويَّته ودماثة أخلاقه وتواضعه الثوري الجبهوي. وما أن تمَّ اللقاء حتَّى ضمَّنا بحنوِّ الوالد لأبنائه. وجلس معنا على مستوى "قعدة تنظيميَّة".
كان ما كان من عمل وتنظيم وفعل وحراك نقابي وجماهيري وطالبي، لي الفخر والشرف بأن كنت من أوائل بُناة "الجبهة" في كندا، ومن ضحايا الاستهداف المخابراتي هناك أيضًا حيث مُنعت من العمل في أيِّ مكان له علاقة بالدولة حتَّى يومنا هذا. وتتتابع المراقبات والملاحقات، وجلسات الحضور والاستجوابات في مكاتب مخابراتيَّة متعدِّدة في مدن كنديَّة. كانت تلك كلُّها تجارب تعزِّز الإيمان وتقوِّي الثبات في نفس شاب "جبهاويِّ" كان يحسُّ برجولته الثوريَّة وقناعته العفويَّة تزداد عنفوانًا وترسيخًا، ورويدًا رويدًا يستحيل "تهوُّر" الشاب إيمانًا مطلقًا بعقيدة ثابتة جذورها وباسقة فروعها، تستلهم قي مسارها أبطالاً جبهويِّين سوف يسطِّر التاريخ الفلسطيني والعربي أسماءهم في رأس قائمة البطولة والتضحيات.
كنَّا نسافر مئات الأميال، وربَّما الآلاف أحيانًا، لجلب جريدة "الهدف" ومن ثمَّ بيعها، وجمع التبرُّعات لتتبدَّد في التسعينيَّات من "مؤتمنين" لا حسيب عليهم ولا رقيب، أو لتغطِّي تكاليف حضور مهرجانات أو "لتمثيل" الجبهة في ما كان يُعرف بـ "لجان فلسطين الديمقراطيَّة". آنذاك، كنَّا طلاًّبًا وعمَّالاً وكادحين ندفع من جيوبنا عن قناعة وإيمان وسرور واندفاع قلَّ نظيره بين معظم اليساريِّين العرب. في تلكم الأيَّام، كنَّا نرفع رؤوسنا عاليًا بجبهتنا وحكيمنا ورفاقنا في الداخل وعلى التخوم. كنَّا نقف بكلِّ حزم "للمنبوذ" وزلمه في كلِّ المواقع. نظَّمنا الجماهير العربيَّة (ليس الفلسطينيَّة فقط) لتكون جماهير "الشعبيَّة"، وكانت لنا الحاضنة من رفاق وأصدقاء من المغرب حتَّى السعوديَّة. كان عمر السعودي، وعزيز المغربي، ومحمود الأردني، وإلياس السوري، وعلي اللبناني. كانت الجبهة آنذاك جامعة الأمَّة العربيَّة، على الأقلِّ في رؤيتنا الجبهاويَّة في كندا. فلا علي اللبناني أو ناصر الفلسطيني أو إلياس السوري بأفضل من عمر السعودي أو محمود الأردني أو أنا الفلسطيني. كنَّا كلُّنا عربًا و"جبهاوية". كنَّا أيامها جبهاويِّين مرفوعي الرؤوس.
لست بصدد سردٍّ ذاتيٍّ. لكن لا مناص من ذكر حقائق قد يجهلها كثيرون، ويتجاهلها غيرهم. وربَّ سائلٍ عنِّي مَن ذا الذي تفيض قريحته بالتنظير والمزايدات؟ مَن هو ذلك المجهول بات يناكفنا ويجول ويصول علينا نحن المناضلين الوحيدين في رام الله وغزَّة ودمشق؟ نعم مَن أنا في مسير النضال وفي زمن التراخي؟ كائنًا مَن كُنت، لقد تعلِّمنا من الحكيم ووديع بأن نكون جنودًا مجهولين وأسماؤنا ليست الموضوع أو المقياس عندما تكون القضيَّة الرهينة إن لم أقل الضحيَّة. لكن الذي يحصل هذه الأيَّام، ولا سيَّما منذ المؤتمر السادس للجبهة الذي تمَّ فيه اجترار أدبيَّات من الماضي لتجميل الآتي الذي بدأت معالمه تتَّضح بعد استقالة الحكيم، ثمَّ قرار "الخطيئة المميتة" بانتقال الشهيد أبوعلي مصطفى إلى الأرض المحتلَّة، ليصفَّى هناك كمن يُساق بقدمه إلى حتفه. ويتتابع المسلسل إلى القبول بـ "أوسلو" والمشاركة في انتخاباتها المريبة التي سيَّست المقاومة، وبعدها تربيع الدوائر وتدوير المربَّعات في الكيل بمكيالين فاضحين بمفاضلات ومقاربات الانقسام الفتحاوي- الحمساوي!
كلُّ الذين التقيتهم هذه الأيَّام ممَّن يعتبرون أنفسهم "جبهاويِّين" يشاطرونني الرأي في ما آلت إليه "الشعبيَّة" من أمتهان وتقزيم وشطب سواء في غزَّة أو في رام الله. فعلى سبيل المثال في غزَّة، "تراهم "قاعدين لحماس على نكشة"، في حين أنَّهم في رام الله يجلسون بكلِّ محبَّة ووئام مع قادة الانقلاب الفتحاوي على الثوابت الوطنيَّة الفلسطينيَّة والميثاق الوطني الفلسطيني، بل يوزِّعون عليهم صكوك الشرعيَّة ووحدانيَّة تمثيل الشعب الذي بيع مرَّات ومرَّات على مذابح "أوسلو" ومؤتمرات القمم العربيَّة والأورو-أمريكيَّة من نيابوليس وسواها. طبعًا، مع "تتبيلة" النصح وعدم الموافقة والحرد على هذا الموقف أو ذاك من مواقف يُندى لها الجبين اليساري. وتبقى "الجبهة" في لجنة م.ت.ف ومجلسها المركزي لكي تقول: "لا يا جماعة مش هيك، فضحتونا، رح نطلِّع فيكم بيان، لكن مش تزعلوا، بنضلنا حبايب." لأنَّ ذكر الحقيقة جارح، لا يني نفرٌ من "الهواة الجبهويِّين" عن نعتي بالتطرَّف و "الانفصام الواقعي". وحبَّذا لو تكرَّم هؤلاء الذين احتكروا "الجبهة" وأعلمني رفاق الأمس عن مفهوم التطرِّف لديهم، فلربَّما أرشدوني إلى "جادَّة الصواب" التي منذ "أوسلو" أو قبلها بقليل، لم يجنِ منها شعبنا سوى الويلات والثبور. هل حبُّ الوطن والالتزام بفكر "الشعبيَّة" وتوجُّهاتها كما أرساه المبدعون الأوائل تطرُّف؟ أليس التزام "رفاق الأمس" بـ "البرغماتيَّة اليسرويَّة" أو "العسراويَّة" ونرسسيَّة تحليلهم هو التطرُّف اليميني المتآمر؟
لا يا قيادة الشعبيَّة، ما هكذا تورد الأبل! قلتها منذ زمن ليس ببعيد: إنَّ الذي يخاف على نفسه من الاعتقال أو المطاردة أو الاستشهاد، ما عليه سوى الرحيل، وترك العمل للمستعدِّين للتضحية أمثال "أبو غسَّان"، الأمين العام للجبهة. فكما وصف الحكيم الثورة بأنَّها "قطار يمرُّ بمحطَّات فيها من يصعد وفيها من ينزل." وهذا وصف أنتم أكثر مَن ينطبق عليهم قول الحكيم هذا. وخير ما تفعلوه بعدما مللتم أو أعياكم المسير أو أغراكم حكم "المخترة" ألاَّ تحاولوا حرف سكَّة القطار في مسارة، بل غادروه مُشيِّعين بألف سلامة. وما أصدق ما قاله غسَّان كنفاني منذ أكثر من 40 سنة أيضًا، "إذا لم تُحَل القضيَّة، فلا تغيِّروها بل غيِّروا من يقوم عليها."
"الجبهة" أكبر منَّا جميعًا. بل هي أكبر من وديع وغسَّان والحكيم. رحم الله آباءكم، فلترحوا، واتركوا "الشعبيَّة؟ نعم "الشعبيَّة" بحاجة إلى تغيير مُلِحٍّ، لكن ليس بكم ولا من خلالكم ولا بمبادراتكم التي بفضلها نخرها السوس وكاد يودي بها "عطر مَنشمِكم".