kolonagaza7
لا بد أن الكثيرين ما زالوا يذكرون مرحلة الدراسة الثانوية و ما رافقها من حرص محموم على اقتناء الملخصات أو "الكورسات" التي هي بمثابة الأستاذ الخصوصي، و لكن بشكل كتيب يلخص المواد المختلفة ملحقة بالتدريبات و أسئلة الامتحانات النهائية للسنوات السابقة و الإجابات!
قد نلتمس العذر لطلبة التوجيهي بسبب زخم المواد و قصر فترة الدراسة و الأعصاب المشدودة و ضغط المجتمع و معدلات القبول الجامعية المرتفعة على الأغلب التي تدفعهم إلى سلوك أقصر الطرق و أسرعها للنجاح! غير أن هذه المرحلة الانتقالية لم تعد استثنائية فقد أدمن الطلاب الملخصات حتى باتوا يطالبون بها و يتوقعون وجودها في كل مرحلة دراسية و في الدراسات العليا، و الأستاذ الأفضل هو الذي يوفرها و يطعم الطلاب المعلومات مهروسة بالملعقة حتى يسهل عليهم الهضم و الفهم!
و في معظم الدول العربية الطلبة متفرغون و مُعالون فهم لا يشتغلون و أهاليهم يدفعون أقساطهم على الأغلب، و هم بذلك يجب أن يكونوا طلبة متفرغين بدوام دراسي كامل "full time" لا بدوام جزئي "part time"لطالب يمضي في ساحات الجامعة و ردهاتها و مطاعمها أكثر مما يمضي في قاعات التدريس!
إن من يعتمد على ثقافة الملخصات كمن يعتمد على الوجبات السريعة ،التي لا تسمن و لا تغني من جوع و تضر أكثر مما تنفع، قد يحصل بعض الفائدة و ينجح في المواد و لكنه ينتفخ من الخارج و من الداخل يكون كالطبل الأجوف، و هذا ما يحصل في كثير من جامعاتنا العربية التي تخرج حملة شهادات و لكنها لا تخرج علماء و لا طلاب علم أو مثقفين!
و لا غرو في ظل انتشار التعليم المبني على التلخيص أن نعاني من اضمحلال ثقافة البحث العلمي فالذي لا يستطيع قراءة كتاب منهجي أو مصدر موسوعي لن يغوص في أمهات الكتب و جديد المطابع و لن يأتِ بالجديد من بنات أفكاره و كتابة يديه
يبدو غريباً في الوقت الذي يريد فيه طلبتنا أن ننقلص كتبهم الجامعية إلى كتب جيب" pocket books"يمكن أن يحملوها في جيوب ملابسهم و يقرؤوها في خمس دقائق، أو أن تكون الكتب على شاكلة كيف تتعلم المادة الفلانية في أسبوع، أو العلوم من غير معلم إن في تاريخنا علماء مثل الجاحظ مات بعد أن وقعت عليه مكتبته و كتبه الثقيلة الكثيرة، أو مثل أحمد بن حنبل الذي لم يتقاعد أو يتقاعس عن طلب العلم بعد أن كبُر و قال قولته الشهيرة: مع المحبرة حتى المقبرة
مخطئٌ من ظن أنه قد يحصل علماً تحت ظل الشجر أو أمام مشهد الغروب أو عند مغازلة الحسان أو بعد إرهاق العيون و الأيدي على لوحة المفاتيح و أمام شاشة الكمبيوتر.
إن طريق العلم كان و ما زال محفوفاً بالمشاق و بذل الجهد و لذا كان العلماء ورثة الأنبياء و صدق الشاعر إذ قال:
أخي لن تنال العلم الا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان .. ذكاء و حرص و اجتهاد و بلغة و صحبة أستاذ و طول زمان
و ما غير ذلك ينتج أنصاف و أرباع و أثلاث المتعلمين حتى نصل إلى العدم، و الشهادات كثيرة و لكن العلماء قلائل و الإنجازات أقل و حضارتنا في سبات عميق أو موت سريري!
إذاعة صوت الأقصى