الاثنين، 30 أغسطس 2010

الانسحاب من العراق خداع من جديد


kolonagaza7
بعد ما يزيد على سبع سنوات، من الحرب الهمجية الغادرة، التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية مع من اصطف معها، على ارض الرافدين، تحت ذرائع وأسباب مزيفة متعددة تمت صناعتها من قبل أجهزة المخابرات العالمية المختلفة وفي مقدمها المخابرات المركزية الأمريكية، بأوامر من مجموعة من الساسة، طغى على عقولهم الهوس والتطرف الديني، والذين تمكنوا من دفة الحكم في البيت الأبيض على رأسهم بوش الصغير، يخرج على العالم السيد باراك اوباما، كما خرج قبله بوش الصغير ليعلن بان الحرب في العراق او على العراق قد انتهت، صحيح ان الأسلوب أو الطريقة التي انتهجها اوباما تختلف عن تلك الطريقة الهوليودية التي انتهجها سابقه في الإعلان عن انتهاء الحرب،لكن السؤال الذي لا يزال مشرعا ومشروعا، هل فعلا انتهت الحرب في العراق او عليه؟.
لقد قيل فيما قيل عن الحرب انها كانت بحجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وقد قامت إدارة بوش الصغير بكل شيء من اجل تأليب الرأي العام الأمريكي والدولي لتسويغ حربها على العراق، كما قامت بكل الموبقات والممنوعات من اجل الترويج للحرب، فقد ألّبَتْ وكذبت وزورت وزيفت، إلا ان النتيجة كانت، ان هذه الإدارة القاتلة، فشلت في إثبات أي من أكاذيبها وأضاليلها، وقد كان واضحا منذ اليوم الأول للاحتلال، ان المزيد من الفضائح تتكشف حول كل التزوير والحجم الذي مورس فيه.
مما لا شك فيه ان المزيد من القرائن والأدلة سوف تبرز مستقبلا، برغم ان ظهورها من عدمه لن يغير من الأمر شيئا، فقد تحقق للإدارة المتصهينة ما أرادت من تدمير للعراق، وإخراجه من كل الحسابات التي يمكن ان يكون ضمنها في أية مواجهة مع دولة العدوان الصهيوني في المنطقة في مستقبل الأيام، وأصبح العراق دولة ينخرها الفساد والتخلف وطائفية بغيضة تهدد كيانه ومستقبله، في ظل مجموعة من الزعامات التي أتت مع جيش الاحتلال.
ان يعلن اوباما ان الحرب تضع أوزارها، او انها لا زالت مستمرة، لن يغير أيضا من واقع الحال في العراق، هذا الواقع الذي يريد السيد اوباما ان يخادع العالم من خلال قوله ان الحرب انتهت، فهو يعلم علم اليقين ان الحرب لم تنته، وانها اذا كانت خلال الأعوام العجاف السابقة كرا وفرا، فإنها لا شك ستكون في ظل ما وصفه الانسحاب -الذي هو في طبيعته ليس سوى إعادة انتشار وتموضع للمتبقي من القوات الأمريكية في ارض الرافدين- أكثر ضراوة وقوة، وسوف تزداد لهيبا وأوارا على رؤوس المحتلين ومن تحالف معهم ضد أبناء العراق الغيارى.
الكذبة الكبرى التي لجأ إليها بوش الصغير حول السلاح الشامل ومن ثم حول العراق الحر الديمقراطي، ربما خدعت البعض من أبناء العراق والعالم لبعض الوقت، إلا انها لم تنطل عليهم طيلة الوقت، فلقد اكتشف هؤلاء وبعد فترة لم تطل، ان كل ما جرى كان من اجل قتل العراق، ومن اجل إضعافه، ومحاولات تفتيته، وهاهو السيد اوباما يحاول السير على خطى بوش عندما يقول بانسحاب القوات الأمريكية وانتهاء الاحتلال، وهو يعلم علم اليقين ان قواته لا زالت تحتل العراق، وانه يتقاسم النفوذ في احتلال العراق مع احتلال آخر غير معلن من قبل إيران، برضا غير مفهوم ضمن معادلة العداء المعلن مع هذه الدولة، التي ينظر إليها في واشنطن على انها دولة خارجة على القانون. هذا الخروج الإيراني على القانون كما تروج له أميركا، لا يمكن فهمه عندما يتم النظر إلى الطريقة الفريدة في التناغم والتفاهم والانسجام "بين من يفترض انهما عدوين لدودين" في ارض الرافدين، هل ثمة اتفاق غير معلن بين طهران وواشنطن في هذا السياق، سؤال آخر سيبقى مشرعا ومشروعا حول طبيعة العلاقات التي تربط بين طرفي المعادلة.
الولايات المتحدة التي يقول اوباما انها تترك العراق من اجل ان يحدد أبناؤه خياراتهم والانطلاق نحو مستقبل واعد، تبقي فيه ما يكفي من قوات ومرتزقة من اجل إبقاء العراق جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ومن اجل حماية الزعامات الجديدة، التي سوف تأخذ البلد إلى المزيد من التهاوي والفساد والنهب والضعف والتبعية المزدوجة لدولة الفرس من جهة وللولايات المتحدة من جهة أخرى.

ان تزايد أعمال العنف والقتل التي جرت خلال الفترة الأخيرة، إنما هي دليل واضح على ان ما قيل عن إعداد جيش وقوى أمنية عراقية قادرة على حماية العراق، ليس سوى كذبة سمجة، فإذا كانت هذه القوات التي صرف عليها كما تقول أميركا عشرات المليارات من الدولارات، لا تستطيع السيطرة على الأمن الداخلي، فكيف لها ان تقاوم أي اعتداء خارجي فيما لو حدث. وهذا ما يؤكد ما يذهب إليه البعض عندما يقول بان الهدف من إبقاء القوات العراقية بهذا الضعف، إنما يهدف إلى إبقاء قوات الاحتلال في هذا البلد إلى ما لا نهاية، وهذا ما جاء بصيغته الغامضة ضمن ما عرف بالاتفاقية الأمنية التي تم توقيعها بين العراق والولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة من ولاية بوش الصغير.
العراق في ظل من يحكمه الآن بأوامر إيرانية وأمريكية، لن يكون كما يقول اوباما حرا ولا قادرا ولا مستقرا، وعلى اوباما ان يعترف بان من كان وراء خراب البصرة وبغداد وكل المدن والقرى العراقية هو الولايات المتحدة ومن يقف في صفها من القوى الصهيونية العالمية، وبالتالي فان عليه "كقائد عالمي" ان يقوم بإصلاح ما خربه هوس سابقه في البيت الأبيض، وذلك من خلال الاعتراف بان الحرب على العراق كانت غير أخلاقية وغير شرعية وغير قانونية، وانه لا بد من ان يدفع من عليه ان يدفع الثمن لكل هذا الخراب الذي تسببته تلك الحرب، وعلى الولايات المتحدة ان تدفع التعويضات اللازمة لكل من تسببت الحرب بإيذائه، وتقديم كل من ارتكب جرائم حرب إلى العدالة الدولية، بهذا فقط فان بإمكان السيد اوباما ان يدخل التاريخ من أوسع أبوابه وأن يؤكد مصداقيته في ادعاءاته التي طالما روج لها ومن انه كان ولا زال ضد تلك الحرب غير المبررة.
30 آب 2010

مشاركة مميزة