الخميس، 19 أغسطس 2010

ازدراء الثقافة وشطب التاريخ: مملكة بني إسرائيل


kolonagaza7
سوسن البرغوتي
لم يترك الصهاينة أي مجال أو خصوصية لثقافة وتاريخ العرب والعالم الإسلامي، إلا وطاله التشويه للحط من الأصل السليم، وطمس حقائق تاريخية، تعهد إلى تثبيت توراتيات أسطورية، لتصبح بدورها التاريخ (المقدس) والمرجعية الثقافية، وغيرها مدان بهمجيته وقبائليته الغرائزية. هذه النظرية لم تُولد عبثاً، ولم تستمر هباءً، وذلك لاستنساخ جيل عربي لا ينتمي إلى ثقافة إسلامية عربية واعية، وبالتالي يتم تشويه الشخصية، من خلال عملية عولمة الإنسان العربي الممنهج، تحت ذريعة الانفتاح على الحضارات والثقافات الأخرى. لا أحد يستطيع أن ينكر أن الحضارات السابقة، أخذت واقتبست من غيرها، لكن لم تقتلع الأخرى من جذورها، بغية الهيمنة والسطو على كل ما يمت من خصوصيات تلك الثقافة. إلا أن الصهاينة يسعون بكل ما أتوا من قوة على الصعيد الإعلامي، تجريد العرب من أي صفة حضارية، وأنهم كانوا وما زالوا رواد وأصل الحضارة والتقدم والتطوير.
لست بصدد عرض منجزات الحضارة العربية الإسلامية، وتأثيرها على جامعات الغرب وعصر النهضة بشكل عام، ولا الدخول في سجال مع هؤلاء الصهاينة والمتصهينين الذين يحيكون ثوباً رثاً لا يمت بصلة إلى الحقيقة، ولستُ بصدد البحث عن تهويد العقلية العربية، وتبني الكثير من الأفكار التوراتية.. وما غاية الصهيونية حالياً إلا احتلال العقل العربي، لأن تلك الحرب الخفية، تعتبر من أشد الهجمة الاستعمارية، فلم يكتفوا بحرق الزرع والنسل، وإشاعة عقيدة الدمار، بل تجاوزت خطورتها، اغتيال كينونة وهوية الإنسان بما يحمله من معتقدات وثقافة راسخة!
فعملية الاقتلاع تطال كل نواحي الحياة، سواء بالملبس والمسكن والحياة اليومية، وأخطرها على الإطلاق الثقافة الهجينة، وأن الهويات قاتلة، كونها تمثل اعتزاز المرء بلغته وعقائده وشعائره المقدسة وتاريخه، فيصبح بعدها كل شيء مباح، فيعاني الإنسان الارتباك الثقافي، وصولاً إلى تدمير مخزون من التراث العربي والثقافة الإسلامية. إذاً، فالإحلال الثقافي المزور هو جزء من الإحلال الاستعماري للأرض على حد سواء، وعلى الأخص ما يجري بفلسطين كبداية، وقطعاً لن تكون فلسطين وشعبها آخر محطة للاستعمار الشامل.
كل ما تقدم وأكثر منه متوقع ويحدث يومياً على الأخص من خلال كتاب الإعلام العرب أصحاب الذهن (الحضاري.. التقدمي..المنفتح!) بالدعوة إلى التطبيع الثقافي مع العدو، وهذا المدخل لتقبل كم هائل من المعلومات التي تتناقض جوهرياً مع كل وقائع التاريخ. ومن الأسباب التي ساعدت على وجود ثغرات، تناقض بعض الأطروحات مع ما طُرح في القرآن والبحث العلمي الموضوعي، واعتماد مقولات استشراقية أو توراتية وتصديقها على أنها المرجعية، واختراق اليهوديات (الإسرائيليات) لكثير من التفاسير والمناهج الدراسية.
الأمثلة أكثر من أن تُحصى، وكاستدلال منطقي وتاريخي على موقع مملكة بني إسرائيل، ورد في سورة البقرة ، آية 102: { وما كفَرَ سليمانُ ولكنَّ الشياطينَ كفروا يُعلّمون الناسَ السحرَ وما أُنزِل على الملكينِ ببابلَ هاروتَ وماروتَ وما يُعلّمانِ من أحدٍ حتَّى يقولا إنما نحنُ فتنةٌ فلا تكفُرْ فيتعلَّمونَ منهما ما يُفرّقونَ بهِ بينَ المرءِ وزوجِه وما هُم بضارّينَ بهِ من أحدٍ إلاَّ بإذن اللهِ ويتعلَّمونَ ما يضرُّهم ولا ينفعُهم }.
حسب القراءة للآية الكريمة، أن هاروت وماروت ملكان أُنزلا في مكان إقامة النبي سليمان (ع) ليظهرا الحق بين السحر والشعوذة لبني إسرائيل، وبين المعجزة التي أيد الله بها رسالة النبي سليمان. الإقامة في بابل ببلاد الرافدين – العراق حالياً- فلا توجد أية قرائن في القرآن الكريم، أن سليمان بنى مملكته في فلسطين، وأن الهيكل – المعبد- المزعوم بالقدس، وكان داوود (ع) أباه قبله في ذات الموضع، حينما شرب الجند من النهر: { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } .. { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ }. القصة التوراتية ملفقة حول وجود موضع تلك المملكة في فلسطين، وذاك يفتح تساؤلات على موضوعة السبي البابلي وعلاقتها بمملكة بني إسرائيل، كحادثة تاريخية.
مملكة بني إسرائيل الموحدة أُسست سنة 1050 وحتى سنة 930 قبل الميلاد تقريباً. كان من ملوكها داوود (ع)، ومن بعده ابنه سليمان (ع)، من بني إسرائيل في بلاد الرافدين، وليسوا ممن هاجروا من مصر مع النبي موسى (ع)، لعامل الفارق الزمني بينهما. كما كان السبي البابلي بهدف القضاء على مملكة بني إسرائيل الموحدة في عام 586 ق.م، أي أن السبي البابلي حصل داخل بلاد الرافدين، وأن نبوخذ بختنصر البابلي، لم يغزُ مملكة بني إسرائيل في فلسطين! وبعد الاستيلاء على عاصمة بني إسرائيل في (أوروسالم) باللهجة البابلية، أصبحت البلاد كلها تتبع للحكم البابلي، إلى أن غزاها الفرس. ومدينة بابل تعني باللهجة البابلية (بوابة الإله)، تقع جنوب بغداد على نهر الفرات، والسلالة البابلية من السلالة الآمورية والعمورية، وكلها قبائل عربية.
إذاً أوروسالم البابلية في بلاد الرافدين وليس في فلسطين أورسالم (مدينة السلام) الاسم الكنعاني لمدينة القدس، والمدن كثيراً ما سميت على اسم غيرها من المدن، وبمناطق مختلفة في العالم. وبعد القضاء على المملكة الموحدة، انقسمت إلى مملكتين، إحداهما في الشمال وعاصمتها السامرة، على نهر دجلة، وكان بينها وبين مملكة آشور حلف، والأخرى في الجنوب وعاصمتها أوروسالم البابلية، لنلاحظ وجود مدينة الفلوجا في العراق، والفالوجا في مصر، مع اختلاف بالأحرف وتباعد في المسافة، حتى استطاع ملك آشور القضاء على مملكة يهوذا، والجدير ذكره أن بعض العلماء نسبوا اليهود إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب (ع) – إسرائيل- أي عبد الله، ولم يكن يهوذا نبياً ولا رسولاً.
قرائن تطرح لتفتح مجال البحث مرة أخرى في موقع مملكة بني إسرائيل، وضرورة إعادة مراجعة تاريخية صائبة، معتمدة على النهج العلمي والقراءة القرآنية الصحيحة، مقتبسة مما ذكره الباحث جميل خرطبيل، حول جدية البحث مجدداً وبطرق منهجية علمية دقيقة (لقد صار على الباحث ليس فقط أن يفضح الإمبريالية والغرب المتصهين والصهاينة في تزييف التاريخ الفلسطيني القديم وإقناع الشارع الغربي بخرافة رواية التوراة التي يستند إليها الصهاينة في ادعاء حقهم التاريخي، بل عليه أيضاً أن يقنع بذلك الكثيرين من العرب المسلمين والمسيحيين! ونتساءل متى يشكل العرب وخاصة الفلسطينيين مؤسسات علمية لكتابة التاريخ الصحيح لفلسطين ليقدموه إلى العرب أولاً ثم إلى العالم، ومتى تُعدل الكتب المدرسية والجامعية التي تدرس التاريخ التوراتي المزيف!).
موقع مبدعون عرب صفحة سوسن البرغوتي
إذا كنتَ ذا رأي، فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

مشاركة مميزة