الثلاثاء، 17 يناير 2012

واشنطن وثورات العرب


kolonagaza7

تقرير واشنطن

محمد المنشاوي

حافظت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء جمهورية كانت أو ديمقراطية، على مجموعة ثابتة من الأهداف الإستراتيجية فى المنطقة العربية، واعتمدت فى سبيل تحقيق ذلك على عدة وسائل وآليات، من أهمها توفير الدعم لنظم سياسية تؤيد السياسات الأمريكية، وذلك بغض النظر عن درجة شرعية هذه الأنظمة أو مستوى شعبيتها. وصنفت الدول العربية إلى معسكرين: الاعتدال والممانعة؛ بحسب تأييد كل منهما للإستراتيجية الأمريكية وسياساتها فى المنطقة. وقد مثلت الثورات العربية التى تشهدها العديد من الدول العربية حاليا صدمة لأركان الحكم فى واشنطن، وذلك لفجائية هذه الثورات وعدم القدرة على توقعها بهذه السرعة وبهذا الحكم والاتساع. ولهذا لم يكن مستغربا وصف نيكولاس بيرنز، نائب وزير الخارجية الأسبق، ما يشهده الشرق الأوسط حاليا على أنه زلزال كبير، يراه الأهم منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، ونصح الإدارة ــ إدارة الرئيس بارك أوباما ــ بأن تعيد حساباتها بصورة كاملة بما يتواءم مع هذه التغيرات الجارية. المصالح الإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط تاريخيا تشكلت وتشابكت المصالح الإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط حول مجموعة من الأهداف شبه الثابتة، وأقرت وثيقة «إستراتيجية الأمن القومى» التى صدرت من البيت الأبيض فى شهر مايو 2010 ــ فى الجزء الخاص بالشرق الأوسط تحت عنوان «تدعيم السلام والأمن والتعاون فى الشرق الأوسط الكبير» ــ هذه الأهداف، والتى كان من بينها: التعاون الواسع فى العديد من القضايا مع الحليف القريب، إسرائيل، وتأكيد الالتزام غير المحدود تجاه أمنها.

● استمرار تدفق النفط.

● العمل على حل صراع الشرق الأوسط بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة بجوار إسرائيل.

● التعاون فى مجال مواجهة الإرهاب.

● دفع إيران بعيدا عن السعى لاقتناء أسلحة نووية ودعم الإرهاب الدولى. وتزدحم حاليا واشنطن بالعديد من الندوات والجلسات العلنية وغير العلنية للبحث فى مستقبل العلاقات الأمريكية العربية. وتجرى هذه الأنشطة فى أروقة الإدارات المعنية بوزارة الخارجية والبيت الأبيض ووزارة الدفاع، إضافة لعدد من الجامعات الأمريكية المرموقة، ومراكز الأبحاث المهمة. ومحور كل هذه النقاشات ينصب على بحث ما يجب على الولايات المتحدة القيام به فى هذه الفترة الحرجة، وهل يجب أن تتبنى واشنطن سياسة واحدة تتبعها مع كل الأنظمة، أم أنها يجب أن تتبع سياسة خاصة مع كل دولة بصورة منفصلة. ارتباك بين صراع المصالح والمبادئ تتهم الشعوب العربية واشنطن بالازدواجية وتناقض المواقف، فمن ناحية كانت واشنطن تدعى دعمها للحريات والديمقراطية إلا أنها فى الواقع كانت تدعم حكومات تسلطية ديكتاتورية كما هى الحال بالنسبة لمصر وتونس وغيرهما من الدول العربية. وقد حاولت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الضغط على بعض الأنظمة العربية من أجل إحداث إصلاح ديمقراطى بعد أن أعلنت هذه الإدارة أن غياب الديمقراطية عن الشعوب العربية هو سبب تفريخ الإرهابيين، وأكدت كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية السابقة ومستشارة الأمن القومى، مرارا أن الولايات المتحدة كانت تختار دعم الاستبداد من أجل تحقيق الاستقرار إلا أنها لم تحصل عليه، لذا رأت إدارة بوش أن حصول العرب على الديمقراطية كفيل بحماية أمنها الوطنى، إلا أن فوز قوى إسلامية فى انتخابات فلسطين ومصر ولبنان والعراق أدى لتراجع واشنطن عن المناداة بالديمقراطية العربية. ولم تمثل إدارة أوباما أى استثناء عما سبقها غير أنها تغلف موقفها بمزيد من الدبلوماسية العامة، فمن ناحية، تعلن أنها تؤيد مطالب الثوار فى الديمقراطية لكنها من ناحية ثانية لم تخاطر بعلاقاتها القوية مع نظم الحكم الاستبدادية فى الدول العربية، ولقد اتبع أوباما بوضوح هذا النمط فى حالتى تونس ومصر، فرغم مطالب الكثيرين من أوباما بأن يتخلى عن تحالفه مع النظام المصرى من أجل تحالف جديد مع الشعب المصرى، إلا أن إدارته انتظرت حتى تيقنت من رحيل مبارك، قبل أن تعلن وقوفها مع مطالب الشعب المصرى، والحال نفسه تكرر قبلا مع نظام بن على. غير أن اتساع نطاق الثورات العربية وامتدادها لليمن والبحرين وسوريا وليبيا، أجبر واشنطن على ضرورة إعادة النظر فى موقفها، خاصة بعدما امتدت هذه الثورات والاحتجاجات إلى دول حليفة ومهمة مثل البحرين التى تحتضن الأسطول الخامس الأمريكى، واليمن باعتبار نظام على عبدالله صالح حليفا لها فى محاربة الإرهاب. على هذه الخلفية، يمكن تصنيف الإستراتيجية الأمريكية من الثورات العربية إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى: موجهة أساسا إلى مصر وتونس، حيث نجحت الثورتان هناك بطرق سلمية، رغم وقوع بعض الضحايا، وتم القضاء على النظم الحاكمة، والبدء فى اتخاذ خطوات تجاه بناء دولة ومجتمع ومؤسسات ديمقراطية، ففى هذه الحالة تحاول الولايات المتحدة من جهة دعم بناء الديمقراطية الناشئة فيهما، ومن جهة المحافظة على نفوذها التقليدى هناك، إلا أن أهم ما يميز أهداف واشنطن هو احتواء هذه النظم الديمقراطية الوليدة، وعدم السماح بتغيير كبير فى السياسات، والاكتفاء بتغيير بعض رموز نظم الحكم. الفئة الثانية: موجهة لليبيا واليمن، إذ أقرت واشنطن فيهما بضرورة تغيير النظام بعدما بدا لها أن حاكمى الدولتين معمر القذافى وعلى عبدالله صالح قاما بعمليات عنف منظم وغير مبرر ضد شعبيهما، وأن بقاءهما أصبح جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل؛ فتدخلت واشنطن عسكريا ضد القذافى وتضغط حاليا بشدة من أجل تنحى عبدالله صالح. الفئة الثالثة: دول لا تزال واشنطن تأمل فى الإبقاء على نظم الحكم فيها مع إدخال بعض الإصلاحات الضرورية، ومن هذه الدول: البحرين والمغرب والأردن، وركزت واشنطن فى حديثها مع هذه الدول على أهمية التعامل بجدية مع الإصلاحات، وتجنب نشوب صراعات ونزاعات داخلية حادة. تبقى سوريا غير الحليفة للولايات المتحدة، فتعتمد واشنطن فى التعامل مع الاحتجاجات الشعبية هناك على عدم المطالبة برحيل نظام بشار الأسد فى المرحلة الأولى والاكتفاء فقط بإدانة استخدام العنف، والتأكيد على حق السوريين فى التظاهر السلمى، مع انتظار تبدل موازين القوى بين السلطة والمحتجين.

مشاركة مميزة