الأحد، 5 فبراير 2012

الحركات الإسلامية بين التزامات الدعوة وأعباء السياسة

kolonagaza7

جواد عبد المحسن الهشلمون
لقد عاشت الامة ابان عهد الاستقلال والاستعمار حالة التغزل والتطرف العلماني, وهجمته المحمومة ضد كل ما هو اسلامي حتى غدا المسلمون في موقع المدافع عن ابسط مفاهيم الاسلام تجاه هذه الحملة الشرسة والخيار اما السجن والموت او المهادنة الاتباع ووجد الفراغ السياسي وغاب صوت الشارع حتى غدا عبارة عن صدى يردد اقوال الغاشم يفسرها تارة ويبردها تارة ويصف الغاشم بالمؤمن تارة..والشعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
ان الامة رغم كل ما فعل بها وما نزل من خطوات وخوف ربما اخفضت صوتها ولكنها بالقطع لم تبتعد عن دينها ولم تخلع ولاءها لدينها وقد ادرك الكافر هذا الامر فكان لا بد له ان يصنع الحاويات الفكريه التي تستوعب المسلمين لتنفيس احتقانهم واشغالهم بتوافه الامور عن عظائمها, فدخلت اصطلاحات ومفاهيم لم تعرفها الامة عبر هذه الحاويات الفكرية والتي نشأت حتى غدت مفاهيم تندرج ضمن قائمة المسلمات كحوار الحضارات ومشكلة المرأة..وحب الوطن وحرمة الخروج عن الحاكم ولما حل الربيع العربي وفاجأ الكافر المستعمر كما فاجآ الغاشم ارتفع صوت الحركات الاسلاميه وشعاراتها.. وكان لا بد من مواجهة الواقع الذي نشأ بعد ان ولجت باب الحكم والذي كان موصداً بوجهها..بل وجدت نفسها في خضمه وترتقي سدته حين ذللت العقبات لها وأيدها الشعب.. فكان لا بد من التوفيق بين ما كانت ترفعه سابقا من شعار(الاسلام هو الحل) وبين هذا النظام الجديد الذي وجدت نفسها على رأسه او على كتفه
لقد نشأت حالة(التخويف)عقب انهيار بعض الانظمه في الدول العربية, ليس لانهيار الطواغيب بل للخوف الناشئ ليس من ذهاب العلمانية بل من مجيئ الاسلام الذي صدحت به حناجر الشعوب الاسلاميه, فكان الرد المحزن من الاسلاميين ان قدموا التنازلات الفكرية التي تطمئن الغير من وصولهم للحكم, بل واعطاء الانطباع لهذا الغير بديموقراطيتهم بل ولسعيهم لايجاد ااتلاف بينهم وبين غيرهم من العلمانين والحداثيين وبين كل مكونات المجتمع والدعوة للتعدديه ولحكومة الوحدة الوطنية ومثالة ما حصل في تونس من تصريحات لا يمكن قراءتها سياسياً الا ضمن ترجمان الديموقراطيه وفصل الدين عن الحياة , ومن هذه التصريحات(ان وجود التناقض يحلة وجودنا في وطن واحد ,والمشاكل لا تحل بألف طريقة وهناك رؤئ مشتركة حول مشكلة البطالة مثلا) و(المشكلات الكبرى نجد اننا متقاربون في الحل بيننا وبين حلفاؤنا)راشد الغنوشي
وكانت من ضمن هذه التطمينات ان قالوا(ان مهمة الدولة ليس ان تفرض على الناس نمط حياتهم...بل نترك للمجتمع المدني ان يختار فجاء قولهم(سننزع هذا المنع ونترك لها ان تختار نمط حياتهم وعندما نتركهم هم يختارون الخير...فليس مهمة الدولة ان تفرض على الناس نمط حياتهم) فجاءت هذة الاغلوطات معلنة ان الاصل الذي تحل على اساسه المشاكل ليس الاسلام وانما النفعيه فمشكلة التعري وبيع الخمور قضيه تتعلق بالسياحة التي تشكل رقماً في الدخل القومي والتعاطي معها قضية اقتصادية.
لقد جاءت هذه التطمينات عبر وسائل اعلامية وجهتها هذه الحركات للخارج عندما تساءلت هذه الوسائل وغيرها حول امر محدد واحد وهو كيف سيحكم الاسلاميون حين استلامهم الحكم...؟؟ وكيف ستكون علاقتهم مع اسرائيل...؟؟ فنشأ هذا البون الشاسع الواسع بين الخطاب الداخلي وبين الخطاب الخارجي وجاء الرد مع الأسف على لسان العلامة(ستكون الدول التي تشهد الصحوة ويحكم فيها الاسلاميون عاقلة وحكيمة في تعاملها مع الغرب واسرائيل لكنها لن تقبل القمع)يوسف القرضاوي.
ان جميع الحكام في العالم الاسلامي اليوم يطبقون على الامة انظمة الكفر بالقوة والقمع, بمساعدةٍ من القوى الكافرة, وهي تقوم على الانظمة العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة...ونتيجة لذلك فإن الحكام في بلادنا يعملون بنشاط بناءً على اوامر الكافر لفصل الاسلام عن شؤون الحياة وحصرة في المساجد والعبادات الفردية ولذلك فإنه كلما اظهرت الامة رغبة في العودة الي حكم الاسلام قام الكافر المستعمر بتوجيه عملائه لاستيعاب هذه الرغبة عند الامة واحتوائها اما بتنفيس هذه الرغبة ببعض الجزيئات او بالاجراءات القمعية مستعملاً سياسة الترغيب والترهيب وهذا ما سمعناه من الرؤساء حين اهتز عرشهم فقالوا اما نحن او الفوضى بل هددوا بمجيئ القاعدة ان رحلوا وانهم (حماة الديار).
لقد كان ترغيب الامة والتنفيس عنها نهج سياسي بإدخال بعض الترتيبات لتتزين القشور وايهام الناس بالتغيير ولكنه في الحقيقة بقي على حاله ، وان كان هذا الاسلوب يختلف من بلد اسلامي الى آخر , ففي السعودية مثلاً يقوم الحاكم بتنفيذ بعض احكام الاسلام كجلد الزاني ، ورجمه او قطع يد السارق ، وقد استطاع الكافر بالتعاون مع الغاشم تضليل الامة الى حد ما واقناعها بعدم امكانية تطبيق الاسلام كاملا .... فصار بعض المسلمين يرى ان اخذ بعض الاسلام خير من تركه كله حسب وهمهم . ومثاله تصريح وزير داخلية باكستان ( بأن الدستور سيعدل من اجل جعل القرآن والسنة هما القانون الاعلى ) وأتبعه وزير الشؤون الدينية بتصريحه ( ان الحكومة تعمل بنشاط على مراجعة (5500) قانون موجودة لجعلها تتفق مع التقاليد والقيم الاسلامية ) وكان آخر الاجتماعات مؤتمر الازهر الذي حضره شيخ الازهر والبابا شنوده واطياف العمل السياسي في مصر لتشكل بمجموعها قاعدة العمل المشترك لصياغة الدستور الجديد .
اننا ندرك حقيقة ما قامت وتقوم به الانظمة من سياسة التلبيس والتدليس على الامة ونعلم اهدافها ودوافعها وتواطأها مع الكافر على الامة,وندرك ان الامة قد انتفضت لترفع الظلم عنها, ولكن ما يحزن حقا ما برز في الاونه الآخيرة من قيام الاحزاب والحركات الاسلامية بما قامت به الانظمة من ادخال الاغلوطات على الناس,فلقد خرجت الامة تهتف(الشعب يريد اسقاط النظام)ونرى اليوم ان هذه الحركات اصبحت جزءا من النظام بل وتدافع عنه والانكى من هذا وامر انها تخاطب جمهورها بأمر يختلف عما تخاطب به الخارج, لمحاولة تزيين صورهم واجتماعاتهم حين قرِّبوا بعد ان ابعدوا ليلفت النظر ويدعوا للتخوف والتساؤل عما يحدث او سيحدث داخل الغرف المغلقة التي يجتمعون بها مع الجهات الاجنبية وخصوصاً امريكا التي ابدت عدم اعتراضها عن وصولهم للحكم ,فيكون لسان حال الامة كما قال الشاعر:
بليت بعمر فمات فسرني بليت باقوام بكيت على عمر
ان الاسلام يمنع المسلمين من الاشتراك في التطبيق الجزئي للاسلام سواء اكان ذلك في الحكومة ببعض الوزارات او في كلها لان التطبيق الجزئي يعني اخذ بعض الاحكام الاسلامية وهذا حرام لقول الله عز وجل (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)البقرة 85, وهذا ما ظهر جليا على رؤوس الاشهاد حين سئل رئيس حزب النور عن رأي حزبه في معاهدة كامب ديفد فأشار بأنه يتحفظ على بعض البنود الواردة فيها ..... وأنه ان كان لحزبه وزراء فإن الوزراء يلتزمونَ بسياسة الدولة .
ان تشوق الامة لحكم الاسلام وعدل نظامه هو الذي دفع المسلمين لانتخاب من ترشح ضمن اطار وشعار الاسلام فجاءت هذه النتائج مؤذنة بحيوية الامة وتعشقها لكل ما هو اسلامي وهذا وصف واقع فالمسلمون بفطرتهم الصافية النقية قد وثقوا بمن رفع شعار الاسلام فأيدوهم وتكتلوا حولهم وأعانوهم حتى يحملوا قضيتهم ويدافعوا عنها ويكونون ردؤهم من خلفهم ، فالانتخابات هي وكالة رأي وهي جائزة شرعاً بأن يحمل المنتخب رأي من انابوه عنهم مثلهم في ذلك مثل النقباء الذين حملوا رآيهم ورأي غيرهم في حضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن الغير جائز شرعاً ان يغير المنتخب رأيه حين وصوله فإنها خيانة لامانةٍ استعد ان يحملها والله سبحانه وتعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)الانفال ، وأمانة حمل الرأي والمحافظة عليه وتنقيته اصل وكل ما يطرأ من تلبيس او تدليس او تواطأ هو خيانة للامانة ، فتصريحات رؤساء هذه الاحزاب والحركات لا يعبر عن مشاعر المسلمين وتشوقهم للاسلام وان كان لا يعفيهم بالمطلق من تحملهم لمسؤولية المشاركة بحجة انه ملبوس عليهم فقد قال علي ابن ابي طالب للاحوط بن قيس ( يا احوط انه ملبوس عليك فالحق لا يعرف بالرجال ..... اعرف الحق تعرف اهله ) وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن الحسن قال ( دخل عبيد الله بن زياد على معقل بن يسار وهو وجع فسأله فقال : اني محدثك حديثا لم اكن حدثتكه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( لا يسترعي الله عبداً رعية يموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة ) قال ألا كنت حدثتني هذا قبل اليوم قال ما حدثتك اولم اكن لاحدثك ) وعبيد الله بن زباد بن ابيه هذا كان والياً شديداً صلباً يهاب جانبه وهو اول من فرض منع التجول.
ان المسلم صاحب قضية وقضيته هذه هي محور حياته وحياته تدور حول هذا المحور وهي عقيدته وقاعدتها الفكريه الثابتة الصحيحة التي يستند اليها في كل قول او فعل وهي الدافع لمثابرته وثباته وهي المنظم له وضابطه في كل علاقاته بل ويستمد منها الأمان والاطمئنان ، فصاحب القضية ليس له إلا لون واحد ووجه واحد وموقف واحد في كل الاحوال والظروف ، لا يتلون بلون الواقع لعلة عقلية يتعللها او ذريعة يختبئ وراءها ، اذ ان القضية التي يحملها قضيته هو لا قضية غيره يحملها نيابة عنه بل ان غيره قد وثق به فلا يتنصل اليوم او في هذا الظرف مما طرحه او رفعه بالامس,والامة بمسيس الحاجة للمواقف الصلبة, فلا بون ولا مسافة بين قوله وفعله ولا يجوز لحامل القضية ان يكون امعة فقد روى الترمذي عن حذيفة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تكونوا امعة تقولون ان احسن الناس احسنا وان ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا انفسكم ان احسن الناس ان تحسنوا وان اساءوا ألا تظلموا ) .
ان الكافر قد تبنه لامر هذه الامة وحيويتها فسباتها لا يعني موتها او استسلامها كغيرها بل ان جمرها كامن تحت رمادها فلا يريد ان يتفاجأ ثانية مفاجأة قد تخرج الامر كله من يده, وان يحصل في بلاد المسلمين ما يخاف منه ويحذر ، فكانت موافقة اللينة حيال الحركات والاحزاب التي وصفها ( بالاسلام المعتدل ) لبناء جسر للتفاهم معها لاستعمالها تماماً كما استعمل الأنظمة وليكن شعار هذا الاستعمال هو الاسلام هو الحل ، فلا ضير عنده من يحكم او كيف يحكم ان تحققت مصالحه ، فلقد عزز الربيع العربي قناعاته بضرورة الهيمنة المباشرة على العالم الاسلامي ولو بالقوة ان فشل بناء هذا الجسر .
ان نشوة انتصار الامة وزهوها وكسرها لحاجز الخوف قد اعاد لها بعض عزها وثقتها التي فقدت قبل هذا الربيع وصوتها الذي خبا في السابق وعاد الان حين قالت ( الموت ولا المذلة ) هو ضامن لكشف أي تحايل او تلاعب بمصيرها تحت أي شعار لصرفها عن جادة الصواب او لتمرير أي مخطط .... وان الذين انتخبوا هذه الحركات أو رفعوها سرعان ما يدركوا انهم قد اسلموا الأمر لمن لا يستحق فإن الأمة قد دفعت الثمن الباهظ لا لتعود للعهد السابق وهذا من المبشرات,فالخير قادم والربيع في بدايته والحكم عليه لا يكون من خلال تنويره فالثمر قادم والقطاف وفير باذن الله والله معكم ولن يتركم اعمالكم.
وهنا يبرز دور المخلصين من ابناء الامة وهو شحن الامة بأفكار ومفاهيم الاسلام وشحذ همتها فهذا موسم القطاف فالعمل مضاعف والطريق وان ازدادت صعوبته فإن تنبه الامة ووعيها واسجابتها اقرب ووعد الله بالنصر والتمكين يصاحب هذا العمل ويعين عليه وصدق الله العظيم (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)الرعد17

مشاركة مميزة