kolonagaza7
الدكتور
عادل عامر
أراد الله بالإسلام أن
يكون ثورة على الفساد، وبناءً للخير، فحقق به المسلمون الأوائل أعظم تقدم بالإنسان
نحو إنسانيته الكاملة، وأراد المسلمون به في العصور الأخيرة مؤيداً للفساد مشوهاً
للخير فرجعوا بإنسانيتهم إلى ما قبل عصور الجاهلية الأولى. ويريد به المصلحون
اليوم أن يكون ثورة وبناءً كما كان من قبل في العصور الزاهرة الأولى، ويريد به
المفسدون اليوم أن يكون سنداً لفسادهم، والطغاة أن يكون ستاراً لطغيانهم، ويأبى
الله أن تغل يد الإسلام القوية، وأن يغطى وجهه المنير، وأن يكون ألعوبة تتقاذفه
الأهواء ذات الشمال وذات اليمين، ولكل أجل كتاب ?والله غالب على أمره ولكن أكثر
الناس لا يعلمون?.التلفزيون الخاص ازدهر بشدة في المرحلة التالية لسقوط النظام،
لكن هذا لا ينفي أن انطلاقته القوية كانت عام 2005، عندما شهدت الساحة الإعلامية
المصرية في ذلك الوقت انفتاحا ملحوظا، تطور خلال السنوات التالية، ورغم بعض
الممارسات الإدارية لمحاولة تحجيمه فإن تطور هذه القنوات استمر؛ لوجود تيار داخل
السلطة في هذه المرحلة كان مع دعم وجود هذا الشكل من الإعلام، إلا أن مرة أخرى
الإحساس بأن هذه القنوات انضمت إلى المتظاهرين بشكل أكثر وضوحا من البداية أكسبها
رصيدا لدى المشاهدين، وكان لانتشار برامج الحوارات الليلية أثره الكبير في توجيه
الرأي العام. في درب الحياة ضيَّعت نفسي ثم وجدتها في فناء الله، وفي متاهات الطريق فقدت
غايتي ثم ألفيتها في كتاب الله، وفي زحام الموكب ضللت رحلي ثم وجدته عند رسول
الله.
إن سببه الخوف. مجموعة
من الناس همَّ الحكماء، الحكماء دول كانوا بيفسروا للناس ويفهوهم [يفهموهم]
ويوعوهم، في ظروفنا الحالية المثقفين والمتعلمين والمفكرين، اللي حصل إن المفكرين
من بعد الثورات الديكتاتورية عبد الناصر.. العسكريين تحوَّل المثقفين بدل ما همَّ
يكونوا حكماء وينصحوا الحاكم أيه هو الصح وأيه الغلط، ويقولوا للشعوب ويدوَّروهم
إيه اللي على.. بدءوا يتحولوا إلى موظفين في الحكومة يدافعون عن نظام ديكتاتوري،
حتى نظام صدام حسين كل مجموعات المثقفين اللي همَّ ماركسيين واللي همَّ مثقفين
الأمة تدافع عن ديكتاتورية صدام حسين، فالشعب العربي ما بقاش فاهم، القضية مش
حكاية إن الشعب العربي أراد أن يكون في الموقف ده، القضية إن مثقفينا، إنه رجال
الفكر فينا باعوا أنفسهم إلى الديكتاتور، بدا همَّ اللي.. شوف اقرأ الجرائد، شوف
القصص.. شوف الأشعار.
برامج التوك شو، لم
تخطف بعضا من جمهور الصحف فقط، ولم تدخل في منافسة معها فقط، بل خطفت رؤساء
تحريرها، فعدد كبير من مقدمي هذه البرامج، يعمل في الأساس صحافيا، وأصبحت الصحف،
وصحافيوها، تعمل في خدمة، رئيس التحرير وبرنامجه.
الطريف الذي يمكن رصده
هنا، أن عددا من ضيوف هذه البرامج تحولوا إلى مقدمي برامج توك شو مسائية، وأصبح
طبيعيا أن تجد الضيف اليوم مذيعا غدا، لكن المشهد الأكثر دهشة، هو ظهور الضيف في
أكثر من برنامج يومي، حيث يرى بعضهم أن هذا الأمر بالنسبة له يمثل «موردا ماليا»،
ليس أكثر.
تشارك برامج التوك شو
في صناعة الرأي العام المصري بكل تأكيد، وبسبب نجاحها في اجتذاب نسبة كبيرة من
الإعلانات، أصبحت بعض الفضائيات، تقدم أكثر من برنامج توك شو على نفس القناة، وقد
يصل عدد برامج التوك الشو، في قناتين تابعتين لمؤسسة واحدة إلى أربعة برامج، رغم
أن تقييم الكثير من خبراء الإعلام أن هذه البرامج ما هي إلا مجرد صراع ديوك،
ومعارك، لكن لا نتيجة واحدة تذكر، إلا أن هذه البرامج تحولت في الفترة الأخيرة إلى
المدافعين في الخط الأول عن مدنية الدولة ومحاولات الاستحواذ والإقصاء الذي تقوم
به الجماعة الحاكمة في إطار محاولات أخونة الدولة.
في مقابل هذه القنوات،
انطلقت القنوات الدينية تصدح في الفضاء، وباتت هي المدافع الأول، وبعنف غير مسبوق،
عما يسمونه مشروع الدولة الإسلامية. وصل عدد القنوات الدينية في العالم العربي،
بشكل عام، إلى أكثر من 150 قناة. هذا العدد يثير أسئلة كثيرة عن مصادر تمويل
وإدارة هذه القنوات، والمضامين التي تقدمها، والأهم جمهورها، وإلى أي مدى يتأثر
هذا الجمهور بخطابات الكراهية والتحريض ضد الآخر، التي تنتجها وتروجها أغلبية
القنوات الدينية. أغلب القنوات الإسلامية لا تعتمد على الصورة وتقدم برامج وعظية،
وتستبعد المرأة ولا تسمح بظهورها كمقدمة برامج أو كضيفة، وتمتلئ هذه القنوات بالفتاوى
المنحرفة أو المتطرفة فقهيا التي تحض على كراهية الآخر وعدم تهنئته في الأعياد أو
قتل المعارضين للرئيس مرسي.
مأساة تلك القنوات،
أنها ليست قنوات إعلامية مهنية، بل منابر دعائية تحريضية، وبالتالي لا تصمد أمام
أي تقييم إعلامي يعتمد معايير الأداء الإعلامي الاحترافي ومواثيق الشرف. لقد تحولت
القنوات الإسلامية المصرية من الدين للسياسة، وباتت تعتمد الخلط المتعمد بين
الدعوي والسياسي، وتم توظيفها في الدعاية الانتخابية لمرشحي التيار الإسلامي في
البرلمان، ثم الدعاية للرئيس. واستخدمت لغة خطاب صادمة وخارجة عن الآداب العامة،
ومواثيق الشرف الإعلامي، وكانت المفارقة أن السب والشتائم انطلقت من أفواه رجال
دين ومقدمي برامج مشهورة، في تناقض صارخ مع الصورة الذهنية المفترض توافرها في
رجال الدين، أو اللغة التي يجب أن تستعملها قنوات إسلامية. والغريب أن قاموس
الشتائم نفسه، علاوة على التحريض على القتل، ، لذلك كل هذه التجاوزات غير
الأخلاقية وغير القانونية تمارس يوميا ولا ترى الجماعة الحاكمة سوى تجاوزات
الفضائيات العامة. ، فكثير من البلطجية قد تحول بالفعل إلى عملاء لجهاز الأمن في عهد
المخلوع في تنفيذ المهام الصعبة كإغلاق اللجان الانتخابية وقمع الاحتجاجات وأخيرا
إثارة الفتن في ميدان التحرير في الجمعة الماضية حتى وصل الأمر إلى حد منع الناس
من الانصراف ليتحول الاحتجاج المؤقت إلى اعتصام مستمر يزيد التوتر بين الجيش
والشعب فذلك مظنة وقوع الفتنة التي يروم أذيال المخلوع إيقاعها استبقاء لحظوظهم
التي صارت في مهب الريح بعد زوال دولة الجور ، ووصل إلى حد ضرب خطيب الجمعة
الدكتور صفوت حجازي ، ولا خطوط حمراء ، ولا معظم في دين أو دنيا ، فليس معظم إلا
الباشا ! الذي يصدر الأوامر بالإرهاب للبشر والإفساد في الأرض . وإن وقع ذلك عرضا لا قصدا في نشرة الخامسة
مساء ، في صياغة تؤكد أننا لا زلنا نعيش عصر الإعلام الذي يكيل بخمسين مكيالا ،
كما كانت حاله في زمن الدولة الزائلة ، بل وربما وقع نوع تزيد في جرعة الاحتقار
لعقلية المشاهد المصري الذي يفترض أنه بعد الثورة قد أصبح أكثر نضجا ، وهو ما لا
تريد النخبة المعزولة عن واقع الناس من العلمانيين ، وهي المسيطرة على وسائل
الإعلام ، ما لا تريد الاعتراف به حتى الآن فتمارس نوعا من الوصاية الفكرية
الجبرية على عقل الجمهرة من غير المثقفين ! ، فوصف المثقف حكر عليها في تحكم عجيب
، كما ينوه بذلك بعض الفضلاء ، وذلك مما يشي بشعور قوي بنقص كبير ، يحملها على
التكبر ، فما الكبر إلا مئنة من الذلة ، التي يسترها صاحبها بإظهار ضدها ، وما
التعالم إلا مئنة من الجهل المستحكم الذي يستره صاحبه بتنصيب نفسه قيما على عقول
الناس فهو من جملة النخبة المثقفة التي لم ينتخبها أحد وإنما هي التي زكت نفسها بنفسها
، وهو ما قد ورد النص صراحة بتحريمه فــ : (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) فمن كان يتصور أن يحدث هذا الحشد الفكري والإعلامي ضد
التيار الإسلامي في هذا الزمن القياسي ، وقد كانت بعض قوى هذا الحشد متعاطفة نوعا
ما مع التيار الإسلامي لما وقع عليه من ظلم وجور زمن المخلوع ، ولكنه بطبيعة الحال
كان تعاطفا إلى حد معلوم ، فيجوز ما لم يهدد كيان المتعاطِف ، فلما صار المتعاطَف
معه خطرا يهدد كيان المتعاطِف نفسه ،
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير
بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية