الثلاثاء، 30 يوليو 2013

سرايا التفخيخ الإعلامية

kolonagaza7
بقلم/ توفيق أبو شومر
لقد انقضى إلى غير رجعة عهد إعلام التوعية والتثقيف، بعد أن استولى رأس المال على الإعلام، وصار الإعلام فرقة موسيقية رأسمالية، وتمكن من السيطرة على قيادة قطار الألفية الثالثة.
هذا الإعلام الجديد تخلى عن رسالته السامية السالفة ، وحمل معه بدلا منها كتائب تطويعية جديدة، تضم كتائب هجومية هدفها تطويع الشعوب لمنتجات الألفية الثالثة، وإدماجهم ضمن قطيع المستهلكين، لمنتجات ومستحضرات هذه الألفية، وبخاصة من الغذاء والدواء، فمستحضرات الألفية من الغذاء المربح، تقود بالطبع إلى سوق الدواء الأكثر ربحا في العالم.
أنا أعترف أولا بكفاءة هذا الإعلام وقدراته الخارقة على تغيير الشعوب، فهو السلاح الأكثر فتكا في العالم حتى الآن!
لقد تنوَّعتْ أدواتُ هذا الإعلام، فهناك إعلام يُشرف على أمعاء الشعوب، ويقوم بحقنها بمستحضراته الجديدة، بعد أن تمكن من إقناع شعوب الأرض بأن الإفراط في الاستهلاك هو الطريق الموصل للحضارة والتفوق!
فالمجد كل المجد في هذه الألفية للأسر التي تستهلك عشرات أكواب الماء في اليوم، ما بين التنظيف والاغتسال، فهناك من يغتسلون في اليوم الواحد مرات عديدة، ولم يعد البشر يطيقون الحياة بلا استهلاك مفرطٍ للكهرباء، فقد أصبح التكييف ضرورة، بعد أن ظلَّ عقودا طويلة بطرا ينعم به الميسورون!
وهناك إعلام آخر يشرف على أدمغة الشعوب، لغرض تنقيتها من المخلفات الثقافية البائدة، وحقنها بالمستضرات الجديدة المنسوبة للفن ظلما وعدوانا!
                      ما يهمني في إعلام الألفية الثالثة، هو أمر آخر غير ما سبق، وهو تحوُّل الإعلام من داعٍ إلى المحبة والوئام، إلى مُحرِّضٍ على العداوات والصراعات العرقية والإثنية ، فقد تابعتُ وسائل الإعلام عديدة فوجتها قد انخرطتْ بالفعل في هذا الاتجاه، وتحولتْ من وسائط إعلامية تدعو للسلام والمحبة إلى كتائب حربية تقود للمعارك والصراعات الإثنية المذهبية العرقية!
انظروا إلى خوذات مراسلي كثير من القنوات الفضائية، إنهم بالفعل جنودٌ مبعوثون للمعارك، وليسوا جنودا للسلام والوئام!
ليست هذه هي العلامة على الإعلام الحربي التحريضي، بل إن هناك جيشا آخر لكل فضائية ووسيلة إعلام،هي كتائب عسكرية تتكون من السرايا التالية:
السرية الأولى هي سرية المذيعين والمحللين، وهم فرقة عسكرية بأزياء مدنية، يقومون بقيادة الجماهير للخطوة القتالية التالية لنُصرة أتباع ومريدي وممولي القناة الفضائية .
أما السرية الثانية فهي فرقة المختصين العسكريين، أو خبراء الاستراتيجيات العسكرية من الجنرالات المتقاعدين، ممن جفَّت منابعهم الثقافية والعسكرية منذ عقود طويلة، وهؤلاء خبراء الشؤون العسكرية التقليديون يقومون بقيادة أنصار المحطات الفضائية من المحاربين، للقضاء على الخصوم بطريق غير مباشر، أي بتوجيههم نحو الخطوة القتالية التالية، طبعا بعد إغراقهم بالمكافآت المالية!
أما السرية الثالثة، فهي الفرقة الانتحارية الإعلامية في برامج التوك شو، وهؤلاء يتم تفخيخهم بأحزمة إعلامية مبرمجة، تحتوي على متفجرات فكرية ناسفة  ليحققوا أهداف مالكي الفضائية ومموليها ، وبعد هذا الإعداد فإنهم يكونون قادرين على اختيار ضيوفهم .
ومن أهم المواصفات التي يجب أن تتوفر في الضيوف؛ أن يكون الضيف الرئيس  من أنصارِ المحطة الفضائية، من الأكْفاء البُلغاء القادرين على السفسطة الكلامية، لتعزيز رسالة القناة الفضائية وتوجهاتها الحربية القتالية،أما الضيفُ المقابل في برنامج صراع الديكة الكلامي، فهو في الغالب يُختار من المتهورين الضعفاء، القادرين على تنفير المشاهدين منهم ومن أتباعهم وأنصارهم.
أما السرية القتالية الرابعة، فهي الفرقة الاستخبارية الخاصة للقنوات الفضائية، وهي غير مكشوفة في الغالب الأعم، وهم فريق التصوير وممنتجو الأفلام، وكادرُ التصوير والإعداد هم أبرز أبطال الفرق الهجومية الفضائية، لأنهم قادرون على استخدام سلاح الكاميرات الفتَّاك وجعل الصور الكبيرة  تبدو صغيرة جدا وحقيرة، وهم أقدر عندما يتعلق الأمر بالصور الصغيرة التي تعجبهم، فهم قادرون على تصويب عدسات كاميراتهم بطريقة تجعل من القلة جمعا غفيرا، ومن العدد المحدود من الأفراد، عددا غير محدود!!
أما السرية  الخامسة أو سرية القيادة والتخطيط في كثير من الفضائيات ووسائل الإعلامالي!! فهي الفرقة التي تلبس طاقية الإخفاء، وترقد في مصباح علاء الدين السحري!! 

مشاركة مميزة