السبت، 28 أغسطس 2010

الواقعية بدل الشعارات والاحلام / سالم مشكور


kolonagaza7
أثناء زيارة لصديق قديم يتبوأ الآن منصبا رفيعا ، جاءه اتصال هاتفي من مسؤول أعلى ، فهمت مما دار بينهما انه تم إختيار "فلان" لادارة مؤسسة كبيرة الاهمية والتاثير . سألته مستغربا: كيف تم إختياره وهو لا يملك من المؤهلات لهذا الموقع شيئا يذكر؟ أجاب : انه أضعف المرشحين لهذا الموقع ولذلك فانه لم يواجه أي إعتراض من الكتل والمجموعات بل توافق عليه الجميع . وهكذا باشر "فلان" عمله وسارت معه تلك المؤسسة الى مزيد من التفكك والضعف .
اللافت ان هذه ليست حالة فريدة او نادرة في الوضع السياسي الحالي في البلاد بل تكاد تكون القاعدة السائدة ، ونتيجتها في الغالب تبوّء غير المؤهلين مواقع لا يستطيعون أداء مسؤلياتهم حيالها والنتيجة معروفة . البعض يبرر القبول بالضعيف بان عدمه يعني بقاء الموقع فارغا ربما لسنوات وتبقى أموره تسيّر بـ"الوكالة" الى أجل غير مسمى .
هل بات الضعف وقلّة الكفاءة إحدى نتائج "التوافق" الذي بات قدرا غير محمود للعراقيين ؟
هذه الظاهرة تعمّق هواجسنا ونحن نتابع التجاذب حول تشكيل الحكومة وباقي المواقع الدستورية المرتبطة بهذا التشكيل (بحكم التوافق) . النقاش الان حول الرئاسات الثلاث ، وغداً يصل الى التشكيلة الوزارية ثم الى باقي المواقع الشاغرة او التي تدار بالوكالة او التكليف منذ سنوات . ولو اعتمدنا الاسلوب ذاته في إختيار الاشخاص لتجنّب الاعتراضات والتأخير فاننا نكون أمام حكومة ضعيفة غير كفوءة بدءً من أعلى مواقعها نزولا الى الادنى منها . فهل نأمل بعد هذا في تغيير الوضع الى الاحسن بعدما وعدت الكتل كلها ، الناخبين بالتغيير .
الحديث يدور اليوم في الكواليس عن قرب ترشيح رئيس للوزراء ، ومن يتابع بدقة بوصلة التحركات الاقليمية والدولية فضلا عن الداخلية ، يمكنه تحديد هوية رئيس الحكومة القادم ، والتوافق على هذا الرئيس سيكون في أحسن الاحوال "إظطراريا" بالنسبة للبعض ، وسينعكس المرحلة الثانية تجاذبا حول الحصص الوزارية ليس بين الكتل فحسب بل داخلها ايضا ، مما يجعل " التوافق " أمرا عسيرا ، وإذا ما تم فيقدم لنا ،في الغالب، حكومة ومسؤولين غير كفوئين ،أو على الاقل ، مشلولين مقيّدين في عملهم . كل ذلك تحت إسم " الشراكة " ،الاسم الجديد للمحاصصة.
لكي نكون واقعيين ،فان البلاد في وضعها السياسي الحالي ، لا تستطيع الخروج من هذه القيود والعاهات السياسية ، وإذا كانت السياسة هي فنّ الممكن فان المطلوب الان البحث في كيفية تحسين الوضع من داخل هذه المعادلات . كيف يمكننا ،من داخل المحاصصة ، ان نختار الافضل ؟ وكيف نتصرف ، في إطار التوافق ، لنصل الى "توافق حقيقي" لا يقوم على تبادل الاعاقة في العمل ، بل التعاون لخدمة البلاد التي تعود بالنفع على كل العباد مهما تنوعت اتجاهاتهم المذهبية والدينية والقومية والسياسية ؟ هل يسعى سياسيونا الى هذا؟

مشاركة مميزة