الاثنين، 30 أغسطس 2010

المفاوضات أرباح بلا خسائر!


kolonagaza7
د. فايز أبو شمالة
لم يكذب السيد محمود عباس حين قال: إننا لن نخسر شيئاً من استئناف المفاوضات. لقد صدق الرجل، فطالما لا يوجد بدائل للمفاوضات، فإن المشاركة فيها بشكل مباشر أو التمنع عن المشاركة فيها سيّان، فالخيار الوحيد هو التفاوض حتى ولو كانت نسبه النجاح واحد في المائة كما قال، ولنفترض ضياع هذه النسبة، فلن نخسر شيئاً، لأننا قد خسرنا بالتفاوض على مدار ثمانية عشر عاماً كل شيء، ولم يبق لدى الفلسطينيين ما يخسرونه.
رغم حديث السيد عباس الصريح عن النتائج المتوقعة للمفاوضات، سأفترض أن الرجل قد تاه، فهو بشرٌ، وقد يخطئ، وسأفترض حقاً أنه لا يعرف خطورة استئناف المفاوضات بلا أمل، وبلا نتائج مضمونة، وبلا مرجعيات بيّنة، لذا سأقدم له النصيحة:
أولاً: منذ بدأت مشروع المفاوضات السرية، والتوقيع على اتفاقية أوسلو، زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية ثلاثة أضعاف. وزاد عدد المستوطنات عدة مرات.
ثانياً: رغم قرار التجميد الوهمي للتوسع الاستيطاني، ففي كل صباح يبني اليهودي بيتاً في الضفة الغربية ضمن النمو الطبيعي للمستوطنات، ويَهدم بيتاً فلسطينياً، وفي كل صباح يستولى المستوطن على قطعه أرض فلسطينية، ويخسر الفلسطيني قطعه أرض عربية.
ثالثاً: مع كل مساء تفاوضي يزداد اليهودي ثقة أن هذه الأرض ملكاً خالصاً لأجداده، وتعود إليه، ومع كل مساء تفاوضي، يزداد الفلسطيني شكاً بقدراته على تحرير أرضه.
رابعاً: استئناف المفاوضات بلا ضمانات أسهم في عزل القدس عن محيطها العربي، وعزلها عن مدن وقرى الضفة الغربية، وشجع المتطرفين اليهود على الإسراع في تهوديها.
خامساً: استئناف المفاوضات بلا ضمانات وسعت هوّة الانقسام الفلسطيني، ومزقت النسيج الوطني الفلسطيني الذي ظل متحالفاً مع السلطة حتى الأمس القريب.
سادساً: المفاوضات قضت على ما عداها من خيارات أخرى لمقاومة الغاصبين، وأهمها المقاومة المسلحة التي يتم مطاردتها في الضفة الغربية.
بعد كل هذه الحقائق، سيخرج علينا من يخادع الناس، ويقول: هاتوا دليلاً واحداً على تنازل السلطة عن الثوابت الوطنية، ويقول: صحيح أن السلطة لم تحقق نصراً، ولم تحرر أرضاً، ولم تقتل إسرائيلياً، ولم تزعج مستوطناً، ولكنها لم تفرط بصفحه واحده من كتاب فلسطين، ولم توقع على اتفاقية، ولم تتنازل عن شبرٍ.
لأولئك سأضيف: يكفي المفاوضات عاراً أنها اعترفت بحدود إسرائيل على 78% من فلسطين التاريخية مقابل راتب شهري، وأنها تخلت عن قضية اللاجئين، وعن وحدة مصير الداخل والخارج الفلسطيني، وعن عروبة القدس، واستنسخت إنساناً فلسطينياً جديداً لا يدرك معاني الوطنية، ليصير التفاوض مع المستوطنين على بعض الحكم الذاتي في مدن الضفة الغربية شريطة الاعتراف بيهودية إسرائيل.
قديماً؛ في زمن الثورة الفلسطينية كتب الشاعر محمود درويش: إنني عدت من الموت لأحيى، وأغني، إنني مندوب جرح لا يساوم، علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأمشي ثم أمشي وأقاوم، وأقاوم، وأقاوم.
حديثاً؛ علق أحد الظرفاء على أحد المقالات في المركز الفلسطيني للإعلام يقول: إنني عدت من المنفى لأزحف وأفاوض، إنني مندوب جرح سيقايض، علمتني خزنة الجلاد أن أمشي على جيبي وأمشي ثم أمشي، وأفاوض، وأقايض، وأفاوض.

مشاركة مميزة