الجمعة، 27 يناير 2012



kolonagaza7
بشرى الهلالي
طال الطريق الى مدرستها، وامتد الطابور طويلا حتى احتجنا الى نصف ساعة تقريبا لتجاوزه، فتساءلت إبنتي عن سر نقطة التفتيش الجديدة هذه، والتي لم تكن موجودة بالأمس. أجبتها بإنها جزء من خطط أمنية جديدة بسبب التفجيرات الأخيرة. فقالت ببساطة: وما الجديد، فهي ككل المفارز لا يتم فيها تفتيش وإنما تأخير للسير فقط. لم أجد جوابا، تذكرت فقط وعد السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في بداية العام 2009، بـ"ان نهاية ذلك العام ستشهد رفع آخر حاجز كونكريتي". وما حدث هو العكس تماما، فالمفارز تتوالد كل يوم لتتجاوز ركام الكلمات وصراع الحروف التي ماعاد لها جدوى سوى ملء آلاف الأطنان من الورق الذي يستعمل آخر النهار مفارش ورقية للطعام أو لمسح زجاج السيارة وقد ينال عطف مسؤول ما، فيقلب عناوين صفحات جريدته التي أنفق الكثير على تمويلها فقط للإعلان عن حزبه، وربما لأن امتلاك جريدة وقناة فضائية صار جزءا من (موضة) لعبة السياسة في السنوات الأخيرة، فيغدو طبيعيا أن تهتم هذه المطبوعات والقنوات الفضائية ووكالات الأنباء (المعنونة) بأخبار أصحابها وبإظهار فضائلهم والتطبيل لهم. كما أنها المرة الأولى التي يمتلأ فيها البلد بكتاب -هم فقط من يقرؤون كتاباتهم- وتغص المكتبات بالصحف والمجلات التي يقتنيها كتابها أو من ينشر فيها إعلانا، وأيضا هي المرة الأولى التي تتزاحم فيها القنوات الفضائية والأرضية حتى تكاد ذاكرة الستلايت تنفجر من كثرتها، بينما لايشاهد اغلب المواطنين سوى المسلسلات التركية. وفي ظل هذا الزخم الاعلامي (المشكوك في فعاليته)، حيث يكون الكلام أشبه ب(حوار الطرشان)، هل يعود من جدوى لمناقشة الاختناقات المرورية والحواجز الكونكريتية والخطط الأمنية؟
عندما يكون الكلام والدم أرخص البضائع في بلدي، فلن تكون هنالك جدوى لأي شيء . ولا يعد هذا إعتراضا على الخطط الأمنية الجديدة (وقانا الله شر المعارضة) بل هو تساؤل ساذج عن أوجاع آلاف العراقيين الذين يزحفون صباحا لطلب لقمة العيش، ليحشروا أجسامهم المتعبة في (الكيا) أو سيارات خطوط دوائرهم دون أن تسبق مواكبهم الفوضوية صفارات تزيح الزحام عن الطريق أو (يتراكض) أمام كياتهم شباب خاكيون مسلحون ليسبقوا أجهزة المناداة التي قد لا تكفي لتنبيه رجل المرور كي يفسح الطريق الى القادم المجهول في سيارته الشبحية. وأيضا لا يعد هذا إعتراضا على الرجال الخاكيين بكل أصناف بدلاتهم، فهم مشاريع استشهاد دائم في ظل انتشار فايروس القتل، لكنه تساؤل آخر هذه المرة عن دور هؤلاء في المفارز، فكم كان منظر سائق الكيا الفقير مؤلما بالأمس عندما صرخ به أحدهم ليمنعه من المرور في طريق حرم على الكيات، ومن الطبيعي إنه ليس ذنب رجل الخاكي ولا ذنب السائق الفقير الذي نزل مرتجفا وهو يحمل أوراق سيارته ليثبت أنه ليس إرهابيا بل هو عراقي زحف مع الزاحفين منذ الفجر لتوفير لقمة العيش لأبنائه، بل هي خطة أمنية إقتضت تقطيع أوصال الشوارع بحواجز كونكريتية إضافية وبمفارز تستهدف الكيات وعربات الحمل الصغيرة والكبيرة والمواطن الذي ينوء كاهله بكل أنواع الأثقال حتى أصيب بعسر في الحركة والتفكير والأمل الذي زرعه في نفسه وعد الحكومة في 2009، لتتثاءب آماله مجددا. أما وعد السيد قاسم عطا بأن عام 2012 سيشهد رفع كافة الحواجز الكونكريتية، فهل سيتحقق الوعد ام ان علينا ان ننتظر وعدا ثالثا بعد ثلاث سنوات أخرى؟

مشاركة مميزة