kolonagaza7
نـزار حيدر
ما ان يحل علينا شهر محرم الحرام من كل عام، حتى يشحذ (النشامى) من المستهزئين والمشككين والمعاندين، كل انواع اسلحتهم للهجوم على الشعائر الحسينية، فيجردون سيوفهم ويعبئون سياراتهم المفخخة ويملأون مدافعهم ويزرعون الطرقات بالعبوات الناسفة ويتربصون بالمارة، وكل ذلك استعدادا للهجوم على الشعائر الحسينية وكانها اس البلاء ومصدر التخلف ومنبع الاستهزاء، او كانها البدعة التي تقود صاحبها الى النار لا محالة.
وان جيش (النشامى) هذا يتلفع باحد عباءتين:
الاولى: عباءة الحرص على الدين، لدرجة ان بعضهم يذرف دمعة او دمعتين من دموع التماسيح ليطمئن متلقيه بانه انما يتهجم على الشعائر الحسينية من باب الحرص على الحسين عليه السلام وعلى قيم ثورته وعلى رسالة عاشوراء، وانه لم يقصد الا خيرا.
علما بان الكثيرين من هذا الصنف لا يعرفون متى يحل عليهم شهر رمضان الكريم، ليعرفوا متى انتهى موسم الصوم، الا انهم يترقبون هلال شهر محرم الحرام لحظة بلحظة، ليبدأوا خططهم الهجومية.
انهم يظهرون للعيان وكانهم حريصون على الدين فيخافون من ان تشوبه شائبة او يطعن به طاعن.
الثانية: عباءة الحرص على حضارة المسلمين، وكيف انهم نشروا العلم والتعلم والمعارف بين سائر امم الارض فانى لهم الاستمرار في اداء رسالتهم هذه بمثل هذه الشعائر التي يعتبرونها ضد الحضارة؟ كما اراد الطاغية الذليل صدام حسين ان يقنعنا وقتها بمثل هذه الفكرة عندما شن حربه الشعواء ضدها عام 1975؟.
ونحن هنا لا ننكر الجهود المعرفية الكبيرة التي بذلها، ولا يزال، الكثير من المفكرين والمثقفين والكتاب والاعلاميين، كمساهمة منهم في ترشيد الشعائر الحسينية، اولئك الذين يناقشون الامور بروية وعقلانية وواقعية ومعرفة واطلاع واحترام، الا اننا نقصد هنا ما دون ذلك.
في هذا المقال ساحاول ان اسرد مؤاخذاتهم على الشعائر الحسينية، والرد عليها، بعد الملاحظات التالية:
الف: بالتاكيد، فلقد دخلت في الشعائر الحسينية بعض الممارسات والطقوس التي لا تنسجم والقيمة الدينية والحضارية للذكرى، الامر الذي دفع ببعض الفقهاء الى استهجانها او على الاقل عدم التشجيع عليها، الا ان (النشامى) عادة ما يتهجمون على كل الشعائر بلا تمييز، الا ما ندر منهم من الحريصين على الذكرى.
باء: ان عموم الشعائر الحسينية تدخل في اطار مفهوم الاية الكريمة {ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب} ولذلك فان من يمارسها يعتقد جازما بانه يتقرب بها الى الله تعالى من خلال اظهار المودة والمحبة لاهل البيت عليهم السلام والواردة في قوله تعالى {قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى} ومن الواضح فان تفسير (القربى) في الاية هم اهل البيت عليهم السلام باجماع المفسرين والفقهاء ورواة الحديث.
والذي يحيي الشعائر الحسينية احد صنفين:
فاما ان يكون متدينا وملتزما بواجباته الدينية، فهو يتعبد بها قربة الى الله تعالى، بناء على فتوى المرجع الديني والفقيه الذي يقلده، حالها كحال اية قضية عبادية اخرى، ولذلك فلا يحق لاحد كائنا من كان ان يمنعه من ذلك او يستهزئ به، لان فعله مبني على راي فقيه مجتهد، فما الداعي اذن لان احشر انا وامثالي، ممن ليسوا بمراجع تقليد ولا فقهاء دين ولا يحق لهم الفتيا ولم يقلدهم احد في مثل هذه القضايا، نفسي بمثل هذه المواضيع، وادس انفي بمثل هذه القضايا؟.
نعم، اذا كانت محاولتي لدس الانف هي ان ابدي رايا عاما فلا باس في ذلك، اما ان اتدخل في الجانب العقدي وما يتعلق بالحلال والحرام والواجب والمستحب والمباح والمندوب فذلك ليس من اختصاصي ابدا، ومسبقا يجب ان افهم بان قفزتي ستاتي في الهواء لانه ليس هناك احد ممن يمارسون الشعائر الحسينية سيقلدني في فتواي قبل ان يباشر الشعيرة او يتوقف عنها.
او يكون غير متدين وغير ملتزم بشعائر دينه، فهو ربما يمارس الشعائر الحسينية حبا للظهور، رياءا او سمعة، او لاظهار عضلاته او لاي سبب آخر، لا علينا، وهم طبعا الاقلية من بين الملأ.
ان مثل هذا الصنف لا تنفع به ومعه حتى فتوى مرجع التقليد اذا ما حرم شعيرة من الشعائر الحسينية، مثلا، فما الداعي اذن لان اوجه خطابي (الفكري) او الثقافي اليه؟.
ان مثله كمثل من يستعد للحج الى بيت الله الحرام وربما يصله قبل الحجيج، ليس حرصا منه على اداء مناسك شعيرة من شعائر الله تعالى، لا، وانما من اجل ان يسرق الحجيج او يفسد في الموسم او للتجارة فحسب او ما اشبه، فما الداعي ان نعلم مثل هذا مناسك الحج او ان ننبهه اذا اخطا في ركن من اركانه؟.
جيم: لقد اختلف فقهاؤنا ومراجعنا في حلية او استحباب هذه الشعيرة الحسينية او تلك، ولكل منهم حججه الدينية والفقهية، وكم سيكون الامر رائعا اذا تركنا امور الشعائر الحسينية لهم لا يتدخل بها كل من هب ودب، خاصة وان بعض من يتدخل في شؤونها ليس ملتزما دينيا فلماذا يتدخل في امور الدين؟ بل ان البعض منهم (يساريا، ماركسيا، شيوعيا) فما له والشعائر الحسينية؟ يحلل هذه ويحرم تلك؟.
والمضحك، ان بعضهم يتبنى نهجا (علمانيا) ويدير مواقع الكترونية (علمانية) الا انه في محرم الحرام تراه ينظم حملات توقيع ضد هذه الشعيرة او تلك، فما دخل (العلمانية) بشعائر الحسين عليه السلام يا ترى؟.
ان على كل من يحرص على تنقية الشعائر الحسينية مما يسميها بالشوائب، ان يلتجئ الى مراجع الدين وفقهاء المسلمين لتحديد الموقف من اي منها، فالمصلحة تكمن في ان نحصر (الخلاف) حولها بين الفقهاء والمراجع من دون ان ننشر الخلاف ليتحول في احيان كثيرة الى اختلاف يفسد للود اكثر من قضية.
لقد اعجبني رد احد (الخطباء) في احدى البلاد العربية عندما الح عليه الحاضرون بسؤالهم عن رايه ببعض الشعائر الحسينية، قائلا لهم: من منكم يقلدني اذا اصدرت فتوى بشان الشعيرة التي تسالونني عنها؟ فلم يحر احدا منهم جوابا، فقال لهم: فلماذا تسالونني اذن عن قضية تعتبرونها تعود الى فتاوى المراجع، وانتم تعلمون انني لست منهم؟.
لقد كتب المفكر الاسلامي الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره (اغتاله ازلام الطاغية الذليل صدام حسين في بيروت عام 1980) قبل اكثر من نصف قرن كتابا رائعا بعنوان (الشعائر الحسينية) شرح فيه بالتفصيل المباني الفقهية لكل شعيرة من هذه الشعائر، اتمنى على كل من تراوده الشكوك بشان اي منها ان يقرا هذا الكتاب، بغض النظر عما اذا كان سيقنع القارئ ام لا؟ الا انه بكل تاكيد سيرسم صورة مناسبة في الذهن ستساعد من يريد ان يتبنى رايا بشان الشعائر الحسينية بدرجة كبيرة.
دال: ان من حق المرء ان يناقش ما يتعلق بالشعائر الحسينية، شريطة ان يلتزم باخلاقيات الحوار، فلا يسب او يتهجم او يستهزئ او يكفر او يتهم من يمارسها بالشرك، كما يفعل الوهابيون الارهابيون، فحرية الراي مكفولة بلا شك في مثل هذه المواضيع اذا كان صاحبه مطلع على الموضوع ويريد فعلا ممارسة الاصلاح، اما ان يتوسل بالعنف والقتل والتفجير والتدمير لفرض رايه، وليمنع هذه الشعيرة او تلك، فهذا ما لا يقبل به عقل او منطق او ضمير او حتى دين، والذي قال تعالى بشانه {لا اكراه في الدين}.
ان من يريد ان يؤثر ايجابيا في الموضوع عندما يخوض بالشعائر الحسينية، عليه ان يراعي حساسية الامر، وكذلك مشاعر الناس المؤمنين بها، فلا يطعن بما لا يؤمن به، ولا يخرج من الدين من يمارسها.
هاء: قد تكون بعض الشعائر الحسينية وفدت الينا من هنا وهناك، من هذه الملة او من ذاك الشعب افهل في ذلك ضير؟ وهل ان مثل هذا يقلل من مصداقيتها او يطعن بشرعيتها؟ وهل ان كل وافد الينا هو موضع شبهة او اشكال شرعي؟.
بالتاكيد كلا، فليس كل ما يرد الينا من خارج ثقافتنا سئ، فلقد اقر الاسلام الكثير من الشعائر التي كان يمارسها عرب الجاهلية بعد ان لم ير فيها ما يمس الدين وقيمه السامية واهدافه النبيلة، منها موضوع الاشهر الحرم وخصوصية يوم الجمعة التي شرع فيه صلاة الجمعة وغير ذلك.
كما ان الكثير من علوم المسلمين وفدت من غيرهم، فاخذوا بها بلا حساسية ثم طوروها وبلوروها، فعلم المنطق، مثلا، وفد اليهم من (الفرس) اذ يذكر المؤرخون بان اول من استخدم علم المنطق هم الفرس الذين نقلوه الى المسلمين عندما اسلموا، فهل يعني ذلك اننا سنكره هذا العلم او نرفضه لمجرد ان اصله (فارسيا)؟ بل ان مؤسس مدرسة بغداد المنطقية اصله رومي واسمه (ابي بشر متي بن يونس) الفيلسوف المنطقي.
كما ان الكثير من علوم اللغة العربية وعلوم الفلسفة والتفسير والحديث والعرفان والتصوف وغيرها وردت الى المسلمين من غير العرب، حملة الدين الاسلامي الاوائل، بل ان الكثير من كبار علماء اللغة والفقه والفلسفة هم من غير المسلمين، فما الضير في ذلك اذا كان الاسلام قد هضمها وطورها المسلمون بما ينسجم والدين وقيمه وثوابته؟.
الا يعلم المسلمون ان مؤسسي المذاهب الاسلامية الاربعة، كلهم من الفرس على اغلب راي المؤرخين، او على الاقل ثلاثة منهم هم من الفرس؟ والا يعلم المسلمون ان اصحاب الصحاح، بل ان كبيرهم وابرزهم، وهو البخاري، فارسيا؟ فما الضير في ذلك؟.
ان الدين وشعائره والعلم ومبادئه بلا هوية، لا اثنية ولا جغرافية، فليس المشكلة في ما يقول هذا العالم او ذاك، وانما تقع المشكلة اذا انحرف قوله عن قول الحق وقيم الدين ومبادئه الحقة، وهذا ما لم ينطبق البتة على الشعائر الحسينية بالتاكيد.
يقول المفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه (نحن والتراث) ما نصه متحدثا عن ذلك:
لقد اختار الغزالي من الفكر اليوناني، بل ومن التوراة والانجيل ومن التراث الفارسي والهندي ومن الاحاديث الموضوعة او المشكوك فيها، ما يستجيب لمشاغله واهتماماته، ويصلح لبناء رؤيته الخاصة التي املتها عليه معطيات عصره، بل المرحلة التاريخية التي عاش فيها.
ومع ذلك فان الغزالي هذا يعده المسلمون والعرب تحديدا احد اعاظم فلاسفتهم، وهو بالمناسبة ليس بعربي وانما فارسيا من نيسابور.
ويضيف في فقرة اخرى: واما الفكر السني والفكر الصوفي فان ايا منهما لم ينج من التاثير الحراني، نسبة الى عقيدة وفلسفة (الروحانيين) من صابئة حران، رغم عدائهما للفلسفة والفلاسفة، لقد قبل اهل السنة على العموم التاويلات ذات المصدر الهرمسي الحراني لكثير من جوانب الحياة الروحية في الاسلام.
ولقد ذهب عدد لا باس به من المؤرخين والمفكرين القدماء والمعاصرين الى ان (شيخ الاسلام) ابن تيمية اخذ عقائده من اليهود، خاصة ما يتعلق بفكرة التكفير التي بلورها عن نظرية (شعب الله المختار) التي يؤمن بها اليهود، ثم انتقلت الفكرة من جيل الى جيل الى ان وصلت الى (الحزب الوهابي) الذي يعتبر اتباعه انهم الوحيدون على حق وهم دون غيرهم من بني البشر الموحدون الحقيقيون والصادقون، ولذلك ذهبوا الى تكفير اتباع بقية المذاهب والاديان الاخرى، وجواز قتلهم واستباحة اعراضهم واموالهم، بعد نعتهم بالشرك واحيانا بالوثنية.
واو: ان تاريخ الشعائر الحسينية يشير الى انها تتسع اكثر فاكثر وتتجذر اكثر فاكثر كلما حاربها (النشامى) ولذلك فان من الافضل لهم، اذا ارادوا ان يقضوا عليها، ان يتركوا الناس وشانهم لتنطفئ جذوة الشعائر الحسينية شيئا فشيئا.
وسيزداد التاثير الايجابي اتساعا وانتشارا اذا تدخل في شؤون الشعائر الحسينية النظام السياسي، ولقد راينا كيف ان بعض الانظمة السياسية ساعدت على نشر الشعائر الحسينية وتكريسها في المجتمع بتدخلها السافر في شؤونها، طبعا من حيث لا تريد، وليس تجربة الانظمة السياسية الفاسدة التي تعاقبت على الحكم في العراق، خاصة رئيس الوزراء ياسين الهاشمي الذي جند كل قواه البوليسية لمحاربتها ومنعها وكذلك الطاغية الذليل صدام حسين الذي قتل واعدم وطارد ودمر وامر بقصف المرقدين الطاهرين لسيد شباب اهل الجنة الحسين السبط واخيه ابا الفضل العباس عليهما السلام في مدينة كربلاء المقدسة، ببعيدة عنا.
ولذلك، فان نصيحتي لكل من يحاول ان يدس انفه بهذا الموضوع، ان لا يتسرع في الامر، الا اذا قرر ان يساهم في نشر الشعائر الحسينية اكثر فاكثر، فسيجزيه الله عن الاسلام واهل البيت خير جزاء المحسنين.
اما (اليساريون) فانهم من اشد الناس تاثيرا (ايجابيا) على الشعائر الحسينية اذا ما تدخلوا في شؤونها، لان الناس تعلموا بالتجربة ان ما يتدخل بامره هؤلاء يصلح دنياهم وآخرتهم، فهل يتصور (اليساريون) بان الناس سيقلدونهم في شؤون دينهم اذا ما ابدوا رايا في الشعائر الحسينية؟ وهم الذين خسروا الدنيا ولم يربحوا الآخرة؟ كيف ذلك والحكمة تقول (فاقد الشئ لا يعطيه) فمن لا دين له كيف يتوقع ان يقلده الناس في دينهم؟.
زاي: لم يقل احد من العلماء والفقهاء بان الشعائر الحسينية اصل من اصول الدين الاسلامي، او حتى من اصول المذهب الشيعي، اي ان من لم يؤمن بها او يمارسها كما هي فهو كافر خارج عن الملة والدين، ويستحق ان يقام عليه حد الكافر او المرتد، لم يقل احد مثل هذا الكلام، ولذلك فان الناس مخيرون بين ان يمارسوها بكل اشكالها او ان يختاروا ما يشاؤون منها، كما ان لهم ان لا يمارسوا ايا منها، فان ذلك لا يطعن في دينهم ولا حتى في تشيعهم.
ان اية شعيرة لا تعتبر جزءا من اصول الدين، يكون المرء مخير بين ان يمارسها او لا يمارسها، على الرغم من كل التشجيع والحث على ممارستها، فالشعيرة التي لا يتوقف عليها ايمان المسلم، كالصلاة او الصوم او الحج او غيرها من العبادات الواجبة، يكون المرء مخيرا ازاءها فلماذا كل هذا التهويل المضاد للشعائر الحسينية؟ لماذا لا نترك الناس وخياراتهم؟ لماذا لا نحترم خياراتهم؟.
لقد اقام البعض الدنيا ولم يقعدوها بمجرد ان مسؤولا في العاصمة بغداد قرر اغلاق الملاهي الليلية غير المرخصة، وحجتهم في الحملة الشعواء التي شنوها ضده هي انه يحدد خيارات الناس، ويتدخل في تحديد خياراتهم، فلماذا اذن تتدخلوا في خيارات الناس ازاء كل ما يتعلق بالحسين السبط عليه السلام؟.
لو ان امرءا قرر ان يمشي العمر كله من اجل الحسين عليه السلام، فما الذي يضير غيره في الامر؟ لماذا يتدخل الاخرون في خياراته؟ لا زال انه لم يؤذ احدا؟.
اما اهم المؤاخذات التي يكررها (النشامى) في كل عام بشان الشعائر الحسينية، فهي على سبيل المثال لا الحصر:
اولا: البكاء، فهم يستشكلون عليه على اعتبار ان من العيب بمكان ان يظل المرء يبكي على قضية مر عليها اكثر من (14) قرنا، فهل يعقل هذا؟.
ان البكاء بحد ذاته رسالة، على عكس الضحك، والدليل على ذلك، فلو ان امرءا مر في طريقه على طفلة تبكي، انه سيبادر لا شعوريا الى السؤال منها عن سبب بكائها، ما يعني انها تمكنت من جلب انتباهه واثارة مشاعره نحو ازمتها بالدمعة ونجحت في ايصال رسالتها اليه عن طريق البكاء، اما اذا مر المرء على طفلة تضحك فهل سيبادر الى السؤال منها عن سبب ضحكها؟ بالتاكيد كلا.
انك تتعاطف مع الدمعة بشكل لا ارادي، على عكس الضحك الذي لا يثير في نفسك فضول السؤال.
هذا يعني ان الدمعة تحمل في طياتها رسالة ما للراي العام، ولذلك فهي امض سلاح بيد المظلوم دائما.
وان من يبكي الحسين السبط منذ (14) قرنا انما يحمل بدمعته وببكائه رسالة حية ساخنة لم ولن ينتهي مفعولها مهما مر الزمان عليها، انه صاحب رسالة يحمل قضية مقدسة وعالمية.
ان الدمعة على الحسين عليه السلام رسالة عظيمة لن ينطفئ اوارها ابدا، ولذلك ظلت كربلاء حية في نفوس الاحرار، فتحولت الى قبلة لهم ولكل من يبحث عن كرامته، انها اليوم رمز الكرامة والحرية.
بالبكاء دامت ثورة الحسين السبط، وكسبت كل هذا التعاطف العالمي المستمر منذ اكثر من (14) قرنا من الزمن، وستحافظ على ديمومتها ما بقي الدهر والى يوم يبعثون، على الرغم من كل ما يبذله اعداء الحسين الشهيد لاطفاء نور نهضته المتوهج ابدا.
وبالمناسبة، فليس هناك من بين الناس من ظل يواصل البكاء على الحسين عليه السلام طيلة (14) قرنا ابدا، فان اطول مدة يمكن لانسان ان يبكي على السبط الشهيد هو عمره الذي لا يتجاوز في احسن الفروض (60) عاما، فلماذا يستشكلون علينا باننا نبكي الحسين عليه السلام اكثر من (14) قرنا؟ فمن الذي عاش كل هذا العمر ليتهم بمثل ذلك؟.
لقد بكى نبي الله يعقوب عليه السلام على ولده نبي الله يوسف عليه السلام اكثر من اربعين عاما وهو يعلم علم اليقين بانه لم يقتل او يمت وانما هو حي يرزق، الا انه ظل يبكي عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم حتى كاد ان يكون حرضا او يكون من الهالكين، على حد وصف القران الكريم، ولم يعترض عليه رب العزة والجلال، بل خلد دمعته لتكون انموذجا للبكاء الرسالي وللدمعة صاحبة الرسالة.
ان مشكلة (النشامى) هي انهم لا يستوعبون مدى عظمة الجريمة التي ارتكبها بنو امية بحق سبط رسول الله (ص) سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي بن فاطمة الزهراء عليهم السلام، وليس بمقدورهم ان يتصوروا عظم الجريمة وخطورتها على الاسلام وقيم السماء العظيمة، والا فلو تمكنوا من تصور الجريمة والظلم الذي وقع على الامام لبكوه الدهر كله، ولما جفت دموع مآقيهم ابدا.
من منا يستطيع ان يسيطر على دموعه وهو يقرا رواية بتراجيديا انسانية؟ ومن منا لم يذرف دموعا ساخنة وهو يشاهد مسلسلا تلفزيونيا، او اي عمل درامي، عندما يمر عليه منظر القتل ظلما مثلا او التعدي على مظلوم بغير حق؟ على الرغم من ان اكثر هذه الاعمال الفنية خيالية ليس الا، الا ان البعد الانساني والاحاسيس والمشاعر التي يحملها الانسان هي التي تدفعه لان يتفاعل لا اراديا مع مثل هذه المشاهد.
من منا لم يبك وهو يصغ الى راو يروي له قصة ماساوية حدثت لانسان؟ فما بالك اذا كان هذا الانسان سبط رسول الله (ص) وسيد شباب اهل الجنة ومعه اهل بيته واصحابه الميامين، وفيهم اكثر من 7 من صحابة رسول الله (ص) فضلا عن الطفل الرضيع والنساء والاطفال الصغار والشباب اليافعين؟.
ان قصة انسانية ماساوية مثل قصة (تايتانك) لا يمتلك المرء ازاءها الا ان يغص بالبكاء لدرجة النحيب، على الرغم من ان بعضنا شاهدها اكثر من مرة، الا انه في كل مرة يتفاعل معها وكانها حدث حي يحصل الان، تعرض فيه عدد من الابرياء الى الموت غرقا في البحر، بالرغم من انهم كانوا في سفرة بارادتهم لم يجبرهم احد على ذلك، الا ان الابعاد الانسانية للقصة والتراجيديا التي تصاحبها هي التي تجبر المرء على ان يذرف دموع الحزن على تلك الارواح التي زهقت في تلك الحادثة الماساوية.
فما بالك بالحسين السبط عليه السلام، الذي استشهد مع ثلة من اهل بيته واصحابه في صحراء كربلاء على يد جيش الضلال الاموي وبتلك الطريقة الماساوية التي ابكت العدو قبل الصديق؟.
ان من له ذرة من المشاعر الانسانية لا يمتلك الا ان يجهش بالبكاء بمجرد ان يسمع القصة، فيا عجبا لمن يؤاخذ من يبكي على الحسين عليه السلام؟ الا ان يكون قلبه من صخر او حجر صلد وليس من لحم ودم ومشاعر انسانية.
فضلا عن كل ذلك، فان الدمعة ترقق القلب وتنمي في النفس الرحمة، فلو ان الارهابي القاتل كان عنده من يبكي عليه كالحسين السبط لما قتل ضحاياه بدم بارد.
ان لكل انسان عواطف جياشة تفلت من بين يديه في احيان كثيرة، فبدلا من ان يهدرها على موت كلب مثلا او ضياع ضبية او مقتل قرد، كما كان يفعل (خلفاء المسلمين) فان من الافضل له ان يبذلها في قضايا مقدسة تتعلق بحياته الدنيا فضلا عن الاخرة.
ثانيا: يقول بعضهم انه بسبب ممارسة الشعائر الحسينية فان الكثير من الناس يتعرضون للقتل بسبب العمليات الارهابية التي ينفذها الوهابيون التكفيريون الارهابيون القتلة ضد كل من يحاول ان يبدي مودته لاهل البيت عليهم السلام.
عجبا لمثل هذه المؤاخذة، فبدلا من ان يحتجوا على من يقتل الابرياء من دون سبب، يطالبون الضحية بان لا تمارس شعائرها، فمثلهم كمثل الذي يهجم على بيته لصا في منتصف الليل يسرق الحلي والاموال، وبدلا من ان يحكموا على اللص يحكموا على الضحية لانه ترك حليا او مالا في منزله.
ثم، هل يعقل ان علينا ان نترك كل ما من شانه ان يسبب التضحية، او الضحايا؟ فاذن علينا:
الف: ان نمنع الناس من امتلاك السيارات، لان سياقتها تسبب سنويا آلاف الضحايا وملايين الدولارات بسبب حوادث المرور.
ان في الولايات المتحدة لوحدها تقدر خسائر حوادث المرور سنويا باكثر من (6) مليار دولار فضلا عن مئات الالاف من القتلى والجرحى والمعوقين، فهل يعني ذلك ان على الحكومة الاميركية ان تمنع من اقتناء السيارات لهذا السبب؟ ام ان عليها ان تجد الحلول المناسبة لمشاكل السير للتقليل من حوادث السير، وبالتالي للتقليل من الخسائر المادية والمعنوية التي تسببها حوادث المرور سنويا؟.
باء: ان نمنع كل انواع الرياضة في العالم لانها تسبب بحوادث مختلفة تزهق بسببها سنويا الالاف من الارواح البريئة.
فلطالما تقاتل المشجعون للفرق المتنافسة، فسقط منهم قتلى وجرحى واهدرت اموالا طائلة بسبب ذلك، وكلنا يتذكر قصة مشجعي فريقي مصر والجزائر في العام قبل الماضي، وهو الحادث الذي اعتبره الرئيس المخلوع فرعون مصر بانه عمل يمس كرامة المواطن المصري.
جيم: ان نمنع السفر بالطائرات لان الرحلات الجوية تتسبب بمقتل الالاف من المسافرين سنويا.
وكذا نمنع السفر بالقطارات والبواخر لانها سبب مباشر من اسباب قتل الناس.
دال: وقبل كل شئ، تعالوا نمنع الحروب التي يشنها الكبار ضد هذه الدولة او تلك، وبمسمى الشرعية الدولية.
قولوا لي بربكم ايهما اكثر؟ ضحايا الشعائر الحسينية ام شعائر جنون التسلح في العالم؟ ضحاياها ام ضحايا السكر؟.
لماذا رضينا بان يسقط المجتمع الدولي الطاغية الذليل صدام حسين وطاغية ليبيا الذليل هو الاخر؟ اولم يصحب عمليات الاسقاط هذه سقوط عدد كبير جدا من الضحايا؟.
والربيع العربي، الم يتسبب بكل هذه الضحايا؟ والحربين العالميتين الم تتسبب بملايين الضحايا؟ والسعي لاقامة النظام الاشتراكي الشيوعي في الاتحاد السوفياتي المنحل، الم يتسبب بمقتل اكثر من (7) ملايين نفس بريئة، لمجرد ان القيادة المركزية للحزب الحاكم ارادت ان تطبق قانونا من قوانين النظام الاشتراكي؟.
ولا ننسى هنا ضحايا التطرف الديني والانظمة الديكتاتورية البوليسية، فلماذا يدعم العالم المتحضر دول مثل المملكة العربية السعودية التي تحرض على التطرف الديني ليل نهار، ان من خلال المساجد والمدارس الموبوءة بمناهج التعليم التي تحرض على الكراهية والبغضاء والغاء الاخر والحقد، او من خلال فتاوى التكفير؟.
اما ضحايا الحرية والديمقراطية فحدث عنهم ولا حرج، فهل يعني ذلك ان علينا ان نمنع الشعوب المقهورة من المطالبة باسقاط انظمتها الشمولية الديكتاتورية والحيلولة بينها وبين السعي لاقامة انظمة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان وحريته وكرامته؟.
دال: وطبقا لهذا المفهوم الاعوج، فان علينا ان نطالب باغلاق كل الكنائس في العالم بعد ان تم الكشف عن ضحاياها من الاطفال في اطار ما بات يعرف بفضائح الاعتداء الجنسي عليهم.
لقد كتبت الصحف الاميركية في العام 2006 ان مطرانية لوس انجلس الكاثوليكية دفعت مبلغ 100 مليون دولار لضحايا الاعتداءات الجنسية من قبل القساوسة، كتسوية في مقابل تنازل هؤلاء الضحايا عن الترافع الى المحاكم الاميركية.
هاء: واخيرا فان علينا ان نمنع الانجاب حتى لا ياتي الى هذا العالم اطفال تعساء جدد، لان ضحايا العنف ضد الاطفال سنويا في العالم بين 4 الى 10 مليون طفل، وان ضحاياهم بسبب الجوع اكثر من 10 ملايين طفل سنويا، كما ان مصروفات دولة كالولايات المتحدة الاميركية على العنف الاسري سنويا اكثر من 37 مليار دولار، بالاضافة الى 6 مليار دولار هي الخسائر الاقتصادية المترتبة على هذا النوع من العنف فقط.
ثالثا: يدعي البعض بان بعض الشعائر الحسينية سبب لاستهزاء العالم المتحضر بديننا ومذهبنا، من دون ان يشيروا الى اية احصائية علمية بهذا الصدد لاثبات دعواهم، وللرد على هذه الشبهة اقول:
الف: ان قصة الحسين السبط عليه السلام تزداد اتساعا وانتشارا في العالم يوما بعد يوم، وان الاقبال على ممارسة الشعائر الحسينية تنتشر في الافاق كل عام بل كل يوم، ففي تركيا وافريقيا على سبيل الفرض انتشرت الشعائر الحسينية بصورة ملفتة للنظر، فمن قال ان الشعائر الحسينية تسببت في انكماش وانحسار قصة كربلاء وعاشوراء؟.
باء: لم نسمع او نقرا او نرى لحد الان اي كتاب او برنامج اذاعي او تلفزيوني او رسم كاريكاتيري انتقص من الاسلام بسبب شعيرة من الشعائر الحسينية ابدا، ولذلك فهي ليست من الاسباب التي يستشهد بها احد في هذا العالم للاستهزاء بالاسلام او للانتقالص من شعائره.
ان كل ما يطعن ويستهزئ بالاسلام، سواء من كتب، كما هو الحال بالنسبة الى كتاب سلمان رشدي الموسوم بالايات الشيطانية، او من برامج تلفزيونية او اذاعية او من رسومات كاريكاتورية، كما حصل اكثر من مرة في الدانمارك وفي غيرها من دول العالم، او حتى قنوات فضائية وظفها اصحابها للطعن بالاسلام وتشويه اصوله وقيمه، ، انما مردها (الاحاديث المهزلة) التي ينسبها البعض لرسول الله (ص) او الفتاوى المضحكة التي يصدرها فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين وفقهاء التكفير القابعين والمحميين بسلطة اسرة آل سعود الفاسدة ومن لف لفهم.
اقروا كتاب الايات الشيطانية لتعرفوا ان مصدره المفضل الذي اعتمد عليه في سرد روايته هو الصحاح، خاصة صحيح البخاري، وتابعوا القنوات الفضائية المعادية، لتكتشفوا ان مصدرهم لتشويه الاسلام هو الصحاح، وسوف لن تسمعوا كلمة عن الشعائر الحسينية كمصدر من مصادر التشويه ابدا.
ان الشعائر الحسينية لم تشوه سمعة الاسلام ابدا، وهاتوا لي دليلا واحدا يثبت ما تقولون، فـ (نحن اصحاب الدليل، اينما مال نميل) والله تعالى امرنا بالقول {قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين} اما ان تطيروا الكلام على عواهنه وتخبطون خبط عشواء بلا دليل علمي رزين، فذلك مردود عليكم.
انما الذي شوه سمعة الاسلام هي ممارسات واعمال جماعات العنف والارهاب التي ركبت الدين كمطية لتحقيق مآربها الخاصة على حساب قيم السماء العظيمة، انهم الارهابيون الذين يسوقون احاديث مكذوبة على رسول الله (ص) تبشرهم بالجلوس على طاولة العشاء في الجنة مع رسول الله (ص) اذا ما قتلوا كافرا، رافضيا كان ام مسيحيا ام يهوديا لا فرق.
وان من شوه سمعة الاسلام هي ممارسات من يدعي الاسلام وانه خادم الحرمين الشريفين من ملوك وامراء اسرة آل سعود الفاسدة، ممارساتهم المشينة في بارات عواصم العالم ومقاهي القمار العالمية وقصص الفساد الاخلاقي والفضائح الجنسية.
ان من شوه سمعة الاسلام هم القتلة والمجرمين الذين فجروا في نيويورك وباريس ولندن ومدريد، وقبل ذلك في العراق وافغانستان والهند والباكستان وغيرها من بلاد المسلمين.
انهم من كبر قبل ان يحز رؤوس ضحاياه.
انهم اصحاب الفتاوى المضحكة التي ابكت الصديق واسرت العدو.
ان الحريص على سمعة الاسلام عليه ان يقف بقوة ضد ممارسات هؤلاء الجهلة الذين اختطفوا الاسلام وصادروا حقوقه، لا ان ينشغلوا بما لم يثبت ابدا بانه سبب من اسباب تشويه سمعة الاسلام.
رابعا: يدعي البعض بان الشعائر الحسينية تشغل الناس عن اعمالهم، وانها سبب للتاخر في انجاز الدولة لاعمالها ومشاريعها.
اذن، فما بال الدول (العربية) والاسلامية التي لم يمارس فيها الشعب اي نوع من انواع الشعائر الحسينية انها متاخرة ولم تشهد اي تقدم او تحسن على اي مستوى من مستويات الحياة العامة؟.
وفي العراق، ما باله تاخر وتخلف على كل الاصعدة زمن النظام الشمولي البائد؟ الم يمنع الطاغية الذليل الناس من ممارسة شعائر الحسين عليه السلام طوال العام؟ فلماذا تاخر وتخلف وتقهقر الى الوراء؟ ولماذا لم ياخذ هؤلاء على يديه الملطخة بدماء الابرياء يوم كان يفرض حروبه العبثية كل يوم على الشعب العراقي الابي؟ الم تكن حروبه تلك تشغل الناس عن اعمالهم وتعرقل انجاز مشاريع الدولة وتعطل الحياة اليومية؟ ناهيك عن تدمير البلاد والعباد؟.
ان الناس يعرفون جيدا كيف ومتى يمارسون شعائر الحسين السبط عليه السلام بما لا يؤثر على الحياة العامة، واذا كان البعض ياخذ عليهم سيرهم على الاقدام في اربعين الامام الحسين عليه السلام والتي تاخذ وقتا طويلا قد يمتد الى اكثر من اسبوعين، فان ذلك يشبه الى حد بعيد العطلة السنوية التي تتمتع باجازتها كل شعوب اوربا والتي تمتد على طول الشهر الثامن، آب، من كل عام، من دون ان يدعي احد بان مثل هذه الاجازة الطويلة تعرقل سير الحياة العامة.
ان الملايين من المسلمين يمارسون شعائر الحسين عليه السلام في دول العالم، اقصد في الغرب وفي الولايات المتحدة الاميركية وفي كندا واستراليا، من دون ان يحتج عليهم احد بان ذلك يعرقل سير الاعمال او يؤخر اشغال الناس.
نعم، فان هذه الممارسات بحاجة الى تنظيم وترشيد، لينتفع بها الناس في حياتهم اليومية، من دون ان يعني ذلك التهجم عليها او الاستهزاء بها او الانتقاص منها، او اتهام من يمارسها بالكفر والشرك، لتبرير قتله.
رابعا: يذهب البعض بالقول ان الشعائر الحسينية تحرض على العنف وبالتالي على الارهاب ربما، خاصة تلك التي يصاحبها منظر الدم.
الف: لم يجبر احد احدا على ان يمارس ايا من الشعائر الحسينية (العنيفة) ولذلك فان من يمارسها لم يكره او يغصب عليها وانما يمارسها طوعا وبكامل ارادته.
باء: ان العنف مسالة نسبية، فما يعتبره البعض عنفا لم يكن كذلك من وجهة نظر آخرين.
خذ مثلا على ذلك، اخذ شعر اللحية بالخيط، فان البعض يمارسه بكل سهولة، على الرغم من انه قد يتسبب بخروج بعض الدم من الوجه، الا انه بالنسبة الى آخرين عنف شديد، لذلك لم يجرب في حياته ان يفعل مثل هذا الامر ابدا.
جيم: ان الذي يمارس اية شعيرة من الشعائر الحسينية (العنيفة) انما يمارسها بنفسه ولنفسه ولم يمارسها بغيره، ولذلك فاذا صاحب الممارسة اي نوع من انواع العنف فانما يتحمل وزره من يمارسه دون غيره.
دال: لم نسمع ابدا ان ارهابيا فجر نفسه او زرع عبوة ناسفة او ركن سيارة مفخخة في مكان مزدحم بالابرياء، ذكر بان الدافع وراء فعله العنفي الارهابي هذا مشاركته في احياء شعيرة من الشعائر الحسينية (العنيفة).
فليس ممن يشارك في احياء الشعائر الحسينية ايا من الارهابيين الذين قادوا الطائرات التي نفذت هجمات الحادي عشر من ايلول عام 2001 في نيويورك، وليس ممن يشارك فيها ايا من عناصر حركة طالبان الارهابية التي قتلت على الهوية وحطمت التراث التاريخي في افغانستان، وليس ممن يشارك فيها ايا ممن ظل يقتل ويفجر ويدمر في العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان.
كذلك، فليس ممن يمارس الشعائر الحسينية، العنيفة وغير العنيفة، فقهاء التكفير الذين يصدرون فتاوى القتل والذبح والتدمير، القابعين في بلاط الاسر الفاسدة الحاكمة في دول الخليج، خاصة اسرة آل سعود الفاسدة.
كما ان الاعلام الطائفي الذي يحرض على العنف والارهاب التابع لهذه الاسر، ليس ممن يحيي الشعائر الحسينية او حتى يشجعها او يحرض على ممارستها.
اننا لم نسمع ابدا ان احدا يمارس الشعائر الحسينية (العنيفة) بادر الى قتل احد من المارة مثلا او من زملائه في العمل او المدرسة، لانه اصيب بعدوى العنف والارهاب جراء الشعيرة الحسينية.
انها لم تعلم احدا العنف او تحث على الارهاب، بل على العكس، فانها ممارسات تطهر القلب من البغض والكراهية، وهي ترقق القلب وتطهره من ادران الهوى، كما انها تربي على حب الخير للاخرين والكرم والبذل في سبيل الله تعالى واطعام الفقراء والتذلل الى الله تعالى، كما انها تربي المرء على الكرامة والقوة والشجاعة والصبر وتحمل المشاق وكل صفات الخير.
هاء: ولو فرضنا جدلا ان الواجب هو منع اية ممارسة او مؤسسة تحرض على العنف والارهاب، فتعالوا، اذن نمنع؛
1ــ افلام الرعب التي غزتنا في عقر دورنا وفي مضاجعنا وفي غرف نوم اطفالنا، سواء من خلال الشاشة الصغيرة او الاقراص المدمجة او اشرطة الفيديو او غير ذلك.
2ــ الالعاب الاليكترونية التي تسببت باصابة اطفالنا بالجنون جراء ما تحمل من مشاهد العنف والارهاب.
3ــ الاغاني الحديثة التي اصابت الناس بالهوس والجنون لما تحمله من مشاهد العنف غير المعقول.
4ــ منع عرض مشاهد الذبح من القفا بسكين عمياء والقتل بالساطور وتقطيع الاعضاء والتمثيل بالجثث وحرقها، وغير ذلك من الممارسات الارهابية التي تعرضها قنوات العنف والتحريض الطائفي يوميا، والتي حولت الارهابيين القتلة والذباحين الى نموذج للبطولة ليحتذي به الشباب اليافع.
5ــ منع كل العاب الاطفال (العنيفة) خاصة تلك التي هي على شكل اسلحة ومتفجرات.
6- واخيرا، فان علينا ان نطلب من الامم المتحدة ان لا تصدر اي قرار جديد يجيز للكبار استخدام القوة في حل النزاعات الدولية والاقليمية، فالحروب تقتل وتدمر وتشرد وتحطم كل شئ، انها عنف بامتياز.
خامسا: يقول البعض بان الشعائر الحسينية تحولت الى تجارة، فهل صحيح ذلك؟.
نعم، فالحسين السبط والشعائر الحسينية تجارة، لكنها مع الله تعالى ومع الاخرة وليس مع الدنيا، وليس في ذلك اي ضير، اولم يقل رب العزة في كتابه الكريم {يا ايها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم}؟ وقوله تعالى {ان الذين يتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور}.
اوليس الاتجار مع الله تعالى بالشعائر الحسينية وبغيرها من شعائر الله تعالى وفرائضه ونواهيه خير من الاتجار بالارهاب والاطفال والمخدرات والقمار والجنس والاعضاء والفن المبتذل والغناء الساقط والمسلسلات الفاحشة وسباق التسلح وادوات التعذيب التي يستوردها الطغاة لسحق ارادة الاحرار في مطامير السجون المظلمة؟.
اوليس الاتجار مع الله تعالى خير من الاتجار بدماء الناس وارواحهم واعراضهم وعقولهم التي يستخف بها الطاغوت من خلال الاعلام المضلل، بتشديد اللام الاولى وكسرها؟ كما تفعل اسرة آل سعود الفاسدة التي تتاجر حتى ببيت الله الحرام ومواسم الحج والعمرة؟ كما انها تتجار بالفتوى الدينية المزيفة التي يصدرها فقهاء البلاط تحت الطلب؟.
اوليس الاتجار بالشعائر الحسينية افضل من الاتجار باموال الشعوب المغلوب على امرها وباموال خيراتها في صالات القمار في عواصم الغرب وفي كازينوهات لاس فيغاس وغيرها، كما يفعل امراء الاسر الفاسدة الحاكمة في دول الخليج؟ خاصة اسرتي آل سعود وآل خليفة الفاسدتين؟.
ان الهدف الاسمى لمن يمارس ايا من الشعائر الحسينية، هو التقرب الى الله تعالى من خلال تطهير القلب من ادران الشهوات بمختلف اشكالها، من دون ان يمنع ذلك من ان يستفيد لحياته الدنيا بعضا من الفوائد العرضية كالتي قال عنها رب العزة بقوله {وابتغ فيما آتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} من قبيل المنافع الدنيوية التي يحصل عليها المرء عند ادائه لواحدة من اعظم الفرائض الدينية، حج بيت الله الحرام، والتي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله {واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام}.
وان جيش (النشامى) هذا يتلفع باحد عباءتين:
الاولى: عباءة الحرص على الدين، لدرجة ان بعضهم يذرف دمعة او دمعتين من دموع التماسيح ليطمئن متلقيه بانه انما يتهجم على الشعائر الحسينية من باب الحرص على الحسين عليه السلام وعلى قيم ثورته وعلى رسالة عاشوراء، وانه لم يقصد الا خيرا.
علما بان الكثيرين من هذا الصنف لا يعرفون متى يحل عليهم شهر رمضان الكريم، ليعرفوا متى انتهى موسم الصوم، الا انهم يترقبون هلال شهر محرم الحرام لحظة بلحظة، ليبدأوا خططهم الهجومية.
انهم يظهرون للعيان وكانهم حريصون على الدين فيخافون من ان تشوبه شائبة او يطعن به طاعن.
الثانية: عباءة الحرص على حضارة المسلمين، وكيف انهم نشروا العلم والتعلم والمعارف بين سائر امم الارض فانى لهم الاستمرار في اداء رسالتهم هذه بمثل هذه الشعائر التي يعتبرونها ضد الحضارة؟ كما اراد الطاغية الذليل صدام حسين ان يقنعنا وقتها بمثل هذه الفكرة عندما شن حربه الشعواء ضدها عام 1975؟.
ونحن هنا لا ننكر الجهود المعرفية الكبيرة التي بذلها، ولا يزال، الكثير من المفكرين والمثقفين والكتاب والاعلاميين، كمساهمة منهم في ترشيد الشعائر الحسينية، اولئك الذين يناقشون الامور بروية وعقلانية وواقعية ومعرفة واطلاع واحترام، الا اننا نقصد هنا ما دون ذلك.
في هذا المقال ساحاول ان اسرد مؤاخذاتهم على الشعائر الحسينية، والرد عليها، بعد الملاحظات التالية:
الف: بالتاكيد، فلقد دخلت في الشعائر الحسينية بعض الممارسات والطقوس التي لا تنسجم والقيمة الدينية والحضارية للذكرى، الامر الذي دفع ببعض الفقهاء الى استهجانها او على الاقل عدم التشجيع عليها، الا ان (النشامى) عادة ما يتهجمون على كل الشعائر بلا تمييز، الا ما ندر منهم من الحريصين على الذكرى.
باء: ان عموم الشعائر الحسينية تدخل في اطار مفهوم الاية الكريمة {ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب} ولذلك فان من يمارسها يعتقد جازما بانه يتقرب بها الى الله تعالى من خلال اظهار المودة والمحبة لاهل البيت عليهم السلام والواردة في قوله تعالى {قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى} ومن الواضح فان تفسير (القربى) في الاية هم اهل البيت عليهم السلام باجماع المفسرين والفقهاء ورواة الحديث.
والذي يحيي الشعائر الحسينية احد صنفين:
فاما ان يكون متدينا وملتزما بواجباته الدينية، فهو يتعبد بها قربة الى الله تعالى، بناء على فتوى المرجع الديني والفقيه الذي يقلده، حالها كحال اية قضية عبادية اخرى، ولذلك فلا يحق لاحد كائنا من كان ان يمنعه من ذلك او يستهزئ به، لان فعله مبني على راي فقيه مجتهد، فما الداعي اذن لان احشر انا وامثالي، ممن ليسوا بمراجع تقليد ولا فقهاء دين ولا يحق لهم الفتيا ولم يقلدهم احد في مثل هذه القضايا، نفسي بمثل هذه المواضيع، وادس انفي بمثل هذه القضايا؟.
نعم، اذا كانت محاولتي لدس الانف هي ان ابدي رايا عاما فلا باس في ذلك، اما ان اتدخل في الجانب العقدي وما يتعلق بالحلال والحرام والواجب والمستحب والمباح والمندوب فذلك ليس من اختصاصي ابدا، ومسبقا يجب ان افهم بان قفزتي ستاتي في الهواء لانه ليس هناك احد ممن يمارسون الشعائر الحسينية سيقلدني في فتواي قبل ان يباشر الشعيرة او يتوقف عنها.
او يكون غير متدين وغير ملتزم بشعائر دينه، فهو ربما يمارس الشعائر الحسينية حبا للظهور، رياءا او سمعة، او لاظهار عضلاته او لاي سبب آخر، لا علينا، وهم طبعا الاقلية من بين الملأ.
ان مثل هذا الصنف لا تنفع به ومعه حتى فتوى مرجع التقليد اذا ما حرم شعيرة من الشعائر الحسينية، مثلا، فما الداعي اذن لان اوجه خطابي (الفكري) او الثقافي اليه؟.
ان مثله كمثل من يستعد للحج الى بيت الله الحرام وربما يصله قبل الحجيج، ليس حرصا منه على اداء مناسك شعيرة من شعائر الله تعالى، لا، وانما من اجل ان يسرق الحجيج او يفسد في الموسم او للتجارة فحسب او ما اشبه، فما الداعي ان نعلم مثل هذا مناسك الحج او ان ننبهه اذا اخطا في ركن من اركانه؟.
جيم: لقد اختلف فقهاؤنا ومراجعنا في حلية او استحباب هذه الشعيرة الحسينية او تلك، ولكل منهم حججه الدينية والفقهية، وكم سيكون الامر رائعا اذا تركنا امور الشعائر الحسينية لهم لا يتدخل بها كل من هب ودب، خاصة وان بعض من يتدخل في شؤونها ليس ملتزما دينيا فلماذا يتدخل في امور الدين؟ بل ان البعض منهم (يساريا، ماركسيا، شيوعيا) فما له والشعائر الحسينية؟ يحلل هذه ويحرم تلك؟.
والمضحك، ان بعضهم يتبنى نهجا (علمانيا) ويدير مواقع الكترونية (علمانية) الا انه في محرم الحرام تراه ينظم حملات توقيع ضد هذه الشعيرة او تلك، فما دخل (العلمانية) بشعائر الحسين عليه السلام يا ترى؟.
ان على كل من يحرص على تنقية الشعائر الحسينية مما يسميها بالشوائب، ان يلتجئ الى مراجع الدين وفقهاء المسلمين لتحديد الموقف من اي منها، فالمصلحة تكمن في ان نحصر (الخلاف) حولها بين الفقهاء والمراجع من دون ان ننشر الخلاف ليتحول في احيان كثيرة الى اختلاف يفسد للود اكثر من قضية.
لقد اعجبني رد احد (الخطباء) في احدى البلاد العربية عندما الح عليه الحاضرون بسؤالهم عن رايه ببعض الشعائر الحسينية، قائلا لهم: من منكم يقلدني اذا اصدرت فتوى بشان الشعيرة التي تسالونني عنها؟ فلم يحر احدا منهم جوابا، فقال لهم: فلماذا تسالونني اذن عن قضية تعتبرونها تعود الى فتاوى المراجع، وانتم تعلمون انني لست منهم؟.
لقد كتب المفكر الاسلامي الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره (اغتاله ازلام الطاغية الذليل صدام حسين في بيروت عام 1980) قبل اكثر من نصف قرن كتابا رائعا بعنوان (الشعائر الحسينية) شرح فيه بالتفصيل المباني الفقهية لكل شعيرة من هذه الشعائر، اتمنى على كل من تراوده الشكوك بشان اي منها ان يقرا هذا الكتاب، بغض النظر عما اذا كان سيقنع القارئ ام لا؟ الا انه بكل تاكيد سيرسم صورة مناسبة في الذهن ستساعد من يريد ان يتبنى رايا بشان الشعائر الحسينية بدرجة كبيرة.
دال: ان من حق المرء ان يناقش ما يتعلق بالشعائر الحسينية، شريطة ان يلتزم باخلاقيات الحوار، فلا يسب او يتهجم او يستهزئ او يكفر او يتهم من يمارسها بالشرك، كما يفعل الوهابيون الارهابيون، فحرية الراي مكفولة بلا شك في مثل هذه المواضيع اذا كان صاحبه مطلع على الموضوع ويريد فعلا ممارسة الاصلاح، اما ان يتوسل بالعنف والقتل والتفجير والتدمير لفرض رايه، وليمنع هذه الشعيرة او تلك، فهذا ما لا يقبل به عقل او منطق او ضمير او حتى دين، والذي قال تعالى بشانه {لا اكراه في الدين}.
ان من يريد ان يؤثر ايجابيا في الموضوع عندما يخوض بالشعائر الحسينية، عليه ان يراعي حساسية الامر، وكذلك مشاعر الناس المؤمنين بها، فلا يطعن بما لا يؤمن به، ولا يخرج من الدين من يمارسها.
هاء: قد تكون بعض الشعائر الحسينية وفدت الينا من هنا وهناك، من هذه الملة او من ذاك الشعب افهل في ذلك ضير؟ وهل ان مثل هذا يقلل من مصداقيتها او يطعن بشرعيتها؟ وهل ان كل وافد الينا هو موضع شبهة او اشكال شرعي؟.
بالتاكيد كلا، فليس كل ما يرد الينا من خارج ثقافتنا سئ، فلقد اقر الاسلام الكثير من الشعائر التي كان يمارسها عرب الجاهلية بعد ان لم ير فيها ما يمس الدين وقيمه السامية واهدافه النبيلة، منها موضوع الاشهر الحرم وخصوصية يوم الجمعة التي شرع فيه صلاة الجمعة وغير ذلك.
كما ان الكثير من علوم المسلمين وفدت من غيرهم، فاخذوا بها بلا حساسية ثم طوروها وبلوروها، فعلم المنطق، مثلا، وفد اليهم من (الفرس) اذ يذكر المؤرخون بان اول من استخدم علم المنطق هم الفرس الذين نقلوه الى المسلمين عندما اسلموا، فهل يعني ذلك اننا سنكره هذا العلم او نرفضه لمجرد ان اصله (فارسيا)؟ بل ان مؤسس مدرسة بغداد المنطقية اصله رومي واسمه (ابي بشر متي بن يونس) الفيلسوف المنطقي.
كما ان الكثير من علوم اللغة العربية وعلوم الفلسفة والتفسير والحديث والعرفان والتصوف وغيرها وردت الى المسلمين من غير العرب، حملة الدين الاسلامي الاوائل، بل ان الكثير من كبار علماء اللغة والفقه والفلسفة هم من غير المسلمين، فما الضير في ذلك اذا كان الاسلام قد هضمها وطورها المسلمون بما ينسجم والدين وقيمه وثوابته؟.
الا يعلم المسلمون ان مؤسسي المذاهب الاسلامية الاربعة، كلهم من الفرس على اغلب راي المؤرخين، او على الاقل ثلاثة منهم هم من الفرس؟ والا يعلم المسلمون ان اصحاب الصحاح، بل ان كبيرهم وابرزهم، وهو البخاري، فارسيا؟ فما الضير في ذلك؟.
ان الدين وشعائره والعلم ومبادئه بلا هوية، لا اثنية ولا جغرافية، فليس المشكلة في ما يقول هذا العالم او ذاك، وانما تقع المشكلة اذا انحرف قوله عن قول الحق وقيم الدين ومبادئه الحقة، وهذا ما لم ينطبق البتة على الشعائر الحسينية بالتاكيد.
يقول المفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه (نحن والتراث) ما نصه متحدثا عن ذلك:
لقد اختار الغزالي من الفكر اليوناني، بل ومن التوراة والانجيل ومن التراث الفارسي والهندي ومن الاحاديث الموضوعة او المشكوك فيها، ما يستجيب لمشاغله واهتماماته، ويصلح لبناء رؤيته الخاصة التي املتها عليه معطيات عصره، بل المرحلة التاريخية التي عاش فيها.
ومع ذلك فان الغزالي هذا يعده المسلمون والعرب تحديدا احد اعاظم فلاسفتهم، وهو بالمناسبة ليس بعربي وانما فارسيا من نيسابور.
ويضيف في فقرة اخرى: واما الفكر السني والفكر الصوفي فان ايا منهما لم ينج من التاثير الحراني، نسبة الى عقيدة وفلسفة (الروحانيين) من صابئة حران، رغم عدائهما للفلسفة والفلاسفة، لقد قبل اهل السنة على العموم التاويلات ذات المصدر الهرمسي الحراني لكثير من جوانب الحياة الروحية في الاسلام.
ولقد ذهب عدد لا باس به من المؤرخين والمفكرين القدماء والمعاصرين الى ان (شيخ الاسلام) ابن تيمية اخذ عقائده من اليهود، خاصة ما يتعلق بفكرة التكفير التي بلورها عن نظرية (شعب الله المختار) التي يؤمن بها اليهود، ثم انتقلت الفكرة من جيل الى جيل الى ان وصلت الى (الحزب الوهابي) الذي يعتبر اتباعه انهم الوحيدون على حق وهم دون غيرهم من بني البشر الموحدون الحقيقيون والصادقون، ولذلك ذهبوا الى تكفير اتباع بقية المذاهب والاديان الاخرى، وجواز قتلهم واستباحة اعراضهم واموالهم، بعد نعتهم بالشرك واحيانا بالوثنية.
واو: ان تاريخ الشعائر الحسينية يشير الى انها تتسع اكثر فاكثر وتتجذر اكثر فاكثر كلما حاربها (النشامى) ولذلك فان من الافضل لهم، اذا ارادوا ان يقضوا عليها، ان يتركوا الناس وشانهم لتنطفئ جذوة الشعائر الحسينية شيئا فشيئا.
وسيزداد التاثير الايجابي اتساعا وانتشارا اذا تدخل في شؤون الشعائر الحسينية النظام السياسي، ولقد راينا كيف ان بعض الانظمة السياسية ساعدت على نشر الشعائر الحسينية وتكريسها في المجتمع بتدخلها السافر في شؤونها، طبعا من حيث لا تريد، وليس تجربة الانظمة السياسية الفاسدة التي تعاقبت على الحكم في العراق، خاصة رئيس الوزراء ياسين الهاشمي الذي جند كل قواه البوليسية لمحاربتها ومنعها وكذلك الطاغية الذليل صدام حسين الذي قتل واعدم وطارد ودمر وامر بقصف المرقدين الطاهرين لسيد شباب اهل الجنة الحسين السبط واخيه ابا الفضل العباس عليهما السلام في مدينة كربلاء المقدسة، ببعيدة عنا.
ولذلك، فان نصيحتي لكل من يحاول ان يدس انفه بهذا الموضوع، ان لا يتسرع في الامر، الا اذا قرر ان يساهم في نشر الشعائر الحسينية اكثر فاكثر، فسيجزيه الله عن الاسلام واهل البيت خير جزاء المحسنين.
اما (اليساريون) فانهم من اشد الناس تاثيرا (ايجابيا) على الشعائر الحسينية اذا ما تدخلوا في شؤونها، لان الناس تعلموا بالتجربة ان ما يتدخل بامره هؤلاء يصلح دنياهم وآخرتهم، فهل يتصور (اليساريون) بان الناس سيقلدونهم في شؤون دينهم اذا ما ابدوا رايا في الشعائر الحسينية؟ وهم الذين خسروا الدنيا ولم يربحوا الآخرة؟ كيف ذلك والحكمة تقول (فاقد الشئ لا يعطيه) فمن لا دين له كيف يتوقع ان يقلده الناس في دينهم؟.
زاي: لم يقل احد من العلماء والفقهاء بان الشعائر الحسينية اصل من اصول الدين الاسلامي، او حتى من اصول المذهب الشيعي، اي ان من لم يؤمن بها او يمارسها كما هي فهو كافر خارج عن الملة والدين، ويستحق ان يقام عليه حد الكافر او المرتد، لم يقل احد مثل هذا الكلام، ولذلك فان الناس مخيرون بين ان يمارسوها بكل اشكالها او ان يختاروا ما يشاؤون منها، كما ان لهم ان لا يمارسوا ايا منها، فان ذلك لا يطعن في دينهم ولا حتى في تشيعهم.
ان اية شعيرة لا تعتبر جزءا من اصول الدين، يكون المرء مخير بين ان يمارسها او لا يمارسها، على الرغم من كل التشجيع والحث على ممارستها، فالشعيرة التي لا يتوقف عليها ايمان المسلم، كالصلاة او الصوم او الحج او غيرها من العبادات الواجبة، يكون المرء مخيرا ازاءها فلماذا كل هذا التهويل المضاد للشعائر الحسينية؟ لماذا لا نترك الناس وخياراتهم؟ لماذا لا نحترم خياراتهم؟.
لقد اقام البعض الدنيا ولم يقعدوها بمجرد ان مسؤولا في العاصمة بغداد قرر اغلاق الملاهي الليلية غير المرخصة، وحجتهم في الحملة الشعواء التي شنوها ضده هي انه يحدد خيارات الناس، ويتدخل في تحديد خياراتهم، فلماذا اذن تتدخلوا في خيارات الناس ازاء كل ما يتعلق بالحسين السبط عليه السلام؟.
لو ان امرءا قرر ان يمشي العمر كله من اجل الحسين عليه السلام، فما الذي يضير غيره في الامر؟ لماذا يتدخل الاخرون في خياراته؟ لا زال انه لم يؤذ احدا؟.
اما اهم المؤاخذات التي يكررها (النشامى) في كل عام بشان الشعائر الحسينية، فهي على سبيل المثال لا الحصر:
اولا: البكاء، فهم يستشكلون عليه على اعتبار ان من العيب بمكان ان يظل المرء يبكي على قضية مر عليها اكثر من (14) قرنا، فهل يعقل هذا؟.
ان البكاء بحد ذاته رسالة، على عكس الضحك، والدليل على ذلك، فلو ان امرءا مر في طريقه على طفلة تبكي، انه سيبادر لا شعوريا الى السؤال منها عن سبب بكائها، ما يعني انها تمكنت من جلب انتباهه واثارة مشاعره نحو ازمتها بالدمعة ونجحت في ايصال رسالتها اليه عن طريق البكاء، اما اذا مر المرء على طفلة تضحك فهل سيبادر الى السؤال منها عن سبب ضحكها؟ بالتاكيد كلا.
انك تتعاطف مع الدمعة بشكل لا ارادي، على عكس الضحك الذي لا يثير في نفسك فضول السؤال.
هذا يعني ان الدمعة تحمل في طياتها رسالة ما للراي العام، ولذلك فهي امض سلاح بيد المظلوم دائما.
وان من يبكي الحسين السبط منذ (14) قرنا انما يحمل بدمعته وببكائه رسالة حية ساخنة لم ولن ينتهي مفعولها مهما مر الزمان عليها، انه صاحب رسالة يحمل قضية مقدسة وعالمية.
ان الدمعة على الحسين عليه السلام رسالة عظيمة لن ينطفئ اوارها ابدا، ولذلك ظلت كربلاء حية في نفوس الاحرار، فتحولت الى قبلة لهم ولكل من يبحث عن كرامته، انها اليوم رمز الكرامة والحرية.
بالبكاء دامت ثورة الحسين السبط، وكسبت كل هذا التعاطف العالمي المستمر منذ اكثر من (14) قرنا من الزمن، وستحافظ على ديمومتها ما بقي الدهر والى يوم يبعثون، على الرغم من كل ما يبذله اعداء الحسين الشهيد لاطفاء نور نهضته المتوهج ابدا.
وبالمناسبة، فليس هناك من بين الناس من ظل يواصل البكاء على الحسين عليه السلام طيلة (14) قرنا ابدا، فان اطول مدة يمكن لانسان ان يبكي على السبط الشهيد هو عمره الذي لا يتجاوز في احسن الفروض (60) عاما، فلماذا يستشكلون علينا باننا نبكي الحسين عليه السلام اكثر من (14) قرنا؟ فمن الذي عاش كل هذا العمر ليتهم بمثل ذلك؟.
لقد بكى نبي الله يعقوب عليه السلام على ولده نبي الله يوسف عليه السلام اكثر من اربعين عاما وهو يعلم علم اليقين بانه لم يقتل او يمت وانما هو حي يرزق، الا انه ظل يبكي عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم حتى كاد ان يكون حرضا او يكون من الهالكين، على حد وصف القران الكريم، ولم يعترض عليه رب العزة والجلال، بل خلد دمعته لتكون انموذجا للبكاء الرسالي وللدمعة صاحبة الرسالة.
ان مشكلة (النشامى) هي انهم لا يستوعبون مدى عظمة الجريمة التي ارتكبها بنو امية بحق سبط رسول الله (ص) سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي بن فاطمة الزهراء عليهم السلام، وليس بمقدورهم ان يتصوروا عظم الجريمة وخطورتها على الاسلام وقيم السماء العظيمة، والا فلو تمكنوا من تصور الجريمة والظلم الذي وقع على الامام لبكوه الدهر كله، ولما جفت دموع مآقيهم ابدا.
من منا يستطيع ان يسيطر على دموعه وهو يقرا رواية بتراجيديا انسانية؟ ومن منا لم يذرف دموعا ساخنة وهو يشاهد مسلسلا تلفزيونيا، او اي عمل درامي، عندما يمر عليه منظر القتل ظلما مثلا او التعدي على مظلوم بغير حق؟ على الرغم من ان اكثر هذه الاعمال الفنية خيالية ليس الا، الا ان البعد الانساني والاحاسيس والمشاعر التي يحملها الانسان هي التي تدفعه لان يتفاعل لا اراديا مع مثل هذه المشاهد.
من منا لم يبك وهو يصغ الى راو يروي له قصة ماساوية حدثت لانسان؟ فما بالك اذا كان هذا الانسان سبط رسول الله (ص) وسيد شباب اهل الجنة ومعه اهل بيته واصحابه الميامين، وفيهم اكثر من 7 من صحابة رسول الله (ص) فضلا عن الطفل الرضيع والنساء والاطفال الصغار والشباب اليافعين؟.
ان قصة انسانية ماساوية مثل قصة (تايتانك) لا يمتلك المرء ازاءها الا ان يغص بالبكاء لدرجة النحيب، على الرغم من ان بعضنا شاهدها اكثر من مرة، الا انه في كل مرة يتفاعل معها وكانها حدث حي يحصل الان، تعرض فيه عدد من الابرياء الى الموت غرقا في البحر، بالرغم من انهم كانوا في سفرة بارادتهم لم يجبرهم احد على ذلك، الا ان الابعاد الانسانية للقصة والتراجيديا التي تصاحبها هي التي تجبر المرء على ان يذرف دموع الحزن على تلك الارواح التي زهقت في تلك الحادثة الماساوية.
فما بالك بالحسين السبط عليه السلام، الذي استشهد مع ثلة من اهل بيته واصحابه في صحراء كربلاء على يد جيش الضلال الاموي وبتلك الطريقة الماساوية التي ابكت العدو قبل الصديق؟.
ان من له ذرة من المشاعر الانسانية لا يمتلك الا ان يجهش بالبكاء بمجرد ان يسمع القصة، فيا عجبا لمن يؤاخذ من يبكي على الحسين عليه السلام؟ الا ان يكون قلبه من صخر او حجر صلد وليس من لحم ودم ومشاعر انسانية.
فضلا عن كل ذلك، فان الدمعة ترقق القلب وتنمي في النفس الرحمة، فلو ان الارهابي القاتل كان عنده من يبكي عليه كالحسين السبط لما قتل ضحاياه بدم بارد.
ان لكل انسان عواطف جياشة تفلت من بين يديه في احيان كثيرة، فبدلا من ان يهدرها على موت كلب مثلا او ضياع ضبية او مقتل قرد، كما كان يفعل (خلفاء المسلمين) فان من الافضل له ان يبذلها في قضايا مقدسة تتعلق بحياته الدنيا فضلا عن الاخرة.
ثانيا: يقول بعضهم انه بسبب ممارسة الشعائر الحسينية فان الكثير من الناس يتعرضون للقتل بسبب العمليات الارهابية التي ينفذها الوهابيون التكفيريون الارهابيون القتلة ضد كل من يحاول ان يبدي مودته لاهل البيت عليهم السلام.
عجبا لمثل هذه المؤاخذة، فبدلا من ان يحتجوا على من يقتل الابرياء من دون سبب، يطالبون الضحية بان لا تمارس شعائرها، فمثلهم كمثل الذي يهجم على بيته لصا في منتصف الليل يسرق الحلي والاموال، وبدلا من ان يحكموا على اللص يحكموا على الضحية لانه ترك حليا او مالا في منزله.
ثم، هل يعقل ان علينا ان نترك كل ما من شانه ان يسبب التضحية، او الضحايا؟ فاذن علينا:
الف: ان نمنع الناس من امتلاك السيارات، لان سياقتها تسبب سنويا آلاف الضحايا وملايين الدولارات بسبب حوادث المرور.
ان في الولايات المتحدة لوحدها تقدر خسائر حوادث المرور سنويا باكثر من (6) مليار دولار فضلا عن مئات الالاف من القتلى والجرحى والمعوقين، فهل يعني ذلك ان على الحكومة الاميركية ان تمنع من اقتناء السيارات لهذا السبب؟ ام ان عليها ان تجد الحلول المناسبة لمشاكل السير للتقليل من حوادث السير، وبالتالي للتقليل من الخسائر المادية والمعنوية التي تسببها حوادث المرور سنويا؟.
باء: ان نمنع كل انواع الرياضة في العالم لانها تسبب بحوادث مختلفة تزهق بسببها سنويا الالاف من الارواح البريئة.
فلطالما تقاتل المشجعون للفرق المتنافسة، فسقط منهم قتلى وجرحى واهدرت اموالا طائلة بسبب ذلك، وكلنا يتذكر قصة مشجعي فريقي مصر والجزائر في العام قبل الماضي، وهو الحادث الذي اعتبره الرئيس المخلوع فرعون مصر بانه عمل يمس كرامة المواطن المصري.
جيم: ان نمنع السفر بالطائرات لان الرحلات الجوية تتسبب بمقتل الالاف من المسافرين سنويا.
وكذا نمنع السفر بالقطارات والبواخر لانها سبب مباشر من اسباب قتل الناس.
دال: وقبل كل شئ، تعالوا نمنع الحروب التي يشنها الكبار ضد هذه الدولة او تلك، وبمسمى الشرعية الدولية.
قولوا لي بربكم ايهما اكثر؟ ضحايا الشعائر الحسينية ام شعائر جنون التسلح في العالم؟ ضحاياها ام ضحايا السكر؟.
لماذا رضينا بان يسقط المجتمع الدولي الطاغية الذليل صدام حسين وطاغية ليبيا الذليل هو الاخر؟ اولم يصحب عمليات الاسقاط هذه سقوط عدد كبير جدا من الضحايا؟.
والربيع العربي، الم يتسبب بكل هذه الضحايا؟ والحربين العالميتين الم تتسبب بملايين الضحايا؟ والسعي لاقامة النظام الاشتراكي الشيوعي في الاتحاد السوفياتي المنحل، الم يتسبب بمقتل اكثر من (7) ملايين نفس بريئة، لمجرد ان القيادة المركزية للحزب الحاكم ارادت ان تطبق قانونا من قوانين النظام الاشتراكي؟.
ولا ننسى هنا ضحايا التطرف الديني والانظمة الديكتاتورية البوليسية، فلماذا يدعم العالم المتحضر دول مثل المملكة العربية السعودية التي تحرض على التطرف الديني ليل نهار، ان من خلال المساجد والمدارس الموبوءة بمناهج التعليم التي تحرض على الكراهية والبغضاء والغاء الاخر والحقد، او من خلال فتاوى التكفير؟.
اما ضحايا الحرية والديمقراطية فحدث عنهم ولا حرج، فهل يعني ذلك ان علينا ان نمنع الشعوب المقهورة من المطالبة باسقاط انظمتها الشمولية الديكتاتورية والحيلولة بينها وبين السعي لاقامة انظمة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان وحريته وكرامته؟.
دال: وطبقا لهذا المفهوم الاعوج، فان علينا ان نطالب باغلاق كل الكنائس في العالم بعد ان تم الكشف عن ضحاياها من الاطفال في اطار ما بات يعرف بفضائح الاعتداء الجنسي عليهم.
لقد كتبت الصحف الاميركية في العام 2006 ان مطرانية لوس انجلس الكاثوليكية دفعت مبلغ 100 مليون دولار لضحايا الاعتداءات الجنسية من قبل القساوسة، كتسوية في مقابل تنازل هؤلاء الضحايا عن الترافع الى المحاكم الاميركية.
هاء: واخيرا فان علينا ان نمنع الانجاب حتى لا ياتي الى هذا العالم اطفال تعساء جدد، لان ضحايا العنف ضد الاطفال سنويا في العالم بين 4 الى 10 مليون طفل، وان ضحاياهم بسبب الجوع اكثر من 10 ملايين طفل سنويا، كما ان مصروفات دولة كالولايات المتحدة الاميركية على العنف الاسري سنويا اكثر من 37 مليار دولار، بالاضافة الى 6 مليار دولار هي الخسائر الاقتصادية المترتبة على هذا النوع من العنف فقط.
ثالثا: يدعي البعض بان بعض الشعائر الحسينية سبب لاستهزاء العالم المتحضر بديننا ومذهبنا، من دون ان يشيروا الى اية احصائية علمية بهذا الصدد لاثبات دعواهم، وللرد على هذه الشبهة اقول:
الف: ان قصة الحسين السبط عليه السلام تزداد اتساعا وانتشارا في العالم يوما بعد يوم، وان الاقبال على ممارسة الشعائر الحسينية تنتشر في الافاق كل عام بل كل يوم، ففي تركيا وافريقيا على سبيل الفرض انتشرت الشعائر الحسينية بصورة ملفتة للنظر، فمن قال ان الشعائر الحسينية تسببت في انكماش وانحسار قصة كربلاء وعاشوراء؟.
باء: لم نسمع او نقرا او نرى لحد الان اي كتاب او برنامج اذاعي او تلفزيوني او رسم كاريكاتيري انتقص من الاسلام بسبب شعيرة من الشعائر الحسينية ابدا، ولذلك فهي ليست من الاسباب التي يستشهد بها احد في هذا العالم للاستهزاء بالاسلام او للانتقالص من شعائره.
ان كل ما يطعن ويستهزئ بالاسلام، سواء من كتب، كما هو الحال بالنسبة الى كتاب سلمان رشدي الموسوم بالايات الشيطانية، او من برامج تلفزيونية او اذاعية او من رسومات كاريكاتورية، كما حصل اكثر من مرة في الدانمارك وفي غيرها من دول العالم، او حتى قنوات فضائية وظفها اصحابها للطعن بالاسلام وتشويه اصوله وقيمه، ، انما مردها (الاحاديث المهزلة) التي ينسبها البعض لرسول الله (ص) او الفتاوى المضحكة التي يصدرها فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين وفقهاء التكفير القابعين والمحميين بسلطة اسرة آل سعود الفاسدة ومن لف لفهم.
اقروا كتاب الايات الشيطانية لتعرفوا ان مصدره المفضل الذي اعتمد عليه في سرد روايته هو الصحاح، خاصة صحيح البخاري، وتابعوا القنوات الفضائية المعادية، لتكتشفوا ان مصدرهم لتشويه الاسلام هو الصحاح، وسوف لن تسمعوا كلمة عن الشعائر الحسينية كمصدر من مصادر التشويه ابدا.
ان الشعائر الحسينية لم تشوه سمعة الاسلام ابدا، وهاتوا لي دليلا واحدا يثبت ما تقولون، فـ (نحن اصحاب الدليل، اينما مال نميل) والله تعالى امرنا بالقول {قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين} اما ان تطيروا الكلام على عواهنه وتخبطون خبط عشواء بلا دليل علمي رزين، فذلك مردود عليكم.
انما الذي شوه سمعة الاسلام هي ممارسات واعمال جماعات العنف والارهاب التي ركبت الدين كمطية لتحقيق مآربها الخاصة على حساب قيم السماء العظيمة، انهم الارهابيون الذين يسوقون احاديث مكذوبة على رسول الله (ص) تبشرهم بالجلوس على طاولة العشاء في الجنة مع رسول الله (ص) اذا ما قتلوا كافرا، رافضيا كان ام مسيحيا ام يهوديا لا فرق.
وان من شوه سمعة الاسلام هي ممارسات من يدعي الاسلام وانه خادم الحرمين الشريفين من ملوك وامراء اسرة آل سعود الفاسدة، ممارساتهم المشينة في بارات عواصم العالم ومقاهي القمار العالمية وقصص الفساد الاخلاقي والفضائح الجنسية.
ان من شوه سمعة الاسلام هم القتلة والمجرمين الذين فجروا في نيويورك وباريس ولندن ومدريد، وقبل ذلك في العراق وافغانستان والهند والباكستان وغيرها من بلاد المسلمين.
انهم من كبر قبل ان يحز رؤوس ضحاياه.
انهم اصحاب الفتاوى المضحكة التي ابكت الصديق واسرت العدو.
ان الحريص على سمعة الاسلام عليه ان يقف بقوة ضد ممارسات هؤلاء الجهلة الذين اختطفوا الاسلام وصادروا حقوقه، لا ان ينشغلوا بما لم يثبت ابدا بانه سبب من اسباب تشويه سمعة الاسلام.
رابعا: يدعي البعض بان الشعائر الحسينية تشغل الناس عن اعمالهم، وانها سبب للتاخر في انجاز الدولة لاعمالها ومشاريعها.
اذن، فما بال الدول (العربية) والاسلامية التي لم يمارس فيها الشعب اي نوع من انواع الشعائر الحسينية انها متاخرة ولم تشهد اي تقدم او تحسن على اي مستوى من مستويات الحياة العامة؟.
وفي العراق، ما باله تاخر وتخلف على كل الاصعدة زمن النظام الشمولي البائد؟ الم يمنع الطاغية الذليل الناس من ممارسة شعائر الحسين عليه السلام طوال العام؟ فلماذا تاخر وتخلف وتقهقر الى الوراء؟ ولماذا لم ياخذ هؤلاء على يديه الملطخة بدماء الابرياء يوم كان يفرض حروبه العبثية كل يوم على الشعب العراقي الابي؟ الم تكن حروبه تلك تشغل الناس عن اعمالهم وتعرقل انجاز مشاريع الدولة وتعطل الحياة اليومية؟ ناهيك عن تدمير البلاد والعباد؟.
ان الناس يعرفون جيدا كيف ومتى يمارسون شعائر الحسين السبط عليه السلام بما لا يؤثر على الحياة العامة، واذا كان البعض ياخذ عليهم سيرهم على الاقدام في اربعين الامام الحسين عليه السلام والتي تاخذ وقتا طويلا قد يمتد الى اكثر من اسبوعين، فان ذلك يشبه الى حد بعيد العطلة السنوية التي تتمتع باجازتها كل شعوب اوربا والتي تمتد على طول الشهر الثامن، آب، من كل عام، من دون ان يدعي احد بان مثل هذه الاجازة الطويلة تعرقل سير الحياة العامة.
ان الملايين من المسلمين يمارسون شعائر الحسين عليه السلام في دول العالم، اقصد في الغرب وفي الولايات المتحدة الاميركية وفي كندا واستراليا، من دون ان يحتج عليهم احد بان ذلك يعرقل سير الاعمال او يؤخر اشغال الناس.
نعم، فان هذه الممارسات بحاجة الى تنظيم وترشيد، لينتفع بها الناس في حياتهم اليومية، من دون ان يعني ذلك التهجم عليها او الاستهزاء بها او الانتقاص منها، او اتهام من يمارسها بالكفر والشرك، لتبرير قتله.
رابعا: يذهب البعض بالقول ان الشعائر الحسينية تحرض على العنف وبالتالي على الارهاب ربما، خاصة تلك التي يصاحبها منظر الدم.
الف: لم يجبر احد احدا على ان يمارس ايا من الشعائر الحسينية (العنيفة) ولذلك فان من يمارسها لم يكره او يغصب عليها وانما يمارسها طوعا وبكامل ارادته.
باء: ان العنف مسالة نسبية، فما يعتبره البعض عنفا لم يكن كذلك من وجهة نظر آخرين.
خذ مثلا على ذلك، اخذ شعر اللحية بالخيط، فان البعض يمارسه بكل سهولة، على الرغم من انه قد يتسبب بخروج بعض الدم من الوجه، الا انه بالنسبة الى آخرين عنف شديد، لذلك لم يجرب في حياته ان يفعل مثل هذا الامر ابدا.
جيم: ان الذي يمارس اية شعيرة من الشعائر الحسينية (العنيفة) انما يمارسها بنفسه ولنفسه ولم يمارسها بغيره، ولذلك فاذا صاحب الممارسة اي نوع من انواع العنف فانما يتحمل وزره من يمارسه دون غيره.
دال: لم نسمع ابدا ان ارهابيا فجر نفسه او زرع عبوة ناسفة او ركن سيارة مفخخة في مكان مزدحم بالابرياء، ذكر بان الدافع وراء فعله العنفي الارهابي هذا مشاركته في احياء شعيرة من الشعائر الحسينية (العنيفة).
فليس ممن يشارك في احياء الشعائر الحسينية ايا من الارهابيين الذين قادوا الطائرات التي نفذت هجمات الحادي عشر من ايلول عام 2001 في نيويورك، وليس ممن يشارك فيها ايا من عناصر حركة طالبان الارهابية التي قتلت على الهوية وحطمت التراث التاريخي في افغانستان، وليس ممن يشارك فيها ايا ممن ظل يقتل ويفجر ويدمر في العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان.
كذلك، فليس ممن يمارس الشعائر الحسينية، العنيفة وغير العنيفة، فقهاء التكفير الذين يصدرون فتاوى القتل والذبح والتدمير، القابعين في بلاط الاسر الفاسدة الحاكمة في دول الخليج، خاصة اسرة آل سعود الفاسدة.
كما ان الاعلام الطائفي الذي يحرض على العنف والارهاب التابع لهذه الاسر، ليس ممن يحيي الشعائر الحسينية او حتى يشجعها او يحرض على ممارستها.
اننا لم نسمع ابدا ان احدا يمارس الشعائر الحسينية (العنيفة) بادر الى قتل احد من المارة مثلا او من زملائه في العمل او المدرسة، لانه اصيب بعدوى العنف والارهاب جراء الشعيرة الحسينية.
انها لم تعلم احدا العنف او تحث على الارهاب، بل على العكس، فانها ممارسات تطهر القلب من البغض والكراهية، وهي ترقق القلب وتطهره من ادران الهوى، كما انها تربي على حب الخير للاخرين والكرم والبذل في سبيل الله تعالى واطعام الفقراء والتذلل الى الله تعالى، كما انها تربي المرء على الكرامة والقوة والشجاعة والصبر وتحمل المشاق وكل صفات الخير.
هاء: ولو فرضنا جدلا ان الواجب هو منع اية ممارسة او مؤسسة تحرض على العنف والارهاب، فتعالوا، اذن نمنع؛
1ــ افلام الرعب التي غزتنا في عقر دورنا وفي مضاجعنا وفي غرف نوم اطفالنا، سواء من خلال الشاشة الصغيرة او الاقراص المدمجة او اشرطة الفيديو او غير ذلك.
2ــ الالعاب الاليكترونية التي تسببت باصابة اطفالنا بالجنون جراء ما تحمل من مشاهد العنف والارهاب.
3ــ الاغاني الحديثة التي اصابت الناس بالهوس والجنون لما تحمله من مشاهد العنف غير المعقول.
4ــ منع عرض مشاهد الذبح من القفا بسكين عمياء والقتل بالساطور وتقطيع الاعضاء والتمثيل بالجثث وحرقها، وغير ذلك من الممارسات الارهابية التي تعرضها قنوات العنف والتحريض الطائفي يوميا، والتي حولت الارهابيين القتلة والذباحين الى نموذج للبطولة ليحتذي به الشباب اليافع.
5ــ منع كل العاب الاطفال (العنيفة) خاصة تلك التي هي على شكل اسلحة ومتفجرات.
6- واخيرا، فان علينا ان نطلب من الامم المتحدة ان لا تصدر اي قرار جديد يجيز للكبار استخدام القوة في حل النزاعات الدولية والاقليمية، فالحروب تقتل وتدمر وتشرد وتحطم كل شئ، انها عنف بامتياز.
خامسا: يقول البعض بان الشعائر الحسينية تحولت الى تجارة، فهل صحيح ذلك؟.
نعم، فالحسين السبط والشعائر الحسينية تجارة، لكنها مع الله تعالى ومع الاخرة وليس مع الدنيا، وليس في ذلك اي ضير، اولم يقل رب العزة في كتابه الكريم {يا ايها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم}؟ وقوله تعالى {ان الذين يتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور}.
اوليس الاتجار مع الله تعالى بالشعائر الحسينية وبغيرها من شعائر الله تعالى وفرائضه ونواهيه خير من الاتجار بالارهاب والاطفال والمخدرات والقمار والجنس والاعضاء والفن المبتذل والغناء الساقط والمسلسلات الفاحشة وسباق التسلح وادوات التعذيب التي يستوردها الطغاة لسحق ارادة الاحرار في مطامير السجون المظلمة؟.
اوليس الاتجار مع الله تعالى خير من الاتجار بدماء الناس وارواحهم واعراضهم وعقولهم التي يستخف بها الطاغوت من خلال الاعلام المضلل، بتشديد اللام الاولى وكسرها؟ كما تفعل اسرة آل سعود الفاسدة التي تتاجر حتى ببيت الله الحرام ومواسم الحج والعمرة؟ كما انها تتجار بالفتوى الدينية المزيفة التي يصدرها فقهاء البلاط تحت الطلب؟.
اوليس الاتجار بالشعائر الحسينية افضل من الاتجار باموال الشعوب المغلوب على امرها وباموال خيراتها في صالات القمار في عواصم الغرب وفي كازينوهات لاس فيغاس وغيرها، كما يفعل امراء الاسر الفاسدة الحاكمة في دول الخليج؟ خاصة اسرتي آل سعود وآل خليفة الفاسدتين؟.
ان الهدف الاسمى لمن يمارس ايا من الشعائر الحسينية، هو التقرب الى الله تعالى من خلال تطهير القلب من ادران الشهوات بمختلف اشكالها، من دون ان يمنع ذلك من ان يستفيد لحياته الدنيا بعضا من الفوائد العرضية كالتي قال عنها رب العزة بقوله {وابتغ فيما آتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} من قبيل المنافع الدنيوية التي يحصل عليها المرء عند ادائه لواحدة من اعظم الفرائض الدينية، حج بيت الله الحرام، والتي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله {واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام}.