تحررت فيها إرادة الجماهير، وتجاوزوا حدود خوفهم، واستطاعوا أن يقهروا الظلم، وأسقطوا عروش حكم فاسد دام 30 عاماً. فطوبى للشهداء الأبرار ، وطوبى لمن يصون قلاع الثورة التى علمتنا :
· أن وحدة الصف، ووضوح الهدف، يسبقهما إنكار الذات سر أصيل من أسرار نجاح العمل الثوري.
· وحدة القيادة الجماعية وتحقيق مبدأ الكل فى واحد بدون تصدير أجندات سابقة التحضير كان درعاً واقيا حمى الثورة من الغرق فى التفاصيل الفرعية، وصراعات (الدكاكين) الحزبية.
ولكن ماذا حدث فى مصر بعد 11 فبراير؟
بعد إعلان تنحى مبارك والثورة محلك سر.. أو بالأدق خطوة للخلف تكاد تخمد جذوة الثورة، وتفقد الجماهير ثقتهم فى جدواها.. لماذا؟
· ما زال رموز نظام عاث فى الأرض فساداً فى محاكمات عبثية وفقاً لقوانين احترفوا اختراقها وتزيفها.
· رئيس مخلوع ينعم بالاستقرار فى منتجع شرم الشيخ .
· ما زالت دماء الشهداء دافئة لم تجف ، والأمهات الثكلى تجبرن على المقايضة الرخيصة .. والقتلة ما زالوا أحراراً ، أو مجهولون ، أو مقايضون !!
· تدفق الأموال الأمريكية (40 مليون دولار) تحت ستار دعم الديمقراطية بما يسمح لاختراق أمريكي سافر يضجع أرداف الثورة ، وعلم محتل يحتل ضفاف النهر.
· فشل غير مبرر(مقصود) فى استرداد هيبة مؤسسات الدولة ، وأكثر من علامة استفهام حول أسباب التقاعس والانفلات الأمني المدعوم بالبلطجية .
· قوى ونخب سياسية شاركت من قبل فى ديكور ديمقراطي مصطنع زائف ، تصدر الصراع حول جدل بيزنطي ، ونتوءات هامشية لا تمثل الأولوية لأهداف الثورة أوهموم الناس الحقيقية.
· مؤسسات أمنية وأمينة للنظام السابق ما زالت قائمة تسبح بحمد الفرعون وتستدعى صورته وتستحضر روح جنابه .
· شهدت الشهور الماضية تحالفاً جديداً بين رجال الأعمال والإعلام بديلاً عن تحالف الثروة والسلطة الذى تبناه النظام السابق ، وصارت معظم منابر الإعلام الأساسية فى مصر تحتكرها نخبة معينة، تحاول توظيفها لصالح مشروعها السياسى، عن طريق تدليس الحقائق لتخدم أهداف ذلك المشروع .
واعتقد أن ما سبق كان مقدمات منطقية ترجع الى منحى خطير سلكته الثورة، ووقع في براثنه الثوار يتمثل فى :
أولا : التخلي عن عقد الشرعية الثورية
فى كل دساتير البشر لا يمكن أن تجد تشريعاً واحداً يتضمن دحض أو إسقاط الدستور، بل يتم تجريم المارقين عليه بأسطول مدجج من القوانين، ولذلك كانت الحاجة الى الثورات.
ولقد نسجت الثورة المصرية عقداً اجتماعياً جديداً تحت شعار " الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو ما يضفى الشرعية على مطالب الثوار بما يسمى بالشرعية الثورية.
ولكن قبل/ بعد التنحي فقد الثوار التعاقد فى ظل شرعية ثورتهم، ولأن مكائد الشيطان تكمن فى دهاليز التفاصيل فقد صبغت المشهد باللون الرمادي.
تارة باستفتاء توفيقي، وأخرى بالدستور أولا أم الانتخابات .. ولا تزال الأجواء مستعدة لاستقبال المزيد من السيناريوهات.
ثانياً : الانسحاب من ميدان المعركة وإخلائه
فى 24 أكتوبر 1973 صدرت الأوامر للقوات المسلحة بإيقاف الزحف وما سمى بمرحلة "تثبيت الأقدام" .. وأعقبها مفاوضات ك 101 .. وكان ذلك أولى خطوات الوصول الى كامب ديفيد فى 1979.
وفى 11 فبراير 2011 انفضت الجماهير من ميدان التحرير بعد الاحتفال بالتنحي، وألقوا كامل المطالب فى سلة المجلس العسكري ، ولان الجيش الذى تم تهميشه فى عهد مبارك لم يقم بالثورة كما حدث فى 1952. بل كان إحدى دعائم الدولة فى ظل حكم دام 30 عاماً يفسد ويبطش لذلك اختلطت الأوراق فى ظل ظروف تستوجب أن يبقى الشعب دائماً صاحب الشرعية، ومصدر السلطات.
وماذا بعد ،
ما لا يدرك كله لا يترك كله، وما زالت الثورة قادرة على أن تخطو بخطوات سريعة تحقق فيها مطالبها وتستعيض ما فاتها من خلال :
· هيئة الثورة
تمثل كافة أطياف المجتمع من القوى الوطنية.
يتم تقريرها جماهيرياً فى المليونية القادمة " جمعة التصحيح ".
وتكون فى حالة انعقاد دائم.
مهمة هذه الهيئة ترسيخ وصياغة المبادئ الأساسية للفترة الانتقالية والتي تم التوافق عليها، وعرضها على المجلس العسكري لإصــدار مرسوم بشأنها.
تقوم بعرض نتائج أعمالها أسبوعياً ( كل جمعة) أمام الجماهير بالميدان.
· تشكل فوراً هيئة قضائية مدنية مستقلة للنظر فى محاكمات رموز الفساد وقتلة المتظاهرين سياسياً وجنائياً.
قضاء طبيعي وليس استثنائي أو عسكري.
تتم المحاكمات بشكل عادل وشفاف ومعلن.
· إصدار مرسوم عاجل خلال 48 ساعة بتطهير مؤسسات وأجهزة الدولة.
· تعيين وزيراً جديداً للداخلية فوراً أولوياته
إعادة بناء وهيكلة الجهاز الشرطي . ليس فقط تطهير بل معالجة جراحيةً.
القضاء على الانفلات الامنى فى موعد أقصاه شهر من تاريخه، وبقائه فى منصبه مرهون بتحقيق تلك الأهداف.
· ترشيح لجان شعبية على مستوى الجمهورية بالمدن والقرى والإحياء لتلقى شكاوى واقتراحات الجماهير كشريك أصيل فى الحكم.
إن أهداف الثورة واضحة لا لبس فيها ، ولكن بعد مرور أكثر من خمسة أشهر ما زالت الأدوات والآليات والإرادة عاجزة عن تحقيق ما يصبو إليه الشعب .. وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.
أيها الثوار .. أيها الأحرار دعونا نصلى صلاة واحدة من أجل مصر .
رسائل قصيرة
الى: د/ عصام شرف
رسالة 9 يوليو قد وصلتك .. ولم يصلنا الرد بعد.
الى: المجلس العسكري
إدارة الأزمات بعقلية مبارك لم ولن تفلح ونتائجها محتومة.. إن مصر فى معركة مصيرية وليس مشروع تدريبي.. نحن نعيش ثورة حقيقية يا سادة، والثورة مستمرة..
القاهرة فى 10/7/2011