الاثنين، 23 يناير 2012

تقرير مركز ستراتفور للأبحاث: سوريا بين شبيحة الأسد وحزب الله .. قراءة تحليلية



kolonagaza7

وطن
اعتمد نظام الرئيس السوري "بشار الأسد" بشكل كبير في كبحه للاحتجاجات على قوة محلية من المرتزقة تعرف باسم الشبيحة. ونظرًا إلى التركيبة الطائفية للجيش السوري، فإنه من المرجح أن تواصل دمشق هذا النهج؛ بالرغم مما يفتقره الشبيحة من مهارة وإستراتيجية بالإضافة إلى الاعتراضات المتصاعدة من جانب حلفاء سوريا في إيران.
التحليل
درجت أنظمة في الشرق الأوسط على استخدام عصابات مستأجرة في عمليات القمع لبعض الوقت، كما شوهد من قبل في كلٍّ من إيران ومصر وليبيا. وفي سوريا، اعتمدت حكومة الرئيس "بشار الأسد" بصورة خاصة وبشكل كبير على مجموعة من المرتزقة الموالين تعرف باسم "الشبيحة".
ويكشف هذا الاعتماد عن حجم المعوقات التي تواجه الجيش السوري - الذي تهيمن عليه الطائفة العلوية التي تمثل أقلية - في محاولته لإخماد الاضطرابات، فضلاً عما تكشفه من مستوى بالغ من الطائفية التي لا تزال تميز الصراع السوري عن غيره من نماذج الاضطرابات الإقليمية.
الشبيحة: نشأتهم وتوسعهم
وظهر "الشبيحة" - وهو ما يعني "ما يشبه الشبح" - للمرة الأولى عام 1967 عندما دخل الجيش السوري لبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. وكانت تتألف من شباب ينتمي أغلبهم للطائفة العلوية قادمين من اللاذقية وطرطوس وبانياس وهي مدن سورية ساحلية تضم كثافة كبيرة من العلويين. وقد نشط "الشبيحة" على طول الساحل السوري وعبر الحدود السورية اللبنانية وتورطوا على الأغلب في أعمال تهريب وبيع سلع مسروقة بين سوريا ولبنان، فيما كان العديد منهم يقومون بنهب المنازل والمخازن.
وتزايدت أعداد "الشبيحة" في فترة الثمانينيات عقب محاولة انقلاب فاشلة تزعمها "رفعت الأسد" شقيق الرئيس السوري الراحل "حافظ الأسد"، ففي أعقاب الانقلاب الفاشل، تم تفكيك "سرايا الدفاع" التابعة له؛ وهي قوة من صفوة العلويين تتألف من نحو 55 ألف جندي والذين تزعموا مذبحة عام 1982 ضد المتظاهرين السنة في حماة، وكذلك وحدات استخبارية موالية له، كما تم تجريد رفعت من السلطة وإجباره إلى المنفى لاحقًا، وفي نهاية المطاف انضم الكثير من المقاتلين في "سرايا الدفاع" المنحلة إلى صفوف "الشبيحة".
ووفقًا لمصادر خاصة بمركز ستراتفور يبلغ تعداد "الشبيحة" في الوقت الحالي ما يقرب من 20 ألفًا من الأعضاء الذين يتقاضون في المتوسط نحو 40 دولارًا في اليوم الواحد، كما أن العديد من "الشبيحة" ممن جندهم النظام السوري للتعاطي مع الاضطرابات كانوا من الشباب غير المتعلمين أو العاطلين أو المجرمين الذين أطلق سراحهم من السجن على شرط المضي إلى أبعد الحدود من أجل إظهار ولائهم للنظام؛ ويعمل معظمهم لدى النظام مدة دوام جزئي بينما يعملون في وظائف متواضعة أخرى. بالرغم من ذلك، أفادت التقارير أن البعض كذلك قد شق طريقه إلى داخل المجتمع التجاري السني في دمشق وحلب؛ حيث يقومون بأداء مجموعة من الوظائف الروتينية. ولا يشارك "الشبيحة" في العمليات الأمنية فحسب، بل إن نسبة كبيرة منهم متورطة في عمليات إعلامية لمساعدة النظام في نشر رسائل تصور المعارضة التي تقاتل الجيش على أنها عناصر جهادية متطرفة.
وبحسب تقارير لنشطاء معارضين وصحافيين ومراقبين حقوقيين، فإن النظام السوري كما هو متوقع سيقوم بدفع "الشبيحة" إلى المناطق الحضرية الأكثر اضطرابًا في البلاد، مثل حمص وحماة وأطراف دمشق وحلب والمدن الحدودية كدرعا وتلكلخ. وبمجرد حدوث ذلك، سينطلق "الشبيحة" من باب إلى باب في عمليات اعتداء وسجن وقتل لأعضاء المعارضة المشتبهين - بل وعائلاتهم أيضًا في بعض الحالات -.
ويعمل معظم "الشبيحة" وهم في ثياب مدنية، إلا أنه في الآونة الأخيرة وصفهم أعضاء من المعارضة بأنهم يرتدون زيًّا حديث التصنيع كثياب الشرطة أو زيًّا أسود ويحملون ما يبدو أنه نوع حديث من بنادق "إيه كيه- 47" الهجومية. إلا أنه من غير الممكن تأكيد صحة هذه التقارير؛ ولكن لن يكون من المستغرب إذا ما استثمر النظام السوري أموالاً إضافية لإضفاء الصفة الرسمية على "الشبيحة" كأحد خطوط الدفاع الرئيسية بالنسبة له.
إيران والإستراتيجية السورية
ولا يبدو أن الاعتماد الكبير لنظام الأسد على "الشبيحة" كإستراتيجية أمر يحظى بالتأييد الكامل من قبل إيران؛ التي تعد الحليف الرئيس لسوريا. فوفقًا لأحد مصادر ستراتفور، فإن بداية مساعدة سلاح الحرس الثوري الإيراني في تدريب "الشبيحة" كان في منتصف مارس عندما اندلعت أولى الاحتجاجات الكبرى في سوريا. وعلى النقيض من إيران التي اعتمدت على شباب ميليشيا الباسيج - الذين تم تلقينهم بكثافة دينيًّا ودمجهم في الأجهزة الأمنية الرسمية - لإخماد ما سمي بالثورة الخضراء في أعقاب الجدل الذي خلفته الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009 - فإن سوريا تفتقر إلى وجود عناصر ميليشية جيدة التدريب تحت تصرفها.
ويصف المسئولون الإيرانيون على نحو سري "الشبيحة" بأنهم قوة جامحة وغير منضبطة على الإطلاق. وقد صنف مصدر إيراني لستراتفور استخدام "الشبيحة" للعنف على أنه مضلل كما أوضح كيف أن الحرس الثوري الإيراني أخفق في محاولته توعية العناصر الميليشية السورية بأنه يتعين توظيف العنف بصورة إستراتيجية ليترتب عليه قمع الاضطراب وليس توسيع انتشاره.
وتشير معلومات المصدر إلى أن الحرس الثوري الإيراني قد خلص إلى نتيجة مفادها أن "الشبيحة" ربما يلحقون الضرر بنظام الأسد أكثر مما ينفعونه. ولهذا السبب، ادعى المصدر أن الحرس الثوري الإيراني قد تخلى عن تدريب "الشبيحة" وقام بدلاً عن ذلك بنشر عناصر من جماعة "حزب الله" للعمل معهم وفي بعض الأحيان حتى لحماية "الشبيحة"؛ الذين صاروا في الآونة الأخيرة أهدافًا لهجمات (الجيش السوري الحر) المنشق.
وعلى الرغم من اعتراضات إيران، فمن غير المرجح أن يقلص النظام السوري من اعتماده على "الشبيحة"؛ وذلك يرجع بشكل أساسي إلى البيئة الطائفية التي يعمل فيها حاليًا النظام. ويهيمن على الجيش السوري الضباط العلويون، والذين يتفوق عليهم في العدد الجنود الإلزاميون السنَّة ومعظمهم من الرتب الدنيا والمتوسطة. وقد قام العديد من القوات الإلزامية السنة إما بترك الخدمة في الجيش أو الانشقاق عنه نظرًا لعدم رغبتهم في القتال ضد إخوانهم. ومن ثم كانت عمليات القمع التي يمارسها النظام يتزعمها على الأغلب جميع القوات العلوية، بما فيها الحرس الجمهوري، والفرقة المدرعة الرابعة والفرق 14 و15 من القوات الخاصة، وشرطة الشغب، والاستخبارات العسكرية، واستخبارات القوات الجوية، وإدارة الاستخبارات العامة، ومكتب الأمن القومي، وأمن حزب البعث، وإدارة الأمن السياسي، وبالطبع، فرق "الشبيحة". في الوقت نفسه، فطالما كان النظام ممانعًا إلى حد بالغ في نشر وحدات عسكرية أكثر اختلاطًا من الناحية الديموغرافية؛ والتي من شأنها أن تكون أكثر عرضة للانقسام على أسس طائفية وتقويض لوحدة الجيش بشكل عام. ومن ثم فإن ممانعة النظام لنشر كامل قواته المسلحة يعني أن النظام سيستمر في الاعتماد على المرتزقة لتعزيز أعمال القمع.
ويمكن أيضًا أن يساعد استخدام نظام الأسد الكثيف لـ "الشبيحة" في تقليص اعتماده المتزايد على إيران، التي استفادت من الأزمة السياسية الراهنة لتوسيع انتشار الحرس الثوري في سوريا. وربما تكون إستراتيجية الأسد فيما يتعلق باستخدام "الشبيحة" بعيدة عن المثالية، إلا أنه بالنظر إلى القيود التي يواجهها، فإن هذه الاستراتيجية تبدو تساعد النظام في الاستمرار في مواجهة المعارضة السورية التي لا تزال منقسمة الأطراف والاحتفاظ بنوع من التماسك داخل الجيش عمومًا.
*ستراتفور: شركة أبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية تقدم معلومات استخباراتية حول الكثير من المجالات حول العالم مثل الأعمال، الاقتصاد، الأمن والعلاقات السياسية.



مشاركة مميزة