الخميس، 18 يوليو 2013

على بساط الثلاثاء 177

kolonagaza7
يكتبها : حبيب عيسى



سـورية ، والربيـع العربـي :
من شبـاب الثـورة ...
إلــــى الــثـــورة ... !






( 1 )
                بتغييب الشباب المثقف الثائر الذي نثر أريج ياسمين دمشق في رياح الربيع العربي خلال عام 2011 ، قتلاً وسجناً وتهجيراً وقمعاً ، وبغياب وتغييب المعارضة التقليدية بالأساليب ذاتها على مدى عقود سابقة ، إضافة إلى نهج السلطة الثابت التي حرّمت مجرد السؤال عن شرعية استمرارها المؤبد إلى الأبد ، واعتبرت أن مجرد السؤال يعتبر مؤامرة كونية ليس على النظام ، وحسب ، وإنما على سورية  ، ومع سد الطرق إلى الميادين العامة في المدن والاستخدام المفرط للعنف والقوة والقمع بدأت الانشقاقات عن الجيش التي ترافقت مع تشكيل جماعات مسلحة لمواجهة العنف بالعنف المضاد ، بعد هذا كله انتقلت المواجهة لتتمركز في الأحياء المهمشة من المدن وفي الأرياف ، وهنا بات الواقع الموضوعي يتطلب رموزاً من طراز آخر حيث أن العنف والتدمير الذي يتعرض له المجتمع والعمران لم يعد يطيق رموز المدنية والشموع والزهور والخطاب الوطني الذي يدعو إلى التسامح والصفح ، وإنما يستدعي رموزاً تتصف بالقوة والمواجهة والشجاعة والتضحية والصمود والدفاع عن الأرض والعرض والكرامة ، وهذه نقلة كان يمكن أن تكون إيجابية لو أنها ترافقت برؤيا سياسية وطنية تحدد المسار بين الواقع كما هو ، وبين الغائية المرجوة ، وبالتالي تتكامل رموز المدنية والمواطنة والتسامح مع رموز القوة والمواجهة ، فتتشكل لدينا قوة وطنية متعددة الفصائل موحدة الأهداف والغايات تعرف كيف ، ومتى ، وبأي اتجاه تطلق الرصاص ، وتعرف في الوقت ذاته أين تضيء الشموع ، وتنثر الورود ، وتزغرد للحرية ، لكن غياب تلك الرؤيا السياسية الوطنية تؤدي إلى انفلات العنف في اتجاهات متناقضة وسلبيات لا حصر لها .
( 2 )
               من جهة أخرى كان هناك وهم عند البعض في السلطة أن تهميش دور الشباب الثائر سيؤدي إلى إعادة الحال إلى ماكانت عليه قبل الربيع العربي ، حيث – ومن وجهة نظرهم - سيتحول الحراك السلمي الوطني من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة والمساواة إلى صراع مجتمعي طائفي وعنصري يُفرز صراعاً مسلحاً من ذات الطبيعة يؤدي من حيث النتيجة إلى مظاهر عنف محدودة ببعض القطاعات المنعزلة التي سيسهل التعامل معها وتصفيتها – كما حصل في أحداث أواخر سبعينات ومطلع ثمانينات القرن المنصرم –  بل إن إطالة أمد الصراع قد يؤدي إلى أن تلك الجماعات التي تفتقد الرؤيا السياسية الموحدة قد تصفي بعضها بعضاً ، وستنتهي المسألة باحتفاليات ومسيّرات القضاء على "المندسين والإرهابيين والمتآمرين" ، لكن هؤلاء لم يأخذوا بعين الاعتبار أن الظروف الموضوعية مختلفة هذه المرة ، فرغم أنه تم القضاء بنسبة كبيرة على الحراك والمظاهرات السلمية المدنية ومحاصرتها ، ورغم توسع  عمليات مواجهة العنف بالعنف المضاد وانزلاق الصراع إلى ساحات الصراع المسلح ، ورغم غياب الرؤيا السياسية والتحريض الطائفي والمذهبي والعنصري الذي أفرز الكثير من المشاهد السلبية ، فأن تلك المفرزات السلبية ظلت هامشية ومحدودة ، وبالتالي لم يُحسم الصراع ،  وفشلت محولات القضاء على الثورة حتى الآن ، وهكذا فأن أصوات النصر التي ارتفعت منذ الأسابيع الأولى تحولت إلى مهزلة ومجالاً للتندر والسخرية ، فالبعض تسرّع وقال : ماهي إلا عدة أيام فقط ويتم تصفية المندسين والإرهابيين المحاصرين في هذا الحي أو ذاك ، والبعض الآخر كان أكثر تفاؤلاً ، فقال : الأمر لا يحتاج إلا بضع سويعات ، أما البعض الثالث فكان أكثر حسماً وقرر أنها : "خلصت" ... والحقيقة لا بد من الاعتراف أن المشهد بدأ يتغير على الأرض ، صحيح أن الحراك الثوري الذي أحدثه الشباب لم يخرج من تحت عباءة المعارضة التقليدية ، لكن كان من المؤمل أن يلتقط رموز تلك المعارضة اللحظة التاريخية فيتداعون إلى كلمة سواء ويتجاوزون الشخصانية وعقد الماضي فيشكلون قيادة سياسية تضع رؤيا وتحدد مسار الثورة لكن هذا كان ومازال بعيد المنال ، ثم كان الأمل بالشباب المثقف الثائر الذي أحدث الصدمة ، المعجزة ، عن طريق تطوير التنسيقيات إلى إطار سياسي وطني ، لكن هذا الشباب تعرض للقمع والتصفية والتهجير كما قلنا ، ومن بقي منه في الوطن تم تهميشه ، فالثورة انتقلت إلى مكان آخر ، وبرموز من طراز مختلف  ... لكن هذا كله أدى إلى صعوبة انتصار الثورة ، ومن جهة أخرى فأن الانتصار عليها لم يكن أقل صعوبة .
( 3 )
             هكذا تم تواري المظهر السلمي المدني للثورة ، الواعد سياسياً ، لكن الثورة ذاتها لم تنته كما توهم البعض بل دخلت طوراً مختلفاً حيث انتقل مركزها مكانياً إلى الأحياء المهمشة في المدن ، ومن ثم إلى الأرياف ، كما أن رموزها الذين واجهوا العنف بالصدور العارية والورود والهتاف للحرية وللشعب الواحد والسلمية قد تم تغييبهم وحل مكانهم رموز القتال ومواجهة العنف بمثله ، بينما رموز المعارضة التقليدية تفرقت بهم السبل وباتوا امتداداً لأجندات داخلية وخارجية ، شرقاً وغرباً ، لا تمت للثورة بصلة ، وبالتالي غاب الخطاب السياسي الوطني عن المشهد واختفت الرايات الملونة للثورة وحل مكانها العصابات السوداء والرايات السوداء وتفاقمت مخاطر استخدام العنف في الصراع الاجتماعي بدون أطر سياسية وطنية ، وحل خطاب عصبويات ما قبل المواطنة مكان الخطاب الوطني ، وارتفعت الأصوات بالصراع الاجتماعي والثأر والقتل ليطغى على رايات الثورة في المواطنة والعقد الاجتماعي والوطني ، وفي مثل تلك الظروف تبرز الصراعات الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية والمناطقية ، فيحاصر المجتمع والوطن بين فكي كماشة حيث لم يعد للسلاح وجهة واحدة ، وإنما بات ينفجر في الاتجاهات كافة .
( 4 )
                 باختصار شديد يمكن القول أن المشهد تغيّر ، لكنه لم يتحول إلى ذلك السواد المطلق كما حاول البعض في الداخل والخارج أن يصوره على أنه صراع بين الاستبداد والإرهاب ، ففي القلب من ذلك كله ثورة ومشاهد بالغة الإيجابية والوطنية والتوق إلى الحرية وثوار يبدعون تجارب نبيلة يضحون بأرواحهم ويقبضون على أهداف الثورة كالقابض على الجمر ، لكن تم التعتيم عليهم والتركيز إعلامياً ودعائياً على كل ما هو سلبي وإجرامي ، وقد ترافق ذلك مع غياب أفق لنهاية هذا الصراع ، كيف ومتى سينتهي ؟ ، فغياب الأطر السياسية الوطنية يترتب عليه غياب الرؤيا والبرامج والترابط الاستراتيجي والضوابط الوطنية والسياسية وهذا يؤدي بالضرورة إلى بدائل عصبوية ذات خطورة شديدة على الثورة حيث يتم التعامل في مثل هذه الحالة بردود الأفعال ، وبالتالي تنتقل المبادرة إلى الطرف الآخر في الصراع ليتحكم بردود الأفعال حيث العنف يواجه بالعنف والطائفية بمثلها والعنصرية والمذهبية كذلك ، وهذا كاف لتغييب غائية الثورة حيث تصب ردود الأفعال الخطأ من حيث النتيجة في مصلحة القصد الجرمي للفاعلين ، فالطائفية هي الطائفية ، والمذهبية هي المذهبية ، والعنصرية هي العنصرية ، حيث لا طائفية ولا مذهبية ولا عنصرية خبيثة ، وأخرى حميدة ، فالطائفية والمذهبية والعنصرية خبيثة إطلاقاً أياً كان مصدرها ودوافعها ومبرراتها ، والاستبداد تاريخياً يتغذى عليها ويستهلكها ظالمة ومظلومة ، قاتلة ومقتولة .
                لقد أدى انفتاح الصراع  بكل الاتجاهات واستمراره إلى اختلاف المشهد من منطقة إلى أخرى ، حيث مناطق خارج سيطرة السلطة وأخرى مناطق اشتباكات وأخرى تحت سيطرة قوى غير متجانسة مما فتح الأبواب أمام تدخل قوى تحمل أجندات لا علاقة لها بالثورة تفرض سيطرتها على بعض المناطق إضافة إلى انتشار عصابات ذات طابع جرمي محض تقوم بقطع الطرق والسطو والترهيب والقتل تعززت خطورتها بإطلاق سراح أكثر من 64000 مجرم جنائي مع بداية الثورة .      
( 5 )
                ترافق ذلك كله مع انفلات الحدود بين سورية والدول المجاورة ، مما فتح الأبواب أيضاً لعناصر خارجية متعددة الأجندات كي تتدخل في المشهد السوري ، ومما فاقم خطورة ذلك أن هذه التدخلات تتم في غياب قيادة وطنية موحدة تستخدم هذا التدخل لصالح الثورة فحصل العكس تماماً حيث سعت تلك القوى الخارجية لاستخدام الأوضاع في سورية تحقيقاً لأجنداتها المتناقضة ،  ترافق ذلك مع تدخل مجرمين جنائيين بهدف السطو وقطع الطرق والقتل والخطف والإثراء غير المشروع وتجار الحروب  في الصراع أيضاً ، وهذا يحصل عادة ، وتلك طبيعة الثورات عبر التاريخ حيث تختلط الكثير من القضايا خاصة إذا تأخر الحسم فترة طويلة ، لكن خطورته في الوضع السوري أنه ترافق مع غياب الأفق السياسي مما جعل المظاهر السلبية تطغى على المشهد ، ولعب الإعلام دوراً سلبياً بتضخيم السلبيات والتعتيم على الإيجابيات ، وبدأت المقارنات بين ما كان وما هو كائن ، ثم بين الطريقة التي تدار فيها المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة وما يحصل فيها من جهة ، وبين الحلم الذي رافق انطلاقة الثورة بدولة المواطنة والمساواة والعدالة من جهة أخرى وبرزت الأسئلة : هل مازلنا في ثورة ؟ ، وعاد الحديث يكبر عن الدور الخارجي  عربياً وإقليمياً ودولياً ، فماذا يريد ذلك الخارج من سورية ؟ ، وكيف يريد سورية ؟ .
دمشق : 14/7/2013
حبيب عيسى
Email:habeb.issa@gmail.com

مشاركة مميزة