محمد الحنفي
sihanafi@gmail.comإلى:
§ ـ كل من آمن بأن الدين الإسلامي شأن فردي، وأن كل توظيف له في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، تحريف له عن مقاصده.
§ ـ من أجل تحرير الدين الإسلامي من الأدلجة.
محمد الحنفي
إن أدلجة الدين الإسلامي، صارت موضة العصر الذي نعيش فيه. والوصول إلى السلطة، عن طريق ممارسة أدلجة الدين الإسلامي، بأبشع صورها، صارت أكيدة. وفرض شروط استمرار أدلجة الدين الإسلامي، صارت ممكنة، ووضع التشريعات التي تضمن تحكم أدلجة الدين الإسلامي، في جميع مناحي الحياة، صار مؤكدا.
وفي مثل حالة المغرب، فإن ازدهار أدلجة الدين الإسلامي، وتعدد تلك الأدلجة، وتنوعها، ومهاجمة المخالفين اليساريين، والعلمانيين، وتلحيدهم، وتكفيرهم، من أجل خلق قاعدة عريضة، ومجيشة وراء مؤدلجي الدين الإسلامي، من المسلمين المغفلين، والمضللين، والأميين المومنين بالدين الإسلامي، والمعتقدين بأن ما عليه مؤدلجوا الدين الإسلامي، هو عين الدين الإسلامي، وحقيقته، مما يقوي التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، بما فيها توجه الدولة المغربية، المؤدلجة للدين الإسلامي.
وهذا التجييش الذي لا يبرر إلا بإيمان المغاربة بالدين الإسلامي، وانسياقهم وراء مؤدلجيه، مهما كانوا، هو الذي وقف وراء استئساد العدالة، والتنمية، عن طريق ادعاء تمثيل المومنين بالدين الإسلامي في المجتمع، وفي ظل استمرار الحراك الجماهيري، الذي لا يتوقف. وهو ما استغلته الطبقة الحاكمة، من أجل تزوير نتائج الانتخابات، لصالح أن يصير حزب العدالة والتنمية هو الحزب الأول، في مجلس النواب، والذي يصير من حقه أن يترأس الحكومة، ألتي تعتبر وسيلة لممارسة السلطة، إلى جانب الملك، وتحت إشرافه.
فهل يتخلى حزب العدالة، والتنمية، بعد وصوله إلى السلطة، عن الاستمرار في أدلجة الدين الإسلامي؟
هل يلتزم حزب العدالة، والتنمية، بما صرح به بنكيران، بأن الحزب يمارس السياسة، ومن أراد الدين، فالدين موجود في المساجد؟
وهل يميز حزب العدالة، والتنمية، بين الدين الإسلامي كشأن فردي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، كاستغلال للدين الإسلامي في الأمور الأيديولوجية، والسياسية؟
ألا يعتبر أن عملية أدلجة الدين الإسلامي تحريف له؟
ألا يساهم، كحزب يترأس أمينه العام الحكومة، ومن باب مسؤوليته التاريخية، في إبعاد الدين الإسلامي عن الأمور الأيديولوجية، والسياسية؟
ألا يقدم نقدا ذاتيا، وأمام الشعب، عن استغلاله الأيديولوجي، والسياسي، للدين الإسلامي؟
ألا يعمل على تصفية البرامج الدراسية، من كل ما يساعد على أدلجة الدين الإسلامي؟
هل يسعى إلى إبعاد الإعلام الحكومي، عن ترويج أدلجة الدين الإسلامي؟
هل يسعى حزب العدالة، والتنمية، إلى جعل الدولة تمسك عن استغلال الدين الإسلامي، أيديولوجيا، وسياسيا؟
هل تعرف ولاية العدالة، والتنمية، لتوليها المسؤولية الحكومية خلالها، تحويل الدولة المغربية، إلى دولة للحق، والقانون؟
هل تعمل على محاربة الفساد، الممارس في ظل قيام الدولة الإسلامية في المغرب؟
هل تعمل على إسقاط الاستبداد، الممارس باسم الدين الإسلامي؟
أم أن سيطرة أدلجة الدين الإسلامي على فكر، وممارسة المنتمين إلى حزب العدالة، والتنمية، يجعله يزداد تمسكا بأدلجة الدين الإسلامي؟
هل يعمل على إنضاج شروط استفحال أمر شراسة أدلجة الدين الإسلامي؟
هل تحول حكومة عبد الإله بنكيران المجتمع المغربي، إلى مجتمع، لا يقتات فكريا، إلا من أدلجة الدين الإسلامي؟
إن حزب العدالة والتنمية، هو حزب تأسس على أساس أدلجة الدين الإسلامي، ونما، وتوسع بين المسلمين المضللين على هذا الأساس، ووصل منذ انتخابات أواخر التسعينيات من القرن العشرين، إلى البرلمان على هذا الأساس، وصار أول فريق برلماني يستحق رئاسة الحكومة المغربية على نفس الأساس، وهو يستمد قوة حزبه من أدلجة الدين الإسلامي، وليس من غيرها.
ولذلك، فحزب العدالة، والتنمية، سوف يحرص على الاستمرار في النمو على أساس أدلجة الدين الإسلامي، وسوف يحرص على تضليل المسلمين المغاربة، انطلاقا من توظيف الدين الإسلامي في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، وسوف يحرص على توظيف أدلجة الدين الإسلامي في التقرب من المخزن، الذي يمسك كل أمور الدولة المخزنية المغربية، وسوف يستغل الدين الإسلامي، لتكريس حرمان المغاربة من التمتع بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وسوف يستغل هذا الدين لدعم الاستبداد القائم، من أجل تأبيده، وضمان استمراره، وسوف يعمل، وبكافة الوسائل، على تحريك الآلة الجهنمية لأدلجة الدين الإسلامي، لملاحقة ما تبقى من التوجهات اليسارية، حتى يخلو الجو لمؤدلجي الدين الإسلامي بصفة عامة، ولمؤدلجي الدين الإسلامي، من حزب العدالة، والتنمية، بصفة خاصة. وهو يستغل هذا الدين الإسلامي لتكريس استعباد الشعب المغربي، والاستبداد بمصيره، ومضاعفة استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
والمتتبع البسيط، لا يمكن أن يتصور، أبدا، أن يتخلى حزب العدالة، والتنمية، عن أدلجة الدين الإسلامي، ولا يخطر بباله أبدا، أن يصير هذا الحزب علمانيا، خاصة، وأنه أكبر عدو للعلمانية، والعلمانيين، الذين يعتبرون وحدهم، القادرين على جعل الدين الإسلامي بعيدا عن الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي.
وانطلاقا من كون حزب العدالة، والتنمية، سوف يستمر في تكريس أدلجة الدين الإسلامي، وسوف تستمر هذه الأدلجة في إنتاج المزيد من الكوارث، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهذه المرة، عن طريق أجهزة السلطة: الأيديولوجية، والسياسية، وقد تكون عن طريق المقدمين، والشيوخ، الذين يصيرون ملتحين.
وبناء على ما رأينا، فإن حزب العدالة، والتنمية، سوف لا يلتزم بما صرح به أمينه العام: عبد الإله بنكيران، أن حزبه حزب سياسي، ومن أراد الدين فليذهب إلى المساجد. وهو قول لا يمكن أن نفهم منه إلا شيئا واحدا. وهو أن حزب العدالة، والتنمية، تخلى نهائيا، عن توظيف الدين الإسلامي، في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، وأن الحكومة التي يترأسها هذا الحزب، سوف تصير، بحكم تصريح السيد عبد الإله بنكيران، علمانية، بفصلها بين الدين، والدولة. وهو تصريح، يتناقض تناقضا مطلقا، مع تصريحاته قبل الانتخابات، وأثناء الحملة الانتخابية؛ لأن السيد عبد الإله بنكيران، صار رئيسا للحكومة، ولأن أمر المغرب، ومسلميه، صار بين يديه، وحتى يرضى عنه المخزن، وتقبل أحزاب معينة في الدخول معه، من أجل تشكيل الأغلبية الحكومية، صار يطلق تصريحات نقيضة لأدلجة حزبه للدين الإسلامي، من قبل تصريحه المشار إليه، ومن قبل التصريح الذي جاء فيه أنه يقدس الحريات الفردية.
غير أن الواقع، يكذب ما جاء في تصريحات السيد عبد الإله بنكيران؛ لأن المنتمين إلى حزبه، لا زالوا يمارسون أدلجة الدين الإسلامي، ولا زالوا يمارسون وصايتهم على الدين الإسلامي، ولا زالوا يعتبرون أنهم معنيون بالجهاد ضد الكفار، والملحدين، ولا زالوا يتصلون من أجل استقطاب التوجهات الأخرى، المؤدلجة للدين الإسلامي، من أجل التنسيق في الجهاد ضد الخمارات، وضد الكفار، والملحدين، لاكتسابهم شرعية الجهاد، عن طريق الانتخابات التي أوصلتهم إلى الحكومة. وهو ما يعني: أن حزب العدالة، والتنمية، لم يتخل، ولن يتخلى عن أدلجة الدين الإسلامي. وأن ما يصرح به رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران، هو مجرد شعارات ظرفية، وسياسية، لتضليل الرأي العام، بما لا علاقة له بما يجري على الأرض. وما يجري على الأرض، هو الاستمرار في أدلجة الدين الإسلامي، والتحرك في الميدان على أساسها، من أجل جذب المزيد من الناس، إلى الاقتناع بأدلجة الدين الإسلامي، دعما للحكومة التي يترأسها السيد عبد الإله بنكيران، باسم حزب العدالة، والتنمية.
وحزب العدالة، والتنمية، في ممارسته لأدلجة الدين الإسلامي، التي تعتبر تحريفا له عن مقاصده الدينية الصرفة، لا يمكن أن يميز بين الدين الإسلامي كشأن فردي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، كاستغلال للدين الإسلامي، في الأمور الأيديولوجية، والسياسية.
فحزب العدالة، والتنمية، يدرك جيدا: أن الإيمان بالدين الإسلامي، لا يكون إلا فرديا، ولا يكون جماعيا أبدا؛ لأن الفرد عندما يتعرف على الدين الإسلامي، ويقتنع بضرورة الإيمان به، ينطق بالشهادتين، ليصير مسلما، وهو ما نعتبره دليلا على أن الإيمان بالدين الإسلامي شأن فردي، وأن الالتزام بطقوس هذا الدين، كذلك، شأن فردي، كما هو الشأن بالنسبة للصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، لمن استطاع إليه سبيلا، وأن ما يترتب عن الالتزام بالطقوس المذكورة، أو عدم الالتزام بها، يصير كذلك شأنا فرديا؛ لأن الله يحاسب عباده يوم القيامة كأفراد، لا كجماعات، أو شعوب، كما جاء في الآية: "فأما من أوتي كتابه بيمينه، فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه، وأما من أوتي كتابه بشماله، فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه".
والمنتمون إلى حزب العدالة، والتنمية، لا يمكن أن يقروا بأن الدين الإسلامي شأن فردي؛ لأنهم اكتسبوا، بحكم جهل المسلمين بأمور دينهم، أن يراقبوا المسلمين، ومدى التزامهم بأمور دينهم، ليعتبروا، بتسلطهم على المسلمين المغاربة، أن الدين شأن جماعي، وليس شأنا فرديا. وأكثر من هذا، أن المنتمين إلى حزب العدالة، والتنمية، هم مجرد كهنة، أو رهبان، يتوهمون أنهم وحدهم، الذين يعرفون الدين الإسلامي، وغيرهم لا يعرف عنه شيئا. وهو ما يجعلهم أوصياء على الدين الإسلامي، ومتكلمين باسمه، مع أن معرفتهم بالدين الإسلامي، هي معرفة ذات طابع أيديولوجي، وسياسي، لا علاقة لها بالمعرفة الحقيقية للدين الإسلامي، التي تنزهه عن التوظيف الأيديولوجي، والسياسي، ولا تروم إلا أن يصير الدين الإسلامي لله، لا لغيره، كما جاء في القرءان: "وأن المساجد لله، فلا تدعو مع الله أحدا".
ولذلك، فالمنتمون إلى حزب العدالة، والتنمية، بعد أن صار حزبهم، يقود الحكومة المخزنية، لا يستطيعون التفريق بين الدين الإسلامي، كشأن فردي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، كما لا يستطيعون التفريق بين المعرفة الدينية، التي لا تروم إلا أن يصير الدين لله، وبين المعرفة الأيديولوجية، والسياسية للدين الإسلامي، والتي تسعى إلى جعل الدين الإسلامي، في خدمة مصالح المنتمين إلى حزب العدالة، والتنمية، الذين يحرصون، وبكل الوسائل، إلى تأبيد الاستبداد القائم. وهو ما حصل، بوصولهم إلى قيادة الحكومة المخزنية، التي سوف تحرص على فرض تكريس منظومة القيم المخزنية.
وحزب العدالة، والتنمية، لا يمكن أن يعتبر أن عملية أدلجة الدين الإسلامي تحريف له، كما يظهر ذلك من خلال جعل الدين الإسلامي معبرا عن المصالح الأيديولوجية، والسياسية، للمنتمين إلى حزب العدالة، والتنمية، وللمصوتين عليها، إن كانوا قد صوتوا فعلا، حسب النتائج المزورة، التي أعلنت عنها وزارة الداخلية.
والتعبير عن المصالح الأيديولوجية، والسياسية، بالنسبة للدين الإسلامي، هو شكل من أشكال تحريف الدين الإسلامي، الذي يفترض فيه أنه يستعصي على التحريف.
والمنتمون إلى حزب العدالة، والتنمية، الذين لا يرون في الدين الإسلامي، إلا وسيلة لأدلجة الدين الإسلامي، لا يمكن أن يعترفوا بأنهم يحرفونه، بجعله مطية للوصول إلى المؤسسات "المنتخبة"، ومنها البرلمان، كما يحرفونه بجعله مطية للوصول إلى السلطة، من خلال تحمل المسؤوليات الحكومية، بما فيها رئاسة هذه الحكومة، وذلك من أجل توظيف السلطة، لفرض أدلجة الدين الإسلامي، على مجموع أفراد المجتمع، الذين يصيرون ملزمين باعتماد أدلجة الدين الإسلامي، في التعامل مع الإدارة المخزنية، ومع الحكومة، ومع الدين الإسلامي، الذي تصير قاعدته هي الأدلجة، وتحرره، وانعتاقه من الأدلجة، هو الاستثناء.
فهذا الحزب، أمم، ومنذ نشأته، الدين الإسلامي، وجعله حكرا عليه، وصار يتكلم باسمه، ووظفه في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، ووصل، بناء عليه، إلى البرلمان، واستمر في استغلاله من أجل نمو فريقه البرلماني، حتى صار أكبر فريق في مجلس النواب، فاستحق بذلك، وعن طريق التزوير طبعا، أن يصير أمينه العام رئيسا للحكومة، التي تملك السلطة، من أجل فرض اعتماد أدلجة الدين الإسلامي، على جميع المسلمات المغربيات، وعلى جميع المسلمين المغاربة، الذين قد يتملكهم الوهم، بأن العدالة، والتنمية، قد تدخلهم جميعا إلى الجنة، وهي في الواقع، لا يمكن أن تزج بهم إلا في النار، التي يكتوون بلهيبها في الحياة الدنيا، قبل الآخرة، من خلال ارتفاع الأسعار، وارتفاع قيمة فواتير الماء، والكهرباء... إلخ.
وحزب العدالة، والتنمية، لا يمكن أن يساهم، كحزب يترأس أمينه العام الحكومة، ومن باب مسؤوليته التاريخية، في إبعاد الدين الإسلامي عن الأمور الأيديولوجية، والسياسية؛ لأن الأصل في حزب العدالة، والتنمية، أن يعمل على أدلجة الدين الإسلامي، كقوت يومي لهذا الحزب، الذي لا يمكن أن تقوم له قائمة، بدون أدلجة الدين الإسلامي. ولذلك، فهو يستثمر وجوده في الحكومة، لتعميق أدلجة الدين الإسلامي، حتى يمسك به الأرض، والسماء، وما بينهما، كما تفعل الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي في كل أرجاء الأرض.
وإبعاد الدين الإسلامي عن التوظيف في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، لا يمكن أن يقوم به إلا الحزب اليساري، أو العلماني، حتى يضمن تعايش جميع المعتقدات في المجتمع، ومن أجل أن لا يهضم حق الإنسان المغربي، في اختيار المعتقد الذي يريد، على أن يتم تحييد جميع المعتقدات، وعلى أن تقوم الدولة اليسارية، أو العلمانية، بحماية جميع المعتقدات، وأن تضمن لها حرية التواجد، والحركة، في إطار احترام المعتقدات الأخرى، في ظل دولة مدنية، ديمقراطية، علمانية، تضمن كافة الحقوق، لجميع الناس. وهو ما لا يستطيع حزب العدالة، والتنمية، القيام به:
أولا: على مستوى تحييد الدين الإسلامي، بفصله عن السياسة.
ثانيا: على مستوى ضمان تعدد المعتقدات.
ثالثا: على مستوى قيام دولة مدنية، ديمقراطية، علمانية، تقوم بحماية جميع المعتقدات، المتواجدة في المجتمع.
رابعا: على مستوى ضمان تمتيع جميع المغاربة، بجميع الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
خامسا: على مستوى ضمان تعدد المعتقدات، انطلاقا من ضمان حرية الفرد، في اختيار المعتقد، الذي يريد.
وفي حالة قيام حزب العدالة، والتنمية، بالفصل بين الدين، والدولة، والتزم بما صرح به عبد الإله بنكران، وجعل الدولة المغربية، فعلا، دولة مدنية، علمانية، ديمقراطية، ودولة للحق، والقانون، وأشاع في المجتمع التمتع بكافة الحقوق، بما فيها الحق في اختيار المعتقد، الذي يومن به كل فرد من أفراد المجتمع، وجعل من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، مرجعيته التشريعية، وصار كل مواطن مغربي، يتمتع بحقوقه، في ظل حكومة حزب العدالة، والتنمية، التي يترأسها عبد الإله بنكيران، فإن على حزب العدالة، والتنمية، أن يقدم نقدا ذاتيا إلى مسلمي الشعب المغربي، عن عقود الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي، للدين الإسلامي؛ لأن الدين الإسلامي، ليس خاصا بالعدالة، والتنمية، أو أي حزب آخر، أو توجه معين، يحرص على اعتبار نفسه إسلاميا، ويعطي لنفسه الحق، من أجل أن يتكلم باسم الدين الإسلامي؛ بل هو لجميع من آمن به، واعتنقه كاختيار فردي، حتى وإن ورثه عن آبائه، أو عن الوسط الذي يعيش فيه.
غير أن الواقع، أن حزب العدالة، والتنمية، لن يفصل بين الدين الإسلامي، والدولة الإسلامية، ولن يلتزم بما صرح به أمينه العام عبد الإله بنكيران، ولن يجعل الدولة المغربية دولة مدنية، علمانية، ديمقراطية، ودولة للحق، والقانون، ولن يشيع في المجتمع التمتع بكافة الحقوق، ولن يسمح بحرية المعتقد، ولن يجعل من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، مرجعية تشريعية، ولن يتمتع كل مواطن مغربي بحقوقه، في ظل حكومة حزب العدالة، والتنمية، التي يترأسها عبد الإله بنكيران، ولن يقدم نقدا ذاتيا إلى مسلمي الشعب المغربي، عن عقود الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي، للدين الإسلامي؛ لأن حزب العدالة، والتنمية بذلك، يكون قد أعلن عن وفاته، والمنتمون إليه يسعون إلى الاستمرار في استفادتهم المادية، والمعنوية، والسياسية، من استغلال الدين الإسلامي، كما يفعل غيرهم، من أجل إطالة عمر استمرارهم، في ترأس الحكومة، ومن المزيد من الارتماء في أحضان الطبقة الحاكمة، ومن أجل أن يصير حزب العدالة، والتنمية، بديلا للأحزاب الإدارية، وبديلا لحزب الدولة، ومن أجل أن يستغل السلطة للانقضاض على اليسار المغربي، بكل فصائله المعلنة، وغير المعلنة؛ لأن حزب العدالة، والتنمية، بنى إستراتيجيته بالأساس، ومنذ قام مؤسسوه بتصفية الشهيد عمر بنجلون، تصفية جسدية، على أساس تصفية اليسار، من على وجه الأرض، كما تمت تصفية الشهيد عمر بنجلون.
وكما لا يمكن قيام حزب العدالة، والتنمية، بفصل الدين عن الدولة، وبالامتناع عن أدلجة الدين الإسلامي، فإنه، لا يمكنه أن يسعى إلى إبعاد الإعلام الحكومي، عن أدلجة الدين الإسلامي، وعن ترويج تلك الأدلجة، كما يحصل في عهد الحكومات السابقة، التي كانت أحزابها لا تدعي أنها أحزاب إسلامية، ولم تقم بأدلجة الدين الإسلامي، حتى وإن كانت ذات طبيعة يمينية، رجعية.
فالإعلام الحكومي، في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة، والتنمية، لا يمكن أن يصير إلا مؤدلجا للدين الإسلامي، وبوقا لما تقرره حكومة عبد الإله بنكيران، باعتبارها حكومة حزب العدالة، والتنمية، التي لا تنطلق، بأغلبيتها البرلمانية التي أفرزتها الانتخابات المزورة، إلا من أدلجة الدين الإسلامي. وبالتالي، فإن تحرير الإعلام، على يد حكومة عبد الإله بنكيران، ستكون غير واردة جملة، وتفصيلا، وسيبقى تحت سيطرة الدولة المؤدلجة للدين الإسلامي.
وكما لا يمكن لحزب العدالة، والتنمية، أن يحرر الإعلام، من أدلجة الدين الإسلامي، فإنه، كذلك، لا يمكن أن يسعى إلى جعل الدولة، تمسك عن استغلال الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا؛ بل إن حزب العدالة، والتنمية، سيجعل الدولة تقوم بمضاعفة استغلالها للدين الإسلامي، باعتبارها وصية عليه، ومعنية باعتباره مصدرا أساسيا لجميع التشريعات، التي تهم جميع قطاعات المجتمع، حتى يتمكن حزب العدالة، والتنمية، إلى إرواء تعطشه لتطبيق "الشريعة الإسلامية"، نزولا عند رغبة التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، المتعطشة بدورها إلى تطبيق "الشريعة الإسلامية"، لإدخال المجتمع المغربي في دوامة من التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يرجع المغاربة جميعا إلى أزيد من أربعة عشر قرنا إلى الوراء. وأكثر من ذلك، فإن ما يسميه مؤدلجوا الدين الإسلامي، ومنهم الدولة المغربية، ومعها، وتحت إشرافها، حزب العدالة والتنمية، ب"الشريعة الإسلامية"، لا يهدف إلا إلى تعميق تكريس الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، دعما للطبقة الحاكمة، وتمرسا على خدمتها، وتمكينا للمنتمين إلى حزب العدالة، والتنمية، وكل الانتهازيين، من ممارسة انتهاز الفرصة، من أجل ممارسة التسلق الطبقي، سعيا إلى الالتحاق بصفوف الطبقة الحاكمة، على مستوى تراكم الثروات، التي تنهب من أموال الشعب المغربي، لصالح الطبقة الحاكمة، ولصالح الانتهازيين، أنى كان لونهم. وهو ما يجعل حزب العدالة، والتنمية، يسعى، عن طريق قيادته للحكومة، إلى تعميق أدلجة الدين الإسلامي، من أجل تعميق الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
وبما أن حزب العدالة، والتنمية، لا يجعل الدولة المغربية إلا معمقة لأدلجة الدين الإسلامي، فإنه، كذلك، لا يمكن أن يسعى أبدا إلى جعل الدولة المغربية، دولة للحق، والقانون.
فحزب العدالة، والتنمية، كحزب مؤدلج للدين الإسلامي، هو حزب مناهض لحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وهذه المناهضة، تتجسد في الميدان، وفي الموقف من المرأة، وفي كل ممارسات مؤدلجي الدين الإسلامي من العدالة، والتنمية، ومن غير العدالة، والتنمية. ومناهضته لحقوق الإنسان، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تم التنصيص على مصادقة الدولة المغربية عليها، في الدستور الجديد، الممنوح، سيدفع به إلى:
أولا: المحافظة على أوتوقراطية الدولة المغربية، حتى تستمر كدولة دينية، ممارسة للاستبداد الديني.
ثانيا: المحافظة على استبداد الدولة المخزنية، التي تتحكم في كل شيء: في السماء، والأرض، وفيما بينهما، وأن لا تعتمد إلا القوانين المكرسة لذلك الاستبداد.
ثالثا: المحافظة على استعباد جميع المغاربة؛ لأنه بدون استعبادهم، لا يمكن أن يقبلوا بتكريس أدلجة الدين الإسلامي.
رابعا: رفع وتيرة استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إرضاء للطبقة الحاكمة، وللمؤسسة المخزنية، وخدمة لمصالح المستغلين، والمستفيدين من الاستغلال.
خامسا: قطع الطريق، أمام إمكانية ملاءمة القوانين المحلية، مع المواثيق، والاتفاقيات، والإعلانات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى لا يتمتع المغاربة بحقوقهم: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، عن طريق قيام الدولة بتطبيق القانون.
ولذلك، فحزب العدالة، والتنمية، الذي يترأس أمينه العام الحكومة المغربية، لا يمكن أن يسعى إلى صيرورة الدولة المغربية دولة للحق، والقانون؛ لأن ذلك يقتضي صيرورتها دولة مدنية، ديمقراطية، علمانية، حتى تستطيع أن تصير دولة للحق، والقانون، وتتحول إلى دولة لرعاية تمتيع جميع المواطنين المغاربة، بكافة الحقوق، وأن تتعامل مع جميع المغاربة على أساس المساواة فيما بينهم.
وإذا كان حزب العدالة، والتنمية، لا يستطيع أن يجعل الدولة المغربية، متحررة من أدلجة الدين الإسلامي، ولا يستطيع أن يجعل الدولة المغربية، دولة للحق والقانون، فإنه لا يستطيع كذلك ان يجعل الدولة المغربية، تعمل على إسقاط الفساد، الذي استشرى في الإدارة المغربية، التي وقفت وراء تكوين لوبيات الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بإسقاط تلك اللوبيات، ومساءلة، ومحاسبة، ومحاكمة المفسدين، مهما كانت مكانتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى استئصال جذور الفساد، التي كلفت الشعب المغربي كثيرا، ووقفت وراء حرمانه من الكثير من حقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
ومعلوم أن استشراء أمر الفساد، في الإدارة المغربية، وفي المجتمع المغربي، هو الذي وقف وراء ازدهار أدلجة الدين الإسلامي، لتحقيق أمرين أساسيين:
الأمر الأول: جعل المتضررين من مختلف أشكال الفساد، يعتقدون أن الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، ومنها حزب العدالة، والتنمية، سوف تضع حدا للفساد، الذي صار يتخلل باقي بنيات المجتمع المغربي، وبنيات الإدارة المغربية.
والأمر الثاني: التجاء ممارسي الفساد، إلى الأحزاب، والتوجهات، المؤدلجة للدين الإسلامي، اعتقادا منها، أنها بذلك تغطي على ممارستها، بالتمظهر بمظاهر مؤدلجي الدين الإسلامي، والاحتماء بتوجهاتهم المؤدلجة للدين الإسلامي.
ويظهر من خلال تواجد الأحزاب المشتهرة بإفساد الإدارة المغربية، في حكومة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة، والتنمية، أن هذه الحكومة، سوف تستمر في رعاية كافة أشكال الفساد، وأن إسقاطه يبقى من باب المستحيلات، في ممارسة حكومة بنكيران.
وإذا كانت حكومة عبد الإله بنكيران، لا تستطيع، كما يظهر من خلال طبيعة التشكيلة الحكومية، فإنه، كذلك، لا يستطيع إسقاط الاستبداد المخزني، منذ بداية تكونه في السبعينيات من القرن العشرين، وتحت إشراف وزير الداخلية السابق: إدريس البصري، إلى أن تواجد في البرلمان، ثم إلى أن صار متحملا لمسؤولية الحكومة. وهو ما لا يمكن اعتباره قبولا بالاستبداد القائم، والعمل على تأبيده.
فالنظام مستبد، وحزب العدالة، والتنمية، ومنذ نشأته، وهو يسعى، ومن خلال حرصه على تكريس أدلجة الدين الإسلامي، إلى تأبيد الاستبداد القائم، الذي مهد له الطريق، وأعطاه الشرعية، التي تتنافى مع ما هو وارد في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تعتبر تأسيس الأحزاب على أساس ديني، غير مشروعة، لأن الدين للناس جميعا، وليس لحزب معين، بالإضافة إلى التضليل الذي مارسه حزب العدالة، والتنمية، عبر تاريخه، لجعل الناس ينتمون إلى حزبه، لا على أساس الاقتناع بأيديولوجيته، وبمواقفه السياسية، كباقي الأحزاب، بل لأنه يعتبر حزبا إسلاميا، لا يختلف التواجد فيه، عن التواجد في المساجد، ولا يختلف الهدف من التواجد فيه، عن الهدف من التواجد في المسجد، الذي يجعل الوافد إليه يزداد طاعة لله، بينما نجد أن الوافد إلى حزب العدالة والتنمية يزداد خضوعا للأمير، الذي يوجهه إلى ما يريد.
ولذلك، فحزب العدالة، والتنمية، هو حزب مستبد، والتواجد فيه قبول بتكريس الاستبداد، وهو لا يسعى أبدا إلى القضاء على الاستبداد، بقدر ما يحرص على دعمه، وتأبيده، حتى لا ننخدع بالخطابات الديمقراطوية، الصادرة عن قياداته، في مستوياتهم المختلفة.
وسيطرة أدلجة الدين الإسلامي، على فكر، وممارسة حزب العدالة، والتنمية، تجعله يزداد تمسكا بها، خاصة، وأنه أصبح يحتل مركزا سياسيا مهما، يمكن من فرض اعتماد أدلجة الدين الإسلامي، على جميع أفراد المجتمع المغربي، من خلال البرامج الدراسية، ومن خلال الكليات، والمدارس العليا، ومن خلال القوانين المعمول بها، ومن خلال البرامج الحزبية، ومن خلال تحركات أعضاء الحكومة على المستوى الوطني، سعيا إلى برمجة جميع أفراد المجتمع، على أدلجة الدين الإسلامي، من أجل أن يختفي الدين بصفة نهائية، لتحل محله أدلجة الدين الإسلامي، التي لا علاقة لها بحقيقة الدين الإسلامي.
وبرمجة جميع أفراد الشعب المغربي على أدلجة الدين الإسلامي، تجعل حكومة عبد الإله بنكيران، تحول المجتمع المغربي، إلى مجتمع يقتات فكريا، من أدلجة الدين الإسلامي، في حركاته، وسكناته، وفي التحولات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يفترض فيها التقدم إلى الأمام، مما يجعلها غير قادرة على ذلك التقدم، نظرا لدور أدلجة الدين الإسلامي، في تقهقر المجتمعات البشرية إلى الوراء، عكس ما قام به الدين الإسلامي في القرون الأولى من تاريخ المسلمين، حيث قام بتحفيز المسلمين على الاستفادة من التطور، الذي عرفته الشعوب الأخرى، حتى تصير تلك الاستفادة أساسا، ومنطلقا للتقدم، والتطور، الذي وقف وراء ما صار يعرف بالحضارة العربية الإسلامية، بقطع النظر عن الدول المستبدة التي كانت تحكم في ذلك الوقت، تلك الحضارة التي صارت مرجعا لأوروبا. وهو ما يعتبر عكس ما يحصل الآن في بلدان المسلمين، ومنها المغرب.
وبذلك يتبين، وبكامل الوضوح، أن حزب العدالة والتنمية، لا يمكن أن يتخلى عن أدلجته للدين الإسلامي، بعد وصوله إلى السلطة، ولا يلتزم بما صرح به أمينه العام عبد الإله بنكيران، بأن الحزب يمارس السياسة، ومن أراد الدين، فإنه موجود في المساجد، ولا يميز بين الدين الإسلامي كشأن فردي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، كاستغلال للدين الإسلامي، في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، ولا يعترف بأن عملية أدلجة الدين الإسلامي، تحريف له، ولا يعمل على إبعاد الدين الإسلامي عن الأمور السياسية، ولا يمكن أن يقدم نقدا ذاتيا إلى مسلمي المغرب، عن استغلاله الأيديولوجي، والسياسي للدين الإسلامي، ولا يسعى إلى إبعاد الإعلام الحكومي عن ترويج أدلجة الدين الإسلامي، كما لا يسعى إلى جعل الدولة تمسك عن الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي، للدين الإسلامي، ولا يمكن أن يستغل مسؤوليته الحكومية، لتحويل الدولة المغربية، إلى دولة للحق، والقانون. وهو سوف لا يعمل، وبتلك الجدية المطلوبة، على محاربة الفساد الممارس، في ظل قيام الدولة الإسلامية في المغرب، ولا يعمل على إسقاط الاستبداد، الممارس باسم الدين الإسلامي؛ لأن سيطرة أدلجة الدين الإسلامي على فكر، وعلى ممارسة حزب العدالة، والتنمية، يجعله يزداد تمسكا بأدلجة الدين الإسلامي، ويعمل على إنضاج شروط استفحال أمر شراستها، حتى يتم تجييش جميع أبناء الشعب المغربي، وراء الدولة الإسلامية المغربية، ووراء حكومتها، ووراء الأحزاب، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، وفي مقدمتها: حزب العدالة، والتنمية.
فحزب العدالة، والتنمية، المتمخزن في الأصل، سيزداد بترؤسه للحكومة، تمخزنا، وسيقف تمخزنه وراء المزيد من الارتماء بين أحضان الطبقة الحاكمة، التي تتملكه الرغبة الجامحة في خدمة مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما تبين من خلال تحالفات الأغلبية الحكومية.
ألا يتعظ حزب العدالة، والتنمية، مما وقع للأحزاب التي سبق لها أن تمخزنت، ففقدت كثافة إشعاعها في صفوف أبناء الشعب المغربي؟
ابن جرير في 21 / 12 / 2011
محمد الحنفي