kolonagaza7
الدكتور/ عـــادل البيـــاتي
كاتب وأكاديمي عراقي
ما زال «ربيع الثورات العربية» مستمراً في تقدّمه مكتسحاً قلاع الدكتاتورية والظلم والطغيان، فقد تجاوز ربيع الثورات العربية فصل "الربيع" إلى "الصيف" وهاهو يلامس "الخريف" وقد يعانق "الشتاء" دون أن يتوقف مساره، حتى تحقيق الظفر التام في إقتلاع حصون الظلم والدكتاتورية، بعد عقودٍ من القهر وحكم الإنقلابيين العسكر، الذين تفننوا في تزوير إرادات الشعوب فيما أسموها بـ«ثورات عربية»، التي كانت مجرد انقلابات عسكرية، استبدلت حاكماً بحاكم ونظاما بنظام، وسرعان ما تحولت فيما بعد الى أنظمة ملكية غير دستورية (جملوكية) فلاهي بالجمهورية حقاً ولا هي بالملكية حقاً، تقوم على حكم الفرد والأسرة، والحزب الواحد دون حدود ولا ضوابط.
ولقد أثبت «النظام العربي» في الأقطار التي تساقط فيها أو اهتزت أركانه، أنه غير قادر على الاستمرار، وعاجزٌ تماماً عن توفير القناعة للشعوب بأهليته وكفاءته ونزاهته، لذلك فهو حاول وما زال يحاول إقامة حواجز حديدية دون الوصول الى ما هو أفضل.
ولقد تابع العالم كله بفضل ثورة الإتصالات، مالاقته «ثورة 25 يناير» المصرية من عمليات القمع البوليسي الوحشي، ومحاولات اشاعة الفوضى في الشارع المصري عن طريق اطلاق عصابات ومرتزقة «البلطجية» ليقتلوا ويُحرّقوا ويُدمّروا، وشهدت الفضائيات خسة وجبن النظام المنهار في إطلاق الجمال والبغال في ميدان التحرير لإرعاب المنتفضين، وقيام النظام بتعطيل أداء الأجهزة الأمنية واغلاق المخافر وسحب شرطة المرور.. كل ذلك من أجل خداع الناس واقناعهم بأن «النظام الحاكم» هو الخيار الوحيد المتاح أمامهم للعيش بأمان، وإلا فمن بعده سيكون الطوفان.
وبعد أن شعرت القوى الحامية للنظم الدكتاتورية، وفي المقدمة الولايات المتحدة والصهيونية، والقوى المستفيدة منها، بأن «ربيع الثورات العربية» يتقدم بنجاح باهر، وأن النظم العميلة آيلة للسقوط عاجلا أم آجلاً، فقد بدأت توجهاً جديداً بإثارة الحساسيات الطائفية والتحذير من خطر وصول الإسلاميين الى مواقع السلطة. ولا حظنا كيف حصل هذا في مصر حين مارس النظام السابق وفلوله حملة اعلامية ضد التيارات الاسلامية في الشارع المصري. وبخاصة «جماعة الإخوان المسلمين» في مصر، باعتبارها التيار الأعرق في الشارع المصري منذ 1928، والتي تحمل مشروعاً سياسياً، وقد تعرضت لاضطهاد وقمع النظم على مدى العقود الماضية. وعلى الرغم من تشكيل الاخوان حزباً سياسياً في مصر، واعلانهم أنهم لن يرشحوا أحداً من قياداتهم في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما لن يرشحوا في دوائر الانتخابات النيابية إلا ما دون 50٪، لأنهم يكتفون بتشكيل مجرد معارضة برلمانية دون الوصول الى الحكم، وانتدبوا شخصية قبطيّة ليكون نائب رئيس حزب «العدالة والحرية»، رغم كل هذا فالحملة ما زالت مسعورة عبر وسائل الاعلام مختلفة المشارب ضد أي مشاركة للاسلاميين في الحياة السياسية.
أما في (ليبيا) فقد كانت التيارات الاسلامية كلها مضطهدة وملاحقة، ورغم كل هذا فإن الطابع العام للشارع الليبي أنه ملتزم اسلامياً، وقد عاد الى ليبيا عدد كبير من المهاجرين الذين اكتسبوا خبرات واسعة، سواء في المهاجر أو في السجون الليبية أو الغربية. ولعل البارز بين هؤلاء هو عبد الحكيم بلحاج رئيس المجلس العسكري في طرابلس، وقد سبق للسلطات البريطانية والأمريكية أن سلمته الى السلطات الليبية عام 2004 ليتعرض للتعذيب الشديد، فضلاً عن عدد من الشخصيات الاسلامية الأخرى التي انضمت مؤخراً الى المجلس الوطني الانتقالي.
أما في (تونس) فإن حركة النهضة مازالت تتعرض إلى حملة إعلامية شرسة، وتخويف من اسلمة الحكم في تونس، وما يتعلق بحقوق المرأة ومشاركتها السياسية، ولكن الحركة استطاعت استيعاب معظم قياداتها الذين كانوا مبعدين خارج تونس، وهم يتمتعون بقدرات وتجارب سياسية عالية، فاستطاعوا بعد انتصار الثورة نشر وعي ثقافي وسياسي اسلامي، مما جعل الحركة في طليعة القوى السياسية التونسية.
أما في (سوريا) فالقضية مازالت مطروحة في السجالات السياسية، ويستغلها النظام القمعي الحاكم، والعاملون في ماكنته الاعلامية بشكل واسع. ويبدو أن الدوائر الغربية تستغل اثارة المشاعر الطائفية والمذهبية، على اعتبار أن الشعب السوري متديّن بطبعه، ولأن المسيرات الشعبية كانت تخرج من المساجد بعد صلاتي الجمعة والتراويح في مختلف المدن السورية، لكن هذه التوجهات الاسلامية ليست حزبية ولا متطرفة. ورغم كل هذا فالذي يبدو أن الدوائر الغربية، مسكونة بهاجس الخوف من الاسلاميين، ربما لأنهم أكثر من تلقى قمع النظام واضطهاده. وما زلنا نذكر أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أجابت أحد الاعلاميين حين سألها عن الموقف الأميركي من النظام في سوريا، بأن الأهم من هذا هو من سيكون البديل عن الرئيس الأسد. وقد بدأت مؤخراً موجة من إثارة مشاعر الطوائف السورية، من مسيحية أو درزية فضلاً عن العلوية، من احتمال تحكم المسلمين بالقرار السياسي اذا سقط نظام آل الأسد.
أحد الإعلاميين صرح في ندوة للبي بي سي ومعهد الدراسات الاستراتيجية في لندن، قال فيه: «ان الاسلاميين سوف يستفيدون مما وقع في المنطقة. لا أقول ان اعمالاً ارهابية ستحصل، لكن سقوط دول أمنيّة سوف يتيح بالتأكيد فرصاً أمام هذه المجموعات الاسلامية للتحرك»، وتابع: «حتى فترة قصيرة كانت المجموعات الجهادية تعتقد أنها غير قادرة على القيام بأي نشاط في بلادها، لذلك قاتلت في أماكن أخرى».
وحتى لا تستهلكنا تداعيات الثورات العربية على المستوى العالمي، يهمنا التأكيد على أن ما يسمى «الارهاب» لا مكان له في الأنظمة الديمقراطية المنفتحة، وإن الأجواء الحرة القادمة (ان شاء الله) سوف تفتح آفاق العمل الايجابي البناء أمام الإسلاميين في خدمة المجتمع، دون الحاجة الى الارهاب والتطرف. ولسوف تبرهن الحركات الاسلامية في مختلف الساحات العربية أنها حركات بناء وليست حركات هدم أو ارهاب، ولا داعي ولا مبرر لهواجس البعض من حصول التيارات الاسلامية على حريتها في أي من الأقطار العربية، لأن الحركة الاسلامية العربية عريقة، وتمتلك تجربة غنية في اطار العمل السياسي الديمقراطي. فكفى تخويفا من بعبع الإسلاميين واتركوا لهم الفرصة دون قمع ولا مصادرة!.
كاتب وأكاديمي عراقي
ما زال «ربيع الثورات العربية» مستمراً في تقدّمه مكتسحاً قلاع الدكتاتورية والظلم والطغيان، فقد تجاوز ربيع الثورات العربية فصل "الربيع" إلى "الصيف" وهاهو يلامس "الخريف" وقد يعانق "الشتاء" دون أن يتوقف مساره، حتى تحقيق الظفر التام في إقتلاع حصون الظلم والدكتاتورية، بعد عقودٍ من القهر وحكم الإنقلابيين العسكر، الذين تفننوا في تزوير إرادات الشعوب فيما أسموها بـ«ثورات عربية»، التي كانت مجرد انقلابات عسكرية، استبدلت حاكماً بحاكم ونظاما بنظام، وسرعان ما تحولت فيما بعد الى أنظمة ملكية غير دستورية (جملوكية) فلاهي بالجمهورية حقاً ولا هي بالملكية حقاً، تقوم على حكم الفرد والأسرة، والحزب الواحد دون حدود ولا ضوابط.
ولقد أثبت «النظام العربي» في الأقطار التي تساقط فيها أو اهتزت أركانه، أنه غير قادر على الاستمرار، وعاجزٌ تماماً عن توفير القناعة للشعوب بأهليته وكفاءته ونزاهته، لذلك فهو حاول وما زال يحاول إقامة حواجز حديدية دون الوصول الى ما هو أفضل.
ولقد تابع العالم كله بفضل ثورة الإتصالات، مالاقته «ثورة 25 يناير» المصرية من عمليات القمع البوليسي الوحشي، ومحاولات اشاعة الفوضى في الشارع المصري عن طريق اطلاق عصابات ومرتزقة «البلطجية» ليقتلوا ويُحرّقوا ويُدمّروا، وشهدت الفضائيات خسة وجبن النظام المنهار في إطلاق الجمال والبغال في ميدان التحرير لإرعاب المنتفضين، وقيام النظام بتعطيل أداء الأجهزة الأمنية واغلاق المخافر وسحب شرطة المرور.. كل ذلك من أجل خداع الناس واقناعهم بأن «النظام الحاكم» هو الخيار الوحيد المتاح أمامهم للعيش بأمان، وإلا فمن بعده سيكون الطوفان.
وبعد أن شعرت القوى الحامية للنظم الدكتاتورية، وفي المقدمة الولايات المتحدة والصهيونية، والقوى المستفيدة منها، بأن «ربيع الثورات العربية» يتقدم بنجاح باهر، وأن النظم العميلة آيلة للسقوط عاجلا أم آجلاً، فقد بدأت توجهاً جديداً بإثارة الحساسيات الطائفية والتحذير من خطر وصول الإسلاميين الى مواقع السلطة. ولا حظنا كيف حصل هذا في مصر حين مارس النظام السابق وفلوله حملة اعلامية ضد التيارات الاسلامية في الشارع المصري. وبخاصة «جماعة الإخوان المسلمين» في مصر، باعتبارها التيار الأعرق في الشارع المصري منذ 1928، والتي تحمل مشروعاً سياسياً، وقد تعرضت لاضطهاد وقمع النظم على مدى العقود الماضية. وعلى الرغم من تشكيل الاخوان حزباً سياسياً في مصر، واعلانهم أنهم لن يرشحوا أحداً من قياداتهم في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما لن يرشحوا في دوائر الانتخابات النيابية إلا ما دون 50٪، لأنهم يكتفون بتشكيل مجرد معارضة برلمانية دون الوصول الى الحكم، وانتدبوا شخصية قبطيّة ليكون نائب رئيس حزب «العدالة والحرية»، رغم كل هذا فالحملة ما زالت مسعورة عبر وسائل الاعلام مختلفة المشارب ضد أي مشاركة للاسلاميين في الحياة السياسية.
أما في (ليبيا) فقد كانت التيارات الاسلامية كلها مضطهدة وملاحقة، ورغم كل هذا فإن الطابع العام للشارع الليبي أنه ملتزم اسلامياً، وقد عاد الى ليبيا عدد كبير من المهاجرين الذين اكتسبوا خبرات واسعة، سواء في المهاجر أو في السجون الليبية أو الغربية. ولعل البارز بين هؤلاء هو عبد الحكيم بلحاج رئيس المجلس العسكري في طرابلس، وقد سبق للسلطات البريطانية والأمريكية أن سلمته الى السلطات الليبية عام 2004 ليتعرض للتعذيب الشديد، فضلاً عن عدد من الشخصيات الاسلامية الأخرى التي انضمت مؤخراً الى المجلس الوطني الانتقالي.
أما في (تونس) فإن حركة النهضة مازالت تتعرض إلى حملة إعلامية شرسة، وتخويف من اسلمة الحكم في تونس، وما يتعلق بحقوق المرأة ومشاركتها السياسية، ولكن الحركة استطاعت استيعاب معظم قياداتها الذين كانوا مبعدين خارج تونس، وهم يتمتعون بقدرات وتجارب سياسية عالية، فاستطاعوا بعد انتصار الثورة نشر وعي ثقافي وسياسي اسلامي، مما جعل الحركة في طليعة القوى السياسية التونسية.
أما في (سوريا) فالقضية مازالت مطروحة في السجالات السياسية، ويستغلها النظام القمعي الحاكم، والعاملون في ماكنته الاعلامية بشكل واسع. ويبدو أن الدوائر الغربية تستغل اثارة المشاعر الطائفية والمذهبية، على اعتبار أن الشعب السوري متديّن بطبعه، ولأن المسيرات الشعبية كانت تخرج من المساجد بعد صلاتي الجمعة والتراويح في مختلف المدن السورية، لكن هذه التوجهات الاسلامية ليست حزبية ولا متطرفة. ورغم كل هذا فالذي يبدو أن الدوائر الغربية، مسكونة بهاجس الخوف من الاسلاميين، ربما لأنهم أكثر من تلقى قمع النظام واضطهاده. وما زلنا نذكر أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أجابت أحد الاعلاميين حين سألها عن الموقف الأميركي من النظام في سوريا، بأن الأهم من هذا هو من سيكون البديل عن الرئيس الأسد. وقد بدأت مؤخراً موجة من إثارة مشاعر الطوائف السورية، من مسيحية أو درزية فضلاً عن العلوية، من احتمال تحكم المسلمين بالقرار السياسي اذا سقط نظام آل الأسد.
أحد الإعلاميين صرح في ندوة للبي بي سي ومعهد الدراسات الاستراتيجية في لندن، قال فيه: «ان الاسلاميين سوف يستفيدون مما وقع في المنطقة. لا أقول ان اعمالاً ارهابية ستحصل، لكن سقوط دول أمنيّة سوف يتيح بالتأكيد فرصاً أمام هذه المجموعات الاسلامية للتحرك»، وتابع: «حتى فترة قصيرة كانت المجموعات الجهادية تعتقد أنها غير قادرة على القيام بأي نشاط في بلادها، لذلك قاتلت في أماكن أخرى».
وحتى لا تستهلكنا تداعيات الثورات العربية على المستوى العالمي، يهمنا التأكيد على أن ما يسمى «الارهاب» لا مكان له في الأنظمة الديمقراطية المنفتحة، وإن الأجواء الحرة القادمة (ان شاء الله) سوف تفتح آفاق العمل الايجابي البناء أمام الإسلاميين في خدمة المجتمع، دون الحاجة الى الارهاب والتطرف. ولسوف تبرهن الحركات الاسلامية في مختلف الساحات العربية أنها حركات بناء وليست حركات هدم أو ارهاب، ولا داعي ولا مبرر لهواجس البعض من حصول التيارات الاسلامية على حريتها في أي من الأقطار العربية، لأن الحركة الاسلامية العربية عريقة، وتمتلك تجربة غنية في اطار العمل السياسي الديمقراطي. فكفى تخويفا من بعبع الإسلاميين واتركوا لهم الفرصة دون قمع ولا مصادرة!.