kolonagaza7
الخميس, 02 فبراير 2012
حسان حيدر
تتحمل موسكو مسؤولية مماثلة لتلك التي يتحملها نظام بشار الأسد عن إطالة معاناة السوريين و «ذبحهم»، على حد تعبير رئيس الوزراء القطري أمام مجلس الأمن، فهي التي تحول حتى الآن دون إدانة دولية للحل الأمني الذي تعتمده دمشق رداً على مطالبة شعبها بالتغيير، وهي التي تدعم أصلاً هذا الحل عبر مدّها النظام بالوسائل العسكرية لتنفيذه، وهي التي تمنع تبني عقوبات دولية جماعية على سورية، وتنظّر وتدافع سياسياً عن استمرار الحكم الحالي مهما بلغت ارتكاباته وفظائعه.
لكن الشعب السوري ليس سوى «ضحية جانبية» لمواقف موسكو التي تُدخل مقاربتها للمسألة السورية في إطار استراتيجية سياسية وعسكرية شاملة لما ترى أنه صراع مع «الغرب الأطلسي» تحتل فيه دمشق حيزاً غير متواضع.
ليس مهماً بالنسبة إلى موسكو عدد الضحايا الذين يسقطون كل يوم في مدن سورية وقراها، ولا شخص الرئيس الأسد الذي أنكر وزير الخارجية الروسي أن يكون «حليفاً» لبلاده وقال إن موسكو ليست متمسكة به، بل ما يمثله موقع سورية في الاستراتيجية الروسية الأوسع.
فالمشكلة الفعلية ليست فقط في الاحتفاظ بالقاعدة البحرية في طرطوس، على أهميتها، ولا في مبيعات السلاح إلى بلد عاجز عن تسديد ثمنه، بل في بقاء سورية برمتها قاعدة أمامية مربوطة بشبكة المصالح الروسية، في إطار ما ترى روسيا أنه ضرورة لمواجهة «حصار» غربي يطبق عليها من كل جانب، حيث يمكن أن تؤدي خسارة «البيدق» السوري في لعبة الشطرنج الدولية إلى سقوط البيدق الإيراني لاحقاً، والانعكاسات المحتملة لذلك على الكباش المحتدم مع الغرب في جمهوريات آسيا الوسطى مثل قرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وأذربيجان إضافة إلى جورجيا، بعدما خسرت روسيا في شكل كامل أو تكاد الجبهة الأوروبية الغربية.
هناك إذاً انفصال كامل وبعد شاسع بين ما تسعى إليه الدول العربية من حل انتقالي في سورية يوقف المأساة والنزف المستمرين، كونها الجهة الأولى المعنية بالشأن العربي، وبين ما تضع موسكو كل ثقلها لمنع تغييره. وقد أظهرت المداولات في مجلس الأمن أنه ليس ممكناً التوفيق بين المسعيين ولا إقناع موسكو بحكمة التدرج في المعالجة، على رغم التشديد العربي والدولي على استبعاد فكرة التدخل العسكري.
ومع أن استمرار الانتفاضة السورية لا ينتظر موافقة روسيا ولا توافق مجلس الأمن على صياغة قرار، فإن إحكام الطوق الدولي على الحكم السوري قد يعجل سقوطه ويحد من الخسائر البشرية والاقتصادية.
ولا يترك هذا التضارب بين الهمَين العربي والروسي أمام الدول العربية بعدما استنفدت تقريباً وسائل الإقناع الديبلوماسية، سوى اللجوء ربما إلى محاولة الإقناع بوسائل أخرى بينها المقاطعة السياسية والاقتصادية. وعلى رغم أن التبادل التجاري السنوي بين روسيا ومجمل الدول العربية لا يتجاوز 12 بليون دولار، قسم كبير منها مع سورية نفسها، فقد يكون للمقاطعة تأثير معنوي أكبر لا سيما وأن الروس يبدون رغبة في تطوير التعاون مع العالم العربي ومع دول الخليج خصوصاً ويستعدون لإقامة «أسابيع تجارية» في بعضها قريباً.
يدفع السوريون من دمهم ثمن معركة لا علاقة لهم بها يخوضها الروس لحساباتهم الخاصة. فليدفع الروس الثمن أيضاً.
Dar Al Hayat
حسان حيدر
تتحمل موسكو مسؤولية مماثلة لتلك التي يتحملها نظام بشار الأسد عن إطالة معاناة السوريين و «ذبحهم»، على حد تعبير رئيس الوزراء القطري أمام مجلس الأمن، فهي التي تحول حتى الآن دون إدانة دولية للحل الأمني الذي تعتمده دمشق رداً على مطالبة شعبها بالتغيير، وهي التي تدعم أصلاً هذا الحل عبر مدّها النظام بالوسائل العسكرية لتنفيذه، وهي التي تمنع تبني عقوبات دولية جماعية على سورية، وتنظّر وتدافع سياسياً عن استمرار الحكم الحالي مهما بلغت ارتكاباته وفظائعه.
لكن الشعب السوري ليس سوى «ضحية جانبية» لمواقف موسكو التي تُدخل مقاربتها للمسألة السورية في إطار استراتيجية سياسية وعسكرية شاملة لما ترى أنه صراع مع «الغرب الأطلسي» تحتل فيه دمشق حيزاً غير متواضع.
ليس مهماً بالنسبة إلى موسكو عدد الضحايا الذين يسقطون كل يوم في مدن سورية وقراها، ولا شخص الرئيس الأسد الذي أنكر وزير الخارجية الروسي أن يكون «حليفاً» لبلاده وقال إن موسكو ليست متمسكة به، بل ما يمثله موقع سورية في الاستراتيجية الروسية الأوسع.
فالمشكلة الفعلية ليست فقط في الاحتفاظ بالقاعدة البحرية في طرطوس، على أهميتها، ولا في مبيعات السلاح إلى بلد عاجز عن تسديد ثمنه، بل في بقاء سورية برمتها قاعدة أمامية مربوطة بشبكة المصالح الروسية، في إطار ما ترى روسيا أنه ضرورة لمواجهة «حصار» غربي يطبق عليها من كل جانب، حيث يمكن أن تؤدي خسارة «البيدق» السوري في لعبة الشطرنج الدولية إلى سقوط البيدق الإيراني لاحقاً، والانعكاسات المحتملة لذلك على الكباش المحتدم مع الغرب في جمهوريات آسيا الوسطى مثل قرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وأذربيجان إضافة إلى جورجيا، بعدما خسرت روسيا في شكل كامل أو تكاد الجبهة الأوروبية الغربية.
هناك إذاً انفصال كامل وبعد شاسع بين ما تسعى إليه الدول العربية من حل انتقالي في سورية يوقف المأساة والنزف المستمرين، كونها الجهة الأولى المعنية بالشأن العربي، وبين ما تضع موسكو كل ثقلها لمنع تغييره. وقد أظهرت المداولات في مجلس الأمن أنه ليس ممكناً التوفيق بين المسعيين ولا إقناع موسكو بحكمة التدرج في المعالجة، على رغم التشديد العربي والدولي على استبعاد فكرة التدخل العسكري.
ومع أن استمرار الانتفاضة السورية لا ينتظر موافقة روسيا ولا توافق مجلس الأمن على صياغة قرار، فإن إحكام الطوق الدولي على الحكم السوري قد يعجل سقوطه ويحد من الخسائر البشرية والاقتصادية.
ولا يترك هذا التضارب بين الهمَين العربي والروسي أمام الدول العربية بعدما استنفدت تقريباً وسائل الإقناع الديبلوماسية، سوى اللجوء ربما إلى محاولة الإقناع بوسائل أخرى بينها المقاطعة السياسية والاقتصادية. وعلى رغم أن التبادل التجاري السنوي بين روسيا ومجمل الدول العربية لا يتجاوز 12 بليون دولار، قسم كبير منها مع سورية نفسها، فقد يكون للمقاطعة تأثير معنوي أكبر لا سيما وأن الروس يبدون رغبة في تطوير التعاون مع العالم العربي ومع دول الخليج خصوصاً ويستعدون لإقامة «أسابيع تجارية» في بعضها قريباً.
يدفع السوريون من دمهم ثمن معركة لا علاقة لهم بها يخوضها الروس لحساباتهم الخاصة. فليدفع الروس الثمن أيضاً.
Dar Al Hayat