مؤسسة
القدس الدولية تحصل على معلومات مؤكدة: الاحتلال يناور لمقايضة
إعمار الأقصى وصيانته بإغلاق مصلى باب الرحمة، ويواصل اغتصاب صلاحيات
الترميم من الأوقاف الأردنية
تمنع
قوات الاحتلال الإسرائيلي أعمال الترميم الداخلية في قبة الصخرة المشرفة
منذ يوم السبت 23-1-2021، وقد اقتحمت قبة الصخرة لمنع الترميم وصادرت السلم
وبعض المعدات التي يستخدمها طاقم لجنة الإعمار التابعة للأوقاف الإسلامية
في القدس، في عدوان خطير مترافقٍ مع توظيف إجراءات مكافحة وباء كورونا لخنق
البلدة القديمة في القدس، ومنع الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، وتوسيع
قاعدة الحفريات في ساحة البراق بمعداتٍ ثقيلة وبحفرياتٍ بعمق عشرين متراً
بما تستهدف تدمير الآثار المملوكية والأيوبية، وتوسيع دائرة الاستيلاء على
محيط الأقصى فوق الأرض وتحته، وهذه التطورات في العدوان، وتحديداً ما
يستهدف الإعمار يتطلب الكشف عن خلفيته بشكلٍ لا يحتمل المواربة، والوقوف في
وجهه:
أولاً: منذ عامين، يقايض الاحتلال الأوقاف الإسلاميّة
للسماح لها بترميم بعض مرافق الأقصى، مقابل إعادة إغلاق مصلى باب الرحمة،
أو استخدامه بشكلٍ لا يجعله مفتوحاً أمام المصلين، وقد حصلت مؤسسة القدس
الدولية على معلومات مؤكدة بأن تعطيل الترميم في قبة الصخرة جاء في إطار
هذه المقايضة؛ إذ تصر شرطة الاحتلال على تنفيذ الأمر القضائي بإغلاق مصلى
باب الرحمة كشرطٍ للسماح بأي أعمال صيانة أو ترميم في الأقصى مهما كانت
صغيرة، وهنا فإننا نشدد على ضرورة التمسك بموقف مجلس الأوقاف، والهيئة
الإسلامية العليا الذي أعلن مصلى باب الرحمة مصلًّى مفتوحاً أمام المصلين،
وجزءاً لا يتجزأ من الأقصى، وهو القرار الذي يمثل إرادة جماهير القدس
وفلسطين التي فتحت المصلى في 22-2-2019، وإرادة الملايين من الأمة
الإسلامية التي لا تقبل أن يفرض الاحتلال فيه إرادته أو قرار محاكمه،
والتراجع قيد أنملة عن هذا الموقف سيغري المحتل بالمراهنة أكثر على هذه
المقايضة كونها مجدية.
ثانياً: إن سحب صلاحيات الترميم من الأوقاف الأردنية
سياسة ثابتة للاحتلال، يمضي إليها بشكلٍ متدرج، انتقلت في الحقبة الماضية
من منع الترميم إلى منع أعمال الصيانة الروتينية لشبكات الكهرباء والإنارة
والحجارة المتضررة. والمحتل يقصد وضع المسجد بأبنيته التاريخية التي يزيد
عمر معظمها عن ألف سنة تحت سيف الإهمال والتآكل بتغييب يد الصيانة والعناية
المستمرة، وهو ما يهدد بتدمير أهم إرثٍ تركه الأردن في المسجد الأقصى
المبارك عبر الإعمارات المتتالية التي سمحت للمسجد الأقصى بالوصول إلى إحدى
أفضل حالاته المعمارية تاريخياً رغم قيد الاحتلال على مدى عقودٍ من الزمن،
والمحتل اليوم يتطلع إلى الإضرار بالأقصى بكل الوسائل الممكنة بما فيها
محو هذا الإرث.
ثالثاً: لقد اغتصب المحتل عملياً جزءاً مهماً من صلاحيات
الترميم من الأوقاف التابعة للأردن، حين تولت بلدية الاحتلال ترميم السور
الجنوبي الغربي للأقصى في شهر 1-2019 وهي ترميمات مستمرة حتى اليوم، وحين
تولت شرطة الاحتلال مباشرة ترميم الخلوة الجنبلاطية التي تغتصبها في صحن
الصخرة في شهر 5-2019، واستولت على غرفة تسوية تقع تحتها، وهو ما يهدد
بشكلٍ وجودي دور الأوقاف والأردن في إعمار المسجد الأقصى المبارك، ويؤكد أن
مقايضة إغلاق مصلى باب الرحمة ليس إلا مناورة تكتيكية من طرف الاحتلال،
وأن اغتصاب صلاحية الإعمار من الأوقاف الأردنية سياسة ثابتة ماضية في
طريقها ينبغي التصدي لها، والتكيف معها ليس خياراً.
رابعاً: ما زال العدوان على الأقصى يقع في قلب أجندة
الدولة الصهينية بمختلف أطيافها، وقد باتت محكومة بأطياف اليمين
الديني-القومي. وأمام الانتخابات الإسرائيلية المقبلة فمن المتوقع أن يكون
العدوان على المسجد الأقصى المبارك موضوعاً مركزياً للمزايدات الانتخابية
بين تلك الأطياف، وهو ما يؤكد ضرورة التعامل مع المسجد الأقصى المبارك
والعدوان بوصفه عنوانًا مركزيًّا من عناوين المواجهة مع المحتل.
خامساً: أمام تراجع الموقف الرسمي العربي يبقى التعويل
على الموقف الشعبي فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، وهو الموقف الذي تمكن من
فرض إرادته في هبة باب الأسباط 2017 وهبة باب الرحمة 2019 وصنع تجربة الفجر
العظيم في 2020، ونداؤنا للتيارات والحركات الشعبية أن تجعل ما يجري في
الأقصى في قلب اهتمامها، فحمايته واجب عربي وإسلامي، وهي في الوقت عينه
جبهة قادرة على فرض التراجعات على المحتل وفتح الباب نحو تراجعاتٍ أكبر،
بصمود المقدسيين والفلسطينيين الذي أثبت مرة بعد مرة أنه قادر على اجتراح
المستحيل، فواجبنا أن نكون إلى جانبه وألّا نتركه وحده للاحتلال يستفرد به.