الخميس، 13 ديسمبر 2012

اسرائيل لن تنصاع للارادة الدولية في قضية الرقابة على السلاح النووى

kolonagaza7
بقلم : المختص في الشئون الإسرائيلية : رأفت حمدونة

أعتقد ان قرار الأمم المتحدة فى 2/12/2012 بأغلبية ساحقة اخضاع البرنامج النووي الاسرائيلي لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنع اسرائيل من استخدام السلاح النووي ، ومطالبتها بفتح مفاعلاتها النووية امام مراقبي الوكالة الدولية ، وباغلبية 176 دولة صوتت لصالح القرار ومعارضة فقط 6 دولة وامتناع 6 ستبقى خطوة نظرية ولكنها في الطريق الصحيح حيث انكشاف اسرائيل بحقيقتها امام المجتمع الدولى ، ولكن بتقديرى هذه الخطوة ستفشل على مستوى التطبيق في ظل التغطية الامريكية التقليدية وفى ظل العنجهية الاسرائيلية بعدم الالتفات لقرارات الامم المتحدة التقليدية والمواثيق الدولية من جانب ، وسياسة الغموض التى تتبعها دولة الاحتلال منذ الخمسينيات لحتى هذه اللحظة باستثناء زلة لسان - كما وصفها المراقبون - من أولمرت و لأول مرة أثناء زيارة له لألمانيا فى 11/12/2006م  والذى اعترف بأن اسرائيل إحدى الدول التى تمتلك السلاح النووى خلال مقابلة مع التلفزيون الألمانى .
لذا الاجتماع فى العاصمة الفلندية هلسنكي فى 23 من ديسمبر 2012 سيكون اجتماعا مخصصاً للموضوع وسيستهدف دولا أخرى كايران تحت شعار " خلو منطقة الشرق الأوسط " من السلاح النووى .
وللتوضيح أكثر فدولة الاحتلال لن تعطى مبرر صريح للوكالة الدولية للطاقة الذرية كونها لا تعترف صراحة بكونها جزء من المنظومة النووية الدولية باتباعها سياسة الغموض وعن السلاح النووى الاسرائيلى كما وصفه أفينار كوهين في كتبه : برنامج السلاح النووي الإسرائيلي ليس الوحيد الذي ولد بالسر، ولكن الخصوصية في هذا الموضوع بأن السلاح النووي الإسرائيلي بقي بسياسة الغموض ( أي عدم النفي وعدم الاعتراف من جانب إسرائيل بامتلاكها القنبلة النووية ) لأكثر من 50 عام- ليس كفرنسا التي أخفت الموضوع لفترة قصيرة، فالغموض في السلاح النووي الإسرائيلي أصبح سياسة استراتيجيه- وهى سياسة اتبعتها إسرائيل في الستينات لتحقيق السلاح النووي هي نفس السياسة التي بقيت لحتي اليوم بعد تحصيله.
الغموض كسياسة أنتج وضعاً مكَّن إسرائيل لقطف ثمار الردع النووي وكأنه معلن، ولكن الغموض حقق لإسرائيل عدم إدخالها في المعادلات الدولية والاتفاقات النووية في منطقة الشرق الأوسط- بمعني عدم تأليب الرأي العام عليها من ناحية سياسية.
المنطقة كلها باستثناء العراق قبل بسياسة الغموض الإسرائيلية فيما يتعلق بالسلاح النووي، هذه السياسة جعلت إسرائيل خارج الاتهام على المستوي الداخلي وعلى المستوي الدولي.
من المهم الذكر أن إسرائيل ليس بمقدرتها الحفاظ على سياسة الغموض لوحدها، فحتى تصبح بؤرة نووية في المنطقة كان على الجميع أن يتقبل هذا الوضع باتفاق غير معلن، فالعالم والمنطقة حينما تيقنوا أن إسرائيل امتلكت السلاح النووي ولا يمكنهم منعها منه- رأى النظام العالمي الممثل بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في حينه بالإضافة لأنظمة المنطقة أن يسلموا بالمعادلة الجديدة.
فالدول المحيطة والعالم رأوا في إعلان إسرائيل لامتلاك السلاح النووي عبء وثقل وتكاليف سياسية هم في غني عنها- من هنا غضوا الطرف حتى أصبحت سياسة الغموض وعدم الإعلان الإسرائيلي عن السلاح النووي وعدم ملاحقتها سياسياً مصلحة مشتركة وتعاون غير منسق على المستوي الدولي للإبقاء على هذا الحال.
* الولايات المتحدة الأمريكية :
من 1970 م كانت أمريكا معنية بالإبقاء على سياسة الغموض في السلاح النووي وعدم مراقبتها أو مراجعتها، ففي 1969م كانت الزيارة الأخيرة التي زارت فيها أمريكا مفاعل ديمونا ، منذها لم تطلب أي إدارة أمريكية زيارة أخرى، بل أكدوا على سياسة الغموض حتى لا تسبب هذه القضية حرجاً لأمريكا التي ستُتَهم بالانحياز لصالح إسرائيل في هذا الملف ، من هنا القنبلة النووية الإسرائيلية كانت ملفاً إسرائيلياً- أمريكياً يجب التعامل معه بعيداً عن العلنية السياسية الدولية .
وفى سنوات الستينات والسبعينات رفضت إسرائيل التوقيع على اتفاقيات منع انتشار السلاح النووي.
* الاتحاد السوفيتي سابقاً :
 لم تكن أمريكا هي الوحيدة التي تفضل سياسة الغموض الإسرائيلية فيما يتعلق بالسلاح النووي الإسرائيلي حتى لا تُحْرج عالمياً وسياسياًَ وتتهم بانحيازها لإسرائيل وعدم تطبيق القرارات الدولية عليها.
 بل أيضاً الاتحاد السوفيتي فضل الابقاء على هذه السياسة، لأن الإعلان عن امتلاك القنبلة النووية في إسرائيل سوف يُحرج الاتحاد السوفيتي كقوة ثانية أمام حلفاءه العرب المناهضين لإسرائيل وللسياسة الأمريكية- وقد يتعرض الإتحاد السوفيتي لضغط من الأنظمة العربية للوقف أمام إسرائيل وسياسة أمريكا المنحازة لها والطلب منه المساعدة فيما يتعلق بالسلاح النووي كضمانة للوقوف أمام إسرائيل- الأمر الذي يرفضه ، من هنا سياسة الغموض حررت الاتحاد السوفيتي من الضغط العربي في هذا الملف .
* الأنظمة العربية التقليدية :
 حتي الدول العربية عمدت إلى غض الطرف عن السلاح النووي الإسرائيلي وكان من غير مصلحتها فتح هذا الملف أو التأكيد عليه لطالما لم تمتلك هي السلاح النووي ، فالأنظمة الحمائمية والصقرية سواء قبلت بهذه المعادلة رغم ضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1981م ، ورغم فضيحة فعنونو سنة  1986 م والتى كشفت أسراراَ خطيرة تتعلق بديمونا والسلاح النووي الإسرائيلي.
من هنا نستطيع القول أن سياسة الغموض الإسرائيلية خدمت إسرائيل في الدرجة الأولى وحررتها من والضغوط والمراقبة الدولية وكسبت قوة الردع في المنطقة - وخدمت أمريكا وحررتها من الاتهام بالانحياز لصالح إسرائيل أو ملاحقتها ، وخدمت الاتحاد السوفيتي وحررته من عبء الضغوط بتقديم المساعدة في هذا المجال للأنظمة العربية والحرج السياسي فى مجلس الأمن الدولي ، وبلا شك خدمت الأنظمة العربية وحررتها من ضغوط الشعوب التى قد تتهمها بالفشل أمام القوة الإسرائيلية ، أو تحرجها بالمطالبة بامتلاك السلاح النووى شبه المستحيل تحقيقه فى ظل المنظومة الدولية و القدرة الإسرائيلية على ضربه كما حدث للعراق سنة 1981م. 
من هنا أعتقد أن قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنع اسرائيل من استخدام السلاح النووي ، ومطالبتها بفتح مفاعلاتها النووية امام مراقبي الوكالة الدولية ستبقى خطوة نظرية وفي الطريق الصحيح ، ولكنها ستفشل على مستوى التطبيق والفرض على شاكلة تعامل العالم ومجلس الأمن مع دول عربية واسلامية ومع دول الجنوب بشكل عام .
..........................
للتواصل :

مشاركة مميزة