الثلاثاء، 31 يناير 2012

يا أيها العسكرى: سلم تسلم! - مجدى أحمد حسين

kolonagaza7

magdyahmedhussein@gmail.com
كما أكدنا مرارا فإن الثورة لم تفقد زخمها كما يحلم بقايا النظام من العسكريين وغيرهم، وبرهنت فى ذكرى اندلاعها الأولى أنها بعافيتها تماما، ومستعدة ومتحفزة بنفس قوة وعزم اليوم الأول. راهن المستبدون من بقايا النظام على ملل الناس ورغبتهم فى الأمن بأى وسيلة والكفر بأمواج الثورة التى تؤخر الاستقرار، حتى وإن كان الاستقرار تحت حكم عسكرى. نسى هؤلاء كما نسى كبيرهم المخلوع أن أهم ما يفتقده الإنسان هو العزة والكرامة، وبعد الثورة ذاق المصريون طعم الحرية ولم يعد بإمكان أحد أن ينتزعها منهم. كما أدرك المصريون معنى أن يكون الشعب هو السيد ومصدر السلطات وهى المعانى التى تقررها كافة الدساتير ولكن كثيرا من الأنظمة لا تلتزم بها.
فى يوم 25 يناير 2012 خرجت الملايين فى كل محافظات مصر تؤكد استمرار الثورة وتطالب بإنهاء حكم العسكر. وبرهنت للمرة الألف أنها حينما تزحف بكل عنفوانها فى الشوارع فإنها تحفظ الأمن والأمان أكثر من أى قوة أمنية. والمهم أن يكون العسكر قد تعلموا من درس ذلك اليوم وما تلاه ما لم يستطيعوا أن يدركوه على مدار عام بأكمله. ويسارعوا إلى تسليم السلطة للمدنيين قبل 11 فبراير القادم، بأى سيناريو يرونه:
تسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب أو لحكومة تشكلها أغلبية مجلس الشعب، وقد روجنا طويلا لهذا الاحتمال الأخير. أما القول بضرورة الانتظار 5 شهور أخرى فهو أشبه بقول مبارك بضرورة الانتظار حتى سبتمبر 2011. وهذا ما رفضه الشعب. فلعبة السلطة لا تحسب بالأيام والأسابيع، ولكن تحسب بالظروف والملابسات. وقد برهن العسكر أنهم كلما بقوا فى الحكم لعبوا بذيلهم! فهم يستغلون موقعهم فى الحكم لتهيئة المجال لرئيس جمهورية تحت السيطرة، وللتدخل فى صياغة الدستور بما يعطى مكانة خاصة وحصانة لقيادة العسكر ولا نقول للقوات المسلحة، للحفاظ على المصالح الفئوية وليس للأمن القومى كما يزعمون. فالمسألة ليست مسألة 5 شهور، ولكن اتضاح المآرب الخاصة من استطالة الحكم الانتقالى حتى لقد أعلنوا من قبل أنهم ينتون الاستمرار فى الحكم حتى 2013! اتضاح هذه المآرب هو الذى دفع الشعب للإصرار على ضرورة إعادة هؤلاء القوم إلى ثكناتهم. وإذا كانوا مخلصين كما يدعون فى تسليم السلطة وبدون شروط فلماذا التلكؤ إذن وقد أصبح هناك طرف منتخب يمثل الشعب (مجلس الشعب) يمكنه أن يحل مشكلة التمثيل المدنى للشعب فى موقع الرئاسة ولو بصورة مؤقتة.
وفى المقابل فإن الإخوان المسلمين ملتزمون باتفاقهم مع العسكر أى مع الالتزام بالجدول الزمنى المعلن حتى 30 يونيو القادم. ويرى الإخوان أنهم هم الطرف الكاسب فى الحالتين، فهم سيشكلون الحكومة الآن أو بعد 5 شهور. ولكن الأمور لا يجوز أن تقاس هكذا ولابد من تحمل المسئولية العامة عن الثورة وأحوال البلاد، ولابد من مراجعة أى اتفاقات سابقة مع العسكر (المجلس وأجهزته الاستخبارية) للحفاظ على المسار الصحيح للثورة. فإنهاء الحكم الانتقالى هو المدخل الأساسى بل والوحيد لاستقرار البلاد، وانطلاقها فى مرحلة البناء. ولا يوجد أى إنسان وطنى عاقل يتخذ قرارا مع سبق الإصرار والترصد بتأجيل الاستقرار 5 شهور بدون أى مبرر مشروع.
برؤية سياسية واقعية تستقى سنن الحياة عبر التاريخ، فإن السلطة التنفيذية هى السلطة الأهم فى تكوين وإدارة أى مجتمع. فمن يسيطر على السلطة التنفيذية هو الذى يحكم بالفعل، أما السلطتان التشريعية والقضائية فأحوالهما ترتبط بمدى صلاح السلطة التنفيذية. وكثيرا ما رأينا تشريعات لا تنفذ بسبب فساد السلطة التنفيذية، وأيضا أحكاما قضائية لا تنفذ بسبب فساد السلطة التنفيذية. وعليه فإن عدم تسلم قوى الشعب المدنية للسلطة التنفيذية يعنى أن الثورة لم تكتمل، بل لم تحقق هدفها الرئيسى: الوصول للحكم. ومن بين آلاف التفاصيل فإن هذه هى الحلقة المركزية التى يتعين التركيز عليها وعدم الانجرار إلى أية تفاصيل أخرى مهما كانت مهمة. فالقضية الرئيسية فى أى ثورة هى الوصول للسلطة، وبعد ذلك يأتى الحديث عن باقى الأمور المهمة، حتى موضوع الدستور على خطورته فهو يظل أقل أهمية من مسألة السلطة، فالثورات لا تقوم بسبب فساد الدساتير بل بسبب فساد الواقع أساسا، وقد كانت لدينا فى دستور 71 مواد جيدة كثيرة فى مجال الحريات ولكنها لم تكن تنفذ، وكذلك فى مجال منع الحكام وأعضاء مجلس الشعب من الاتجار والاستثمار مع الدولة ولكنها لم تكن محترمة. والثورات هى التى تصيغ الدساتير الجديدة ولكن بعد الوصول للحكم!! وطوال العام الماضى كانت الصورة مقلوبة وعبثية، فقوى الثورة ظلت فى المعارضة، وظلت بقايا النظام من رجال مبارك فى موقع الحكم. وظلت قوى الثورة تطالب أبناء مبارك (المجلس العسكرى) بتطبيق أهداف الثورة، وهذا هو العبث بعينه. فكان المجلس كلما تصاعدت عليه الضغوط الجماهيرية يقوم بتمثيل دور الاستجابة لأهداف الثورة، بينما كان فى الحقيقة يلتف حولها: كمحاكمة مبارك وأعوانه، ومحاكمة قتلة الثوار الذين أخذوا جميعا براءة حتى الآن! وتعويض الشهداء وتكريمهم، ومعالجة المصابين التى ما يزال يجرى الحديث عنها وكأنها مشكلة عويصة، بينما الأمر يتعلق ببضع آلاف. وفى قضايا الفساد الكبير تم الاكتفاء بمجموعة معينة داخل السجون، دون التوسع بعد ذلك رغم تأكد الجميع من فساد كثيرين من الكبار خارج السجن، وحتى دون تصفية أحوالهم أو قيامهم برد ما سرقوه للخزانة العامة. وحتى الذين احتجزوا فهم لا يحاكمون بصورة جدية وهم لا يرشدون عن أماكن الأموال المهربة (كما أرشد ابن القذافى عن بعض سبائك الذهب مؤخرا!) ومع ذلك يعاملون معاملة خاصة داخل السجن. وكذلك فإن المجلس العسكرى لم يبذل أى جهد لاستعادة الأموال المنهوبة فى الداخل والخارج، ثم يسعى للاقتراض من الخارج. هذه أول ثورة فى التاريخ لا يكون أول قرار لها إلغاء حالة الطوارىء. بل حتى القرار الأخير بادعاء إلغائها مع استمرارها ضد البلطجة، قرار أشبه باللغو غير القانونى فحالة الطوارىء كل متكامل، إما أن تلغى تماما أو تبقى تماما. بل هذه أول ثورة فى التاريخ تحاكم ثوارها!! وتقيم المحاكم العسكرية للثوار وتحبس الآلاف منهم وتعذبهم سرا وجهرا. طبعا الثورة لم تقم بذلك، بل عدم استلام الثورة للحكم واستمرار بقايا النظام هو السبب. إن ترك الحكم للمجلس العسكرى طوال هذه المدة هو السبب، وقد كان يتعين الالتزام بفترة 6 شهور كمرحلة انتقالية لمجرد ترتيب وإجراء الانتخابات. ولكن هذا الجدول الطويل الذى يقارب عاما ونصف العام والذى كان العسكر يريدون مده لـ 3 سنوات لولا المليونيات، هذا الجدول الطويل حول الفترة الانتقالية المزعومة إلى فترة تستهدف البقاء الأبدى فى الحد الأقصى، أو إعادة ترتيب البيت المصرى وفقا لأهواء العسكر (وهى أهواء فئوية كما ذكرنا لا علاقة لها بالأمن القومى المزعوم) وفقا للحد الأدنى.
والحقيقة فإنه لا يوجد موضوع يعلو على مسألة التسليم الفورى للسلطة التنفيذية للمدنيين حتى تنتهى مرحلة الهدم فى الثورة وتبدأ مرحلة البناء. وما جرى خلال أيام 25 إلى 28 يناير 2012 هو أكبر دليل على حجم الضيق الشعبى من استمرار حكم العسكر، ومع ذلك فإن القوم لا يفقهون ولا يفهمون فحق عليهم الهتاف السابق للمخلوع (ارحل يعنى امشى.. يالى ما بتفهمش). إن تغافل العسكر عن إدراك خطورة اللحظة من زاوية ضرورة التسليم الفورى للسلطة للمدنيين، يمثل خطرا كبيرا على العلاقة التاريخية بين الشعب والجيش، فتحطيم الصنم الرمز (المخلوع) كله ايجابيات ولا خسارة فيه من أى نوع. ولكن الوطن سيخسر كثيرا من تحطيم صورة الجيش فى عيون وأفئدة الشعب المصرى، فهذه علاقة تاريخية اختبرت من قبل مرتين فى أحداث 1977 وأحداث 1986 ولم يطلق الجيش طلقة واحدة على الشعب. أما هذه المرة فقد اريقت الدماء بالفعل، ولكننا لا نريد المزيد، ولا نريد حتى أن تتواصل المظاهرات حتى يونيو القادم وهى تهتف (يسقط حكم العسكر).
لا تجعلوا التاريخ يسجل عليكم أنكم الذين خنتم الثورة بعد ادعاء الانضمام إليها، ويسجل عليكم أنكم كنتم حجر عثرة بين الشعب وحريته. وإذا كنتم لا تأبهون بالتاريخ، ولا تخشون الله، فحتى بالحسابات العقلانية والمادية السياسية فإنكم ستطردون من الحكم شر طردة، وستكسر وراءكم كل منتجات قنا من القلل، إذا لم تدركوا أن الوقت المناسب قد فاتكم للخروج المشرف من السلطة.
سلموا السلطة فورا للمدنيين.. تسلموا
مجدى أحمد حسين

مشاركة مميزة