الأربعاء، 18 أغسطس 2010

kolonagaza7
ماجد الشّيخ
= هي المرة الأولى ربما التي يأخذ فيها لغو الكلام، والضغوط المباشرة وبالواسطة، من أجل دفع السلطة الفلسطينية للموافقة على المفاوضات المباشرة، كل هذا العناء الأميركي والإسرائيلي.. وبعض العربي كذلك، وكأن هناك نتيجة مضمونة سوف تفضي إليها هذه المفاوضات الموعودة، لا سيما وهي تبدأ من نقطة غير مسبوقة؛ لا عبر ما أفضت إليه مفاوضات سابقة مع إيهود باراك عام 2000، ولا تلك التي جرت مع إيهود أولمرت عام 2008. وها هو نتانياهو يريد البدء من نقطة صفرية، بلا مرجعية وبلا جدول زمني، وبلا أفكار مسبقة، وهو لذلك يدرك جيدا أن كل ما سيقترحه لن يحظى بقبول فلسطيني، في غياب القدرة والرغبة الأميركية لممارسة ولو حد أدنى من الضغوط السياسية عليه وعلى حكومته، لدفع المفاوضات المباشرة نحو حيازة ولو بصيص أمل ضئيل، بتقديم تنازلات إسرائيلية ترضي الجانب الفلسطيني، ما سوف يرتب على هذا الأخير تحميله مسؤولية فشل إو إفشال تلك المفاوضات العتيدة، التي "كافح" و "يكافح" الأميركيون من أجل الوصول إليها، جراء حاجتهم لها كمصلحة مباشرة لهم، وسط عناد الوقائع والمعطيات الإقليمية والدولية المحيطة بحروبهم الخارجية.
وسط هذه المعمعة المتجددة في جدل إدارة الأزمة، وفي ظل إدارة الظهر للصراع، لا يبدو أن إدارة أوباما تمتلك حلولا سحرية، فهي أعجز من أن تستطيع تقديم دولة فلسطينية مستقلة بحدود العام 1967، لا لأن نتانياهو وائتلافه الحكومي بتركيبته اليمينية المتطرفة المؤثرة على القرار الإسرائيلي العام، يرفض ذلك، أو لا يقبل بإمكانية وجود دولة بمواصفات ترضي الجانب الفلسطيني أو مشايعيه من العرب، بل لأن الأمر الواقع الاستيطاني قد تجاوز بكثير إمكانية نشوء دولة مستقلة حقا، ولأن الإدارة الأميركية الحالية وفق نتانياهو "يمكن تحريكها بسهولة، وفي الاتجاه الصحيح" اتجاه الائتلاف الحكومي الإسرائيلي.
هكذا انتهت وعود الخطابات، إلى وعيد فرض مفاوضات مباشرة، ليس من بين وعودها أيّ ملمح من ملامح المصادقة على إقامة دولة فلسطينية، فلا وعود أوباما الخطابية، ولا وعود نتانياهو المماثلة، أمكنها أو يمكنها أن تقنع أي طرف بمصداقيتها، طالما هي تتجه توجهات إدارة الأزمة، لا إيجاد حلول واقعية لها. وبذا فإن كسب نتانياهو جولة مقاومة الضغوط الأميركية، وتهديده استحالة استمرار العمل بتجميد بناء الاستيطان، إذا ما أريد للائتلاف الحكومي أن يستمر، يعني أنه ماض في سبل مواجهته للتنصل من وعد إقامة دولة فلسطينية، عبر التسويف والمماطلة تفاوضيا وصولا إلى اللاحل، كحل يمتلك ناصيته كأمر واقع، فمثلما انتهت المفاوضات غير المباشرة إلى مرابع الفشل، كذلك فإن من قادها إلى هذا المآل، لن يكون معنيا إلا بقيادتها إلى ذات المآل، حتى ولو حضرت قضايا الوضع النهائي، وهي التي تتطلب تفاوضا مباشرا بحسب نتانياهو.
وطالما أن واشنطن لا تبدي استعدادا للوصول إلى حل سياسي محتمل، أو ممكن على طاولة المفاوضات المباشرة، يقبل به الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني، فقد تتكشّف تلك المفاوضات عن وجه سافر من أوجه السلوك الإسرائيلي المراوغ ونزوعه للمماطلة، فكما وجه نتانياهو وائتلافه الحكومي الحالي لا يقل غطرسة عن سلوك إسرائيل في كل مراحلها التفاوضية، كذلك هو الوجه الآخر – الأميركي الذي لا يدير حلولا تفاوضية، قدر ما يدير أزمات تتعمّق كلما جرت مقاربتها من قبله، وهو الأحوج إلى مقاربات مختلفة تساعده في مواجهة الأزمة الاقتصادية، وفي مواجهة حروبه الخارجية.
لكن أخطر ما يمكن ان تتسم به المفاوضات المباشرة غدا، هو أن تبدأ بشروط إسرائيلية وموافقة ضمنية أو غير ضمنية أميركية وعربية، حيث يجري حصار الطرف الفلسطيني المفاوض حصارا مطبقا، في محاولة لإجباره على الموافقة على تلك الشروط التي لا تحمل في طياتها سوى صياغات تصفوية، من قبيل الاندفاع الإسرائيلي نحو فرض "دولة ذات حدود مؤقتة" تخترقها المستوطنات والجدار العنصري والحواجز العسكرية، وتحيطها مخططات الأسرلة والتهويد، ويتواصل على جنباتها الاستيطان ويتزايد انتشار البؤر الاستيطانية كالفطر، من دون أن تستطيع السلطة الحالية، أو سلطة "الدولة القادمة" على صهوة مفاوضات الشروط الإسرائيلية، والأمر الواقع، النفاذ من شبكة إكراهات التفاوض؛ وفق الشروط الإسرائيلية الرافضة أصلا لأي موقف فلسطيني أو عربي يُشتم منه أنه يشبه أي شرط، أو ما يمكن اعتباره شرطا من الشروط.
لكن أبرز ما بات يُخشى منه الآن، هي تلك الأهداف الكامنة خلف المفاوضات المباشرة وفي أعقاب بدئها مباشرة، من قبيل ممارسة المزيد من الضغوط الأميركية وربما بعض العربية كذلك، من أجل القبول بذاك العرض الإسرائيلي الذي يجري تداوله، وقد وصل مؤخرا إلى الجانب الفلسطيني عبر جهات عدة، فحواه إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة على مساحة تتراوح بين 80 و90 بالمئة من مساحة الضفة الغربية. ومكمن الخشية هنا، يتركز على أن الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يخطط لجعل الحدود المؤقتة للدولة العتيدة حدودا نهائية، وهو ما يعني ضم القدس وإقامة دويلة فلسطينية مصغرة منزوعة السلاح خلف حدود الجدار العنصري، تحيطها "شبكة أمان" إستيطانية واسعة مدججة بالسلاح، وهذه هي الخطوط العريضة لما يمكن تسميته "مخطط الحدود والأمن" الذي حاول المبعوث الأميركي جورج ميتشيل تسويقه والفوز به أثناء فترة المفاوضات غير المباشرة، وأخفق؛ جراء رفض الجانب الفلسطيني.
إن مفاوضات لا تسعى ولا تنجح في إنهاء الاحتلال الثاني لما تبقى من فلسطين التاريخية، هي بمثابة "رخصة وطنية" للاستمرار بالاحتلال مقنّعا، ولا يهم إن كانت مباشرة أو غير مباشرة، بمرجعية أو من دونها، طالما أن أسس التفاوض لا تقوم على قواعد راسخة ومكينة، وهي لا ترقى حتى إلى كونها نهجا منسجما ومتماسكا وذات خبرة كفاحية، يستند إلى التراث الكفاحي الوطني لحركة التحرر الوطني في الإطار الفلسطيني.. والعربي. ولأن تلك المفاوضات العتيدة يقاربها الإسرائيليون بشروط مجحفة، والأميركيون نظرا لحاجتهم وحاجة مصالحهم المباشرة، والسلطة الفلسطينية كونها خيارها اليائس وجدارها الأخير، فهي إلى الفشل أو الإفشال أقرب، وأقرب إليها أن تنتهي كما بدأت وانتهت جولات تفاوضية سابقة.

مشاركة مميزة