الخميس، 4 أغسطس 2011

مبارك ولحظة الحساب



kolonagaza7

عبدالباري عطوان
بمثول الرئيس المصري 'المخلوع' حسني مبارك في قفص الاتهام امام القضاء للرد على اتهامات بالقتل والفساد، ونهب المال العام، تقف مصر والامة العربية بأسرها امام سابقة تاريخية، قد تكون الاهم منذ عقود، بل ربما منذ قرون، فقد جرت العادة، وما زالت، ان يقتل الحكام العرب، وينهبون ويتجبرون دون اي حساب او مساءلة.
إنها أرادة الشعب.. انها الشجاعة في كسر كل حواجز الخوف والرعب من الطغاة.. من اجهزتهم القمعية، من الموت نفسه دفاعا عن الكرامة.. او بالاحرى من اجل استعادتها.. او انتزاعها من براثن اناس ولغوا في اهانة شعوبهم وسحق كرامتهم وتحطيم عزة أنفسهم.
ان يدخل الرئيس 'المخلوع'.. ونصرّ بقوة على كلمة 'المخلوع'، الى قاعة المحكمة، على كرسي متحرك او على سرير الموت، سيان، المهم ان يمثل امام القضاء، كشخص مجرم مدان، وسط بطانته السيئة، وادوات القتل والتدمير، مع ابنيه اللذين عاثا في الارض فسادا، وراكما المليارات من عرق الفقراء والمطحونين.
لا تعاطف مع الطغاة.. ولا شفقة مع من تعاطى مع شعبه كما لو انه قطيع من الاغنام، ومع بلاده كما لو انها مزرعة له ولنسله غير المقدس، يورثها لهم من بعده، ويجد الكثير من وعاظ السلاطين الجاهزين لإصدار الفتاوى التي تبرر، بل تحتم هذا التوريث.
جريمة الرئيس المخلوع الكبرى ليست في نهب المال وقتل خمسمئة متظاهر كانوا يطالبون بإسقاط حكمه فقط، وانما في قتله لمصر ومكانتها وهيبتها وكرامتها، وتشويهه لهويتها، وتحويلها من دولة عزيزة، كريمة، الى دولة ذيلية، متسولة، تتعيش على الفتات.
مصر التي كان ينتظر السعوديون محملها السنوي قبيل موسم الحج وكسوة كعبتها، والليبيون مساعداتها المالية والغذائية، والخليجيون اطباءها ومدرسيها، والمغاربة ثوارها واسلحتها، والعرب جميعا فنونها وآدابها وابداعاتها، مصر تحولت، وبفضل الرئيس مبارك وامثاله الى اضحوكة، 'حيطة واطية'، يتزاحم الكثيرون على إهانتها والتطاول عليها.
' ' '
اكثر من ثلاثين عاما من النهب والسرقات وتكديس المليارات في البنوك الغربية،هي عناوين حكم الرئيس المخلوع الابرز.. اتمنى ان يكون اول سؤال يوجهه القاضي اليه هو ليس عن مكان هذه المليارات، وانما عن الفائدة التي جناها من وراء سرقتها من عرق ابناء شعبه، وماذا ستفيده وهو الآن في ارذل العمر، ويقف خلف القضبان مثل كل اللصوص، كبارا كانوا ام صغارا.
سؤال آخر اتمنى ان يوجهه القاضي اليه ايضا، عن اسباب حقده على مصر وتراثها ومكانتها ودورها، بحيث ينحدر بها، وعن اصرار وتصميم، الى هذا الحضيض، من اجل البقاء على كرسي العرش، وأسرته المالكة، ووسط بذخ وفساد وإفساد يتواضع امامها بذخ وفساد أسرة محمد علي، ابتداء بزعيمها المؤسس، وانتهاء بالملك فاروق.
ثمانون مليونا من ابناء مصر الطيبة الصابرة سيتسمرون امام شاشات التلفزة يتابعون هذه اللحظة التاريخية، ليشاهدوا 'خديويهم' السابق، في مشهد لم يحلم او يحلموا به، ومعهم اسر ضحايا نظامه، الذين سقط فلذات اكبادهم برصاص الغدر، دفاعا عن نظام فاسد، هؤلاء الرجال الذين سطّروا بدمائهم الصفحة الاهم والاشرف في تاريخ مصر الحديث.
الطغاة العرب الآخرون، شركاء مبارك وحلفاؤه في ذبح كرامة هذه الامة، واذلال عقيدتها، وتقديمها قربانا لكاهنهم الامريكي وحاخامته الاسرائيليين، هؤلاء الطغاة سيتابعون المحكمة وهم يرتعدون خوفا ورعبا، من مواجهة المصير نفسه، فكم سفكوا من دماء شعبهم، وكم من المليارات نهبوها وما زالوا، في غفلة من الزمن.
الرئيس مبارك كان يتربع على قمة المؤسسة البوليسية الاضخم في العالم العربي، بل وفي العالم الثالث ايضا، ومع ذلك فإن هذه المؤسسة التي يزيد تعداد افرادها عن مليوني جندي، وميزانية ثلثهم تعادل ثلث ميزانية الدولة على الاقل، لم تمنع سقوطه المريع، بفضل حناجر شباب الثورة وصدورهم العامرة بالايمان والتصميم على التغيير.
' ' '
المجلس العسكري الحاكم اضطر للرضوخ لمطالب الثوار، والتسريع بمحاكمة العهد البائد الفاسد ورموزه، بعد تلكؤ طال امده، نتيجة لضغوط حلفاء مبارك في دول القمع والاضطهاد العربية، الذين لا يريدون تسجيل هذه السابقة حتى لا يواجهوا المصير نفسه، وهذا الرضوخ كان الطريق الاقصر لانهاء اعتصامات ميدان التحرير، وانقاذ البلاد من الثورة الثانية الزاحفة، وهي ثورة الجيّاع.
فرحتنا الكبرى كانت بتنحي الديكتاتور مرغما، ومعترفا بالهزيمة، وفرحتنا الأكبر بمشاهدته ذليلا خانعا خلف القضبان، لا نقول ذلك شماتة او تشفيا، وانما نقوله انتصارا للعدالة والمساواة، واحقاقا للحق، وعبرة لكل من تغولوا في سفك دماء الابرياء واعتقدوا انهم محصّنون من اي محاسبة او مساءلة.
انها الهدية الاجمل والادسم للشعب المصري، وكل الشعوب العربية بمناسبة شهر رمضان الفضيل، بل هو المسلسل الاكثر اثارة وتشويقا تتواضع امامه كل مسلسلات الدراما الاخرى.
الرئيس المخلوع لم يشعر مطلقا ولم يتعاطف، بل لم يتحسس معاناة عشرات الملايين من شعبه، ويستخلص معاني هذا الشهر الفضيل في هذا الاطار، بل لم يكن ونسله على تماس مع هذه الملايين، او حتى معرفة بوجودها، كانوا يعيشون في مملكتهم الخاصة وبطانتهم الفاسدة، وجاء الوقت لكي تنعكس الآية، وينقلب السحر على الساحر، وهو سحر رديء، من ساحر أردأ.
ننحني امام ثوار مصر، شبابها الطاهر الشجاع بمختلف اطيافه السياسية والعقائدية، الذي حقق لنا هذه المعجزة، واعاد الينا الامل والبسمة والشعور بالانتصار بعد ثلاثين عاما من القهر والهزائم.
مصر كانت دائما، وستظل رائدة وسباقة في تسجيل السوابق التاريخية، وما نأمل ان نشاهده اليوم في كلية الشرطة هو ابرزها.. فشكرا لها، ونأمل ان نرى عشرين طاغية آخرين في القفص نفسه، وقريبا جدا بإذن الله.
المصدر / القدس العربي

مشاركة مميزة