kolonagaza7
د. عادل محمد عايش الأسطل
لقد حرصت إسرائيل، على الدوام، أن تظهر بمظهر دولة الرفاه، والاقتصاد القوي الذي لا تزعزعه مجريات الوقائع ولا تقلبات الأيام، ولكن الذي حدث هو ضد ما أرادت إسرائيل. فالرفاه الذي كانت تعتمده لنفسها، كان ذلك سبباً في انهيار اقتصاداتها عاماً بعد عام، بحيث عجزت عن السيطرة عليه، وخاصةً في ظل الأزمة المالية العالمية، والتي ترزح تحت وطأتها حليفتها الكبرى وولية أمرها، الولايات المتحدة.
تبين ذلك، إثر المظاهرات الحاشدة والمتتالية، شملت كافة الأطياف التي شهدتها "إسرائيل" مؤخرًا، منذ مطلع الصيف الماضي وامتدت آثارها إلى الآن، حيث كانت لهم مطالب ليست ترفيهية وإنما معيشية فقط، مما يوحي بتدهور النمط الحياتي للشعب الإسرائيلي بوجهٍ عام، جعلت هذه الأوضاع، حكومة "نتانياهو" أمام امتحان هو الأصعب منذ تشكيلها منذ العام 2009، إذ لم تستطع حكومتة حتى الآن، بلورة إصلاحات شاملة تلبي مطالب المتظاهرين، حيث حذر من أن كلفة هذه الإصلاحات، ستكون عالية جداً، بما قد يدخل إسرائيل في دوامة أزمة مالية لا سابقة لها. وكان كشف تقرير إسرائيلي صدر مؤخراً، أن 29% من السكان يواجهون خطر الانزلاق إلى الفقر. واعتبر التقرير الذي نشرته دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، بأن هذه النسبة عالية جداً قياساً بالدول الأوروبية، التي تصل فيها النسبة المذكورة إلى 16% فقط. والجدير بالذكر، أن السكان الذين يواجهون خطر الفقر هم من العائلات، التي تصل نسبة الدخل فيها إلى 60% من متوسط الدخل الصافي للفرد.
وفي أعقاب هذه الحركة الاحتجاجية، كان من البديهي الاستجابةً لها، من خلال تأسيس لجنة مختصة برئاسة "مانويل تراختنبرغ" للبحث في الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية، وكانت قدمت تقريراً شاملاً، تضمن عدداً من التوصيات، تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية خاصةً، للطبقتين الضعيفة والوسطى، والتي كانت"التوصيات" مثار جدل وخلاف بين الأحزاب الداخلة في التشكيل الوزاري ومنها حزب "إسرائيل بيتنا" و"شاس" وحزب "عتسماؤوت" وبقية الوزارات المختلفة، وأهمها وزارة الدفاع، خاصةً بعد أن مسّت تلك التوصيات وبشكلٍ مباشر، الوزارة المعنية، التي يترأسها"إيهود باراك"، من حيث اقتطاع مبلغ، يقارب المليار دولار، وهو ما ساهم في توسيع شقة الخلاف بادئ الأمر من قبل "باراك" و"بيني غانتس" رئيس أركان الجيش، مع رئيس الوزراء "نتانياهو" الذي كان أيّد توصيات التقرير، للخروج من الأزمة، وكان رد نتانياهو عليهما وخاصةً الجنرال "غانتس" بالقول:" إنه كرئيس للحكومة يتحمل المسؤولية كاملة عن أمن مواطني إسرائيل، وإنه بالإمكان فعلاً الاقتطاع من موازنة الوزارة، وهو الموقف الذي أكده وزير المالية "يوفال شتاينتس" الذي أضاف:" أنه على يقين من أن الموازنة العامة للوزارة، كافية لتوفير الرد لمواجهة كل التهديدات المتربصة بإسرائيل، بما فيها تهديد الصواريخ. التي من المحتمل أن تأتي من أي اتجاه، وتابع "شتاينتس" أنه من دون اقتطاع المبلغ المذكور من موازنة الدفاع فإن عموم المواطنين لن يستفيدوا من خفض غلاء المعيشة".
وفي ضوء خفض ميزانية الدفاع التي فرضت نفسها، لإعطاء وزناً أكبر للقضايا الاجتماعية، قرر الجيش الإسرائيلي "شعبة القوى العاملة"، خفض حتى 5 ٪ من مجموع الجنود الوظيفيين في المجال العسكري، بالإضافة إلى إعادة النظر في هذه الخدمة، بهدف تقصير مدة جنود الجيش النظاميين أيضاً، وخاصةً الذين يخدمون في الإدارات المختلفة، التابعة للجيش الإسرائيلي.
وأيضاً فإن الجيش الإسرائيلي، سيعمل على إعادة النظر في إمكانية تخفيض مدة الخدمة لبعض الجنود، في إدارة الخدمة العادية، بالإضافة إلى خطة الجيش الإسرائيلي لقطع جزء كبير من مهام توظف مستشارين خارجيين، على الرغم من التحديات الأمنية المعقدة، التي من الممكن أن تحدق "بإسرائيل" في أي زمان.
وبالرغم من اللهجة التطمينية هذه، إلاّ أن الكثير من الأفكار السيئة، لا تزال تعشش في رؤوس القادة في "إسرائيل" وحتى من الذين يؤيدون خفض الميزانية التابعة للدفاع، وذلك من خلال إعراب الجيش، عن تنامي نسبة القلق النابعة من خشيته، في تراجع القدرة النسبية، والإنجازات الواضحة، التي توصل إليها الجيش الإسرائيلي طوال الفترة الفائتة، سواءً كان على مستوى الآداءات المختلفة، والتي تشمل جميع المجالات العسكرية، الجوية والصاروخية والبرية وأيضاً البحرية. ومن ناحيةٍ أخرى، قلقه من التراجعات الخاصة، من حيث العثور على مصادر أخرى لتمويل القوى العاملة في الجيش، من حيث دفع رواتب الجنود وميزانيات الإدارات المختلفة، وراحوا يعملون على حث الحكومة، على الإسراع في خلق مصادر أخرى خارجية، تهدف إلى المحافظة على ميزانية الدفاع، ونجدتها مما قد يضر بها، أو يُلحق الأذى ببعضها".
بينما اتخذت مثل هذه الإجراءات وغيرها، إلاّ أن الشارع ما زال يُخيم عليه الاحتجاج، الذي لا يزال يصرخ جوعاً وفقراً. ويصبح السؤال أكثر وضوحاً لدى الإسرائيليين، وخاصةً في ظل المرحلة، التي تسيطر عليها أجواء الحرب ومن كل اتجاه، وكأن الإسرائيليين في المجتمع الإسرائيلي لا يفهمون إلاّ مقولةً واحدة، وهي" يموت العقل عندما تفرغ المعدة".
عندما سلّم وزير الدفاع " باراك" بالأمر الواقع، ونظراً للحالة الطموحة لديه، فقد جاء على محاولة الطمأنة، ولكن بشيءٍ من اللوم حين قال موجهاً كلامه للمحتجين: لسنا في سويسرا". وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي، أيضاً: إن مكتبه فقط سوف يتحمل العبء الأكبر، وإذا كان هناك صفقة حقيقية، فهي على حساب وزارة الدفاع، التي هي صمام الأمن لإسرائيل والشعب الإسرائيلي".
ومن جهة أخرى، فقد تنامت لدى السياسيين والعسكريين على حدٍ سواء، نعرات كراهية وعدوانية، غلب على بعضها الحقد والانتقام، تتخللها ولا شك توجهات إثنية وعرقية، برز ذلك في مشكلة لوجستية، حينما رفضت إحدى المؤسسات المختصة بالوزارة، على تمويل طائرة مروحية، لنقل لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، إلى المنطقة الجنوبية، لمتابعة عمليات بناء السياج الأمني، على طول الحدود مع مصر، بحجة أن وزير الدفاع كان لا يزال غاضباً من رئيس اللجنة "شاؤول موفاز" الذي اتهمه بتخريب وتقليص الميزانية التابعة للمؤسسة.
وفي ذلك العمل الذي يكاد يكون الأبسط، من جملة العمليات المعقدة الأخرى، التي عادةً ما تجري بين المؤسسات المختلفة في الدولة، وخاصةً وهي تمر بمرحلة، هي الأخطر في تاريخها، مما يوحي وبدلالة واضحة، على الاستمرارية المباشرة، لعمق الأزمة وللعلاقة الغامضة بين رئيس اللجنة " موفاز" ووزير الدفاع "إيهود باراك"، والتي تشير إلى مزيد من التنافر بينهما، وقد يكون هناك دواعٍ سياسية أخرى خفية، أو استجابة لتحركاتهما الغامضة كل باتجاه الآخر.
في الأشهر الأخيرة، كانت هناك عدة اشتباكات نظرية بين "موفاز" و"باراك"، حيث ادعي"موفاز" بأن كلاً من وزير الدفاع ورئيس الوزراء، يُخفيا المعلومات الهامة، عن اللجان الأمنية واللازمة لعملها، وخاصةً فيما يختص بالمسألة الإيرانية، وينأيا بنفسيهما عن الظهور فيما يختص به الملف النووي الإيراني، ومن شأن ذلك أن يجرنا إلى مصيبة مصيرية، وكارثة لا تُحمد عقباها، وأيضاً توجيه التهمة للحكومة ككل بأنها تفتقر إلى الديمقراطية، في مجمل الأشياء، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة حيازتها المطلقة لاتخاذ القرارات، وذلك ما يؤسس من جديد لعداءاتٍ كانت قائمة بين الأحزاب والأشخاص، وكما يقول الإسرائيليون أنفسهم:" يبدو أن المشكلة ليست مجرد في جزء" بارك وموفاز"، بل هناك أشياءً، لا زالت تتفاعل تحت الرماد.
مع العلم أن "موفاز" أعلن بوضوح عن طموحه في أن يحل محل نتانياهو، وخاصة في الأسابيع الأخيرة حينما قفزت المعارضة على موجة الاحتجاجات الشعبية، التي نمت من دون تعب يُذكر، خاصةً حين بدا إخفاق الحكومة، في عدم حل مشكلات "إسرائيل" القائمة، ولا حتى كان بمقدورها الحفاظ على منجزات الدولة السابقة، بل جعلت من السهل لتلك الأزمات بالتفاقم ومضيّها إلى الأمام طيلة الفترة السابقة، حيث أهملت من خلالها القضايا الاجتماعية الهامة.
لعل هذا جزء يعبر عن واقع الحال "الإسرائيلي" الذي يسمونه "الواقع الدوار" الذي يسيطر علي جملة المشكلات الاقتصادية الخانقة، وحيث لا حل لها يلوح في الأفق، والتي كان وراءها الأثر الحقيقي في زيادة الحنق والضيق من قبل الشعب"الإسرائيلي" الذي لم يعهد مثل هذه الحياة من قبل، ليجد نفسه متفاعلاً، ليتساوق مع حالات التوبيخ وإلقاء اللوم على الحكومة، والأحزاب والمسئولين، الذين عملوا على توصيل "إسرائيل" إلى مدرجات الزيادات في الأسعار، وإسقاط الضرائب من على الشركات، ورفع ضريبة الدخل، وتحميلها أكثر وأكثر على فئات الشعب، التي جعلت معظمهم في "إسرائيل" الذين يملكون ثلاّجة فارغة، وينامون في شقة متسخة، وخاوية على عروشها.
لقد حرصت إسرائيل، على الدوام، أن تظهر بمظهر دولة الرفاه، والاقتصاد القوي الذي لا تزعزعه مجريات الوقائع ولا تقلبات الأيام، ولكن الذي حدث هو ضد ما أرادت إسرائيل. فالرفاه الذي كانت تعتمده لنفسها، كان ذلك سبباً في انهيار اقتصاداتها عاماً بعد عام، بحيث عجزت عن السيطرة عليه، وخاصةً في ظل الأزمة المالية العالمية، والتي ترزح تحت وطأتها حليفتها الكبرى وولية أمرها، الولايات المتحدة.
تبين ذلك، إثر المظاهرات الحاشدة والمتتالية، شملت كافة الأطياف التي شهدتها "إسرائيل" مؤخرًا، منذ مطلع الصيف الماضي وامتدت آثارها إلى الآن، حيث كانت لهم مطالب ليست ترفيهية وإنما معيشية فقط، مما يوحي بتدهور النمط الحياتي للشعب الإسرائيلي بوجهٍ عام، جعلت هذه الأوضاع، حكومة "نتانياهو" أمام امتحان هو الأصعب منذ تشكيلها منذ العام 2009، إذ لم تستطع حكومتة حتى الآن، بلورة إصلاحات شاملة تلبي مطالب المتظاهرين، حيث حذر من أن كلفة هذه الإصلاحات، ستكون عالية جداً، بما قد يدخل إسرائيل في دوامة أزمة مالية لا سابقة لها. وكان كشف تقرير إسرائيلي صدر مؤخراً، أن 29% من السكان يواجهون خطر الانزلاق إلى الفقر. واعتبر التقرير الذي نشرته دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، بأن هذه النسبة عالية جداً قياساً بالدول الأوروبية، التي تصل فيها النسبة المذكورة إلى 16% فقط. والجدير بالذكر، أن السكان الذين يواجهون خطر الفقر هم من العائلات، التي تصل نسبة الدخل فيها إلى 60% من متوسط الدخل الصافي للفرد.
وفي أعقاب هذه الحركة الاحتجاجية، كان من البديهي الاستجابةً لها، من خلال تأسيس لجنة مختصة برئاسة "مانويل تراختنبرغ" للبحث في الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية، وكانت قدمت تقريراً شاملاً، تضمن عدداً من التوصيات، تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية خاصةً، للطبقتين الضعيفة والوسطى، والتي كانت"التوصيات" مثار جدل وخلاف بين الأحزاب الداخلة في التشكيل الوزاري ومنها حزب "إسرائيل بيتنا" و"شاس" وحزب "عتسماؤوت" وبقية الوزارات المختلفة، وأهمها وزارة الدفاع، خاصةً بعد أن مسّت تلك التوصيات وبشكلٍ مباشر، الوزارة المعنية، التي يترأسها"إيهود باراك"، من حيث اقتطاع مبلغ، يقارب المليار دولار، وهو ما ساهم في توسيع شقة الخلاف بادئ الأمر من قبل "باراك" و"بيني غانتس" رئيس أركان الجيش، مع رئيس الوزراء "نتانياهو" الذي كان أيّد توصيات التقرير، للخروج من الأزمة، وكان رد نتانياهو عليهما وخاصةً الجنرال "غانتس" بالقول:" إنه كرئيس للحكومة يتحمل المسؤولية كاملة عن أمن مواطني إسرائيل، وإنه بالإمكان فعلاً الاقتطاع من موازنة الوزارة، وهو الموقف الذي أكده وزير المالية "يوفال شتاينتس" الذي أضاف:" أنه على يقين من أن الموازنة العامة للوزارة، كافية لتوفير الرد لمواجهة كل التهديدات المتربصة بإسرائيل، بما فيها تهديد الصواريخ. التي من المحتمل أن تأتي من أي اتجاه، وتابع "شتاينتس" أنه من دون اقتطاع المبلغ المذكور من موازنة الدفاع فإن عموم المواطنين لن يستفيدوا من خفض غلاء المعيشة".
وفي ضوء خفض ميزانية الدفاع التي فرضت نفسها، لإعطاء وزناً أكبر للقضايا الاجتماعية، قرر الجيش الإسرائيلي "شعبة القوى العاملة"، خفض حتى 5 ٪ من مجموع الجنود الوظيفيين في المجال العسكري، بالإضافة إلى إعادة النظر في هذه الخدمة، بهدف تقصير مدة جنود الجيش النظاميين أيضاً، وخاصةً الذين يخدمون في الإدارات المختلفة، التابعة للجيش الإسرائيلي.
وأيضاً فإن الجيش الإسرائيلي، سيعمل على إعادة النظر في إمكانية تخفيض مدة الخدمة لبعض الجنود، في إدارة الخدمة العادية، بالإضافة إلى خطة الجيش الإسرائيلي لقطع جزء كبير من مهام توظف مستشارين خارجيين، على الرغم من التحديات الأمنية المعقدة، التي من الممكن أن تحدق "بإسرائيل" في أي زمان.
وبالرغم من اللهجة التطمينية هذه، إلاّ أن الكثير من الأفكار السيئة، لا تزال تعشش في رؤوس القادة في "إسرائيل" وحتى من الذين يؤيدون خفض الميزانية التابعة للدفاع، وذلك من خلال إعراب الجيش، عن تنامي نسبة القلق النابعة من خشيته، في تراجع القدرة النسبية، والإنجازات الواضحة، التي توصل إليها الجيش الإسرائيلي طوال الفترة الفائتة، سواءً كان على مستوى الآداءات المختلفة، والتي تشمل جميع المجالات العسكرية، الجوية والصاروخية والبرية وأيضاً البحرية. ومن ناحيةٍ أخرى، قلقه من التراجعات الخاصة، من حيث العثور على مصادر أخرى لتمويل القوى العاملة في الجيش، من حيث دفع رواتب الجنود وميزانيات الإدارات المختلفة، وراحوا يعملون على حث الحكومة، على الإسراع في خلق مصادر أخرى خارجية، تهدف إلى المحافظة على ميزانية الدفاع، ونجدتها مما قد يضر بها، أو يُلحق الأذى ببعضها".
بينما اتخذت مثل هذه الإجراءات وغيرها، إلاّ أن الشارع ما زال يُخيم عليه الاحتجاج، الذي لا يزال يصرخ جوعاً وفقراً. ويصبح السؤال أكثر وضوحاً لدى الإسرائيليين، وخاصةً في ظل المرحلة، التي تسيطر عليها أجواء الحرب ومن كل اتجاه، وكأن الإسرائيليين في المجتمع الإسرائيلي لا يفهمون إلاّ مقولةً واحدة، وهي" يموت العقل عندما تفرغ المعدة".
عندما سلّم وزير الدفاع " باراك" بالأمر الواقع، ونظراً للحالة الطموحة لديه، فقد جاء على محاولة الطمأنة، ولكن بشيءٍ من اللوم حين قال موجهاً كلامه للمحتجين: لسنا في سويسرا". وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي، أيضاً: إن مكتبه فقط سوف يتحمل العبء الأكبر، وإذا كان هناك صفقة حقيقية، فهي على حساب وزارة الدفاع، التي هي صمام الأمن لإسرائيل والشعب الإسرائيلي".
ومن جهة أخرى، فقد تنامت لدى السياسيين والعسكريين على حدٍ سواء، نعرات كراهية وعدوانية، غلب على بعضها الحقد والانتقام، تتخللها ولا شك توجهات إثنية وعرقية، برز ذلك في مشكلة لوجستية، حينما رفضت إحدى المؤسسات المختصة بالوزارة، على تمويل طائرة مروحية، لنقل لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، إلى المنطقة الجنوبية، لمتابعة عمليات بناء السياج الأمني، على طول الحدود مع مصر، بحجة أن وزير الدفاع كان لا يزال غاضباً من رئيس اللجنة "شاؤول موفاز" الذي اتهمه بتخريب وتقليص الميزانية التابعة للمؤسسة.
وفي ذلك العمل الذي يكاد يكون الأبسط، من جملة العمليات المعقدة الأخرى، التي عادةً ما تجري بين المؤسسات المختلفة في الدولة، وخاصةً وهي تمر بمرحلة، هي الأخطر في تاريخها، مما يوحي وبدلالة واضحة، على الاستمرارية المباشرة، لعمق الأزمة وللعلاقة الغامضة بين رئيس اللجنة " موفاز" ووزير الدفاع "إيهود باراك"، والتي تشير إلى مزيد من التنافر بينهما، وقد يكون هناك دواعٍ سياسية أخرى خفية، أو استجابة لتحركاتهما الغامضة كل باتجاه الآخر.
في الأشهر الأخيرة، كانت هناك عدة اشتباكات نظرية بين "موفاز" و"باراك"، حيث ادعي"موفاز" بأن كلاً من وزير الدفاع ورئيس الوزراء، يُخفيا المعلومات الهامة، عن اللجان الأمنية واللازمة لعملها، وخاصةً فيما يختص بالمسألة الإيرانية، وينأيا بنفسيهما عن الظهور فيما يختص به الملف النووي الإيراني، ومن شأن ذلك أن يجرنا إلى مصيبة مصيرية، وكارثة لا تُحمد عقباها، وأيضاً توجيه التهمة للحكومة ككل بأنها تفتقر إلى الديمقراطية، في مجمل الأشياء، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة حيازتها المطلقة لاتخاذ القرارات، وذلك ما يؤسس من جديد لعداءاتٍ كانت قائمة بين الأحزاب والأشخاص، وكما يقول الإسرائيليون أنفسهم:" يبدو أن المشكلة ليست مجرد في جزء" بارك وموفاز"، بل هناك أشياءً، لا زالت تتفاعل تحت الرماد.
مع العلم أن "موفاز" أعلن بوضوح عن طموحه في أن يحل محل نتانياهو، وخاصة في الأسابيع الأخيرة حينما قفزت المعارضة على موجة الاحتجاجات الشعبية، التي نمت من دون تعب يُذكر، خاصةً حين بدا إخفاق الحكومة، في عدم حل مشكلات "إسرائيل" القائمة، ولا حتى كان بمقدورها الحفاظ على منجزات الدولة السابقة، بل جعلت من السهل لتلك الأزمات بالتفاقم ومضيّها إلى الأمام طيلة الفترة السابقة، حيث أهملت من خلالها القضايا الاجتماعية الهامة.
لعل هذا جزء يعبر عن واقع الحال "الإسرائيلي" الذي يسمونه "الواقع الدوار" الذي يسيطر علي جملة المشكلات الاقتصادية الخانقة، وحيث لا حل لها يلوح في الأفق، والتي كان وراءها الأثر الحقيقي في زيادة الحنق والضيق من قبل الشعب"الإسرائيلي" الذي لم يعهد مثل هذه الحياة من قبل، ليجد نفسه متفاعلاً، ليتساوق مع حالات التوبيخ وإلقاء اللوم على الحكومة، والأحزاب والمسئولين، الذين عملوا على توصيل "إسرائيل" إلى مدرجات الزيادات في الأسعار، وإسقاط الضرائب من على الشركات، ورفع ضريبة الدخل، وتحميلها أكثر وأكثر على فئات الشعب، التي جعلت معظمهم في "إسرائيل" الذين يملكون ثلاّجة فارغة، وينامون في شقة متسخة، وخاوية على عروشها.