الخميس، 19 أغسطس 2010

الانقسام ومسار الحريات العامة


kolonagaza7
محسن ابو رمضان
اثر الانقسام السياسي والجغرافي بصورة كبيرة جداً على الحالة الديمقراطية والاجتماعية، كما كان له الأثر السلبي على الحالة السياسية والقانونية والاقتصادية أيضا .فقد أدى الاحتقان والاستقطاب السياسي الذي انتهى بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في منتصف حزيران /2007 وتفرد حركة فتح وحلفائها بالسيطرة على حكومة تسيير الأعمال بالضفة الغربية إلى انعكاسات سلبية على القيم والمفاهيم والحالة الديمقراطية والحقوقية ، فقد برزت وبصورة واضحة ومؤسفة ظاهرة الاعتقالات السياسية ، وتم حظر الصحف التي تعود للطرف الآخر بالمنطقة التي يسيطر عليها الفريق المنافس ، كما برزت قيود شديدة حول الحق بالتجمع السلمي والرأي والتعبير إضافة إلى سلسلة الخطوات والإجراءات التي عملت على تقليص مساحة العمل الأهلي والحد من استقلاليته وحقه في تقديم الخدمات والبرامج والأنشطة لصالح الفقراء والمهمشين فقد تم استهداف المنظمات الأهلية التابعة لحركة حماس في الضفة الغربية والعكس فيما يتعلق بالمنظمات الأهلية والنقابية التابعة لحركة فتح في قطاع غزة ، إلى جانب صعوبة تسجيل اية جمعية جديدة ما لم تتوافق سياسياً مع الحزب السياسي الحاكم بالمنطقة المعنية في مقابل سهولة تسجيل جمعية أهلية جديد منسجمة مع فلسفة ورؤية الحزب الحاكم والحكومة التابع له .لقد كان لنا رؤية في منظمات المجتمع المدني ومنها شبكة المنظمات الأهلية منذ اللحظات الأولى للانقسام حيث أكدنا على ضرورة عدم زج المنظمات الأهلية والأطر الاجتماعية والنقابية في المناكفات السياسية ، ورغم موقفنا الواضح الرامي لرفض استخدام العنف والقوة كوسائل لحسم الخلافات الداخلية التي يجب أن تتم حلها بالطرق الحوارية والديمقراطية، وإقرارنا بمبدأ التداول السلمي للسلطة الذي لم يتحقق رغم نتائج الانتخابات النيابية العامة في يناير / 2006 ، إلا أننا فضلنا عدم الزج بالمجتمع المدني في أتون المناكفات الفئوية والحزبية والسياسية ، على قاعدة الرجوع إلى القانون الفلسطيني وفي المقدمة منه القانون الأساسي وقانون الجمعيات الأهلية رقم 1/2000 .لقد تصاعدت مؤخراً حدة التدخلات في عمل المنظمات الأهلية تحت مبررات " قانونية " تستند للحق بالرقابة ومن الهام الاشارة بوجود هذا الحق للسلطة التنفيذية مجسدة بوزارة الداخلية بالرقابة على عمل المنظمات الأهلية ولكن هناك فرقاً بين الرقابة الموضوعية المهنية ، أو تلك التي تستند إلى ثغرات ربما تكون غير مقصودة وبهدف إغلاق الجمعية أو إعادة صياغتها لتصبح مسيطر عليها من الحزب السياسي الحاكم . صحيح أن المنظمات الأهلية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز أنظمة الشفافية في بنيتها حتى تستطيع ان تعطى نموذجاً بالعمل الديمقراطي المستند لآليات الإدارة الرشيدة ولكن الصحيح كذلك يشير إلى أهمية التمييز بين الرقابة " المهنية " وتلك المسيسة ضمن قرارات مسبقة تستهدف البحث عن ثغرات من اجل السيطرة على الجمعية المعنية او إغلاقها .كما من الهام التركيز على المرجعية القانونية للعمل الاهلي والمجسدة بوزارة الداخلية وذلك في اطار التنسيق والتعاون مع الوزارة المختصة ، وبالتالي فهل يوجد مبرر وفق معطيات القانون تدخل إحدى الأجهزة الأمنية في عمل تلك الجمعيات ، حيث لوحظ مؤخراً تلك الظاهرة والتي أدت إلى خلق أجواء من الاضطراب في حالة المنظمات الأهلية وإعادة إلى الذاكرة حالة التدخل التي كانت تقدم عليها حكومات السلطة في غزة في نهاية التسعينات من القرن الماضي والتي خلقت أجواء من البلبلة وعدم الاستقرار حسمت عبر اعتماد قانون الجمعيات رقم 1/2000.لقد صدر مؤخراً عن السيد / وزير الداخلية في حكومة غزة سلسلة من القرارات كان آخرها منع الموظفين " المستنكفين " من العمل في إطار الهيئات العامة ومجالس إدارة الجمعيات الأهلية ، وقد نظرت بخطورة العديد من منظمات حقوق الإنسان وكذلك شبكة المنظمات الأهلية لهذا القرار والذي لا يستند إلى المرجعيات القانونية ، فهذا القرار يستهدف شريحة واسعة من الموظفين ويحرمها من حقها بالعمل الطوعي غير المدفوع الأجر ، كما ينطوى على تمييز حيث ان القرار يفرق ما بين الموظفين بناءً على الانتماء الحكومي او الإداري ولا يشمل كافة موظفي القطاع العام بلا استثناء ، حيث ان القانون الأساسي يضمن الحق بالمشاركة السياسية والتجمع السلمي وتشكيل الأحزاب والنقابات والأطر الاجتماعية ، كما يعمل قانون الجمعيات على تشجيع ظاهرة العمل الطوعي ويدفع باتجاه تعزيز ثقافة المشاركة وتشكيل جمعيات خدمة للنفع العام .كما ان القرار يخلط بين تخصصات الوزارات فمراقبة عمل موظف الوظيفة العمومية يعتبر من صلاحيات وزارة العمل وليس بغيره من الوزارات الأخرى .إن حالة القيود المفروضة على المنظمات الأهلية في كل من القطاع والضفة تأتي في سياق منهجية مفادها بسط سيطرة الحزب الحاكم بالمنطقتين وذلك على حساب قيم التعددية والشراكة واحترام حرية الرأي والتعبير ، أي على حساب مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ،رغم انه من المعروف ان شعبنا استطاع ان يدمج بين النضال الوطني وعمقه الديمقراطي ، كما ان التحرر الوطني مرتبط بصورة جدلية بحرية المواطن في سياق ضمان الحريات العامة التي تستند إلى فلسفة المواطنة المتساوية والمتكافئة وعلى قاعدة المساواة وعدم التمييز وهذا ما هو مرسخ في إطار القانون الأساسي الذي يشكل المرجعية لحل أية الخلافات في بنية النظام السياسي الفلسطيني لان بديل الاحتكام لمبدأ سيادة القانون هو كارثي بامتياز ولن يستفيد منه احد بما في ذلك السلطات القائمة .حيث ان القيود المفروضة على الجمعيات الأهلية قد سحبت نفسها على الحق بالتجمع السلمي والنشر والتعبير ، وكأننا لسنا بحاجة إلى تضافر كافة الجهود والطاقات بما يضمن الكفاح ضد الاحتلال والحصار والجدار وإجراءات التطهير العرقي ، حيث من الهام الربط بين الديمقراطية والحرية من جهة وبين القدرة على الصمود في مواجهة تحديات الاحتلال الذي ما زال جاثماً على الأرض الفلسطينية ويمارس إجراءات للإجهاز على شعبنا وهويته الوطنية وحقه بالحرية والاستقلال .فالمواطن الحر وفق أسس سيادة القانون تترسخ لديه مفاهيم الانتماء الوطني والاستعداد للتضحية ، أما الذي تسلب حريته منه فهو لا يستطيع أن يملك تلك المفاهيم ، علماً بأننا ما زلنا بحاجة إلى تلك المفاهيم والمبادئ في معركة ومرحلة ما زالت طويلة في مواجهة الاحتلال .إن اتخاذ إجراءات قمعية بحق اعتصامات ومسيرات سلمية منظمة بحق الآخر المختلف سواءً كان ذلك حزب التحرير الذي نظم فاعلية مؤخراً في غزة بمناسبة تأسيسه أو الجبهة الشعبية التي قامت مؤخراً بتنظيم اعتصام أمام الجندي المجهول احتجاجاً على استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي ، أي بغض النظر عن هوية الحزب السياسي الآخر أو الاجتماعي او النقابي، فإن ذلك سيساهم في تعميق الاحتقان ويزيد من حدة التوتر ويضعف من منعة ووحدة نسيج المجتمع الداخلي ، وعلى العكس من ذلك فإن السماح لتلك الفاعليات على قاعدة قانونية وسلمية وديمقراطية يعزز من التماسك والتلاحم الداخلي ويعطي نموذجاً بإدارة الحكم بصورة رشيدة وديمقراطية الأمر الذي سيسجل إذا ما طبق لصالح الحزب السياسي الحاكم .كما ان إغلاق الجمعيات الأهلية التابعة لحماس، واتخاذ سياسة الإقصاء الوظيفي والاعتقال السياسي بحقهم بالضفة الغربية وحذر الحق في التجمع السلمي والاعتصام كذلك يساهم في تعميق الاحتقان ويخلق حالة من الانفصام بين المواطن والوطن ويكرس حالة الاحتقان كما يعمل على تعميق الانقسام .لقد علمت تجارب التاريخ ان سلطة قوية بحاجة إلى مجتمع مدني قوي ، حيث تصويب المسار بصورة سلمية وديمقراطية وقانونية سيعمق من درجة التفاهم الداخلي وسيشكل هذا التفاهم السياج الحامي لأية مخاطر وتعديات خارجية من القوى الاستعمارية وغيرها .اعتقد اننا بحاجة أما م مشهد تراجع الحريات العامة الناتج عن حالة الاستقطاب والانقسام إلى تفعيل حركة المجتمع المدني على مساحة الوطن في غزة والضفة عبر تحالف القوى السياسية والاجتماعية على ان تضم أعضاء من المجلس التشريعي ومثقفين ورجال أعمال وإعلاميين وكافة القطاعات المعنية بالحفاظ على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ، حيث ان صيانة تلك المبادئ سيساهم في ترسيخ ثقة المواطن بمستقبله وسيعمل على إعادة بناء وحدة النسيج الاجتماعي على قاعدة من التماسك والصمود في مواجهة الاحتلال والتحديات المصيرية . من الواضح ان تصويب مسار الحريات العامة باتجاه صونه وحمايته بحاجة إلى الكفاح الجاد من اجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وخاصة إذا أدركنا ان جانب كبير من أسباب تقويض الحريات العامة يعود إلى حال المناكفات السياسية وليس بالضرورة إلى تجاوز أسس سيادة القانون فقط ، حيث وصلت المناكفات لكافة مناحي الحياة التي أصبحت تتأثر بصورة كبيرة به من التعليم والصحة والكهرباء وجوازات السفر والحجاج....إلخ ، الأمر الذي يفترض صياغة مسار كفاحي اجتماعي يعمل على الربط بين صيانة الحريات العامة وفق أسس سيادة القانون وبين إنهاء للانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية .

مشاركة مميزة