الجمعة، 4 ديسمبر 2009

"النظام العالمي" يحاول ترويض إسرائيل

kolonagaza7
جهاد الزين
الجمعة 04 كانون الأول 2009 -
مجرد ان تبادر السويد من موقع رئاستها الدورية للاتحاد الاوروبي الى اقتراح وثيقة اعتراف اوروبية بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، هو تطور نوعي جدا في مسار الصراع العربي – الاسرائيلي وتحديدا في مسار الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.فهذا الاقتراح – وطبعا الذي لن يكون اقراره سهلا في إطار الاتحاد الاوروبي – اهميته انه يأتي في لحظة لا مثيل لها من درجة الضعف التي بلغتها الحركة الوطنية الفلسطينية. ضعف انقسامي بين التيارين الرئيسيين قسم الجيوبوليتيك الفلسطيني الى منطقتين كاملتي الانفصال الجغرافي. وهو ضعف يتعلق بترهل المدرسة التقليدية للحركة الوطنية الفلسطينية التي امسكت القيادة الفلسطينية بعد العام 1967، اي "فتح" والفصائل المولودة معها بعد هزيمة حزيران قبل اكثر من اربعة عقود. انها لحظة ضعف بنيوية لا يجب الخلط فيها بين قوة "حماس" في قيادة منطقة ممانعة وبين عدم قدرة "حماس" والسلطة الوطنية – "فتح" معا على حد ادنى من التوازن الصراعي لفرض حل سياسي ما او وضع سياسي ما كما كان الأمر في عهد الرئيس ياسر عرفات.لهذا، يأتي الاقتراح الاوروبي الرفيع المستوى، في زمن انعدام تأثير الحركة الوطنية الفلسطينية الميداني على مجرى الحل السياسي.صحيح ان تاريخ خطوات التسوية الفلسطينية كان دائما وليد تطور ديناميكية دولية، انما هي المرة الاولى التي تأتي فيها محاولة دولية بدون رديف فلسطيني قادر ميدانيا على تمثيل قوة دفع موازية او متلازمة مع الدفع الدولي... مثلما كان الامر على مراحل مختلفة منذ السعبينات مرورا بالثمانينات حتى "اتفاق اوسلو" الذي ولد من عوامل عديدة بقيادة دولية انما على قاعدة اندفاعة الانتفاضة الاولى الشهيرة اواخر الثمانينات التي جعلت الصراع على الارض ذا برنامج سياسي تفاوضي. كان للحجر الفلسطيني يومها مشروع تفاوضي.هذه المرة القوة الميدانية شبه معدومة في الضفة الغربية. وعناصر قوتها في غزة لاسباب عديدة لا تتصل بالتسوية السياسية.في ظرف كهذا يبدو الاقتراح الرئاسي الاوروبي من الموقع السويدي وكأنه اشارة نوعية جديدة من النظام العالمي تحاول ترويض الاندفاع الاسرائيلي لخلق وقائع على الارض تجعل "حل الدولتين" مستحيلا، وتحديدا عبر الاستيطان. بهذا المعنى، فان الاقتراح الرئاسي السويدي يأتي كحلقة نوعية بعد ظهور موقف الرئيس الاميركي باراك اوباما ضد الاستيطان الاسرائيلي – والذي فرض نفسه ولو نسبيا – وفي زمن صدور "تقرير غولدستون "الذي ادان بشكل لا سابق له الممارسات العسكرية الاسرائيلية في حرب غزة عبر واحدة من اعلى المؤسسات الدولية تأثيرا اخلاقيا... وفي زمن تتحرك فيه دولة اطلسية مثل تركيا بقيادة رجب طيب اردوغان نحو مواقف ضغط بل احيانا تصادم سياسي لا سابق له مع اسرائيل. وهو جو دولي – على اي حال – يقلل اهمية التحليلات التي تربط كل اندفاع اردوغان بخلفيته الاسلامية، ويرفع من قيمة التقديرات التي تجعل حركته متصلة اساسا بتناسق ما مع هذا الجو الدولي الذي افتتحه على مستوى الذروة الرئيس باراك اوباما. وفي زمن تشير فيه كل التقارير الاميركية والاسرائيلية إلى ان اللوبي الاسرائيلي الجديد المؤيد لسياسة اوباما والمعارض للوبي الاسرائيلي التقليدي – من موقع تأييد اسرائيل طبعا – اي "جاي ستريت" هو قوة بدأ يحسب حسابها الجدي داخل الجماعات اليهودية الاميركية حتى لو انها ليست الاكثرية.نص الاقتراح الرئاسي الاوروبي كما يبدو من الصيغة الحرفية التي نقلتها "هآرتس" أمس الاول شديد الوضوح في اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المقترحة. واذا كان هذا النص يفتح فقط امكان تعديل ما في حدود العام 1967 باتفاق الطرفين، فهو يعلن بلا مواربة ان الاتحاد الاوروبي لم ولن يقبل يوما بالاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية ومن ضمنها القدس الشرقية، كما انه يدعو الى تفكيك كل المراكز الاسرائيلية المقامة بحجة "النمو الطبيعي" للمستوطنات منذ العام 2001، حتى ان النص في تشديده على ان الاستيطان برمته مخالف للقانون الدولي يؤكد ان استمراره "يجعل حل الدولتين مستحيلاً" وهذا جوهر الخطة الاسرائيلية.للتذكير الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تحدث داخل الكنيست الاسرائيلي عن "القدس عاصمة للدولتين".هل سيتمكن النظام العالمي "في محاولته الاوروبية الجديدة – واوروبا هي الجناح الرئيسي الآخر للنظام العالمي بعد الولايات المتحدة - من ترويض اسرائيل الابنة المدللة اصلا لهذا النظام... بما يعيد احياء "المشروع الوطني الفلسطيني" الذي يحتضر او هو مات عياديا في السنوات الاخيرة... فيتبين ان "الدولة الفلسطينية" هي اولا واخيرا مشروع دولي؟سنرى... هذا الاختبار "الحاف" البادئ بين النظام العالمي واسرائيل؟...ايا تكن نتائجه... لا شك في ان هناك شيئا جديدا في كواليس الدول الكبرى غير مرتاح لمستوى تطور الاعتراض الاسرائيلي الفعلي على الحد الادنى "لحل الدولتين"... وهو اعتراض بنيوي مع الاستيطان، حتى في ظل قبول بنيامين نتنياهو بالتجميد الموقت في الضفة ... ولكن ليس في القدس الشرقية التي لا يترك نص المشروع الرئاسي الاوروبي اي التباس حول رفضه للاستيطان فيها؟صحيح ان الموقف الاوروبي كان دائما مختلفا عن الموقف الاميركي، ولكن انتقال الاتحاد الاوروبي الى موقع الضغط النوعي على اسرائيل الآن، هو ذو دلالة نوعية بعد سنوات نجاح ادارة جورج بوش السابقة، ليس في شل التميز الاوروبي فحسب، بل أيضاً في ضمه الى اطار تعطيل كل حل جدى للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.

مشاركة مميزة