الجمعة، 5 أغسطس 2011

29 يوليو.. جمعة كشف الأوراق

kolonagaza7

الشرق

مصطفى الغزاوي

المخططات التي تستهدف سيناء جاهزة في أدراج الصهيونية العالميةكانت الخشية من جمعة 29 يوليو أن تنقلب إلى مواجهات بين الأطراف المشاركة فيها دافعا للعديد من اللقاءات والحوارات للخروج بها آمنة دون أن تصيب الوطن بجروح يصعب مداواتها.أطلقوا عليها جمعة "لم الشمل"، وتوافقوا على جملة مطالب لم يجري الالتزام بها، واحتشدت التيارات الإسلامية يومها لغرض في نفس يعقوب وهو ليس موضوعنا في اللحظة، ولم يلتزموا بما اتفقوا عليه، وهو أمر ليس موضوعنا أيضا، وكانت الهتافات تقول إن المجتمع يشهد يوما غريبا عليه، وربما يكون مقبولا من الناس في حالة الاحتشاد نوع من التجاوز في أي اتجاه كان وحتى تجاه العنف، ولكن الغريب أن التجاوز مارسه أشخاص يوصفون أن لديهم شيئا من العقل، ومن مختلف الفرق.قد يستنكر أحد أنه كان هناك حصار على منصاتهم، وأجبروا على إخلائها (6أبريل)، وأن هناك حالات طرد من الميدان للمعتصمين ومنهم فتيات في زفة متصلة تتهمهم أنهم من صنف "علماني" وهي في بعض التفسيرات المتداولة تعني الكفر والشذوذ الجنسي! خرج فريق لدية إحساس بالانتصار وعاب أحد مشايخ السلفيين على السلفيين أنهم بتجاوزاتهم جعلوها جمعة "الخسارة"، وفريق آخر أصابه الاكتئاب أن هناك تشققا في جدار الاصطفاف الشعبي والسياسي وأعلنت جماعات عديدة الانسحاب من الميدان وإصدار بيانات لإدانة تجاوز التوافق الذي تم في الساعات السابقة على الاحتشاد.يبدو كل هذا حديث عن مظاهر المسألة التي تواجه الثورة، فالثورة اليوم تواجه التحدي الذي زرعه نظام السادات في مواجهة الحركة الوطنية التي رفضت مبكرا سياسات السادات، وكشفتها مبادرة فبراير 1971 عندما اقترح انسحاب متبادل بين مصر وإسرائيل لمسافة 15 كيلومترا على الجانبين على أن يبدأ بتطهير قناة السويس تمهيدا لفتحها لمرور السفن. كان انقلابا مبكرا في مفاهيم ومضمون الصراع وكيفية إدارته، وأدت إلى بدء الخصومة بين كل القوى السياسية الناصرية وجزء كبير من اليسار، وكذلك تيار واسع من المثقفين، ووجد السادات نفسه معزولا عن المجتمع واكتشف هشاشة أنصاره.بدأ السادات الإفراج عن عناصر الإخوان الموجودين بالسجون، ولم تكن المشكلة الإفراج عن السجناء، ولكن كانت المشكلة هي لماذا تم الإفراج؟ هل كان الإفراج يهدف إلى رفع الغبن عن المعتقلين؟ أم كان دعوة لموقف لصالح دولة "العلم والإيمان" كما كان يطلق السادات على مصر حينها؟ وفي أعقاب 11 فبراير 2011 أطلق أيضا سراح بعض المساجين دون إيضاح بمدى الصلاحية السياسية لهم في مجتمع الثورة.وتتطور المشكلة فيما بعد في محاولة التصدي للحركة الطلابية بإنشاء الجماعات الإسلامية بالجامعات المصرية، والتي قام على مسؤولية البناء والتنظيم محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط السابق وأمين التنظيم للاتحاد الاشتراكي بعد مايو 1971، وتولى التمويل المقاول عثمان أحمد عثمان صاحب العلاقة الشهيرة بكمال أدهم صديق السادات، وأدخلت هذه الجماعات إلى الجامعة الأسلحة البيضاء والجنازير، فهم يواجهون الكفار والملحدين، والنظام يباركهم ويدفعهم إلى مزيد من الوجود والسيطرة. لم تكن رحلة السادات مع التنظيم الذي أسسه شهر عسل متصل، فقد استحضر العفريت ولكنه لا يملك عليه سيطرة، وتسارع النمو السرطاني داخل الأوعية التنظيمية وخارجها، وحدثت مواجهة مع جماعة صالح سرية عام 74 بعد الهجوم على الكلية الفنية العسكرية، وانضم مؤخرا قيادات هذا التنظيم إلى حزب "السلام والتنمية" الذي يعبر عن الإسلاميين المستقلين. ويشهد عام 1977 قيام تنظيم التكفير والهجرة باغتيال الدكتور محمد الذهبي وزير الأوقاف السابق. أضيف إلى ذلك كله الدعوة إلى التطوع للجهاد في مواجهة الجيش السوفييتي الملحد في أفغانستان تحت رعاية السعودية ومصر والمخابرات الأمريكية، وهو ما أنتج فيما بعد تنظيم القاعدة.ومن ناحية أخرى يتولى الشيخ عمر عبدالرحمن مسؤولية الفتوى لتنظيم الجهاد عام 1981 ويصدر فتوى بتشجيع سرقة وقتل المسيحيين لتقوية التنظيم. ولا يمضي عام 1981 إلا ويكون السادات نفسه مقتولا على يد أعضاء لهم علاقة بتنظيم الجهاد، ويخرج التنظيم إلى معارك دموية في أنحاء مصر، أعقبها مواجهات واعتقالات وسنوات طويلة في السجون بلغت بالبعض 30 عاما هي مدة حكم مبارك نفسه.كل ذلك واكبته حملة تشويه لثورة 23 يوليو ولإنجازاتها، وتواكب معها تحويل الصراع العربي الصهيوني إلى عقدة نفسية وتفريغه من مضمونه في حقيقة أن إسرائيل استعمار استيطاني ترعاه أمريكا والغرب في مواجهة حركة القومية العربية، ورغم الخلافات بين العرب والسادات إلا أن ما يطلق عليه الأنظمة الرجعية كانت تجد في خروج مصر من الصراع العربي الصهيوني متنفسا لها ولأهدافها.وهذه الحملات أدت إلى الهروب إلى الدين كملاذ أخير في مواجهة محاولة طمس العقل العربي وتغييبه.شهدت فترة مبارك مواجهات عديدة وبلغ الأمر كما كشف مؤخرا أن نظام مبارك استخدم منهج التنظيمات الدينية في إثارة القلاقل الداخلية سواء في كنيسة القديسين والتي ألصقوها بأحد الشبان السلفيين وتوفي نتيجة التعذيب، وكذلك التفجيرات التي جرت في طابا ونويبع وشرم الشيخ واتضح أنها من الأعمال القذرة لجمال مبارك والعدلي في صراعهما مع حسين سالم رجل المال ومدير أعمال مبارك المالية وتصدير الغاز إلى إسرائيل.كان الصراع في فترة مبارك يتراوح بين الحوار والاعتقال، والاستخدام والاستتابة، وفتحت الفضائيات مجالا جديدا للتأثير.كل ذلك كان بناء لمواجهة الحركة الوطنية والتي كان آخر عهدها بالتحرك الشامل حول قضايا وطنية واجتماعية في عام 1977، والتي أعقبها إجهاض حاد للحياة السياسية وهو ما أطلق عليه بعد قرابة 30 عاما أن الحياة السياسية في مصر "تصحرت". من الإنصاف القول إن كل جهود المقاومة لنظام مبارك التي سبقت 25 يناير كانت تراكما أدي إلى انفجار الثورة التي مثلت مفاجأة للجميع حتى للشباب الذي خرج يومها ضد أداء الشرطة وتجاوزاتها، ولكن الشعب المعلم حول يوم الغضب إلى ثورة، وخرجت استراتيجية الثورة من نداء عظيم أوجز الإرادة الشعبية في شعار "خبز ـ حرية ـ عدالة اجتماعية"، وكسرت الثورة في الوقت ذاته قضبان السجون، وقطعت الروابط بين جهاز أمن الدولة وبعض التنظيمات التي تعاونت معه، وفتحت الثورة الباب على مصراعيه أمام الجميع ليعلن عن نفسه.وإذا كان البعض رفض الانضمام إلى يوم الغضب تحت دعاوى أنه لن يملي علينا أحد المشاركة فيما لم نستشار فيه (الإخوان والحزب الناصري)، والبعض الآخر رفض التظاهر وأعلن عدم شرعية الخروج على الحاكم (السلفيين ـ الشيخ حسان)، ورأى البعض في الطريق أن مجرد تعيين نائب يعني تحقيق ما لم نتوقعه (الكرامة)، وقبل البعض الحوار على مائدة نائب الرئيس بينما الشعب في الشوارع، كل ذلك يؤكد أن فعل الثورة كان خارجا عن الجميع ولا أستثنى منهم أحدا.تأكد أن الثورة فعلا شعبيا طليعته شباب قدم التضحية بالروح والدم، ومن بين هؤلاء الشباب من ينتمون إلى تيارات وتنظيمات، ولكن أداءهم كان وليد قراراتهم الذاتية وليس التزاما بقرارات تنظيماتهم وأحزابهم.كانت الثورة بلا قيادة، وإذا كتبنا عن دور للدكتور محمد البرادعي، في وقائع ما جرى ووضوح أقواله وتحركاته، لسمعنا أصوات تردد أقوال إعلام النظام السابق في توجيه الاتهام إليه أنه واجهة مخطط أمريكي، بينما أمريكا بكل أجهزتها، وإسرائيل أيا كان مدى اختراقها للمجتمع المصري أصابتهم المفاجأة بوقائع نمو الحركة الشعبية خلال 18 يوما وأدت إلى تحويل يوم الغضب إلى ثورة شعبية.عدم وجود قيادة للثورة، والرغبة في تحقيق الأهداف، ومحاولة وجود أوعية تضم الشباب الذي خرج أفراد لتحويله إلى حالة جماعية، شغل الشباب ومن تبقي من النخبة الملتزمة بالثورة وضوحا ووعيا بدلالة الشرعية الثورية، شغلهم بعيدا عن تحليل للواقع بجذوره التاريخية، ذلك التحليل يؤكد أن جمعة 29 يوليو لم تكن جمعة الانقسام ولكنها في الحقيقة كانت جمعة كشف الأوراق.سقطت يوم الجمعة 29 يوليو خديعة أن الكل ينتمي إلى الثورة موضوعيا وليس كمدخل لمكاسب ذاتية.الإسلاميون ليسوا قوة تقاس بالحجم ولكنهم قوة تدرك بالاتجاه، فهم بالأساس قوى الانقلاب على الثورة التي استخدمها السادات، ويعودون لنفس المهمة. القادمون من السجون يعتقدون أنهم استردوا حقهم في الحياة السياسية دون مراجعة، ألم يكن من الواجب أن يراجع المجتمع والثورة مدى إمكانية عودت من شاركوا في عمليات القتل لأفراد من الشعب إلى الحياة السياسية، هؤلاء الذين استحلوا الدماء والأموال وأعلنوا مناطق في المحافظات إمارات محررة من سلطة الدولة.المراجعات السياسية والمجتمعية والدينية لا تنفي أن في المجتمع طرفين، الأول يسقط الوطن ويسعى إلى أممية إسلامية ولا يرى المجتمع غير جماعته الدينية، وطرف قام بالثورة لأهداف اجتماعية بالأساس وأضاف إليها مطلب الديمقراطية، يرفع علم وطنه ولا يرفع راية سوداء أو علم السعودية.الطرف المنتمي للثورة يتعرض لحملة تشويه وإجهاض تقودها كتلة النظام الباقية في أجهزة الدولة والرأسماليون وأصحاب المصالح الذين حقق لهم النظام السابق مكاسب غير شرعية ومازالوا دون مراجعة ويسيطرون على الغرف التجارية واتحاد الصناعات المصري، وغير هذا كله تدخلات خارجية يسهل لنا فيها ذكر أمريكا وإسرائيل بينما نتناسى مجموعة الاعتدال العربي، والتي تمول الكيانات الدينية وتدعو أفرادا لإنشاء كيانات حزبية مقابل تمويلا ابتدائيا يبلغ 10 ملايين دولار شريطة تبني التيار السلفي.كل هذا التحدي تواجهه الثورة وطلائعها الشابة، فهل هناك فرصة لمراجعة الجميع لمواقفهم؟الوقفة الموضوعية مع الذات ومراجعة الوعي بحق الشعب تحتاج ذات جسارة الثوار عندما خاضوا غمار التحدي.أصبح الثوار مطالبون الآن بفرز القوى المحيطة بهم دون مراهقة سياسية أو شطط ثوري. فمصر ليست أفغانستان ولا هي باكستان، مصر الثورة لا يمكن أن تكون عائدة لعصور ظلام لم تمر بها من قبل ولكنها مستوردة من المحيط بها.ليس أمام الثوار فسحة الوقت بلا حدود للوصول إلى الوعي بحتمية الفرز، والاعتماد على القوى المنتمية إلى مطلب "الخبز ـ الكرامة ـ العدالة الاجتماعية". الوعي بحقائق القوى مطلب عاجل، إن امتلكته الثورة امتلكت الزمن القادم من بعده.ونظرة أولية على الوقائع على الحدود الشرقية لمصر، تجسد تكرارا أليما لأداء الترابي والبشير في السودان والذي أدى إلى ضياع جنوب السودان مقابل تطبيق الشريعة في شماله، وما زال السودان مهددا بمزيد من التقسيم لترابه الوطني.المخططات التي تستهدف سيناء جاهزة في أدراج الصهيونية العالمية، وجنون الأعلام السوداء وعليها الشهادتان لا يجب أن يمنعنا عن قراءة حقيقة نجمة داوود التي تظلل الأفعال والعقول.فهل نحن قادرون على استيعاب الحقائق التي كشفت عنها جمعة كشف الأوراق؟elghazawy@gmail.com

مشاركة مميزة