الاثنين، 26 سبتمبر 2011

حــل سياسي لا مفاوضات جديدة

kolonagaza7

بقلم/ عماد سليم محسن إعلامي وباحث في الشؤون السياسية
ما يزال صدى الخطاب الفارق في المسيرة السياسية الفلسطينية، والذي ألقاء الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يتردد في جنبات المعمورة، على الرغم من بعض الأصوات التي تنطلق هنا وهناك في محاولة لتمييع اللغة السياسية الفلسطينية الجديدة، أو القفز عن الاشتراطات التي وضعتها ضمن مفردات الخطاب لأية تسوية مقبولة فلسطينياً في المرحلة القادمة، ليأتي بيان اللجنة الرباعية الدولية ويُضاف إلى رزمة "المستهلك من القول" في محاولة يائسة من أطراف تصهينت من أجل لي عنق الحقيقة التي عبر عنها الرئيس أبو مازن في مواجهة الأكاذيب والأباطيل التي وردت على لسان باراك أوباما وبنيامين نتنياهو.
ينبغي ألا يشابه اليوم الذي تلا الخطاب التاريخي الأيام التي سبقته، فقد انتهى من وجهة نظرنا ذلك العهد الذي تتوقف فيه قلوب الفلسطينيين في انتظار ما ستسفر عنه مداولات تل أبيب واشنطن فيما يتعلق بالشأن السياسي الفلسطيني، فالصورة السياسية اليوم مختلفة بعد أن تمكن الكف الفلسطيني من مناطحة المخرز الصهيو ـــــ أمريكي، فالفلسطيني اليوم لم يخرج عن جادة الطاعة هذا المرة بل بلغ به الأمر حد توصيف الجريمة المكتملة الأركان وإدانة من اقترفها، والمنتظر الآن هو قرار المحكمة الأممية، أو محكمة شعوب العالم للنطق بالحكم، وهذا ما كان يتوجب على القيادة الفلسطينية قوله منذ العام 1999، عندما انتهى أول موعد مقرر للخرج بحل تفاوضي متفق عليه فيما كان يسمى بمفاوضات المرحلة النهائية، يومها كان يتوجب علينا الذهاب إلى "بيت الشعوب" وإعلان انتهاء المرحلة الانتقالية التي أرادها لنا المحتلون أن تظل هي المرحلة النهائية مع اختلاف التسميات، لكن انتظار ما سيقوله العالم جعل خطاب التحدي الفلسطيني وخطاب اللحظة المفصلية في حياة الشعب الفلسطيني يتأخر اثنا عشر عاماً كنا نحتاجها لترسيخ حضورنا المؤسسي والديموغرافي فيما أصبح اليوم جزءاً من نظرية الاستيطان الإسرائيلي.
أفضل ما في الخطاب الفلسطيني من على منبر الأمم المتحدة كان التذكير الفلسطيني للإدارة الأمريكية بأن الطلب الفلسطيني ليس متعجلاً، فانضمام فلسطين إلى الأسرة الدولية تأخر 65 عاماً كاملة، أي عشرين عاماً قبل ولادة الرئيس الأمريكي الذي خرج علينا برفضه لخيار "الطريق المختصر والخطوات الموجزة".
بعد هذا التطور المهم في عمر القضية الفلسطينية، جاء موعد الأسئلة الثقيلة، الأسئلة التي تحتاج إلى التفكير الإستراتيجي قبل الإجابة عنها، وأول هذه الأسئلة يقول: هل القيادة الفلسطيني مستعدة لمرحلة ما بعد "التمرد على العم سام"؟ والسؤال الثاني معطوف على الأول: هل ستقبل أمريكا بأن تُثخن بالجراح في منزلها دون أي رد فعل مضاد؟ بمعنى: هل سيصبح "الفيتو" الفلسطيني على السياسات الأمريكية لا يأتي إلا في قلب الولايات المتحدة، ففي المرة الأولى عام 2000 في كامب ديفيد (المنتجع الذي يفضله الساسة الأمريكيون لتنفيذ الصفقات السياسية) جاء الرفض الفلسطيني للمقترح الهش بدويلة على جزء من الأرض مقابل قدس غير القدس ولا عودة للاجئين ولا سيادة لا فوق الأرض ولا تحتها، ثم يأتي العام 2011 في قلب منهاتن عندما رفض الرئيس محمود عباس أن يهادن فيما يعتبره ونعتبره معه حقوقاً غير قابلة للتصرف وتخويل محدد السقف بعدم المساومة على الحقوق، وما سرعة إصدار بيان 'اللجنة الرباعية' من أجل العودة للمفاوضات بعد شهر من الآن، على أن تنتهي بعد عام من بدايتها، إلا محاولة من طرف الولايات المتحدة لكسب جولة استباقية قبل الهجوم الكبير الذي ستعتزم القيام به بعد شهر من الآن في أعقاب الفيتو المؤكد الذي ستمنع بموجبه قبول فلسطين الدولة عضواً كامل العضوية في الهيئة الأممية.
إذن معركة "اليوم التالي" التي تحدثت عنها مسؤولة الدبلوماسية الأمريكية هيلاري كلينتون بدأت بالفعل، من خلال الموافقة الإسرائيلية السريعة على بيان الرباعية مقابل الصمت الفلسطيني المنتشي بالثناء الذي حصل عليه خطاب الرئيس في الجمعية العامة، في محاولة من واشنطن وتل أبيب لإدارة جولة في الإعلام الغربي شعارها أن الفلسطينيين هم من يرفضون فيما تقبل إسرائيل وتلتزم، وعليه، ينبغي أن يتأسس الموقف الفلسطيني من الآن فصاعداً على قاعدة تقول بأن زمن المفاوضات انتهى، هذا وقت الحلول السياسية، فخطاب التفاوض مر علينا من قبل بل وحفظناه عن ظهر قلب، حتى بات التفاوض وظيفة في منظمة التحرير الفلسطينية، وقد جربنا سبيل المفاوضات لعشرين عاماً كاملة، دون أن نتمكن من إثناء إسرائيل عن تهويد القدس والتنكر لحقوق اللاجئين والاستمرار في الاستيطان التصاعدي وبناء جدار الفصل العنصري، ومن هنا يتوجب أن نسمع من العالم كلاماً مختلفاً هذه المرة، من خلال صياغة مشروع تسوية سياسية وفقاً للمرجعيات التي استندت إليها العملية السياسية منذ مدريد 1991 وعلى رأسها القرار الأممي رقم 242 الذي يفرض على إسرائيل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967، أسها وفلسطينياً يتوجب علينا السير نحو توحيد الحالة الفلسطينية في كيان يجمع مؤسسات السلطة الوطنية مع مؤسسات منظمة التحرير ليكون هناك بيت معنوي واحد، ثم السير باتجاه تشكيل جمعية تأسيسية للبرلمان الفلسطيني تمهيداً للانتخابات العامة للدولة تحت الاحتلال، وفلسطيني الشتات جميعاً، والنهوض بالوحدة الوطنية كسلاح وخيار إستراتيجي وفق رؤية وطنية جامعة، ومن ثم الانطلاق بصوت فلسطيني موحد في استحقاق "نكون وسنكون".

مشاركة مميزة