kolonagaza7
الدكتور مؤيد الونداوي
منذ
وقت ليس بالقصير، تنطلق دعوات وتحت اكثر من لافتة، من أجل اخراج العراق من عنق
الزجاجة، التي ما زال كثير من الزعماء السياسيين، يصرون على أن تبقى البلاد محشورة
فيها، وذلك لدوافع ومصالح يتداخل فيها الحزبي بالشخصي والعرقي والطائفي، وما تشهده
دول الاقليم، وسعي بعض اطرافه تحقيق نفوذ فيه.
إن
بعض هؤلاء الدعاة لهم نواياهم المخلصة، وهم يدركون أن هناك جماهير عراقية واسعة،
تتطلع لإنقاذ حاضر العراق ومستقبله، بعد الدمار والخراب الذي اصاب كل زاوية من
زواياه.
حتى
الآن نسمع عن أربعة مخارج تطرح، بوصفها الطرق الممكنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في
الحالة العراقية القائمة وهي: أولا عقد مائدة مستديرة تجتمع عليها الأطراف
السياسية المشاركة في العملية السياسية، أو وهذا ثانيا أن تتفق جميع هذه الأطراف
على ضرورة تصفير الأزمات القائمة، أو وهذا ثالثا أن تطرح ورقة اصلاحات، أو وهذا
رابعا، أن يعود الجميع إلى مأدبة طعام رئيس الجمهورية، حالما يعود إلى ممارسة
نشاطاته الوظيفية في بغداد، بعد أسابيع طويلة من غيابه للعلاج الطبي والنقاهة خارج
البلاد، أو في منزله في مدينة السليمانية، والتي كان عليه فيها أن يرتب مستقبله
العائلي والحزبي، قبل أن يتقاعد من الحياة او الوظيفة.
هذه
الخيارات الأربعة لم تات عبثا، بل جاءت بتسلسل فرضته داوعي الحاجة التي مرت بها البلاد وما تزال منذ الاحتلال الأمريكي لها
بشكل عام، ومنذ تاسيس حكومة الشراكة الوطنية برئاسة نوري المالكي بشكل خاص، وإذا
أمعنا النظر في هذه الخيارات نجدها أيضا هي الأخرى، تنحدر من الأعلى إلى الاسفل في
جدية معالجة الحالة العراقية، إذ هنالك فرق بين انعقاد مائدة مستديرة تجتمع عليها
جميع الاطراف، ولا تنفض قبل توصل الجميع لحلول ممكنة، وبين الحضور إلى منزل
الطالباني والجلوس في مجلس قبلي الشكل والمضمون على طريقة اللوير جركة الافغاني،
ينتهي بعد ساعتين بالإعلان عن تشكيل لجان ومثلما حصل مع أكثر من لقاء من هذا النوع
فيما مضى، فجميعها اثبتت الأحداث عدم فاعليتها إن لم نقل فشلها.
ورقة
الاصلاحات المنتظرة والتي طرحها التحالف الوطني إثر انطلاق الدعوة من أربيل لسحب
الثقة عن رئيس مجلس الوزراء، جاءت كرد فعل وموقف ومخرج لفشل دعاة سحب الثقة فيما
خططوا له، خصوصا بعد أن انفرط العقد بتراجع تيار الأحرار عن التزاماته بهذا
الاتجاه، وأيضا بسبب تحول الطالباني عن موقفه مبررا ذلك بمسؤولياته بوصفه حاميا
للدستور، وهي حماية نادرا ما يتدخل لتحقيقها.
ورقة الاصلاحات هذه يبدو أن الحديث الكثير الذي
جرى حولها، والزيارات الكثيرة المتبادلة بين قادة الكتل بشأنها، قد انتهت الآن
واتضح عدم وجود أي ورقة من هذا القبيل، وبالتالي كان هنالك تضليل سياسي واضح مارسه
كل من تحدث عنها أو كان طرفا فيها.
المائدة
المستديرة هي الأخرى دعوة أطلقها زعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم، حالما تم تشكيل
الحكومة المالكية الثانية بعد ولادة قيصرية، ساهمت فيها أطراف إقليمية معروفة،
وجاءت تلك الدعوة بسبب الادراك المبكر، بأن هنالك امورا كثيرة لن يمكن التوافق
عليها، خصوصا وأن رئيس مجلس الوزراء لديه برنامجه الخاص، وأنه لن يلتفت إلى بنود
مبادرة أربيل، التي نجم عنها تكليفه بتشكيل الحكومة، ومن بين ذلك وعلى أقل تقدير
الموضوع المتعلق بمجلس السياسات.
عمار الحكيم ومجلسه الأعلى خسر الكثير في
الانتخابات العامة 2010 لصالح ائتلاف دولة القانون وتيار الاحرار، ومن ثم خسر أكثر
بعد أن تركه رئيس منظمة بدر والتحق بائتلاف دولة القانون، وحتى حصول أحد قادة
المجلس وهو عادل عبد المهدي على منصب نائب رئيس الجمهورية، قد أضاع فرصة سياسية
مهمة للمجلس بسبب اصرار هذا الأخير على تقديم استقالته، وبالتالي سجل لنفسه موقفا
لم يسجله أحد من قبله.
لقد
كان عمار الحكيم الأكثر اصرارا على أهمية انعقاد مؤتمر الطاولة المستديرة وتحدث
موسعا عنها في أكثر من مناسبة، ولكنه لسبب أو لآخر لم يقدم خارطة طريق واضحة عن
هذا المؤتمر، ولا يمكن أن نبرر هنا سوى أنه كان وكما يبدو، مثل كثيريين غيره
مقتنعا بأن قادم الأيام ستكون من الصعوبة بمكان سياسيا واجتماعيا، وأن اصحاب الشأن
باتوا لا يستمعون إليه مثلما كانوا يفعلون مع والده قبل سنوات قليلة مضت.
نعم لم يستمع أحد من الكتل السياسية لدعوة
الحكيم هذه، ويبدو أن هنالك أسبابا كثيرة تقف وراء ذلك، منها طبيعة الحراك السياسي
والتطلعات الحزبية والشخصية داخل البيت الشيعي من جهة، وادراك الأطراف الأخرى أن
المجلس الأعلى أخذ يفقد بريقه، وأن عليهم التعامل مع الكتل الأكبر حجما داخل هذا
البيت، وهو تعامل أثبتت الأيام أنه محكوم أما بمصالحه الخاصة أو بسبب رتباطاته
الخارجية، قبل المصلحة الوطنية العامة وعلى أقل تقدير في هذه المرحلة.
دعاة
تصفير الأزمات، هم بدورهم لا يقدمون من طرفهم وصفة كاملة للمستقبل، وهم لا يتحدثون
عن ماهية الأزمات الواجب تصفيرها، ولا يقدمون برنامجا واضحا أو خارطة طريق أو سقفا
زمنيا يتم التقيد به، للوصول إلى عملية التصفير وتقديم ما هو بديل بعد إنجاز
التصفير.
نعم
هنالك كم كبير من الموضوعات والمسائل الواجب معالجتها، الكثير منها تم تأجيله عبر
برنامج مقصود لترحيل الأزمات من دون اعتبار لمخاطر مثل هذا التعطيل، البناء بحاجة
إلى صيانة كبيرة قبل أن ينهار على رؤوس الجميع.
كما
أن دعاة التصفير للأزمات، قد لا يدركون أن عملية التصفير بحاجة إلى رؤى واضحة،
وتوافق مطلوب مع أستعداد أكيد لتقديم تنازلات كبيرة، من قبل جميع أطراف العلاقة
وهذا أمر ليس في الأفق ما يستدل منه أنه ممكنا في الوقت الحاضر.
ولقد تعددت المعظلات والمشاكل وتوسعت وتعقدت
بطريقة بات معها ليس من السهل التعرف على ما هو مهم أو الأهم قبل غيره لوضعه على
جدول برنامج التصفير، موضوع واحد مثل قانون العفو العام مر عليه أكثر من 14 شهرا،
وما يزال يراوح في مكانه بسبب الاختلاف بين اطراف المعادلة السياسية على بعض بنوده
ومن يمكن شموله بمثل هذا القانون عند تشريعه، وهنالك حزمة من القوانين والقرارات
كان من المؤمل أن يتم التوافق على تمريرها في البرلمان بعد عطلة عيد الفطر، ولكن
وبعد أكثر من شهر لم يتم التوصل إلا على تسمية أعضاء مفوضية الانتخابات ولكن بعد
مناقشات حادة.
البلاد
تعصف بها اليوم أزمة امنية كبيرة، الكثير يتفق على أن من يقف وراءها أطراف سياسية
مدعومة من الخارج لا يتم التوافق على تشخصيها، كما أن عمليات الاغتيالات المنظمة
باسلحة الكاتم للصوت تطال الجميع، بغض النظر عن انتمائاتهم السياسية والطائفية
والعرقية، ويشمل ذلك العديد من ضباط الجيش والأجهزة الأمنية السابقة، بالمقابل لا
نجد الحكومة بشخص رئيس مجلس الوزراء، وبوصفه أيضا المعني بملفي وزارة الدفاع
والداخلية، على استعداد لمصارحة الشعب بمن يقف خلف هذه الحملات المنظمة، التي
غالبا ما يبقى الجناة ومرتكبوها مجهولين، وهو يرى أن قانون البنى التحتية الذي بذل
جهده لإقناع البرلمان بتمريره أهم من معالجة الأوضاع المتردية في البلاد.
من
هنا يبدو واضحا أن على العراق والعراقيين أن ينتظروا طويلا قبل أن يلوح الضوء في
نهاية النفق، إذ أن العراق الفدرالي التعددي والديمقراطي، إن صحت هذه التسميات، لا
بد أن يبقى ضعيفا لوقت اضافي، قبل أن يتحدد شكل الأحداث واتجاهاتها والمتغيرات
التي تعصف في منطقة المشرق العربي وما يجاورها.
ويبدو
أن زعماء العراق لا يدركون حقا المخاطر المحيطة بهم داخليا وإقليميا، وهم يصرون
على أن العراق بوسعه تجاوز الحالة التي هو عليها، وأن يستفيد الآخرون من تجربته من
دون أن يقدموا ما يمكن اثباته بهذا الاتجاه.
من
هنا فإن موضوعا مثل تصفير الأزمات، لن يقدم شيئا جديدا، ولا يجب الوثوق به بقدر ما
يتم التعامل معه على أساس أنه شكل آخر من أشكال الهرب من تحمل المسؤولية ليس فيه
من الجدية شيء، فضلا عن عدم وجود الرغبة بحدودها الدنيا لتصفير أي من الازمات
الحقيقية والكبيرة القائمة.