kolonagaza7
بقلم/ توفيق أبو شومر
أرسل لي صديقٌ من أصدقاء البريد الإلكتروني، يعيش في أوروبا خبرا نشرته صحيفة هارتس يوم 8/12/2012:
"يستعد المخرج السينمائي الإسرائيلي بني برونو إنتاج فيلم جديد بعنوان( أكبر سرقات التاريخ) وهو فيلم يرصد سرقة جيش إسرائيل عام 1948 لآلاف الكتب والوثائق من بيوت الفلسطينيين، ويقدر عدد المسروقات أكثر من ثلاثين ألف كتاب ووثيقة.
وعلَّق على الخبر قائلا:
ألستم عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، وعضوا كاملا في اليونسكو، لماذا لا تتقدمون بمطالبات قضائية لاسترجاع حقوقكم؟!
فرددتُ عليه:
قال والدي:
"صاحبُ الحصان المسروق، لا يهمه إرجاعُ اللجام"
وهذا ما حدث لنا نحن الفلسطينيين، فقد سُرق مهدُ ولادتي، وسرق بيتي وأرضي ومدخرات عائلتي ، ، وطُردتُ ومارست اللجوء والشتات سنواتٍ طويلة،وليس تلك هي جريمةُ المحتلين فقط، ولكن جريمتنا نحن هي الأكبر، فلم نقم حتى بعد سنواتٍ طويلة من تهجيرنا بتوثيق ما سُرق منا، وأخذ شهادات آبائنا وأجدادنا، وجمع أوراقنا وتراثنا قبل أن تفيض أرواحهم إلى بارئها، حتى شهدؤنا نسيناهم، وصار جديدُ الشهداء، يُنسينا سابقيهم !!
وتركنا التوثيق لغيرنا، لأننا متيمون بالرواية الشفوية والقصص والحكايات، أكثر بكثير من الكتابة والتوثيق، لأن الكتابة والتوثيق تُقيِّد إبداعاتنا القصصية وخيالنا العربي الجامح، كما أن التوثيق عدوٌ لدود للتأليف والتلفيق!!
كما أن المحتلين اكتشفوا أن معظمنا حوَّل نكبتَنا وتهجيرنا إلى حكايا وقصص وروايات في الصدور، على الرغم من أن عدد مراكز الدراسات والأبحاث والجمعيات والمؤسسات والوزارات والمراكز الثقافية الفلسطينية، ربما هي أكثر من مثيلاتها في دولة الصين الشعبية!
كما أن ما أنفقناه على وجبات الطعام الحكومية الفاخرة ، أكثر بكثير من تكاليف تأسيس مركز أبحاث ودراسات متخصص في جمع الوثائق والمخطوطات الفلسطينية، بالإضافة إلى أننا مارسنا أبشع ألوان التخريب لمخزوننا الثقافي، عندما جلبنا كتب ووثائق منظمة التحرير إلى غزة عام 1995 ، وألقيناها في ورشة لإصلاح السيارات في سرايا غزة، وتركناها نهبا للناهبين، وما بقي منها أفسدته الأمطار، وكنتُ شاهدا وباكيا، حينما يئستُ من منع هذه الجريمة التي ارتكبناها في حق تراثنا الفلسطيني!!
وأيضا يا صديقي، فإنني اكتشفتُ بعد سنواتٍ طويلة من تهجيرنا أن المحتلين ارتكبوا أكثر من ثلاثين مجزرة عام 47-48 -49 وليس مجزرة واحدة تتمثل في مجزرة دير ياسين الشهيرة، وكانت دير ياسين بالنسبة لجيلي هي المجزرة الأولى والأخيرة!! وللأسف من قام بتوثيق هذه المجازر هو باحث إسرائيلي اسمه دان ياهف، بعد أن أصدر كتابا بحثيا من واقع الأرشيف الإسرائيلي اسمه( طهارة السلاح) في تسعينيات القرن الماضي!
وفي أوائل الألفية الثالثة أيقظنا باحثٌ إسرائيليٌ آخر، كان يقدم رسالة ماجستير عن مذبحةٍ جديدة نسيها أهلها، وتذكرها-للأسف- أحفادُ مرتكبيها، وهي مذبحة الطنطورة القريبة من حيفا والتي قتل فيها أكثر من مائتي فلسطيني مدني بريء، والباحث هو تيدي كاتس، وعاقبته المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بسحب البحث وإلغاء درجة الماجستير التي حصل عليها بحجة مخالفتها للشروط البحثية، وليس لأنها كشفتْ ما لا ينبغي كشفُهُ ، وكان مسؤول البحث البرفسور إيلان بابيه الذي فضح إسرائيل في كتابه التطهير العرقي!!
ولا أزال أذكر كيف أيقظني أيضا في ثمانينيات القرن الماضي كتاب جريء ألفه كاتب إسرائيلي يساري بعنوان:" الإسرائيليون الأوائل عام 1949 " للكاتب توم سيغف، الذي وثَّق السرقات الإسرائيلية للبنوك والمزارع ومضخات الآبار والسيارات والمقتنيات المنزلية للفلسطينيين ، والتي لم يوثقها أصحابها الفلسطينيون!!
وما زلنا أيها الصديق لا نعرف بالضبط أسماء مناضلينا المسجونين في إسرائيل، أو أعدادهم المضبوطة، إلا عبر إحصاء منظمة الصليب الأحمر الدولية!!
وما زلنا أيضا لا نعرف عدد اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين إلا بواسطة المنظمات الدولية وإحصاءاتها!!
ولعلَّ أغرب الأشياء أن سفارات فلسطينية كثيرة في بلدان العالم، لا تملك إحصاء بعدد الفلسطينيين المقيمين في تلك البلدان!!
ومن الأشياء التي أذكرها، أنني التقيتُ لأول مرة في مؤتمر وزراء الإعلام العرب في القاهرة عام 2003 مع مؤسس ومدير مركز (أرسيكا) في أسطنبول المختص بحفظ التراث الإنساني، الذي أُسس عام 1976 وقد أبلغني مؤسس المركز الذي كان ضيفا على المؤتمر مثلي، بأن مركز أرسيكا يضم وثائق فلسطينية نادرة، وسجلات طابو الأرض الفلسطينية ، ووثائق لا تقدر بثمن، وأعرب عن استعداده لتصويرها ونسخها إلكترونيا بتكلفة بسيطة خدمة لفلسطين وقضيتها العادلة.
أحسستُ حينها بأنني عثرتُ على كنزٍ ثمين، وظللتُ سعيدا بهذا الكنز، وقررتُ نقل أسرار الرسالة إلى مسؤولينا الفلسطينيين المختصين بهذا الشأن، وواظبتُ على تذكيرهم بذلك سنوات عديدة، وكانوا يبتسمون ثم يؤكدون على أهمية هذه الرسالة، ثم ينسون كالعادة، أو يتجاهلون!
أما مدير مركز إرسيكا فهو الباحث المجتهد والمخلص د. أكمل الدين إحسان أوغلو، الذي انتخب عام 2005 أمينا عاما لمنظمة المؤتمر الإسلامي.