الأربعاء، 9 يناير 2019

جولة حماس الخارجية وأفق النجاح

kolonagaza7
تقدير موقف صادر عن معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية
اعداد: ماجد الزبدة
يستعد وفد رفيع المستوى من حركة المقاومة الإسلامية حماس برئاسة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية للبدء في جولة سياسية خارجية تشمل العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية خلال الفترة المقبلة، في مسعى من حماس للانفتاح الدولي وتعزيز علاقاتها السياسية الإقليمية والدولية بما يخدم القضية الفلسطينية ويعيدها إلى واجهة الأحداث من جديد.
ربما من المبكر التكهن بأسماء وتعداد الدول التي ستقوم حماس بزيارتها، لكن الإعلان عن توجيه وزارة الخارجية الروسية دعوة إلى هنية لزيارة موسكو يرفع من احتمالات نجاح تلك الزيارة بشكل كبير، نظراً للدور الروسي المؤثر على الساحة الدولية، خاصة بعدما باتت روسيا لاعباً سياسياً مؤثراً في منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط.
العلاقات الدولية لحركة حماس ليست وليدة اليوم فقد كانت أولى محطاتها قبل سبعة وعشرين عاماً وتحديداً في عام 1991م حين أعلنت عن تعيين إبراهيم غوشة كأول ممثل لها خارج الأراضي الفلسطينية آنذاك، ثم جاءت حادثة إبعاد الاحتلال أكثر من أربعمائة من قيادات حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور جنوبي لبنان، لتعطي تلك المحطة رصيداً مهما لعلاقات حماس الدولية، حيث أوجدت منصة إعلامية عالمية للتعريف بالحركة والقضية الفلسطينية.
المحطة الثالثة في تاريخ علاقات حماس الخارجية كان بعيد محاولة اغتيال رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في عمان سنة 1996م، وما تبعه من الإفراج عن مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين من سجون الاحتلال واستقباله بحفاوة في عدد من العواصم العربية، لكن التطور الأبرز جاء بعد عقد من الزمن، وتحديداً في عام 2006م حين فازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية فأضحت مكونا سياسيا ضمن النظام السياسي الفلسطيني الرسمي، ونجحت في نسج علاقات مع عدد من الدول والأحزاب السياسية، وعقدت عشرات اللقاءات مع رؤساء الدول والحكومات والبرلمانات والوزراء في مختلف الدول العربية والإسلامية.
واليوم وبينما تستعد قيادة حماس لجولة سياسية خارجية لا زال وفدها البرلماني بقيادة النائب محمود الزهار يطوف عددا من الدول في زيارة رسمية شملت حتى اللحظة كل من جنوب افريقيا ولبنان وتركيا وإيران الأمر الذي يؤكد أن حماس تحظى بعلاقات سياسية وبرلمانية وازنة.
تنطلق حماس في جولتها المقبلة وهي تدرك جيداً العقبات التي تعترض طريقها والتحديات التي تواجهها، بدءاً من مساعي خصمها السياسي حركة فتح لتشويه صورتها ومحاصرتها سياسيا وإفشالها دبلوماسيا، وهي سياسة اقصائية قديمة جديدة تعتمدها السلطة الفلسطينية التي تتزعمها حركة فتح تجاه حركة حماس، فما أن تًعلن حماس عن وجهتها الدولية المقبلة، حتى تنتفض وزارة خارجية السلطة الفلسطينية وسفارتها في تلك الدولة دبلوماسيا وسياسيا لإفشال زيارة حماس، وبحسب المصادر فقد أقدم رئيس السلطة الفلسطينية شخصياً على التواصل هاتفيا مع رئيس برلمان إحدى الدول العربية لثنيه عن استقبال وفد برلماني يمثل كتلة التغيير والإصلاح الذراع البرلماني لحركة حماس قبل أسابيع عدة، كما أن دولة الاحتلال وفي إطار محاربتها للرواية الفلسطينية للأحداث لا تدخر جهدا من جهتها لإفشال علاقات حماس الدولية، بمجرد الاعلان عن دعوة إسماعيل هنية لزيارة موسكو سعى كل من رئيس الوكالة اليهودية ووزارة خارجية دولة الاحتلال وسفيرها في موسكو لثني موسكو عن استقبال هنية. 
التحدي الأبرز الذي يواجه حماس في علاقاتها الدولية هو قدرتها على المزاوجة في علاقتها السياسية بين أنظمة متنافسة بل ومتعاكسة في بعض الأحيان، فبينما هي تهدف إلى التحشيد الدولي لصالح القضية الفلسطينية نجدها تسعى إلى التوازن وتجنب الدخول في أية محاور إقليمية قد تؤدي إلى خسارة أحد الأطراف الدولية الوازنة، وهي تحرص في ذات الوقت على صياغة معادلة دقيقة بين المصالح والمبادئ واستقلالية القرار دون خسارة الدعم والحلفاء في ذات التوقيت.
من الواضح أن التجربة السياسية لحركة حماس أسهمت في إنضاجها سياسيا ودبلوماسيا، فلغة حماس السياسية اليوم تختلف في حدودها وافكارها ومصطلحاتها عن لغتها السياسية خلال حقبة تسعينيات القرن الماضي، فقد أعلنت في مايو من العام الماضي وثيقة سياسية جديدة اعتبرها مراقبون تطورا مهما على صعيد رؤية حماس السياسية، كما أن خطاب حماس الإعلامي الموجه إلى الرأي العام الغربي اليوم بات أكثر إدراكاً ومواءمة للقرارات الدولية وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، في محاولة من حماس للتعبير عن مواقفها السياسية بأسلوب جديد يمنحها مزيدا من هامش المناورة السياسية في إطار مساعيها لإقناع الأنظمة الرسمية والرأي العام الغربي بصحة مواقفها السياسية علاوة على تعزيز علاقاتها الدولية.
تدرك حماس جيداً أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح المتبادلة، وهي تعلم يقيناً المصالح التي تسعى الدول الأخرى لتحقيقها من خلال استقبال قيادة حماس، فالعلاقة الجيدة مع حماس تعني امتلاك دور مؤثر ومساحة للعمل السياسي في قضية هي الأهم في منطقة الشرق الأوسط وهي القضية الفلسطينية والصراع مع دولة الاحتلال، كما أنها قضية ذات أبعاد سياسية ودولية مهمة، والحصول على دور مؤثر فيها يعزز من رصيد أية دولة عربية أو إقليمية على صعيد علاقاتها الخارجية.
لا شك أن حركة حماس تمتلك العديد من أوراق القوة التي تعينها على تعزيز علاقاتها الدولية، بدءاً من عدالة قضيتها وتمسكها بالثوابت الفلسطينية، وفشل دولة الاحتلال المتكرر في هزيمتها أو استئصالها، وشرعية مقاومتها للاحتلال وهي مقاومة مشروعة ومكفولة في القوانين والمواثيق الدولية، مروراً بتمتعها برصيد شعبي فلسطيني كبير، وعمق عربي واسلامي واسع، واحترام على صعيد النخب العربية والإسلامية، وصولاً إلى قوتها الأمنية والعسكرية في الشارع الفلسطيني، وقدرتها على الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وانتهاءً بشرعيتها البرلمانية والسياسية ضمن المنظومة السياسية الفلسطينية.
تسعى حماس من خلال جولة رئيس مكتبها السياسي الأولى خارج فلسطين إلى مراكمة أوراق قوتها السياسية وتعزيز شبكة علاقاتها الدولية مع مختلف الدول العربية والإسلامية والغربية، وتوفير دعم سياسي ودبلوماسي وإغاثي للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يعاني تحت الاحتلال، ومن المتوقع أن تسهم هذه الجولة في التخفيف من عزلة الحركة السياسية بفعل الحصار السياسي الذي تفرضه دولة الاحتلال بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأطراف العربية على حركة حماس وقطاع غزة.
ومن نافلة القول أن تعزيز علاقات حماس الاقليمية والدولية يسهم بشكل فاعل في كسر حصار غزة، ويزيد من مناعة القضية الفلسطينية في مواجهة محاولات تصفيتها، كما يشكل عقبة كبرى تكبح جماح بعض الأطراف العربية المهرولة نحو التطبيع مع دولة الاحتلال.
وختاما فإن نجاح جولة حماس وفشل حصارها السياسي وبروزها كلاعب فلسطيني مهم يصعب تجاوزه دوليا في إطار الجهود الدولية لاستقرار المنطقة سيعزز في المقابل من الضغوطات الدولية والعربية على رئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح لإتمام الوحدة الفلسطينية والتوافق مع حركة حماس للذهاب لانتخابات برلمانية ورئاسية يستطيع من خلالها الشعب الفلسطيني طي صفحة الانقسام البغيض مرة واحدة وللأبد.


مشاركة مميزة