الأربعاء، 18 يناير 2012

مشكلة "النسبية" في اتفاق الفصائل الفلسطينية



kolonagaza7

الغد

د.أحمد جميل عزم

يُعتبر اجتماع لجنة المجلس الوطني الفلسطيني في عمّان يوم أول من أمس، تاريخيا بكل المقاييس، ويذكّر باجتماع المجلس في عمّان بعد خروج المقاومة من لبنان والانشقاق واحتدام الخلاف مع سورية، العام 1984. هناك ثلاثة مظاهر تاريخية لاجتماع اللجنة؛ أولها أنّه يضم ممثلين عن "الجهاد الإسلامي" و"حماس" وفصائل مثل "الصاعقة" (السورية). ويمثل هذا تحوّلاً في أنماط الاستضافة الأردنية للعمل الفلسطيني، وربما مقدمة لتغير العلاقة مع فصائل رئيسة. والمظهر التاريخي الثاني، أنّ الاجتماع يجري في المدينة ذاتها التي عُقد فيها لقاء فلسطيني–إسرائيلي، وبعد يوم واحد فقط منه. وهو ما يتضمن دلالات أهمها سقوط فكرة عدم التوازي بين مسيرة المصالحة ومتطلبات الدبلوماسية الدولية، وسقوط مقولة أنّ المصالحة تتوقف إذا عُقدت لقاءات مع الإسرائيليين. ويُحسب مثل هذا التزامن للدبلوماسية الأردنية، حيث يضع الاجتماع إسرائيل والأطراف الدولية أمام الأمر الواقع، ويقطع الطريق على الاعتراض على دور "حماس" و"الجهاد" ودمجهما في الحياة السياسية الفلسطينية، ويوضّح أنّ المفاوضات ليست الخيار الوحيد. ويُحسب كذلك لحركتي "حماس" والجهاد" هذه البراغماتية في عقد الاجتماع رغم اللقاء الفلسطيني-الإسرائيلي، لا تسليما أو قبولا به، وإنّما لدفع عجلة إعادة بناء مؤسسات العمل الفلسطيني، وربما هو قبول تكتيكي سليم حتى لا تتعرقل عملية إعادة إنتاج التمثيل الفلسطيني، وإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية، التي تعتقد "حماس" -ولها حق المحاولة- أنّها تريد أن تتولاها أو تتقاسمها. ويتعلق المظهر التاريخي الثالث بالأفكار التي تم الاتفاق عليها لإعادة البناء، وهي أفكار غير سليمة بالضرورة، وقد يكون لها تبعات طويلة المدى. ومضمون هذه الأفكار أنّه عدا تحديد عدد مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني، وربما توزيعها الجغرافي، فإنّ القائمة النسبية هي أساس الانتخاب. وهنا اتُفق على الفصل بين المجلسين الوطني الخاص بالمنظمة، والتشريعي الخاص بالسلطة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، بمعنى إنهاء الترتيب الذي يجعل من أعضاء المجلس التشريعي أعضاءً في المجلس الوطني. الانتخابات وفق القائمة النسبية، ولكل مقاعد المجلس الوطني، تعني أن تُجرى الانتخابات على أساس قوائم؛ أي أن المرشحين سيكونون ممثلين لفصائل وقوائم انتخابية. وإذا لم تكن هناك تفاصيل غير معلنة أو غير واضحة، فهذا يعني أنّه لا يوجد ترشيح للأفراد. وفي هذا مشكلات؛ أهمها تجاهل هذا الأسلوب لعدم انتماء قطاعات شعبية واسعة لأي فصيل، وبالتالي سيصعب دخول كفاءات سياسية، وناشطين، وتكنوقراط مستقلين إلى المجلس. أضف إلى ذلك أنّه حتى وإن كانت المحاصصة بين الفصائل هي التي تحكم تشكيل المجلس الوطني في الماضي، فمن الناحية النظرية كانت النسبة الأكبر تُعطى للمستقلين والاتحادات المهنية، فما هي الآلية التي ستضمن عدم تحييد المستقلين والكفاءات؟ ربما تجدر مراجعة هذه الفكرة، ومن الضروري أن يكون كل بلد (دول الشتات) ساحة انتخابية واحدة على الأقل، لئلا يواجه الشعب الفلسطيني في بعض البلدان بقوائم لا يوجد فيها من يمثله. أمّا فصل المجلسين (التشريعي عن الوطني) فربما يقلل من التأكيد على أنّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد، وأنّها مرجعية السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي. وهذا يمكن تداركه من خلال نص واضح في ميثاق المنظمة يؤكده، مع الأخذ بالاعتبار أنّه سيكون من الأفضل تقليل الدور السياسي للسلطة الفلسطينية، وتحويلها إلى جهة إدارية وبلدية تدير الحياة اليومية، وليس السياسية، من دون أن تتمتع بالصفة التمثيلية الدولية، وذلك تأكيدا لتجسيد المنظمة للشعب ووحدته بعد تجديدها. "فتح" و"حماس" هما القوتان المنظمتان الأكبر فلسطينيا، أما إن كانتا تمثلان غالبية الشعب الفلسطيني، وكم تمثل كل منهما فهذا أمر آخر. والذهاب للانتخابات المباشرة قدر الإمكان، هو تقليل للفصائلية ولفكرة المحاصصة والتقاسم، وتحجيم لفكرة تمثيل فصائل ورقية لا وجود لها شعبيا، ومدخل لقوى موجودة وغير ممثلة، وطريقة لحسم نسبة تمثيل كل فصيل، ولكن القائمة النسبية قد تجعل المحاصصة تخرج من الباب وتدخل من النافذة.ربما يكون الحديث في هذه التفاصيل ضرباً من التفاؤل وكأن الإصلاح تحقق والانتخابات ستجرى، ولكن الواقع أنّه ما دامت الأفكار قد طرحت فلا بد من مناقشتها.
ahmad.azem@alghad.jo

مشاركة مميزة