الجمعة، 6 أغسطس 2010

حقائق وأنصاف مواقف

kolonagaza7
بقلم :- راسم عبيدات
......وأخيراً نطق بالحقيقة واحد كما يقول المثل الشعبي"من مسامير الصحن أو عظام الرقبة" أنه مهندس اتفاق أوسلو أبو العلاء قريع،حيث خلص هذا الرجل بعد تسعة عشر عاماً من المفاوضات المارثونية والعبثية والتي فاوض فيها العديد من الحكومات الإسرائيلية ومن مختلف ألوان الطيف السياسي يسارا ويميناً إلى القول انه يستحيل الاتفاق مع الإسرائيليين،وأنهم خلال كل هذه الأعوام من التفاوض لم يغلقوا ملفاً واحداً،وأكد على هذا الموقف في اجتماع اللجنة التنفيذية الأخير بالقول أنه لا جدوى من الذهاب للمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بدون تحديد مرجعيتها ووقف الاستيطان،كما أن الرجل يؤكد على أن إسرائيل غير راغبة في الحل،بل تعمل على إدارة الأزمة بما يمكنها من الاستفادة من الوقت في استكمال تنفيذ خططها وبرامجها وبالذات في مدينة القدس،وهي كما يقول الرجل تريد أيضاً أن تفك بعض قضايا العزلة التي تعاني منها،ويضيف بان موقف الحكومة الإسرائيلية من المفاوضات والتسوية في غاية الوضوح وأخرها ما عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي "أيهود براك" وهو عضو مهم في الحكومة الإسرائيلية،والذي يرى الحل في ضم الكتل الاستيطانية وسيطرة أمنية إسرائيلية على حدود الأردن،ولا لعودة اللاجئين،والقدس،وإذا كان هذا موقف المعتبر من الحمائم في الحكومة الإسرائيلية،فكيف بالصقور من أمثال نتنياهو وليبرمان؟،فهم سيزيدون على هذه الشروط شروطاً وقيوداً مضاعفة،تمنع خلق أي تواصل بين كنتونات ما يسمى بالدولة الفلسطينية القابلة للحياة.
ويضيف أبو العلاء قريع أن دعوة الأمريكان للسلطة الفلسطينية للانتقال إلى المفاوضات المباشرة لا تتضمن تحديداً للمرجعية أو وقفاً للاستيطان وبالذات في مدينة القدس،بل الإنذار والتهديد الأمريكي واضح الذهاب للمفاوضات المباشرة على أساس الرسالة التي نقلها السفير الأمريكي إلى الرئيس أبو مازن في عمان في 27/7/2010 من الرئيس الأمريكي أوباما والتي يعتبر فيها الرسائل الثلاث التي وجها للرئيس أبو مازن في 18/2 + 21/4 + 16/7/2010 هي الأساس للمحادثات المباشرة،أي الذهاب للمحادثات المباشرة بدون تحديد للمرجعية أو وقف للاستيطان،ومطلوب من الفلسطينيين أن يعتمدوا على الرئيس الأمريكي وعلى التزامه بإقامة الدولة الفلسطينية وان يجلسوا على طاولة المفاوضات وان يبدأو ويروا ما يحصل معهم في سير المفاوضات.
أي عودة إلى سياسة تجريب المجرب،فالرئيس أبو مازن نفسه يقول عن المفاوضات غير المباشرة بأن الأمريكان هم صعدوا بنا إلى قمة الشجرة ومن بعد ذلك تخلوا عنا وطلبوا منا النزول عنها دون تحقيق أي تقدم في المفاوضات غير المباشرة،والشروع في المفاوضات المباشرة،وهناك في اللجنة التنفيذية من يريد أن يبعنا أوهام بالقول أنه لدينا ربع ضمانات دولية في المفاوضات يمكن لنا تطويرها والبناء عليها،فهذا المنطق التجريبي والعبثي الذي قاد ما قاد الساحة الفلسطينية إلى ما هي عليه من تفكك وانهيار وانقسام،فهو يدرك تماماً أن حكومة نتنياهو ترفض حتى استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها مع الحكومة الإسرائيلية السابقة بقيادة أولمرت،وهو شخصياً من رفض تنفيذ اتفاق الخليل،وأيضاً ما عرض على الفلسطينيين في "كامب ديفيد 2 " غير معروض عليهم الآن،فالفذلكة والتذاكي لن تفيد هنا .
وحول هذه القضية المفصلية والخطيرة،قضية الذهاب للمفاوضات المباشرة والتي عقدت بشأنها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اجتماعاً في 2/8/2010 ،أوضح عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في برنامج رأي عام الذي ينتجه ويبثه تلفزيون وطن حول قرار اللجنة التنفيذية بالذهاب للمفاوضات المباشرة قضية على درجة عالية من الأهمية أن بعض القوى تتخذ أنصاف مواقف أو بالأحرى تطرح شيء وتصوت على شيء آخر أو ضد ما ناقشت وطرحت،فهناك من ناقش وحاجج ضد الذهاب للمفاوضات المباشرة،ولكن عند التصويت تبخر صوته او التزم الصمت،ومثل هذه المواقف لا تقل خطورة عن موقف الداعين للذهاب للمفاوضات المباشرة بربع ضمانات دولية،والغريب أن يرفض هؤلاء الدعوة التي وجها أمين عام حزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية عبد الرحيم ملوح لعقد لقاء وطني شامل،بمشاركة كافة الفصائل والأحزاب الفلسطينية لمراجعة الإستراتيجية السياسية الفلسطينية،من أجل مواجهة التحدي الذي يقف أمام القضية الوطنية مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني ،وانجاز الوحدة الوطنية .
وقد برر البعض رفضه لذلك برفض حماس لمثل هذه الدعوة،وطالب بعقد لقاء واجتماعات للمؤسسات الفلسطينية كبديل عن ذلك.
والشيء اللافت والمهم هنا الذي كشف عنه عبد الرحيم ملوح، وهو العقلية القيادية الفلسطينية التي لا تمتلك لا رؤيا ولا إستراتيجية ولا قرار ولا ثبات على أو تمسك بالموقف والشروط ولا البديل.
وهو يقول عن الأجواء التي سادت اجتماع اللجنة التنفيذية الأخيرة،بان الإشارات الأولية للنقاشات الدائرة بين أعضاء اللجنة التنفيذية أشارت إلى رفض الأغلبية الساحقة التوجه إلى المفاوضات المباشرة،في ظل المعطيات المطروحة والتصورات التي ستسير وفقها المفاوضات،وأضاف ملوح أن موقفين مختلفين برزا خلال النقاش بين أعضاء اللجنة التنفيذية الأول دعا إلى عدم التوجه للمفاوضات المباشرة لأنها قائمة على شروط نتنياهو،والثاني دعا إلى وضع متطلبات وأسس يتم تقديمها للمجتمع الدولي من أجل الدخول في المفاوضات المباشرة.
ولكن عند التصويت أكد ملوح بأن الأغلبية في اللجنة التنفيذية صوتت مع قرار الذهاب الى المفاوضات المباشرة باشتراطات،رغم أن حديثهم كان يشير إلى رفض هذا التوجه،موضحاً ذلك اللبس بالقول"الأغلبية في اللجنة التنفيذية رفضت التوجه للمفاوضات أثناء النقاش،وحين طرح الرئيس التصويت،الجبهة الشعبية وحزب الشعب وآخرين رفضوا ذلك،والأغلبية التزمت الصمت،وبعد انتهاء التصويت والى اليوم ما زال الأعضاء الذين وافقوا يقولون أن موضوع التصويت صار فيه لبس وإرباك".
والصحيح أن المسألة واضحة وضوح الشمس،ولكن القضية تكمن في أن البعض في الساحة الفلسطينية لا أدري أهو على رأي الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب يستمريء سياسة نصف اللواط أو سياسة اللعم التي كان مهندسها الرئيس الراحل أبو عمار،أم أن مصالحه وعلاقاته بمؤسسة الرئاسة تدفعه لاتخاذ مثل هذه المواقف التي قد يضطر لدفع ثمنها معاقبة ومحاسبة له من الرئيس إذا ما اتخذ مواقف مغايرة لذلك.
ومن هنا علينا القول بأن عدم الذهاب للمفاوضات المباشرة له استحقاقات،ونحن نتفهم أن هناك حجم هائل من الضغوط الدولية والعربية تمارس على السلطة بخصوصها،والمسألة على درجة عالية من الخطورة وتستدعي مسؤولية وطنية عليا من الجميع،ونحن نرى أن المسؤولية الوطنية تتطلب وتقضي من الجميع الثبات على الموقف والشروط بعدم الذهاب للمفاوضات المباشرة إلا بمرجعية واضحة ومحددة ووقف للاستيطان في الضفة والقدس،وهذه المفاوضات يجمع الجميع بما فيهم الرئيس نفسه وكل أركان الطاقم المفاوض بأنه لا بارقة أمل فيها ولا مجال للاتفاق مع الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وعليه فإن أي حجج أو ذرائع ومن أي كان للالتفاف على هذه الشروط والمطالب،كما حصل في قضية المفاوضات غير المباشرة من شأن ذلك أن يوجه طعنة غادرة للنضال الوطني الفلسطيني،وسيكون بمثابة انتحار سياسي للسلطة الفلسطينية،فلا عودة لسياسة تجريب المجرب أو حلب الثور،فالدخول في المفاوضات المباشرة معناه التسليم الكامل بالشروط والامتلاءات الإسرائيلية،والتي ستستغل هذه المفاوضات من أجل زيادة تغولها في موضوعة القدس والإجهاز عليها،ورسم حدودها في الضفة الغربية وبما يقضم ما لا يقل عن 46% من أراضي الضفة الغربية في إطار حل نهائي سيجبر الفلسطينيين على قبوله.
ونحن نرى أن مواجهة الضغوط الخارجية تتطلب استنفار طاقات وجهود وكفاءات الشعب الفلسطيني من أجل الالتفاف حول البرنامج الوطني وإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية،لأنها شرط ضروري لا غنى عنه للتصدي للضغوطات الخارجية،وجميع التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية.

مشاركة مميزة