الخميس، 5 أغسطس 2010

في لبنان ... جيش عربي وكرامة

kolonagaza7
الكاتب علاء الريماوي
الصورة النمطية للجيوش العربية تتلخص : بالقدرة العالية على تلميع (بصطار ) الخدمة والحرفية العالية في ترتيب الطوابير ، والقدرة المميزة على الطاعة في القمع وتسكين التمرد الداخلي بكل قوة وشراسة .
في سياق الصورة تشهد المحافل الغربية و(إسرائيل) للمؤسسة الأمنية العربية التي منها الجيش حفاظها الكبير على أمن الجوار حتى أن الطير يخشى أن يحاسبه النار إن فكر المرور عبر الحدود الموصدة مع (إسرائيل) .
لذلك كان العدو الصهيوني يحرص دوماً على علاقة إستراتيجية مع دوائر الأمن في الوطن العربي الكبير سواء كان ذلك بالتنسيق المباشر أو غير المباشر بحسب الظروف وحساسية الجغرافيا .
معرفة (إسرائيل) في جيوش الأنظمة العربية قديمة بقدم النكبة العربية في فلسطين ، والتي يمكن تشبيهها بصورة الفقير البائس ، الذي يحسن الفرار حين الجد .
ولكنه يعرف أيضاً أن خامة الجندي العربي إن تحررت من خيانة الأنظمة فلا يستطيع أحد هزيمتها وهذا ما حدث في حرب 73 ، وكذلك الاختبار الجيد في درس الكرامة على الحدود الأردنية .
الصورة هذه المقسومة بين الحالة القائمة المذلة ، وغيب النفوس الحرة وهو الحقيقة ... جعلت إسرائيل تعيش حالة التخبط في معالجة ملف اشتباك الأمس مع الجيش اللبناني الذي أظهر عروبته واستقلاله الذي غاب عن الثقافة الرسمية أكثر من ثلاثين عام .
في المتابعة للأعلام الإسرائيلي شاهدت محاولة لعزل الظاهرة عن سياقها الطبيعي الذي يجب أن يكون في مثل حادثة التعدي على السيادة .
الإعلام وأمن إسرائيل أراد أن يرى الرد من خلال تغلغل أفراد حزب الله في جيش لبنان ، وأراد تصوير الحدث على أنه مبيت مدبر في سياق توقيت مهم تتصاعد فيه الهجمة على حزب الله .
مستندات التحليل معلومات إستخبارية تفيد أن الفيلق التاسع الشيعي هو من أطلق النار ، هذا الفيلق بحسب القناة العاشرة يتجه في بنيته إلى التشدد ، والتطرف ومعادات (إسرائيل) ، كما أن المصطلحات المتداولة بين أفراده بحسب صحيفة يدعوت ... العدو ، الاختراق ، السيادة وغيرها من المفردات المعبرة عن منهجية مختلفة في الجيش اللبناني .
مراسل إذاعة الجيش في الشمال كان يخالف في نقل الصورة التي يريدها الإعلام الصهيوني المصور ، وهو يكشف أن مئات الحوادث المشابهة كانت تحدث بهدوء على حدود لبنان ، وطائرات إسرائيل كانت تمر في أجواء لبنان بمعدل مرة كل ثلاث أيام ولم يكن ذلك يثير النار .
الحديث هذا أكدته المصادر اللبنانية التي قالت " أن حجم التجاوزات والاختراقات للحدود اللبنانية بعد حرب تموز تجاوز 7 آلاف خرق ، وأن شكاوي لبنان لليونفيل بعدد التجاوزات "، وأن ما خفي من ملفات العبث الصهيوني في لبنان يتجاوز ذلك من خلال كم النشاط للموساد الذي تتهاوى شبكاته الكثيرة المتهمة باغتيالات كبيرة في لبنان وعلى رأسها عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الحريري .
حجم الخطر الذي داهم لبنان من إسرائيل لم يكن حاضراً في التحليل الإسرائيلي للحدث ، لذلك ظل الفهم لما حدث مغلوطاً في المؤسسة (الإسرائيلية ).
الحالة الطبيعية التي يجب أن تشاهدها (إسرائيل) على حدود فلسطين التاريخية المحتلة النار ، المقاومة ، الصراع ، أما الاستثناء أن تكون الحدود آمنة ومغلقة ومحكمة الحراسة ، في ظل اختراق وتجسس وقتل للعشرات دون تحريك ساكن .
ما فعله جيش لبنان وإن كان محدوداً لكنه فتح النقاش حول مسائل جوهرية تحتاج النقاش حولها مطولاً ونجملها في التالي .
1. عقيدة الجيش العربي الحديث ، ثقافته ، أولوياته ، وجهة تطوره ، مرجعياته ، وعلاقته الداخلية والخارجية (دوره في الأمة )
2. فلسفة الصراع ، ودور القطر ، مفهوم السيادة ، طبيعة العدو ، صد العدوان .
3. الحلم ، الأمة ، المكانة ، الدور ، الكرامة ، النصرة ، الوجود .
4. الإرادة والاستقلال والقدرة على صناعة الحلم والكرامة المتلازمة مع شجاعة الفعل المدروس والمخطط .
النقاط الأربعة هي مفاهيم مبعثرة غائبة في المواجهة مع (إسرائيل) والغرب ، بل معطلة ومحذور التعاطي معها كأسلحة الدمار الشامل .
لذلك رأينا (إسرائيل) تهرول مسرعة إلى مجلس الأمن تطلب محاسبة لبنان كما فعلت قبل عام مع غزة تطالب رسمياً محاسبة الجرأة في الدفاع عن النفس .
هذه الجرأة التي عبر عنها جيش مستقل وعربي خرق النمطية المقيتة ، وأربك الأوراق حين التحم مع الذات الكريمة للدفاع عن السيادة ، مسجلاً بذلك السبق العربي الرسمي في التحول الصحي الباعث للأمل ، والمحتم على الشتات العربي الانقلاب على عجزه المذل الخانق .

مشاركة مميزة