الأحد، 11 سبتمبر 2011

تركيا و"إسرائيل"

kolonagaza7

محمد نور الدين

التوتر التركي- الإسرائيلي الأخير، بعد نشر تقرير حول عدوان "إسرائيل" على أسطول الحرية ومقتل تسعة أتراك، سلّط الضوء من جديد على طريقة تعاطي تركيا مع القضية الفلسطينية. لا يمكن الشك لحظة بأن الشعب التركي يحمل في داخله من الحب والتعاطف مع القضية الفلسطينية الكثير الذي يتجاوز حتى تعاطف بعض العرب مع هذه القضية. ولا أحد ينسى الموقف التاريخي للسلطان عبدالحميد الثاني في رفضه بيع أي أراض فلسطينية إلى الحركة الصهيونية عبر ممثلها تيودور هرتزل وكان رفضه السبب المباشر لعزله عن العرش في العام 1909. لكن "النظام" في تركيا بعد ذلك اتبع سياسات لا تسر فلسطينيا ولا عربيا ولا حتى تركيا عندما وقفت تركيا إلى جانب الكيان العبري منذ اللحظة الأولى لإنشائه على يد القوى الاستعمارية. فكانت تركيا أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل في العام 1949 واستمرت وحدها في هذا الاعتراف لسنوات طويلة. لم تكتف أنقرة بتسديد فاتورة حماية الغرب لها ضد الشيوعية بالاعتراف بـ"إسرائيل" بل ذهبت في اتجاه تحالفات بنيوية أمنية وعسكرية واقتصادية في الخمسينيات. واللافت للأسف هنا أن الحكومة التي قادت هذا التحالف مع "إسرائيل" كانت برئاسة شخصية لها كان لها الفضل في "إحياء" الحالة الإسلامية في تركيا في الخمسينيات أي عدنان مندريس. لسنا هنا في مجال إعادة عرض العلاقات التركية الإسرائيلية فهذا يتطلب مجلدات لكن المفارقة أن عهد طورغوت اوزال الذي كان يعتبر أيضا "إسلاميا" ومنفتحا على الحالة الإسلامية كان أيضاً عهد انفتاح كبير على "إسرائيل" واليهود عموما. مع حزب العدالة والتنمية، الإسلامي أيضا، كان الانطباع أن تركيا ستمضي إلى علاقات باردة مع "إسرائيل" مقابل انفتاحها على العرب والمسلمين. غير أن السنوات الأربع الأولى من حكم الحزب لم تعكس هذا التوقع بل كان حزب العدالة والتنمية عاملا أساسيا في الضغط على قوى فلسطينية مثل حركة حماس من أجل أن تغير موقفها من وجود "إسرائيل" ونهج المقاومة. وسعت أنقرة أيضاً إلى إيجاد تسوية بين "إسرائيل" والفلسطينيين أبرزها السعي الذي قام به رئيس الجمهورية عبدالله غول بعد انتخابه رئيسا في صيف 2007 عندما جمع بين شمعون بيريز ومحمود عباس في القصر الجمهوري في أنقرة بل كان لبيريز، حينها، "شرف" أن يكون أول مسؤول إسرائيلي يلقي كلمة أمام البرلمان التركي. قضية غزة والعدوان عليها أعاد ترتيب بعض الأولويات التركية التي توّجت بوقفة دافوس من قبل رجب طيب أردوغان ضد شمعون بيريز. ورغم العدوان على أسطول الحرية ومقتل تسعة أتراك غير أن مسار العلاقة التركية مع "إسرائيل" كان عموما "طريّا" تحكمه اعتبارات لا تزال تلقي بظلالها على سياسة تركيا الخارجية. أول هذا الاعتبارات أن تركيا لا تزال عضوا فاعلا في حلف شمال الأطلسي وهي شاركت في كل عملياته من البلقان إلى أفغانستان إلى ليبيا واليوم ها هي تنشر الدرع الصاروخي على أراضيها في خطوة لن تترك تركيا في منأى عن تداعياتها الإقليمية والدولية. الاعتبار الثاني أن تركيا تريد أن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي وهي بخلاف كل ما يقال لم تتخل عن هذا الطموح. الاعتبار الثالث أن تركيا تريد أن يكون لها دور رائد بل قائد في منطقة الشرق الأوسط. هذه الاعتبارات مجتمعة تجبر تركيا على أن تكون منسجمة مع السياسات الغربية في المنطقة ومن ذلك إبقاء علاقات جيدة مع "إسرائيل" لأنه لا يمكن أن تكون عضوا في الأطلسي وتريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وأن تكون في الوقت نفسه معاديا لـ"إسرائيل"، إذ ليس من دولة أطلسية واحدة ولا أوروبية واحدة إلا وتحتضن "إسرائيل" وسياساتها من الألف إلى الياء. وتركيا لن تكون استثناء. إن التوتر الأخير بين تركيا و"إسرائيل" يستوجب أن يُنظر إليه من زاوية الخيارات الإستراتيجية لتركيا وموقعها من الاستقطابات الدولية. وما لم تنه تركيا علاقاتها البنيوية الأطلسية والأوروبية (التي لا تعني العداء ولا القطيعة مع الغرب) فلا يمكن وضع التوتر الأخير بينها وبين "إسرائيل" إلا كونه خلافا بين أصدقاء وداخل العائلة الواحدة لتكون القضية الفلسطينية أولى ضحاياه خصوصا بعدما شرّع تقرير بالمر حصار غزة وكل ذلك من سوء إدارة الدبلوماسية التركية لملف العدوان على سفينة مرمرة.

الشرق، الدوحة، 10/9/2011

مشاركة مميزة