الخميس، 2 فبراير 2012

التضليل الفكري



kolonagaza7

جواد عبد المحسن الهشلمون
التضليل: من ضلل، تعمد إخفاء بعض الأمور لئلا يهتدي الناس إلى الحقيقة ، و التضليل السياسي هو تضليل عامة الناس والشعوب وذلك ببث الأفكار المضللة والخاطئة لئلا تهتدي الشعوب والجماهير إلى الحقيقة ,لذلك يجب التنبيه لمزيد من الوعي على كل ما يذاع وينشر من دسائس الفكر والتضليل السياسي المركز ، الذي يمارسه المتلاعبون بالعقول في شكل ينم عن استهتار بعقول المسلمين واستخفاف بالناس بدون حدود في محاولة لاستغباء عامة الناس واستغلال طيبتهم وعفويتهم الصادقةفالخطر الحقيقي الذي تواجهه الأمة ليس كامناً في أن يكون لهذه الأمة أعداء ، ، بل يكمن في أن يكون لها أصدقاء وقادة سذج سطحيو التفكير او متواطؤن مع الكافر ضد امتهم.
ان الكفر هو الكفر ، والإيمان هو الإيمان ، كل منهما يسير في خط ، ولا يلتقيان أبداً ، والكفر عدو للإيمان مهما تلوّن وغيّر وجهه مصداقاً لقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ .. } ( (الانفال) ) ، وقوله : { ..وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ .. } ( (البقرة) ) ،. والباطل لا يقوى على الحق أبداً إذا تمّسك أتباع الحق به وصبروا وصمدوا على ذلك . فكما واجه عليه السلام الحرب الفكرية ، وحرب الكذب والاتهام ، والحرب المادية ، كذلك واجه حرب التضليل بهذا النور الإلهي السامي.
لقد اتخذ هذا الأسلوب من الحرب ضد المسلمين في ( العصر الحديث ) ، تماماً كما اتخذ قديماً ، لقد اتخذ في أوائل القرن لهدم صرح الدولة الإسلامية العثمانية ، " عندما وجّه الكفار أنظار المسلمين إلى فكرة القومية ليصرفوهم عن الوقوف على السبب الذي أضعف دولتهم حتى غدت رجلاً مريضاً ، وكانت الفكرة القومية بشقيها العربية والطورانية من الخناجر المسمومة التي أصابت مقتلاً في جسم الدولة ". وضلّلوا المسلمين بفكرة القوانين الغربية لإدخالها في قوانين الدولة على اعتبار أنها سبب في تقدم الشعوب الأوروبية ، وضللوها كذلك بحمل المعول أو الخنجر لقتل هذا الرجل المريض بدل إعطائه الدواء لشفائه وساعدهم الجهلة او الطامعون من ابناء المسلمين.
ولا يزال هذا الأسلوب الخبيث من الحرب الماكرة ضد الإسلام وضد العمل الإسلامي يتخذ وسيلة لصرف المسلمين عن جادة الصواب ، أو الإيقاع بهم في شراكه ، وذلك حتى يصرفهم عن هدفهم في إعادة الإسلام إلى واقع الحياة باستئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة دولة الإسلام ، فلم يقف عداء الكفار عند هدم هذه الدولة ، بل يعملون بكل الوسائل والأساليب الخبيثة من التضليل لإجهاض العمل الإسلامي لإعادة الإسلام .
إن خطر الحرب المادية ضد حملة الدعوة بشتى أصنافها من اعتقال ، وتعذيب ، وتشريد، وقهر ، وحرمان من وظائف وغير ذلك ، تعتبر أقل خطراً من أساليب التضليل إذا قورنت بها . وذلك أن أساليب الحرب المادية ضد حملة الدعوة ، وثبات حملة الدعوة برغمها تزيد الأمة قناعة بهم وبأفكارهم ، ويزداد تعاطفها تجاههم وخاصة أن فكرتهم هي من صلب عقيدتها .
أما خطر التضليل _ إذا لم تنتبه الأمة له _ فإنه يحدث شرخاً بين الأمة ودينها ، وبين الأمة ومن يتبنون مصالحها من حملة الدعوة,و أما الأساليب التي يتبعها الكفار بشتى مللهم هذه الأيام ضد أبناء العمل للإسلام فإنها عديدة ومتنوعة نقف عند بعضها :-
( مسألة الدولة الإسلامية :
لقد اتبع الغرب والكفار بشكل عام أساليب عدة لتضليل المسلمين عن هذه الحقيقة الراسخة ، وعن فكرة العمل لاستئنافها في أرض الواقع . ومن هذه الأساليب إنشاء أو تشجيع تجمعات إسلامية تدعو إلى الأخلاق ، أو العبادات أو تهتم بجانب العقيدة وتنقيحها دون الأحكام ، أو تهتم بطباعة الكتب وتحقيقها كل ذلك عن طريق عملائه من حكام المسلمين بهدف ترسيخ فكرة فصل الدين عن الحياة ، وتضليل المسلمين عن الهدف الأسمى والمشكلة الكبرى التي سببت لهم كل الآلام وهي غياب " دولة الإسلام " . فتقوم هذه الدول برعاية هذه التجمعات ، وفتح المراكز لها داخل البلاد ، ودعمها مادياً ومعنوياً وإعلامياً ، وفتح المجال لها خارج البلاد العربية أو الإسلامية، لتتابع حركة التضليل ضد أبناء المسلمين خارج البلاد. ولا يخفى على كل مسلم ما تقوم به بعض الحكومات من تقديم ملايين الدولارات لخدمة هذه الأعمال، وهم في نفس الوقت يحاربون العمل لإعادة الحكم بما أنزل الله حرباً لا هوادة فيها ولا رحمة ، وكان آخر ما صدر كتاب (حزب التحرير والتضليل السياسي)لعدنان الصوص.
(الأسلوب الثاني )حرب فكرة الدولة الإسلامية ويتمثل في كتّاب لا يتقون الله ، يقولون بأن فكرة الدولة الإسلامية كانت في فترة زمنية معينة وانتهت بانتهائها وهي ليست من أحكام الإسلام وإنما هي أسلوب يجوز تعدّده ، ويجوز تجديده حسب العصر كما يجوز أخذه من أنظمة أخرى مثل النظام الجمهوري وعدم امكانية قيام الخلافة وتطبيق الاحكام من جلد وقطع في القرن الحادي والعشرين
فحرب هذه الفكرة _ فكرة الدولة الإسلامية _ هو الأخطر بين هذه الأساليب فهو أسلوب تبني الفكرة نفسها ، عن طريق إعلان قيام حكومات في بعض بلاد المسلمين ، والإدعاء بأنها حكومات إسلامية . وقد أستخدم هذا الأسلوب لامتصاص حماس الناس الديني ، وتوجيهه وجهة خاطئة وإجهاض العمل المخلص في مناطق معينة وقد أخذ من وقت المسلمين ومن جهودهم الشيء الكثير ، وكانت ثمرته خالصةً لدول الكفر كما حصل في السودان والصومال .
( الأسلوب الثالث : إدخال الحركة الإسلامية العاملة في مسألة الحرب المادية ,وهنا تعمد إلى استخدام العمل المادي ، ويتم الإيقاع بها لتصطدم مع أبناء الأمة وتصبح في مواجهة معها كما حصل ويحصل اليوم في اليمن وليبيا ومصر وفلسطين والاردن وسوريا والخلاف بين الداخل والخارج وهذا الأسلوب فيه من الخطر الشيء الكثير على الحركة وعلى العاملين فيها بل وينقلهم من دائرةالاخلاص الى دائرة التواطىء مع الكافر كما حصل في الصومال,فلقد امسى شريف شيخ احمد على غير ما اصبح وغيره الكثير الكثير.
( الأسلوب الرابع) : محاربة فكرة العمل السياسي عن طريق التضليل الفكري .
وهذه الحرب لهذه الفكرة جاءت بعد دراسة واستنتاج ، حيث استنتج الكفار أن العمل غير السياسي لا يؤثر في الواقع السياسي شيئاً وهذه النظرة في محلها ، فالعمل الإسلامي إن لم يكن سياسياً ، أي يتبنى مصالح الناس ويسعى من خلال ذلك لإيجاد دولة ترعى شؤون الناس بالإسلام فلا قيمة له شرعاً ولااثر له في أرض الواقع . فالحقيقة أن الحرب على هذه الفكرة إنما هي حرب على المخلصين من أبناء الدعوة ، لأنه لا إخلاص دون عمل سياسي حقيقي، أي دون رعاية مصالح المسلمين وتبنيها .
( الأسلوب الخامس) من أساليب التضليل : الإغراءات للإيقاع بالحركة وإدخالها في دائرة الفساد في نظام الحكم الكافر ,فعندما تقبل الحركة لنفسها عن طريق أساليب التضليل أن تشارك في أنظمة الكفر كدخول الوزارات ، وتشريع الأحكام الوضعية وتمرير القرارات السياسية الخطرة من خلال تواجدها في البرلمان ، لأنها تفقد بعد ذلك ثقة الأمة بها لتلوثها بفساد النظام وظلمه . كما حصل في تركيا وفلسطين و الأردن ولو بمعارضة اتفاقية وادي عربة لان معارضتها قد جاءت بوصفها جزء من النظام من خلال الاشتراك في الوزارة والبرلمان ، وكما حصل في السودان مع الترابي وأتباعه .
. هذه أهم الأساليب التي يتبعها الكفر في حربه التضليلية الكافرة ضد أبناء الأمة المخلصين وضد العمل لاستئناف الحياة الإسلامية . وإن هذه الأساليب الماكرة المدروسة بعناية وتدبير وتخطيط ، لتحتاج إلى دراية ووعي في كيفية مواجهتها ، وتحذير العاملين في الحركات الإسلامية من خطرها ، وتحذير الأمة بشكل عام ، فكيف السبيل إلى ذلك ؟؟ .
وقبل ذكر الأمور التي نواجه بها هذا الخطر العظيم نقول : إن هذه هي سياسة المبدأ الرأسمالي الكافر في محاربة الإسلام ، وخاصة العمل لإنهاض الأمة الإسلامية باستئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة الدولة الإسلامية ، وهذا ليس غريباً أن يصدر من هذه الملة وهذا المبدأ بالذات ، فالحق تعالى يقول في وصف الكفر بشكل عام :: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ } ( (الانفال) وقال{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(التوبة ) وقال : { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ - اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ - لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ } ( (التوبة) وقال : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ (البقرة)
إن المبدأ الرأسمالي يرى في قيام دولة الإسلام واستئناف الحياة الإسلامية مقتله ونهايته الاقتصادية والمبدئية والسياسية,لذلك فإنه يتبع سياسة لا هوادة فيها في حرب الإسلام وحرب العمل للإسلام .
أما كيف يواجه المسلمون هذه الحرب القذرة ، الضالّة المضلّة ، فإن عليهم أن أولاً : ترسيخ مفاهيم العقيدة الصحيحة في أذهان المسلمين بشكل عام ، وعند حملة لواء التغيير بشكل خاص . وذلك بتقوية الإيمان في قلوب الأمة ، أي تقوية الصلة بالله عز وجل ، وتذكيرها بقدرته ، وعظمته ورعايته لأمة الإسلام بشكل مستمر . وأن عظمة الله هي أقوى من عظمة الكفار مجتمعين . وترسيخ مفاهيم النصر في أذهان المسلمين ،. وكذلك ترسيخ مفاهيم الرزق ، والقضاء والقدر ، وربطها في الناحية العملية في الحياة بالإضافة لتقوية الصلة بالله عز وجل ، وتعزيز مفاهيم العقيدة الصحيحة في العقول والنفوس . وترسيخ الكراهية للكفار في قلوب المسلمين ، بصفتهم بعيدين عن الله ،وان هذا العداء قائم على اساس عقائدي ،وانهم يسعون للقضاء عليها وطمس نورها ومعالمها من فوق الأرض . فهذه المفاهيم الصحيحة من العقيدة إن رسخت في عقول المسلمين وقلوبهم كانت ستاراً واقياً قوياً من أيّ ضعفٍ أو خلل أو محاولة اختراق من قبل الكفار ,وتجعلهم كذلك يعلنون الحرب على الكفار لما يحملون من شر على أمة الإسلام ، ولما يخططون ويمكرون للقضاء عليهم . ويدفعهم هذا أيضاً للعمل بكل حزم وعزم للخلاص من هذا الكافر المجرم .
ثانياً : يجب على المفكرين وحملة الدعوة خاصة شنّ حرب هجومية لا هوادة فيها على فكر الغرب وعقيدته الفاسدة بما تحمل من فصل الحياة عن الدين والإيمان وان لا يكونوا في موقع الدفاع، وهذه الحرب على قيمه وأخلاقه وأعماله وربطها بهذه العقيدة وما أنبثق عنها من فكر سقيم ,فبعد بيان فساد العقيدة الرأسمالية عقلاً وواقعاً ببيان واضح يبيّن ما بني عليها من أحكام فاسدة سقيمة كالنظام السياسي ، والنظام الاقتصادي ، والنظام الاجتماعي وما افرزته من انعكاسات حللت مجتمعاته وبيان الواقع الأليم الذي يعيشه الرأسماليون من حياة شقيّة ، ويبيّن حجم الجرائم والمفاسد المنتشرة في بلاد الغرب بسبب فكرة (الميكافيلية ) التي تبرر لهم الوسائل القذرة من أجل تحقيق منافع مادية وضيعة ، ويبيّن للناس أعمال الغربيين الحيوانيّة في بلاد الأرض ، وقيمهم المادية الوضيعة ، التي تهدف إلى مص دماء الشعوب ونهب خيراتها ، وإلى بذر الشرور والفساد والحروب ، والمجاعات وكل الأعمال الساقطة الوضيعة ، ويوضع الإصبع على أعمال معينة في مناطق معينة فمثلاً يلفت نظر المسلمين إلى أعمال أمريكا في العراق وفي أفغانستان وفي فلسطين وغيرها من مناطق وهذا يعني الانتقال من الدفاع الى الهجوم.
ثالثاً : بيان حقيقة الفكر الإسلامي في مقابل الفكر الغربي . وفي هذا يوقف عند كل مسألة من المسائل فيوقف عند العقيدة ، فيبيّن عقيدة الإسلام في مقابل عقيدة الغرب ، كيف أن الأولى مبنيّة على العقل ، وتقنع كل عقل إنسانيّ على وجه الأرض ، وتقيم عليه الحجة ، وتوافق الفطرة السليمة ، فتقرر ما في الإنسان من ضعف وحاجة ، وميل للتقديس والعبادة . بينما تقوم عقيدة الغرب على الحل الوسط ، فلا هي وقفت مع الحق ، ولا هي وقفت مع الباطل فهي عقيدة لا تقنع عقلاً ولا توافق فطرة .
ثم تستعرض الأحكام العملية لفكر الإسلام مقابل الفكر الغربيّ ، فيستعرض النظام السياسي وتبيّن صحة إحكامه واستقامتها فالكفار يحرصون على حرب الإسلام فكراً وعملاً حرصهم على الحياة ، ويتفننون في ذلك ، ويخترعون الأساليب والألاعيب التي تخفى أحياناً على كثير من الناس ، وهذا يحتاج إلى درجة عالية من التنبه واليقظة المستمرين ، وإلى الوعي الراقي على أحكام الإسلام وعلى مجريات الحدث السياسي .
 

مشاركة مميزة