الجمعة، 20 أغسطس 2010

الجيش المصري يمارس العصيان المدني!


kolonagaza7
مجدي أحمد حسين
من محاور هذه الرسائل عرض وتحليل ثورات الشعب المصري عبر التاريخ ضد الظلم والاحتلال الأجنبي ولكن قبل أن نتناول ثورة عرابي، نبدأ بمقدماتها المتفردة، فنحن أمام عصيان مدني يمارسه الجيش لتحقيق هدف خطير: إقالة رئيس الجيش، وينجح فى ذلك! ثم يقولون أن مصر ليست بلد ثورات! وهذا العصيان المدني لن تجد له مثيلا بسهولة فى تاريخ العالم!
كان عثمان رفقي وزير الحربية متعصبا للشراكسة والترك وضد حقوق الضباط الوطنيين فى الجيش، وصدر مرسوم خديوي يمنع ترقية المصريين من تحت السلاح إلى ضباط ويقصر ذلك على الشراكسة والترك. وتجمع الضباط بمنزل أحمد عرابي بك واتفقوا على مطلب: عزل وزير الحربية وإلغاء المرسوم الجديد وبايعوا عرابي زعيما للحركة. وفى اليوم التالي 17 يناير 1881 ذهب وفد من الحركة برئاسة عرابي إلى وزير الداخلية رياض باشا وقدموا له عريضة ووعدهم بالنظر فيها، ولم يرد عليهم وبعد أسبوع ذهبوا إليه فى داره ليسألوه عما تم فى العريضة فهددهم وتوعدهم بأن تقديم هذه العريضة يعني هلاكهم ولكنهم أصروا وفى 31 يناير 1881 اجتمع مجلس الوزراء برئاسة الخديو وقرر محاكمة الضباط الثلاثة (عرابي- على فهمي- عبد العال حلمي) أمام محكمة عسكرية. وقام عثمان رفقي بتنفيذ القرار بطريقة ملتوية لا تعبر عن هيبة للدولة فأرسل للضباط الثلاثة دعوة لترتيب الاحتفال بزفاف شقيقة الخديو فشعروا بالمكيدة ولكنهم قرروا أن يذهبوا لمركز الحربية فى قصر النيل (مكان الجامعة العربية الآن) على أن يتابعهم من بعيد بعض الضباط ليتأكدوا من سير الأمور.
وعندما وصلوا وجدوا المجلس العسكري مجتمعا حيث أبلغهم بالاتهام واعتقلهم فى سجن قصر النيل حيث تعرضوا للشماتة والسباب. وتم تعيين 3 ضباط مكانهم كقادة لآلاياتهم الثلاثة. ولما علم عيون الآلاي الأول باعتقال الضباط الثلاثة أسرعوا بالعودة إلى مركز الآلاي بقشلان عابدين وأبلغوا الضباط بما حدث فقرروا التحرك بالآلاي إلى قصر النيل، ورأى الخديو بنفسه هذا المنظر من شرفة سراي عابدين وأرسل لهم بالتوقف ولكن أحدا لم يستجب!! ودخل جنود الآلاي الأول قصر النيل شاهرين أسلحتهم ولكن القوات الموجودة بالديوان استسلمت بدون إطلاق طلقة واحدة وفر وزير الحربية عثمان رفقي من أحد النوافذ. وتم إطلاق سراح الضباط الثلاثة المعتقلين، وخرجوا يحيط بهم الجند إلى قشلان الآلاي الأول بميدان عابدين، وكان هناك اتفاق على تضامن الآلايات فى حالة حدوث أي مكروه. أما آلاي طرة فقد توجه إلى عابدين –بعد معرفته بالتطورات- فلما وصلوا إلى ميدان عابدين استقبله الآلاى الأول بالتعظيم العسكري وعزف الموسيقى. ثم بدأ الناس يحتشدون فى الميدان لمشاهدة هذا المنظر الذى لم يألفوه من قبل، وعندئذ وقف عرابي خطيبا بأعلى صوته وأثنى على إخلاص الضباط والجند واتحادهم لإنقاذه وصاحبيه من السجن أما الآلاى الثالث (العباسية) فلم يحضر إلا ليلا. وكان الآلايان كفاية ليدب الذعر فى قلب الخديو الذي جمع وزراءه وبعد تداول الأمر قرر الخديو الإذعان لطلبات الجند التى ركزوها فى مطلب واحد هو عزل عثمان رفقي والعفو عنهم لأن رفقي هو سبب هذا التمرد. وأصدر الخديو أمر بعزل عثمان رفقي وتعيين محمود سامي البارودي وزيرا للحربية وكان نصيرا للحركة بل لقد التقى الخديو بالضباط المتمردين الثلاث!
ولكن الحركة لم تتوقف عند ذلك، وبدأت فى تقديم مطالب "نقابية" تخص تحسين ظروف الجنود والضباط، واستجابت الحكومة لمعظم هذه الطلبات، وتم رفع مستوى الرواتب.
ثم بدأت المطالب تنحو فى اتجاه المطالب السياسية بزيادة عدد قوات الجيش إلى 18 ألف، وإنشاء حصون جديدة، وإنشاء مجلس نيابي تكون الوزارة مسئوله أمامه مع تخويله حق تقرير الميزانية. وهكذا بدأت الأحداث تتجه نحو ثورة وطنية شاملة، ولكننا آثرنا التوقف عند حدث إقالة وزير الحربية بعصيان مدني من3 وحدات أساسية بالجيش فى العاصمة، ورغم أن القوات كانت تتحرك بأسلحتها إلا أنها لم تستخدمها ولا مرة واحدة وحققت أهدافها بمنتهى اليسر، وكان على رأسها الإطاحة بوزير الحربية وهو مطلب سياسي وطني وكان لخلاف مبدئي حول تعصبه ضد المصريين ولصالح الشركس والترك. وهو تصرف حضاري لا تجد له مثيلا بسهوله فى تاريخ الجيوش فى مصر أو غيرها. فالجيش يقوم بانقلاب للاستيلاء على السلطة أو بتمرد فوضوي فى حالة عدم الحصول على الرواتب أما تقديم عريضة بإقالة وزير الحربية ثم تنظيم اعتصام لوحدات الجيش أمام قصر عابدين فهذه ممارسة فريدة من نوعها. ولكن ماذا عن ثورة عرابي؟!

مشاركة مميزة