الأربعاء، 25 أبريل 2012

حكاية النظام السوري .حكاية معبرة لا تخطر ببال

kolonagaza7
بسم الله الرحمن الرحيم .هذه القصة المفجعة يرويها السجين مصطفى خليفه ,وهو نصراني قبض عليه النظام النصيري التيموري الصفوي وهو عائد إلى سوريا بعد أن أتم دراسته في فرنسا واستاقه إلى سجن تدمر بالخطأ وبقي في السجن نحوا من عقد ونصف .أرجو قراءتها والصبر عليها فإنها حكاية من آلاف حكايات أهل السنة وهي حكاية النظام وهي في الثمانينات والتسعينات      
في مهجعنا عائلتان، العائلة الأولى تتألف من أربعة أخوة، أما العائلة الثانية فهي تتألف من أب وثلاثة أبناء
عند بداية الأحداث بين الحركة الدينية و السلطة، وبدء حملات الاعتقال الواسعة، استطاع الأبناء الثلاثة وهم جميعاً منظمون، استطاعوا الفرار و التواري عن الأنظار، وعند مداهمة المنزل وجد رجال الأمن والد الفارين وحيداً، اقتادوه معهم إلى فرع المخابرات، وهناك ظل الآب أكثر من شهرين رهن التحقيق، يريدون منه أن يدلهم على مكان تواجد أولاده، وهو حقيقة لم يكن يعرف ! وبعد شهرين أرسلوه إلى العاصمة وهناك أيضاً حققوا معه لكن دون جدوى، أخيراً سئم الضابط منه وقال له إنهم سيبقونه في السجن رهينة إلى أن يسلم أولاده أنفسهم للأمن .
بقي الأب إلى جانب الكثيرين من أمثاله و الذين كان السجناء يطلقون عليهم على سبيل المزاح اسم " تنظيم الرهائن " أو " حزب الرهائن " .
بقي الأب عدة شهور في العاصمة. بعدها تم ترحيله مع الآخرين إلى السجن الصحراوي، عندما ضاقت سجون وفروع المخابرات في العاصمة .
بعد ثلاثة أعوام من بدء اعتقال الأب، أصبح جميع أبنائه في السجن الصحراوي، تم اعتقالهم واحداً إثر الأخر، وفي النهاية ومن خلال رسائل المورس عرفوا مواقع بعضهم، ورغم اعتقال الإخوة الثلاثة لم يتم اطلاق سراح الأب .
بعد ثلاثة أعوام أخرى جاء دور قضيتهم لتنظر فيها المحكمة الميدانية. كان هناك أكثر من خمسين شخصاً سيحاكمون في ذلك اليوم .
صفاً رباعياً جالسون على الأرض، وكل واحد منهم عليه أن يشبك يديه فوق رأسه ورأسه بين ركبتيه و الأعين مغمضة.
المحكمة تناديهم بالأسماء، من يذاع اسمه يقفز ويصيح حاضر، وفي أقل من ثانية يجب أن يكون أمام هيئة المحكمة .. وفي أقل من دقيقة أو دقيقتين تتم محاكمته !! .. وفي أقل من ثانية أخرى عليه أن يعود إلى مكانه وجلسته !.
في هذا الجو، ورغم كل شيء رأى الأب و الأخوة بعضهم ووصلت سلاماتهم لبعضهم عن طريق التسلسل، ثم نودي عليهم فرداً فرداً .
بعد أن انتهت محاكمتهم يبدوا أن أحد الضباط قد لاحظ وانتبه أن الكنية واحدة للأربعة، فطلبت هيئة المحكمة من الشرطة ادخال الأب و أبنائه .
كانت هيئة المحكمة المؤلفة من ثلاثة ضباط في حالة استرخاء ومعهم مدير السجن قد توزعوا في أرجاء الغرفة حول المدفأة المتوهجة، جو الغرفة حار نسبياً، يشربون القهوة ويدخنون ويتبادلون النكات، وفي اللحظة التي دخل فيها الأربعة إلى الغرفة كان مدير السجن يروي لهم نكته , فوقف الأربعة عند باب الغرفة المغلق وقفة تصاغر , لم يعرهم أي من الحاضرين اهتماماً , ضحكوا بشدة .. تبادلوا التعليقات .. بعد بضع دقائق التفت أحد الضباط وأمعن النظر بالأشخاص الأربعة , كان جو المرح لازال سائداً , توجه بالحديث للأب ..
- شو يا حجي .. أنتوا كنيتكم واحدة .. أنتوا بتقربوا بعضكم شي ؟
- نعم يا سيدي نعم .. هدول أولادي وأنا أبوهم .
استلم دفة الحديث ضابط أخر ..
- قول لي يا حجي .. في عندك أولاد غير هدول ؟
- لا و الله يا سيدي .. هدول هنن كل أولادي .
- يعني العائلة كلها مجرمين وعملاء .
- لا و الله يا سيدي .. نحن ناس على قد حالنا .. وحسبنا الله ونعم الوكيل .
تدخل مدير السجن , فسأل الأب ..
- قديش عمرك أنت .. ولا ؟
- و الله بالضبط ما بعرف يا سيدي .. بس يمكن صار فوق السبعين .
- فوق السبعين !.. وباقي عندك حيل وعندك قوة تضرب وتقتل ؟
- يا سيدي ..... الله وكيلك لا قتلنا ولا ضربنا ... بس النار مرت من جنبنا قامت حرقتنا نحن كمان .
- و الله مانك سهل يا ختيار النحس ... قديش صار لك بالحبس .. و لا ؟
- و الله يا سيدي .... صار يمكن .... ست سبع سنين .
- طيب .. بهـ السنين ... ما عم تشتاق لمرتك ؟
- يا سيدي ... الانسان بعمري .. وبعد كل هالشي .. ما يطلب غير حسن الختام .
- طيب هاي فهمناها .. بس غير شي .. غير شي .. ما بتحس انو ناقصك شي شغلة ؟
- أي و الله يا سيدي .. أنا صرت زلمة كبير ... وحركتي صعبة كتير ... لو تحطوا لي أولادي معي يخدموني .. بتكونوا فضلتوا على راسي .
وقتها أمر مدير السجن أن ينقل أولاده إلى مهجعه .
عاد عضو المحكمة بعد ذلك لتوجيه الحديث .. خاطب الأب :
- شوف يا حجي ... شو تتوقع يكون حكمكم ؟
- يا سيدي .. رحمة الله واسعة , و انتوا دائماً بتحكموا بالعدل !!
- طيب اسمعني .. انتوا اربعة أشخاص عائلة واحدة .... ونحن حكمنا على ثلاثة منكم بالإعدام ... وهلق .. أنت بدك تختار مين لازم ينعدم ومين الواحد ياللي لازم يعيش .
- الله يطول عمرك يا سيدي .. و يطول عمر أولادك .. إذا كان الموضوع هيك فـــ لازم اسعد يعيش , ونحن الثلاثة يدبرها الله !.
- ومين أسعد ؟
- هذا هوي أسعد .. مخدومك ويبوس ايدك يا سيدي .
- ليش اخترت أسعد يا حجي ؟
- يا سيدي أنا زلمة كبير أكلت عمري , وسعد وسعيد متجوزين من زمان وخلفوا أولاد , و من خلف ما مات , أما أسعد بعدو صغير ومانو متجوز و بعدو بزهرة شبابو .. و الزهرة حرام تنقطف .. مو هيك يا سيدي ؟
- أي حجي أي ... هيك ... يا شرطي ... يا شرطي ... تعال رجع هالجماعة وحطهم بمهجع واحد .
عاد جميع أفراد العائلة إلى مهجعنا , هذه القصة .. هذا الحوار سمعته خلال سنتين عشرات المرات , ولكن منذ خمسة أيام – وكان أحد أيام الخميس – وردت لائحة الإعدامات وبدأ الشرطي بقراءتها , كان اسماء الذين سيعدمون من مهجعنا هم ( سعد وسعيد وأسعد ) , عندها ثار الأب .
أسعد كان نائماً عند قراءة الاسماء , قام سعد وسعيد عن فراشيهما , توجها إلى فراش أسعد , أيقظاه , كانا يناديانه باسمه , عندما يناديه سعد يسكت سعيد ثم يناديه سعيد فيسكت سعد :
- أسعد .. يا خاي .. أسعد .. فيق .. قوم .. يا خاي قوم .. أسعد .. قوم .. أمر الله وما منوا مهرب .. يا أسعد .. يا خاي .
استيقظ أسعد , ونظر إلى أخويه على جانبي فراشه , اعتدل جالساً وهو ينظر إليهما نظرة ملؤها الاستفهام , وسألهما :
- شو ؟ .. شو في يا خاي ؟ .. شو صار ؟
- ما في شي ..... بس قوم .... فيق .... لازم نقوم نتغسل ونتوضا ونصلي , بعدين لازم نودع ناس .
تجمدت قسمات أسعد للحظات , ثم نظر إلى أخويه وسأل :
- أنا كمان معكم ؟
- نعم .. انت كمان معنا !
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. حسبنا الله ونعم الوكيل ... توكلنا على الله .
قام الثلاثة باتجاه المغاسل التي كانت قد افرغت وتركت لهم فقط .
قفز الأب السبعيني إلى الممر بين طرفي المهجع وهو يلوح بيديه تلويحات عدم فهم وعدم تصديق !! مشى إلى منتصف المهجع , وقف تحت الشراقة التي يطل منها الحارس عادة و نظر إلى الأعلى .. إلى السماء , وبصوت راعش ولكن قوي :
- يا رب .. يا رب العالمين , أنا قضيت عمري كلو صايم مصلي وعم أعبدك , يا رب أنا ما بدي أكفر .. حاشا لله واستغفر الله العظيم .. بس بدي اسأل سؤال واحد : ليش هيك ؟ .."وبصوت عالي أقرب إلى الصراخ وهو يلتفت إلى الناس" .. ولك ليش هيك ؟؟ يا رب العالمين .. ليش هيك ؟؟ أنت القوي .. انت الجبار ! .. ليش عم تترك هــ الظالمين يفظعوا فينا .. ليش ؟ .. شو بدك تقول ؟ بدك تقول إن الله يمهل ولا يهمل ؟ .. طيب هــ الكلام مين بدو يرجِّع من أولادي ؟ .. يا الله ... أنت ترضى أنو أسعد ابن الخمس وعشرين سنة ينعدم على أيدي هــ الظلاّم ؟! قلي .. جاوبني .. ليس ساكت .. أنت .. انت .. استغفر الله العظيم استغفر الله العظيم ... يا رب ... لو كان عندك ثلاثة أولاد وراح يروحوا عـ الإعدام بلحظة واحدة .. شو كنت تعمل ؟ .. هاه ؟ .. طيب جاوبني على ها السؤال الصغير بس .. انت .. رب العالمين .. معنا نحن و إلا مع هـ الظالمين ؟! لحد الآن كل شي يقول ... أنك معهم .. مع الظالمين !! ... استغفر الله ... استغفر الله .. يا رب .. بعزتك وجلالك .. بس اسعد , بس رجِّع لي أسعد , لا تخليه يموت .. أنا ما عم قلك الثلاثة , بدي أسعد بس .. وانت قادر على كل شي !.
السكون و الوجوم يخيمان على المهجع , أبو سعد سكت أيضاً , جلس على الأرض ووضع رأسه بين يديه , بعد قليل رجع الإخوة الثلاثة , صلوا أخر صلاة لهم وبدؤوا بتوديع الناس , أبو سعد لم يتحرك من مكانه ولازال رأسه بين يديه , انتهى الإخوة من وداع الناس , جاؤوا ووقفوا أمام الأب الذي لازال مطرقاً , جلسوا حوله .. سأله سعد :
- أبي ... يا أبي .... ما بدك تودعنا ؟ ..... أبي الله يخليك لا تحرق قلبنا بآخر عمرنا ... ابوس أيدك يا بو ....
رفع الأب رأسه , شملهم بنظرة ذاهلة حارقة , رفع يديه باتجاههم , التقط أولاده اليدين وأخذوا بتقبيلهما ... وأجهش الأربعة ببكاءٍ فجائعي , عم البكاء المهجع كله ... أخذ الرجال جميعاً ينشجون ويشهقون ... ارتفع صوت نشيج الرجال الجماعي عالياً , وقف أبو حسين في منتصف المهجع , وبكلام تقطعه شهقات البكاء المتتالية أخذ يرجو الجميع أن يخفضوا اصواتهم :
- من شان الله يا اخوان ... هلق .... نكون بشي بنصير بشي ... وطّوا الصوت يا شباب .. من شان الله يا شباب .
سحب الأب يديه من أيدي ابنائه وحاول أن يلف الثلاثة بيديه , القى الأبناء أنفسهم في حضن الأب , تجمعت الرؤوس الثلاثة على صدره , وضع الأب يديه على رؤوسهم وقد أغمض الجميع عيونهم ولازالت دموعهم تسيل ولكن بصمت .
مرة اخرى بدا المهجع يهدأ , مسحنا دموعنا جميعاً ونحن شاخصون بأبصارنا اتجاه الأب وأولاده , رفع الاب رأسه قليلاً , مسح بيديه على الرؤوس الحليقة ... حول عينيه إلى الناس المحدقين به وبصوت هادئ ولكنه قوي بدأ الكلام كمن يخاطب نفسه , قال :
- هذا أمر الله : أمر الله ما منه مهرب .. إنا لله وإنا اليه راجعون .. معليش .. لا تخافوا .. يا ابني لا تخافوا .. خليكم سباع .. قلبي وقلب أمكم معاكم .. الله يرضى عليكم دنيا آخرة.. رضا الله ورضاي معكم .. هذا الموت كاس .. نعم كاس .. كل الناس بدها تشرب منه ...
سكت قليلا التفت إلى الناس واستأنف حديثه :
- ولك بس ليش ؟.. ليش اولادي أنا .. ليش ؟ ..يا جماعة .. يا ناس هدول أولادي .. ما عندي غيرهم .. آخ .. آخ .. الله وكيلكم ما عندي غيرهم .. آخ يا أسعد .. آخ .. ولك يا جماعة يا ناس .. لك حدا منكم شاف هيك شوفة .. أولادي كلهم قدامي راح يتعلقوا عـ المشانق !!.. ولك شي حدا يخبرني .. احكوا يا ناس .. ليش .. ليش أنا وأولادي .. شو عملت من الذنوب تحت قبة الله حتى يجازيني هيك جزاء ؟!.. آه يا ابني آه .. يا ريتني متت من زمان ولا شفت هيك شوفه !.. ياريت متت ولا عشت هيك يوم !! .. آخ .. يا ربي آخ .. ليش .. ليش .. ليش .. ؟؟.
تقدم ثلاثة من كبار السن إلى حيث جلست العائلة في منتصف المهجع ، أمسكوا بالأب من تحت ابطيه وأنهضوه ، تناوبوا على الحديث معه يقوون عزيمته , يذكرونه بضرورة الإيمان بحكمة الله أمام أشد المصائب هولا ، سحبوه بهدوء إلى فراشه .
في اللحظة التي جلس بها على الفراش قرقع مفتاح الباب .. انتفض الأب واقفا ، أمسكه الرجال وثبتوه مكانه يرجونه الهدوء ، لدى فنح الباب وقف جميع الناس في المهجع ، سار الأخوة الثلاث باتجاه الخروج وعناصر الشرطة يصرخون طالبين منهم الإسراع .. لكن عند وصولهم إلى الباب توقفوا والتفتوا ، توقفت نظراتهم لثانيتين أو ثلاث على والدهم، ثم خرجوا وأغلق الباب وراءهم !.
أفلت الأب نفسه من قبضة الرجال وركض برشاقة شاب عشريني يداه ممدودتان إلى الأمام اتجاه الباب .. وهو يلهث :
- أولادي .. يا جماعة أولادي .. ولك يا أسعد .. رجاع .. رجاع !!.. ولك أكيد في غلط .. ولك يا أبني رجاع .. خليني أنا روح محلك !!.
اعترضه أبو حسين محتضنا اياه ، لف يديه عليه بقوة ، وتعاون مع الرجال الآخرين لإعادته إلى مكانه برفق .. اجلسوه وجلسوا حوله يواسونه وهو شاخص بأنظاره إلى الباب .
منذ أن خرج الأخوة الثلاثة ونسيم ملتصق بالثقب يراقب ، ينشج ، يمسح دموعه التي لم تتوقف !.
نهض الأب من جديد ، حاول البعض منعه لكن أبو حسين أشار لهم بيده أن يتركوه وأوعز إلى اثنين من الشباب أن يقفوا قرب الباب تحسبا .. وعندما ابتعد الأب عن المجموعة قال أبو حسين :
- اتركوه .. اتركوه يا جماعة ، قلبه محروق .. الله يعينه ويصبره .. اتركوه يعمل شو مابده ، بس لا تخلوه يقرب على الباب ، مصيبته كبيرة وبدها جبال حتى تتحملها !.. لا حول ولا قوة إلا بالله .
أخذ الأب يسير سيرا سريعا وسط المهجع ، من أوله إلى آخره ، يتمتم كلاما غير مفهوم ، يؤشر بيديه في جميع الاتجاهات ، وعندما يصل بمشيته أمام فراشي كان يتلكأ قليلا .. ينظر إلى نسيم الملتصق بالثقب ، ثم يعاود المشي .
أبو حسين جلس إلى جانب نسيم يسأله عما يجري عند المشانق ، نسيم لا يجيب ، نظر أبو حسين إليّ وكنت جالسا خلف نسيم كأنه يطلب مني أن أتدخل ، وضعت يدي على كتف نسيم وطلبت منه أن يتراجع قليلا ليتيح لأبو حسين أن ينظر من الثقب ، لكن نسيم لم يتزحزح وأزاح يدي عن كتفه بعصبية !.. كانت يده ترتجف، في هذه اللحظة وقف الأب أمام فراشي، نظر إليّ ثم جثا على ركبتيه أمامي، قال متضرعا :
- خلوني شوفهم .. من شان الله .. من شان محمد .. يا ناس خلوني شوف أولادي .. خلوني ودعهم .
أمسكه أبو حسين من يده ، انهضه ، ماشاه وسط المهجع طالبا منه أن يوكل أمره إلى الله :
- أبكي .. أبكي يا حجي ابكي .. وكل الله .
- يا أبو حسين .. يا ابو حسين .. شو بدي أبكي ؟.. دموع ؟.. وإلا دم ؟.
- الله يصبرك .. ويصبرنا ، إن لله وإن إليه لراجعون.. الله أعطى .. الله اخذ .
بقي أبو حسين يسير مع الأب أكثر من ساعة ، الجميع يسمعون الحديث ، شيئا فشيئا بدأ الأب يتماسك أكثر، إلى اللحظة التي أدار فيها نسيم رأسه ونظر إلى الداخل وقد استند بظهره إلى الحائط، بدا متهالكا ونظرته زائغة لا تعبر عن شيء ، عنها عرف الجميع أن الأمر قد انتهى .
أسرعت بأغلاق الثقب أمام نظرات الأب الذي توقف عن المشي وهو ينظر إلى نسيم نظرة هلع ، ثم وضع يده وصاح بصوت حارق :
- يا ولداه ..!!
انهار أرضا بين يدي ابو حسين ، تعاون بعض الشباب لنقله إلى الفراش .
بعد قليل دار أبو حسين على الجميع في المهجع عارضاً عليهم أداء صلاة الجنازة جماعيا وعلنيا !!.
كانت هذه الفكرة في وقت آخر ستبدو ضربا من الجنون ،وكانت ستلقى معارضة شديدة من الكثير ، لكن في هذه اللحظة أيدها ووافق عليها الجميع دون استثناء .
لأول مرة منذ وجودي هنا الذي مضى عليه أكثر من أحد عشر عاما ، انتظم أكثر من ثلاثمائة شخص في المهجع وصلوا علانية صلاة واحدة !!.
وقفت معهم في الصف الأخير إلى جانب نسيم وأبو حسين الذي نظر إليّ متعجبا مستغربا !.. و" صليت " .

مشاركة مميزة