الأربعاء، 25 أغسطس 2010

تطهير وطني عرقي


kolonagaza7

بقلم/ توفيق أبو شومر
"يجب أن يُخلي العجائزُ مواقعهم للشباب"
قولٌ جميلٌ بريءٌ يستحق الاحترام والتقدير.
"لا بد للأحزاب الفلسطينية أن تجدد شبابها"
مقولة سياسية تستحقُّ المناقشة والدراسة لتحديد مفهوم (شبابية الحركة الحزبية) !
" من الضروري التمرد على احتكار الوظائف والمناصب، وإقصاء كل الذين قرروا أن يموتوا وهم يحتكرون مناصبهم ووظائفهم"
شعارٌ مقبول جدا في الأوساط الشبابية، ويمكن أن يكون هذا الشعار شعارا انتخابيا ناجحا!
" بالشباب تُبنى الأوطان، أما الشيوخ فهم معوقو البناء"
شعارٌ خطيرٌ لئيم، يدخل في دائرة المؤامرة على الوطن !
إن أشد الأخطار التي تتهدد الأمم، وقد تقضي على مستقبلها كله، أن ينقطع الرباط الذي يجمع شمل الأجيال، فتتحول الأجيال إلى شجيرات (غابية) غير متناسقة ، ولا متجانسة لا تثمر أبدا، ولا تصلح إلا وقودا للمصطافين!
هذا ما يحدث في عالم اليوم لكثيرٍ من الأوطان ، وعلى رأسها وطننا فلسطين، فنحن الفلسطينيين أحوج ما نكون إلى هذا التواصل بين الأجيال بحكم طبيعة نضالنا ، وظروفنا القهرية، التي حكمتْ علينا بأن نحيا مشتتين متفرقين، وأن يظل عسلنا بعيد عن خليتنا .
كما أن مسلسل المؤامرات التي تُحاك لنا، قد أقصتْنا عن فضيلة (تواصل الأجيال) وأنبتتْ بيننا فئةً من (الشباب) ترفع شعارا خادعا في شكله الخارجي، خطيرا في مضامينه يقول:
(كفى لجيل مؤسسي الثورة، يجب عليهم إخلاء مواقعهم للشباب) وشرعوا في تنفيذ الشعار بواسطة خططٍ وبرامج تُثير الشبهات، فبدؤوا أولا في التضييق على الحكماء والشيوخ، وإثارة الفتن حولهم، ثم نظموا الخلايا للإطاحة بهم، عبر تهديدهم تارة ، أو إقصائهم باستخدام التآمر بأسلوب ديماغوجي يرفع شعار الديموقراطية.
واستخدموا طرقا أخرى، ليست بالطبع من قبيل النقاش والحوار الديموقراطي، أو النقد الحزبي الوطني، بل قاموا بتلويث سمعة كثيرين من مؤسسي الأحزاب ورواد الثورة الأوائل، واستخدموا لذلك الأساليب الثلاثة الناجعة والفعّالة في المجتمع الفلسطيني، وأساليب التشكيك والتلويث الفعالة جدا هي:
فساد الذمة المالي، والفساد الأخلاقي، واستغلال المنصب لخدمة العائلة والعشيرة!
وقد نجحوا في هذا الأمر نجاحا باهرا، وكان السبب في نجاحهم يعود إلى كثرة من تنطبق عليهم التهم السابقة من الوصوليين وتجار السياسة.
ولعل أسوأ نتائج هذه المؤامرة، كانت إبعاد المخلصين الأوفياء من حكماء الأحزاب لأنهم كانوا ينتمون إلى الحقبة نفسها، وعاشوا المرحلة نفسها أيضا واشتركوا مع المفسدين في مرحلة تاريخية واحدة! ويُضاف إلى أن هؤلاء المخلصين يُحجمون على الانخراط في صراعات تافهة ، ويربأون بأنفسهم عن المشاركة في كيل التهم، والاقتتال والخصام!
ولم تكن المؤامرة تهدف إلى تشويه مفسدي الأحزاب ممن استغلوا المنصب الحزبي والوطني لجني الثروات، بل كانت تهدف إلى إقصاء الشرفاء والمخلصين الحكماء، وهنا تكمن خطورة الشعار الحزبي الذي رفعه الجيلُ الذي يُطلق على نفسه ( جيل الشباب).
فكان تطهير الأحزاب من حكمة شيوخها، ومن إبداعات مفكريها، ومن حنكة مجربيها، ومن كفاءة مؤسسيها، ليس لغرض إعادة صياغة المشروع الوطني ، بل لإقصائهم وإبعادهم عن مصدر القرار، ولتفصيل المشروع الوطني على مقاييس فردية شخصية، بعيدة كل البعد عن الأهداف الوطنية، بل كان هذا التطهير العرقي الحزبي والوطني يرمي إلى تدمير المشروع الوطني برمته !.
إن اللغز المركزي في نهضة الأمم ، وفي تقدمها العلمي يمر عبر [تواصل الأجيال].
إن مصطلح تواصل الأجيال يحمل من المعاني ما يجعلني أعتبره الأساس في بناء الأمم والأوطان.
إن تواصل الأجيال يعني ، أن يقوم جيلُ الرُّواد بوضع أسس البنية التحتية لجيل المستقبل، ويكون وضع الأسس بطرق كثيرة أبرزها؛ تدريب الشباب على المسؤوليات، واكتشاف المواهب الشبابية، ووضع الموهبة المناسبة في مكانها الصحيح، وتعزيزُ الطامحين والنابغين والمتفوقين، في كل المجالات، واعتبار الحزب والحركة الوطنية بمثابة دفيئات لتخريج الرواد والمبدعين.
إن تواصل الأجيال لا يعني أن يقوم جيلُ بإقصاء جيلٍ آخر، بل يعني أن يُرغم الجيلُ الجديد الجيلَ المجرِّب على العطاء ما دام حيا يُرزق، بوسائل كثيرة ، وهي أن يُسلم المحنَّكون الراية للنابغين، وأن يحنو النابغون على الحكماء، ويُجلسوهم على أرائك الحكمة، ويستشيرونهم في كل صغيرة وكبيرة، وأن يقدموا لهم فروض الطاعة والاحترام، لكي يحصلوا هم على الاحترام والتقدير ممن سيخلفونهم من الأجيال الآتية!
إن تواصل الأجيال في الحركات الوطنية والأحزاب يعني أن يقوم الجيل الجديد بصنع خلايا (عسلية) من أفكار المحنكين المجربين، يوزعونها طعاما سائغا لأجيالهم، وأن يستخلصوا من تجارب محنَّكيهم جيناتٍ إبداعيةً قادرة على التصدي لأمراض الوطن ، وقادرة على تمكين الجسم الوطني من التخلص من الأمراض الوطنية والسياسية الخطيرة!
إن تواصل الأجيال في المشروع الوطني هو إكسير البقاء القادر على التصدي للمؤامرات التي تحيط بالوطن من كل جانب، فحجم تجارب الشيوخ والحكماء في الوطن، قادرٌ على وقف زحف المؤامرات، وقادرٌ أيضا على التصدي لها مهما كانت أشكالها وألوانها.
وأرجو أن يفطن كثيرون إلى أن العمرٌ المقدّر بالسنين والأيام، ليس هو عمر (الحكماء) وسن (المجربين) ، فلا اعتبار لسنوات العمر الحسابية إذا تعلق الأمر بالتجارب وحنكتها، ولا علاقة لقوانين التقاعد الوظيفية التي تُميتُ حكماء الأمم في سن الستين ، فقد تبدأ الحكمة من جديد في سن الستين وما بعده، فسنوات عمر الحكماء والمجربين كحجر (الماس) يزيدها الدهر صلابة وصقلا .
ما أكثر نماذج الحكماء الذين ما يزالون يتمتعون بصحة العقل، بغض النظر عن العمر الزمني، فبالأمس القريب فوجئت وأنا أتصفح الأخبار بأن منصب كبير صحفيي البيت الأبيض كان من نصيب الصحفية هيلن توماس التي انتقدت اليهود وخسرت منصبها، وعندما أردتُ أن أبحث عن سيرتها الذاتية، فوجئت بأن عمرها واحدٌ وتسعون عاما!
وما أكثر الشخصيات التي ما تزال تُنتج عسل الملكات الفكري بين الثمانين والتسعين ، ومن يرغب في العثور على أسماء عديدة فليفتح ملف أية دولة متقدمة من دول العالم، ليرى أن ظاهرة إهمال وإبعاد وإقصاء وطرد وتهميش المحنكين، لا توجد إلا عندنا وعند بعض من يشبهوننا!

مشاركة مميزة