الخميس، 12 أغسطس 2010

شباب هواة يصنعون سينما في غزة.. بإمكانيات متواضعة


kolonagaza7
ميرفت أبو جامع
GMT 16:00:00 2010 الأربعاء 11 أغسطس
تحاكي تفاصيل الحياة الغزية
ميرفت ابو جامع من غزة: لأول مرة في قطاع غزة يأخذ شباب -في العشرينات من عمرهم -على عاتقهم صناعة سينما بجهود ذاتية، يختارون مادتهم الفيلمية من الواقع المؤلم الذي يعيشونه، وأكوام أحلامهم الضائعة في أزقة أوضاع سياسة مضطربة واقتصاد مترهل وضنك عيش، علهم يوثقون للحالة التي يعيشونها ويدقون جدار الصمت إزاء قضاياهم حيث لا يلتفت إليهم احد في ظل الانشغال الكبير بهموم السياسة وأزماتها المتلاحقة.وعلى مدار اليومين الماضيين انطلق مهرجان غزة لأفلام الهواة، من تنظيم ملتقى بال سينما ومؤسسة دايموند للإنتاج الإعلامي والفني، مفتتحا بفيلم "فوضى" الروائي، ومدته ساعة وربع وهو أول فيلم "اكشن" من خيال 4 شباب غزيين لا يتجاوز عمر أكبرهم 22 عاما جمعهم عشق الكاميرا و السينما والحلم بالنجومية. ويمتاز "فوضى" الذي لن يجد له دور عرض سينمائية بغزة بسبب إغلاقها منذ سنوات لأسباب دينية وسياسية..، بأنه يعد مغامرة لهؤلاء الشباب في صنع سينما على غرار سينما الاكشن التي يتابعونها بشغف عبر الفضائيات و مواقع الانترنت.ويقول مخرج فوضى "عمر العماوي " 19 عاما" أنه كان يتهرب من مادة اللغة الانجليزية في الثانوية العامة لرخامة مدرسها من اجل كتابة سيناريو الفيلم ويضيف طالب الإعلام بجامعة الأقصى بغزة :"اقترحت على صديقي معتصم فكرة عمل فيلم رحب بالفكرة ثم قمنا بشطب مادة اللغة الانجليزية من الجدول المدرسي وكتبنا مقابلها " كتابة سيناريو " وفي كل حصة نجتمع ونكتب قصة الفيلم التي تتحدث عن انخراط الشباب في عصابة المخدرات والخطف وتكتمل القصة بعد عامين من ولادتها بفيلم فوضى الذي يشارك في تمثيله قرابة 30 شابا لأول مرة لم يتخرجوا من معاهد تدريس التمثيل ولم يتتلمذوا على أيدي ممثلين كبار ألا أن الإصرار وحده كان نصيرهم وداعما لهم في كل خطواتهم.ويقول أحد أبطال الفيلم محمد رضوان ويؤدي دور احد أفراد العصابة" فارس" ويبدو تقليده للنجوم الكبار في حركاته واضحا " أنا سعيد بالتجربة كثيرا، شخصيتي انطلقت من محبتي للسينما ومتابعة أفلام الاكشن، ويتابع:" في كل فيلم كنت أرى نفسي البطل واليوم أجسده باحتراف ممثل له باع في العمل، معربا عن أمله في دراسة السينما والإخراج كي يدعم تجربته على طريق الاحتراف، رغم أن غزة لا تعطي للقن أهمية إلا انه يحلم أن يجدها خارجها.ورغم إمكانيات التصوير وتقنياته المتواضعة حيث لا يمكن إخفاء عيوب الكاميرا الصغيرة التي استخدموها في التصوير، إلا أنهم استطاعوا أن يقرعوا الجرس بوجه استغلال طاقات الشباب العاطلين عن العمل نحو الجرائم المنظمة والانضمام لعصابات المافيا و المخدرات وعمليات الخطف وغيرها، وان كان بعيدا عن واقع شباب غزة فان حياتهم الدراماتيكية هي التي قادتهم إلى إنتاج من هذا النوع من الأفلام في مدينة تلفها الفوضى بكل اتجاه.ويشير العماوي قصير القامة بتواضع مخرج سينمائي يحلم باحتراف العمل :" فوضى " يحمل رسائل كبيرة ولكنه يترك للمشاهد الحكم عليها، ومعرفتها وبلؤم طفولي يرفض الإفصاح عنها ويضيف:" ربما يتعلق الامر بالسياسة وغيرها، وحده المشاهد سيفهمها.وعن تكلفة الفيلم الذي استمر تصويره قرابة عامين يشير العماوي انه كلف 2500 دولار وهو مبلغ يثير الضحك ويعد درب من الجنون أمام الأرقام الهائلة لتكاليف الأفلام السينمائية، إلا انه يعتز بان استطاع أن يرى حلمهم النور ويحققونه بتلك التكاليف الذاتية، وهو مؤمن بأن خطوة الألف ميل نحو السينما والنجومية تبدأ بخطوة واحدة، أو ب"فوضى" لافتا أنها أولى الخطوات على هذا الطريق.والى جانب فيلم "فوضى" الذي افتتح به المهرجان في مسرح عسقلان بمؤسسة سعيد المسحال الثقافية، عرض 20 فيلما أخر من إنتاج وإبداع الشباب أنفسهم تعبر عن قضاياهم بلغة بصرية، ترصد أحلامهم وطموحاتهم المطاردة في واقع صعب ومرير. وهو ما رصده فيلم " لا أعرف" لفريق ميديا قروب حيث يعكس تأثير الأوضاع السياسة غير المستقرة على نفسيات وأحلام الشباب، فتصيب نشرات الأخبار المتواترة مزاج بطل الفيلم وتحول رسوماته عن البحر والهدوء والجو المصحوب بأغاني فيروز، ثم تنقلب مثل عاصفة يكتب من جديد عن الصراع بلا جدوى.ثم يصور الشاب المخرج محمد قدادة في ديكودراما " فيلمه" الحجلة" واقع الانقسام ويعكسه في لعبة الحجلة بين طفلين من غزة" وهي لعبة شعبية للأطفال " فيمثل كل درجة في سلمها مدن غزة والقدس ورام الله ويقف الانقسام في وسط المربعات يحول دون وصول الطفلين إلى لقدس عبر هذه اللعبة البسيطة في إشارة منه إلى تأثير الانقسام على حياتهما ومنع التواصل بين أجزاء الوطن.إضافة إلى عدة أفلام قصيرة وتسجيلية تحمل عناوين " أرواح " وأحلام مقيدة " وأقدام بلا أقدام "وبدي أتغير ولماذا "وأماه اينك "جلها تقدم صورة واقعية لتفاصيل معاناة متشابهة لسكان غزة حيث وصلت إلى 20 فيلما شارك من خارج قطاع غزة مخرجون هواة بأربعة أفلام من لبنان فيلم بعنوان «رائحة القهوة» للمخرج فادي ديباجة، يتحدث عن واقع حياة الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية بلبنان يرصد يوم في حياة زوجين شابين فلسطينيين يعيشون بين زحمة المخيم المكدس بالأجساد البشرية وبأكياس القمامة وبخدمات سيئة ومن سوريا فيلم «بين الحياة والموت» للمخرج سامي درويش، ومن المغرب فيلم بعنوان « عبد الوهاب»، كما ألقى الفنان أيمن زيدان من سوريا، والدكتور الحبيب الناصري من المغرب، كلمات أشادوا من خلالها بالمهرجان وأعلنوا عن دعمهم للشباب الهواة.ثمة عد رسائل يقرع بها الشباب الهواة الأجراس إلى صناع القرار وصانعي السينما أن ثم قدرات مكبوتة، بحاجة إلى أن تمدوا أيديكم إليها، قبل أن تنصرف إلى الطرقات المعبأة بيأس وإحباط وتفكير دائم في الهجرة.ملتقى بال سينما كان يقف خلف هؤلاء الشباب ويدعم مواهبهم بل انه أوصل أفلامهم إلى خشبة مسرح عسقلان بمؤسسة سعيد المسحال الثقافية أمام جمهور عريض من المثقفين والمهتمين.وهو المهرجان الثالث الذي ينظمه في عامين متتاليين وكان الأول "مهرجان السينما الخليجية ومهرجان غزة للأفلام التسجيلية برعاية القدس عاصمة الثقافة الفلسطينية للعام 2009. ويقول:" عضو مجلس إدارة الملتقى السينمائي الفلسطيني المخرج فايق جرادة: " إن فكرة المهرجان تنطلق من فلسفة الملتقى لتفعيل الأعمال السينمائية الخاصة بالشباب والعقبات التي تعترض طريقهم، مشيرا أن المهرجان يهدف إلى التعريف بالإنتاج السينمائي للشباب الفلسطيني، وإبراز طاقات وقدرات المخرجين الشباب، خاصة في ظل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة،وعدم وجود معاهد أو مؤسسات ترعى هذه المواهب وتأخذ بيدها مشيرا " أن هذا المهرجان هو الأول من نوعه على الساحة الفلسطينية.وأكد جرادة على أهمية هذه الفعاليات في عرض المواهب الشابة في مجال إخراج الأفلام بأشكالها القصير والتسجيلي والروائي وخلق ثقافة صورة وتعزيز لغتها الساحرة للأهمية التي تكتسبها يوما بعد يوم ".كما أشاد جرادة بمشاركة الهواة العرب في المهرجان، مشدداً على أن هذه المشاركة لها أثر كبير في دعم المشهد الثقافي والحراك السينمائي الفلسطيني.وأثنى على جهود كافة الجهات والشخصيات التي دعمت إقامة المهرجان من بينهم مدير مهرجان خريبكة الدولي للأفلام الوثائقية الحبيب الناصري، والناقد السينمائي صلاح سرميني, والمخرج والممثل السوري ممدوح الأطرش، والمخرج الفلسطيني فادي ديباجة.هكذا سيبقى شباب غزة يحطمون قيودهم بأنفسهم ويكسرون كل المراهنات على صمودهم وقدرتهم على تحقيق ذواتهم ويصبون إلى الحياة إذا ما استطاعوا لها سبيلا.. مثلما قال الشاعر الراحل محمود درويش " نحب الحياة ما استطعنا لها سبيلا "...

مشاركة مميزة