الخميس، 25 أغسطس 2011

موضة مثقّفي الأطلسي: الصدام بين المقاومة والتغيير!

kolonagaza7

ابراهيم الأمين
في كل مرة تتحرك فيها المنطقة على وقع أحداث كبرى، يُظهر التيار الثقافي للفريق المؤيد للسياسات الأميركية، في المنطقة العربية، استعداداً فائقاً للتنظير لكل تحرك سياسي تقوده واشنطن. غريب أمر التصادف أو التوافق بين هؤلاء. فالصدمة التي احتلت الوجوه بفعل اندلاع الثورات العربية أواخر العام الماضي، بدت متطابقة المعالم بين المسؤولين الأميركيين والغربيين وبين سطور وتعابير هذه الفئة التي تجيد إعادة إنتاج خطابها ونفسها. حتى لو قالت الكلام نفسه مرة كل عقد، لأنها صارت مثل قادة الطوائف عندنا خارج المحاسبة. فكل من يسأل هؤلاء عن منطقهم وخلفية ما يقولون، أو ينتقد مواقفهم يجري الرد عليه بأنه بلطجي أو شبّيح أو ظلامي... الى آخر المعزوفة التي تعيدنا إلى الرواية نفسها عن تفوق أخلاقي أو ثقافي مزعوم. مرده فقط التفاعل مع الثقافة الغربية.منذ اليوم الأول لاندلاع التظاهرات في تونس ومصر، جرى ربط الموقف من التحركات الشعبية بأمور داخلية فقط. خرج فريق كبير يومها بأنه ليس للمسألة الوطنية أي اعتبار الآن، وأن الأيام ستثبت أن الثائرين من أجل لقمة خبزهم وحريتهم الفردية سينتجون أنظمة ودولاً رافضة لسياسات الهيمنة ومقاومة للاستعمار. وبالتالي جرت مقارنة الشعارات التي يرفعها المواطنون في التظاهرات بالشعارات التي ترفع عادة في مواجهة سياسات الأنظمة من قضية الصراع مع إسرائيل والاحتلال الأميركي لدول في المنطقة. وقيل بوضوح إن التغيير عندما يحصل، إنما يستهدف الآن، وحصراً، أنظمة عملت على سرقة ثروات شعوبها وحرياتها.في الفترة الأولى، كان أصحاب هذا الموقف يذهبون بعيداً في تلمس مآلهم، من خلال اعتبار ما حصل في تونس ثم في مصر، على أنه موضوع داخلي. بمعنى أن الشعبين في تونس ومصر، إنما أرادا أن يرفعا شعار «نحن أولاً» أي «تونس أولاً» و«مصر أولاً». وهو العنوان الأحب الى قلوب جماعة التبعية للولايات المتحدة الأميركية، وهو ما شهدناه في «الأردن أولاً» ثم في «لبنان أولاً» ثم في عدد كبير من الدول التي أراد حكام فيها أو نافذون اعتبار المساهمة في الصراع مع إسرائيل إنما هو عمل طوعي، ممكن القيام به شرط التفرغ من بناء الدولة الداخلية. وتجاهل هؤلاء عن عمد، لا عن نقص في المعرفة أو الذكاء، أن مصائب العرب والمسلمين تعود في قسم كبير منها إلى ويلات الاستعمار القابض على أرواحهم ومقدراتهم منذ قرون عدة. وأن الاستقلال الوهمي الذي حصل في القرن الماضي، إنما استتبع بعلاقات اقتصادية فيها من التبعية ما أتاح بناء قاعدة ثقافية وفكرية وأخلاقية لا تشبه شعوبنا. فكان الانفصام يتزايد تدريجاً، إلى حدود تحول الأنظمة الحاكمة إلى أدوات بيد الغرب أو بيد الاستعمار نفسه.تحت هذا العنوان، أمكن فريق 14 آذار في لبنان مثلاً، الادعاء أن ما يجري في العالم العربي إنما هو نتيجة ولو متأخرة لما سمّوه «ثورة الأرز»، علماً بأن هذه الأخيرة، وفق شعاراتها في ذلك الحين، قامت على أساس مواجهة نفوذ خارجي متمثل في سوريا وإيران وأتباعهما المحليين بحسب وصفهم. وبالتالي لم يكن العنوان مرتبطاً بالمسألة الداخلية لناحية الخبز والحرية. وفي خمس سنوات من حكم هؤلاء، لم يتغير شيء على صعيد الخبز والحرية، إنما استبدلت وصاية سوريا بوصاية أميركا والغرب. وكان همّ هؤلاء، طوال الوقت القول، أن الخارج إن وجد فهو الخارج المعادي لأميركا. لذلك لا تسمع أبداً، منذ 14 آذار 2005 حتى اليوم، من كل دعاة هذا المشروع أيّ نقد للولايات المتحدة أو لسياسات الاحتلال والقهر والإرهاب والإجرام الخاصة به. وعندما يرتفع الصوت في المجالس المغلقة إنما يكون عتباً لأن واشنطن لم تقدم الدعم الكافي لهذه المجموعات. بينما يقود هؤلاء هجوماً جهاراً نهاراً على كل ما له صلة بتيار المقاومة. وهم أعدوا لهذه المواجهة كل ما تيسر من أدوات سياسية وإعلامية وثقافية بالإضافة الى الأداوت الأمنية والعسكرية.بعد اندلاع الاحتجاجات في البحرين وليبيا واليمن، اتخذ النقاش بعداً إضافياً بسبب التدخل العسكري للسعودية ودول الخليج في البحرين وقمع التظاهرات المطالبة بالإصلاح. وبسبب تولي حلف الأطلسي قيادة معركة إطاحة معمر القذافي، وتولي الجانبين الأميركي والخليجي رعاية مشروع التسوية في اليمن. وفي هذه الأمكنة، ظل هذا التيار على موقفه الداعم للتغيير. لكنه لم يعد مكتفياً بما يقوم به الشعب هناك. في ليبيا التغطية كاملة للتدخل الغربي، بل هناك دعوات إلى تعميم هذا النموذج. وفي البحرين برر التدخل العسكري الخليجي بأنه رد على تدخل إيران التي اتهمت بأنها تقف خلف الحراك الشعبي في هذا البلد. أما في اليمن، فالقول بأن مصلحة السعودية من مصلحة اليمن يعدّ كافياً لتبرير كل ما يحصل في هذا البلد، بما في ذلك تأخير خروج صالح من الحكم.ولما وصل الأمر الى سوريا، تشجع هذا الفريق أكثر على النطق بأن الحراك إنما هو في الأصل ضد الخيارات الكبرى التي أنهكت الشعب السوري. وصار عنوان رفض المقاومة أساسياً باعتبار أن النظام في سوريا كان ولا يزال داعماً للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق. قال أصحاب هذا الرأي إن المقاومة هي سبب المصاعب التي يواجهها الشعب السوري. ولما أعلن حزب الله وقوفه إلى جانب النظام في سوريا، والتزمت حركة «حماس» الصمت، صار الوضع نموذجياً لهذا الفريق الذي بدأ يعمل على الفكرة الأكثر خطورة، التي تقول بأن المقاومة ليست نموذجاً حقيقياً للتغيير. وها هي تقف الى جانب أنظمة متخلفة تقمع شعوبها. وبالتالي سارع كثيرون إلى القول بأن الثورات العربية إنما هي في حقيقة الأمر تمثل الصدام الأعنف مع فكرة المقاومة. وبالتالي، يجري الآن دفع الأمور نحو مستوى غير مسبوق من الاحتيال بالقول: إن مع يقف إلى جانب المقاومة إنما هو يقف إلى جانب الحكام الظالمين، وإن من يريد للثورات العربية أن تنجح، لا يمكنه أن يظل إلى جانب تيار المقاومة.صحيح أن السؤال ـ الإشكالية قائم في مسألة سوريا. لكن الأصح أن أصحاب هذا التيار، إنما ينادون بوطنية خجولة. هم يقولون إنهم لن يخضعوا لامتحان في الوطنية. ولن يضطروا لأن يعربوا عن رفضهم للتدخل الأميركي والغربي في شؤونهم أو تكرار موقف معادٍ لإسرائيل. لكنهم في حقيقة الأمر يعرفون أن طبيعة الإطار الذي ينشطون فيه الآن، ولو قام على فرضية دعم التغيير في بلدانهم، إنما يشترط صراحة وبوضوح أن يضعوا جانباً مسألة الصراع مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة. وأن يتجاهلوا هذا الأمر: هل يعتقد أحد أن قنوات من «الجزيرة» أو «العربية» أو الإعلام المكتوب لآل سعود ستسمح بأمر من هذا النوع؟ كما هو لا يسمح لأحد بالكلام عما جرى ويجري في البحرين، أو عن واقع الاعتقال والقهر السياسي في دول الجزيرة العربية. فكيف يريد هؤلاء إقناعنا بأن المسألة تقتصر على حريات الأفراد؟مثلاً، هل يجوز توجيه السؤال إلى أبناء أراضي فلسطين المحتلة الذين يعيشون تحت احتلال رهيب وفي ظل نظام فصل عنصري مخيف... كيف لهم أن يتحمسوا لتنظيم تحركات واعتصامات تضامنية مع الشعوب التي تتعرض للقمع، بينما لا يجيدون استغلال الحراك الشعبي العربي واستنفار العالم لنصرة حقوق الإنسان، وعشية إعلان الدولة الفلسطينية، ولا يقيمون اعتصاماً مفتوحاً، من عشرات ليس أكثر، في إحدى ساحات حيفا أو يافا أو الناصرة أو أم الفحم أو سخنين أو صفد، مطالبين بإعادة أملاكهم لهم ومنحهم حقهم في هوية عربية حقيقية؟هل يجوز سؤال التيار المنظّر لثورة الخبز والحرية، عن سبب الإدانة السريعة من قبلهم، سراً أو علناً، لنشاط المقاومة في فلسطين المحتلة واعتباره يخدم الأنظمة القمعية في العالم العربي؟ هل يعني أن على أهل فلسطين أخذ إجازة من المقاومة، وترك الاحتلال يوسع الاستيطان بانتظار أن تقوم حكومة عيّنها الأطلسي في ليبيا بإعلان الجهاد المقدس لتحرير القدس؟هل يجوز سؤال أهل الشام من المعارضين للنظام، وخصوصاً أولئك الذين ينتشرون في العالم الافتراضي ولا علاقة لهم بما يجري على الأرض، وهذا ما ثبت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، عن جدوى الاستعانة بالخارج وهم يعرفون مسبقاً أن أي تدخل عسكري سيدمر سوريا ويشعل المنطقة؟ أم أن خياراتهم محسومة: إما ترك الأمور كما هي بيد النظام أو خلعه بواسطة الأطلسي أيضاً؟هل كل ذلك يعني أننا أمام مواجهة بين المقاومة وبين حرية الشعوب، أم بين المشروع الأميركي ـ الاستعماري نفسه وبين شعوب تريد حريتها بيدها التي حفظت ولا تزال فكرة المقاومة ورجالها؟

مشاركة مميزة