الخميس، 19 أغسطس 2010

حليبُ سِباعٍ إسرائيلي، وحليبُ نِعاجٍ


kolonagaza7
د. فايز أبو شمالة
أهداني الشاعر الإسرائيلي "روني سوميك" ديوان شعره "حليب سباع" قبل عده أعوام، قرأت الديوان، وترجمت معظم قصائده إلى العربية، كي استعين فيها على دراستي المقارنة في موضوع الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين، وقد تحدثت هاتفياً مع الشاعر، واستوضحت منه عن مضامين بعض قصائده.
ديوان "حليب سباع" يباع اليوم في شوارع القاهرة مترجماً إلى العربية، وفي تقديري أن التعرف على الأدب العبري لا يضر المثقف العربي الواعي، ولكنني أنصح:
أولاً: أن يتم التعريف بالشاعر أو الكاتب اليهودي بشكل عام في مقدمة العمل المترجم. مثلاً: من هو؟ متى جاء إلى فلسطين؟ ومن أي البلاد؟ في أي مدينه يسكن حالياً، وعلى أنقاض أي بيت عربي؟ كم سنة خدم في الجيش الإسرائيلي؟ وأي الحروب الإسرائيلية العربية التي شارك فيها؟ وعلى أي جبهة؟ وهل تلطخت يداه بالدم العربي؟
ثانياً: كي لا ينخدع المواطن العربي بعسل الكلام الذي يغطي شفاه بعض الكتاب اليهود، فلا بد في المقابل من تسليط الضوء على الذباب الذي تنثره أفواه كتاب يهود آخرون. وعلى سبيل المثال: في اللحظة التي يترجم فيها قصيدة لشاعر يهودي من أصل عراقي، يتغنى بأم كلثوم، وكيلوبترا، وعبد الوهاب، يا حبذا لو تمت ترجمه أشعار لشاعره يهودية أخرى أمثال "حموتال بار يوسف" ترى بالعربي جزاراً يقطع رقبة اليهودي المسكين، ويسلخ جلده.
ثالثاً: يا حبذا ألا يصير إلى الترجمة الانتقائية لكاتب بعينه، وألا يسمح له بتقديم نفسه متعطشاً للسلام، ويغطي بضوء القمر وجهه العنصري، وإنما يصير إلى ترجمته ككل، ليتضح الوجه الحقيقي، والخفي، لشاعر يهودي يقيم دولته على حساب شعب مشرد في البلاد..
رابعاً: إذا كان ديوان شعر "حليب سباع" يتضمن قصائد إطراء لمغنيين عرب، فلا يعني ذلك صحة ما ذهب إليه "حسين سراج" نائب رئيس تحرير مجله أكتوبر، حين قال: إن الشاعر يعبر عن مشاعره التي تعكس مشاعر مثقفين إسرائيليين آخرين، تتناول مدى حب الإسرائيليين لشخصيات مصرية وعربية مثل أم كلثوم وفيروز. هذا الكلام مردود على قائله، لأن للشاعر قصائد شعرية أخرى لا تعزله عن يهوديته، وعن أصوله العقائدية التي كانت محرك صعوده وأمه إلى فلسطين كما يقولون. قصائد يظهر فيها الشاعر وقد رضع حليب نعاج الوطن العربي، وصار كبشاً سميناً ينطح بقرنيه كل رافض للخنوع. يقول الشاعر اليهودي روني سوميك" ما استوحاه من كتاب "التناخ" سفر التكوين، وما يؤكد على تأصل العقيدة اليهودية في نفس كل يهودي بما في ذلك من يدعي العلمانية:
واحسرتاه على أرضي، أيتها الأرض التي تغرز شفتي آكلي لحوم البشر في عنق غروب الشمس البكر فيها، مجاديف الخوف محبوكة على امتداد ذراعيّ،
وأنا بفُلكِ حياتي أسعى مثل نوح حتى جبل أراراط.
الشاعر لا يرى في المحيط العربي غير لجّة، وعداء، والشاعر يرى في قومه باحثين عن السلامة، والنجاة من الوسط العربي الهائج، وهذه صورة باتت تغاير الواقع الذي تصول فيه الطائرات الإسرائيلية وتجول في سماء العرب.
الكاتبة فريدة النقاش، رئيس تحرير جريده الأهالي ترى أن لا غضاضة في ترجمه الأدب العبري، فإسرائيل تترجم الأدب العربي للتعرف علينا بشكل حقيقي. هذا الفهم المغلوط لمعاني الترجمة تلزمني أن أوضح جدوى الترجمة، وما وراؤها:
أولاً: الإسرائيلي يفتش عن ذاته، ويسعى لتحقيقها، ويحاول أن يكون جزءاً من ثقافة الشرق، وكي يتسنى له ذلك فهو بحاجة إلى التعرف على ثقافة العرب، كي يحسن التعامل معهم، وكي يجيرها لما يحقق مصالحه.
ثانياً: الإسرائيلي يفتش عن الاعتراف فيه جزءاً مركزياً، ودينياً، وتاريخياً في الشرق، فوجوده بالقوة لا يعني قوة وجوده ما لم يكن جزءاً من وعي ووجدان سكان المنطقة.
ثالثاً: العربي ليس في حاجة لاعتراف الإسرائيلي بوجوده، فهو موجود بالواقع، والتاريخ، والتمدد الحضاري والإنساني رغم ضباب المرحلة، بينما اليهودي يحتاج أن نتعرف عليه، ونعترف فيه، ومن ثم الاعتراف بيهودية دولته.
رابعاً: لا يطمع العربي من خلال التعرف على الأدب العبري، وترجمته، ودراسته بالارتقاء بالنفس البشرية، وتهذيبها، ولاسيما أن الأدب تعبير عن واقع، ويشهد الواقع على الاغتصاب للأرض العربية، وطرد سكانها، ويشهد الواقع على الرصاص الإسرائيلي المصبوب والمسبوك، والمحبوك، والمسفوك، والمصكوك لدم العرب.
الكاتب المصري "عبدالله السناوي، رئيس تحرير صحيفة العربي كان الأقرب إلى الحقيقة حين قال: أنها ليست المرة الأولى التي توزع فيها السفارة الإسرائيلية كتباً لجماعات من المثقفين الإسرائيليين في "محاولة لاختراق الشعب المصري بأكاذيب في إطار التعرف الثقافي". اتفق مع هذا الرأي، وأقول: أن الأدب العبري أدب خبيث حتى لو صام رمضان، وتوضأ بآيات من القرآن، إنه أدب عقائدي يمتص وعيه من كتب "التناخ" والتلمود"، إنه أدب سياسي، منهجي، تربوي، إنه السوس الذي يجتاح حبه قمح الوعي العربي، ويحاول اختراقها، كي يفسدها، ويبطل نماءها، فهل يحتاج القمح العربي إلى سوس اليهود؟

مشاركة مميزة