د. إبراهيم حمّامي
16/12/2012
واهم من يؤمن بالصدفة في عالم السياسة، وأكثر وهماً من يعتقد أن ما يجري هو من قبيل التزامن البريء بين موقف وآخر، خاصة في ظل تبادل الأدوار الممارس في الشأن السوري بين الشرق والغرب وتحديداً بين روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة وأوربا من جهة أخرى، والذي ظهر جلياً في مهزلة مجلس الأمن وعجز العالم عن وقف نزيف الدم السوري في مجلس الأمن تحت حجة الفيتو، وهو ما لم يكن سبباً للعدوان على العراق أو التدخل في البوسنة وكوسوفو.
فجأة لم يعد يشغل كل هؤلاء إلا السلاح الكيماوي الذي يستعد نظام بشار لاستخدامه، لم يبق مسؤول أو زعيم إلا عبّر عن قلقه ومخاوفه من استخدام الكيماوي، وهدد آخرون أنهم على أهبة الاستعداد للتدخل لمنع النظام السوري من استخدام الكيماوي ضد شعبه - وكأن استخدام باقي الأسلحة الفتاكة مسموح ومقبول – وبدأ الاعلام يتحدث عن خطط جاهزة ومناورات في الأردن، وقوات أمريكية اسرائيلية مدربة للسيطرة على الأسلحة الكيماوية خلال دقائق بعد رصد أماكنها، إضافة لأفلام إثارة على بعض المنابر الاعلامية.
وفي تزامن غير بريء وصدفة ليست بصدفة خرجت تصريحات وتقارير لمراكز أبحاث ومواقف جديدة نرصد منها:
·       أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، اعتراف الولايات المتحدة بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة ممثلا شرعيا للشعب السوري – 11/12/2012.
·       أقر المشاركون في اجتماع «أصدقاء سوريا» بمراكش، الذين مثلوا 114 دولة بالاعتراف به كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري- 13/12/2012.
·       نقلت صحيفة الديلي تلغراف تقرير للمخابرات الأميركية أنها تقدر نهاية رئيس العصابة الأسدية بثمانية إلى عشرة أسابيع فقط بعد النجاحات التي أحرزها الجيش الحر 07/12/2012
·       روبرت فورد، السفير الأمريكي لدى سوريا " أيام نظام الأسد في الحكم باتت معدودة، خاصة مع تزايد وتيرة المعارك في محيط العاصمة دمشق" 07/12/2012

·       رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي يتوقع "سقوط نظام الاسد في غضون اسابيع قليلة"، داعيا الثوار السوريين الى "التعامل بحكمة مع ابناء الطائفة العلوية"، مضيفاً "المعلومات تشير الى ان الامور ستتغير في سوريا خلال اسابيع"، 06/12/2012.

·       ذكرت صحيفة "كومرسانت" الروسية، أن روسيا تقاوم ضغوط الولايات المتحدة؛ كي تقنع الأسد بالاستقالة وقال تقرير الصحيفة إن "روسيا لا تعتزم إقناع الرئيس السوري بترك منصبه طواعية" وأن "موسكو مقتنعة بأن الأسد لن يخرج طواعية"، وتابع التقرير أن وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون أبلغت نظيرها الروسي سيرجي لافروف، خلال اجتماعها مؤخرا في دبلن أن حكومة الأسد ستسقط إن عاجلا أم آجلا، وأنه إذا لم تكن هناك حكومة انتقالية فمن المرجح أن تسقط سورية في الفوضى والعنف والاقتتال الطائفي، 12/12/2012.

·       قالت صحيفة ذي كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية اليوم أن المشهد السوري الآن في ظل حصار المعارضة السورية للعاصمة دمشق، يشير إلى أن أيام الرئيس السوري بشار الأسد باتت معدودة، 10/12/2012.

·       اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اليوم الخميس أن النظام السوري يفقد سيطرته على البلاد، من دون أن يستبعد احتمال انتصار المعارضةونقلت قناة "روسيا اليوم"عن بوغدانوف، قوله في كلمة ألقاها أمام الغرفة الاجتماعية الروسية "يجب النظر إلى الوقائع.. النظام والحكومة السوريين يفقدان السيطرة على البلاد أكثر فأكثر". ، 13/12/2012
·       خبراء: سقوط نظام الأسد ليس وشيكاً، تقرير لصحيفة الحياة 16/12/2012
مقابل ذلك، اتخذت الولايات المتحدة خطوة غير مفهومة - في حينها - بإدراج أحد التشكيلات السورية على لائحة الارهاب الخاصة بها - جبهة النصرة - لتتبعها الاستخبارات الاسرائيلة بتقرير يتحدث عن قرب سيطرة جبهة النصرة - هكذا - على أسلحة كيماوية، حيث ذكر تقرير استخباراتي اسرائيلي نُشر الأسبوع الماضي أنه "اذا فشل الاسد في منع مقاتلي "القاعدة" من الوصول الى مخازن السم والاسلحة الكيمائية في "السفيرة" وبالتالي ينجح تنظيم القاعدة ويتسلح بالاسلحة الكيمائية لاول مرة، ساعتئذ تضطر الولايات المتحدة على القيام بهجوم جوي – ليس على جيش الاسد بل على مقاتلي المتمردين الذين يقاتلونه، لانه اذا تمكن مقاتلو القاعدة من السيطرة على مخازن الاسلحة الكيمائية، فمن المتوقع ان يطلقوا الصورايخ ذات الرؤوس الكيمائية ضد مراكز نظام الاسد في دمشق. فسقوط "السفيرة" يحول الحرب الاهلية السورية الى حرب الصواريخ الكيمائية".
وتكتمل الصورة بالتحذيرات التي وجهتها أجهزة بشار حول احتمال إطلاق أسلحة كيماوية على المناطق السكنية من قبل "مجموعات إرهابية" لاتهام النظام بها.
زاوية أخرى لا تقل أهمية، وهي التقارير المتواترة التي تتحدث عن فرار قيادات "علوية" كبيرة مع عائلاتها للساحل، وخبر آخر بالأمس عن فرار أحمد جبريل - حوّل فصيله الفلسطيني إلى فصيل شبيح - من مخيم اليرموك إلى طرطوس، وأنباء  سابقة عن فتح فرع للمصرف المركزي السوري في منطقة الساحل، وتأهيل مطار زراعي في طرطوس ليصبح مطاراً مدنياً – تصريحات نزار اسماعيل موسى محافظ طرطوس في 20/09/2012، وغيرها من الاستعدادات القائمة على قدم وساق لتجهيز جيب ساحلي – دويلة - يشكل ملاذاً حصيناً لعصابات البعث وبشار، ومن ثم بداية تطبيق السيناريو المرسوم.
لماذا كل ما سبق؟
نضع الإجابة في النقاط التالية:
·       وقف العالم "المتحضر" متفرجاً تاركاً الشعب السوري يواجه آلة القتل والاجرام وحده
·       من مصلحة روسيا والولايات المتحدة، ومن أجل عيون "اسرائيل" أن يتم تدمير سوريا كبلد ووطن ومؤسسات، وهو ما قام به نظام الاجرام بقيادة بشار
·       إطالة أمد الثورة السورية سيحقق المزيد من الدمار، وإضعاف البلاد لسنوات طويلة
·       تبادلت الولايات المتحدة وروسيا الأدوار لإجهاض أي قرار في الأمم المتحدة، ولتبرير عدم دعم الشعب السوري
·       التدخل سيكون فقط في اللحظات الأخيرة لمنع تحقيق انتصار شعبي على النظام، ولإبقاء الوضع في موضع المراوحة، تماماً كما حدث في البوسنة
·       لابد من إيجاد مبررات للتدخل في اللحظات الأخيرة
·       لذلك لابد من وجود طرفين "رسميين" متحاربين، وهو الأمر الذي لم يكن حتى تم الاعتراف الأخير بالائتلاف الوطني قبل أيام
·       أصبح الآن هناك نظام رسمي هو نظام بشار، وائتلاف يعتبر ممثلاً شرعياً لكن ليس وحيداً، وبالإمكان التدخل للفصل بين الطرفين
·       بعد الضربات والهزائم المتتالية سينكفيء بشار وعصابته للساحل لتنفيذ مخططهم بإقامة دويلة حصينة، وهو ما سبق ووضحته تفصيلياً في تقرير مطول تحت عنوان خيار الأسد الأخير – الدولة العلوية:
·       الخيار بات متداولاً وبشكل كبير، واليوم تتحدث إحدى الصحف البريطانية وبوضوح، حيث تشير صحيفة صندي تايمزإلى أنه "لن يعترف بدويلة الجيب العلوي في الساحل السوري لو قامت سوى إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا" 16/12/2012.
·       سيستخدم بشار السلاح الكيماوي من منطقة الساحل ضد باقي المناطق السورية، بعد أن يضيق عليه الخناق، وربما يتهم "العصابات المسلحة" الموضوعة على "قوائم الارهاب" بذلك، لأنه جز لا يتجزأ - أي النظام- من الخطة والمؤامرة على تدمير سوريا.
وهنا يأتي تنفيذ السيناريو المنتظر والمتفق عليه بين روسيا والولايات المتحدة إضافة للمجرم بشار، والذي هيأوا له الأسباب والمبررات على مدى الأسبوعين الماضيين!
سيتم التدخل الدولي العسكري المباشر في سوريا، ليس دفاعاً عن الشعب السوري ولكن إجهاضاً لثورته، ومنعاً له من تحقيق الانتصار الكامل على الطاغية.
يقول ماجد آل عبد الجبار وباختصار شديد لهذا السيناريو "هجرة علوية للساحل مع استعداد عسكري غربي وتهديد بالتدخل عند استعمال الكيمياوي! استخدام!فتدخل!ففصل بين الطرفين وحماية لدولة علوية".
ما يجري ليس صدفة أو تزامن، لا التصريحات ولا التقارير ولا المواقف ولا الاعترافات ولا إدراج جبهة النصرة على قوائم الارهاب، كله يأتي في إطار التمهيد والاستعداد!
هذا ما يريدونه وهذا ما يخططون له وهذا ما ساعدهم ويساعدهم عليه نظام بشار المجرم.
لكننا على ثقة أن الشعب السوري البطل الذي سجل أروع الملاحم في التضحية والفداء والاصرار على نيل الحرية، لن يقبل أبداً بإجهاض ثورته، ولا بتدخل عسكري سافر يأتي فقط لتنفيذ مخطط حماية "اسرائيل" بعد أن أصبح سقوط النظام الحامي لها وشيكاً، حتى لو تطلب الأمر ثورة أخرى جديدة ضد غزاة جدد، تآمروا عليه وشاركوا في ذبحه.
لا نامت أعين الجبناء