الاثنين، 13 سبتمبر 2010

المصالحة.. آمال معقودة وطريق مسدودة


kolonagaza7

أثبتت الأحداث السياسية التي شهدتها الساحة الفلسطينية في السنوات الأربع الأخيرة استحالة تحقيق مبدأي الشراكة السياسية وتداول السلطة؛ وهما أهم ركائز التوافق الوطني، وذلك لأسباب عديدة، أهمها: طبيعة النظام السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية الذي مرجعيته اتفاقيات أوسلو، خضوع السلطة الوطنية لإرادة العدو الصهيوني والأمريكي، احتكار حركة فتح للشرعية الفلسطينية عبر سيطرتها الكاملة على منظمة التحرير الفلسطينية.
ربما كانت تدرك حركة حماس قبل المشاركة في سلطة أوسلو أن الشراكة السياسية النظيفة مع حركة فتح مستحيلة وقضية خاسرة لعدة أسباب، أهمها أن النظام السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية نظام متناقض وفاشل وصمم خصيصاً لإثارة المشاكل السياسية وإحداث الانقسام، وأن هذا النظام خاضع لإرادة العدو الصهيوني والأمريكي ولابتزازهما السياسي، وأن هناك بون شاسع في المواقف السياسية والنهج السياسي بين حركتي حماس وفتح، وأن فتح حركة فاشلة تحكمها الفوضى والمصالح الشخصية والأموال المسيسة والتيار المتصهين علاوة على أنها لا تملك إرادة حرة ولا رؤية واضحة وتقبل أن تبيع نفسها والشعب والوطن من أجل بقائها مهيمنة على السلطة والمواقع القيادية لشعبنا الفلسطيني، وأن حماس حركة إسلامية ترفض تغيير أيديولوجيتها والتفريط بثوابت شعبنا والتنازل عن أي جزء من فلسطين.
وربما كانت تدرك حركة حماس أيضاً أن تحرير إرادة سلطة أوسلو وولائها وقرارها من هيمنة الجهات الغربية، التي صنعتها ومكنت لها في الضفة وغزة، مغامرة خطيرة تجر على شعبنا عواقب وخيمة، ولكن حركة حماس اضطرت للمشاركة في سلطة أوسلو عندما وجدت نفسها أمام خيارين أحلاهما مر؛ إما البقاء خارج السلطة وترك حركة فتح تستبيح الشرعية (أي حق قيادة الشعب الفلسطيني وتمثيله) وتتنازل باسم شعبنا عن أرضه وحقوقه في العودة والمقاومة وتنزع سلاح حماس وتفكك ذراعها العسكري، وإما خوض صراع مع حركة فتح على الشرعية التي هي حق لشعبنا وليست حكراً على فتح ولا على منظمة التحرير الفلسطينية.
لهذه الأسباب، أرى أن الحديث عن الشراكة السياسية مع فتح عبث وإضاعة للوقت والجهد، وكذلك الأمر بالنسبة لمبدأ تداول السلطة تحت مظلة سلطة أوسلو قبل تحرير منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها أو استبدالها. والآن؛ بعد أن وصل شعبنا إلى هذا المأزق الخطير الذي وصل إلى حد تورط فتح بتبجح وعناد في الحرب على المقاومة وحفظ أمن المغتصبين اليهود والصهاينة في الضفة المحتلة، كيف يمكن الخروج من هذا المأزق ومستنقع الانقسام من غير تفريط بالشرعية والحقوق والثوابت المشروعة لشعبنا؟
لقد بخرت الحرب التي تشنها أجهزة فتح في الضفة الغربية المحتلة على المقاومين كل الآمال المعقودة على المصالحة في إنهاء حالة الانقسام الداخلي والوصول بشعبنا الفلسطيني إلى بر الأمان، ولا سيما أن أجهزة فتح صعّدت حربها على المقاومة في الضفة في إطار تعاون أمني بينها وبين العدو الصهيوني لم يسبق له مثيل في تاريخ قضية فلسطين، وبحجج سياسية داحضة، وذلك في أعقاب العمليات البطولية لكتائب القسام ضد المغتصبين اليهود والصهاينة في الضفة. وبعبارة أخرى؛ لقد وصلنا إلى طريق مسدود لا يبشر بخير، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام حلول أخرى تتسم بالعنف من أجل رفع الظلم عن أبناء شعبنا في الضفة وحماية المقاومة.
ولكن استمرار الوضع الراهن في الضفة المحتلة على ما هو عليه يعد خسارة كبيرة، ليس فقط لحركة حماس، وإنما لشعبنا وقضيته ولأمتنا العربية، فضياع الضفة يعني ضياع فلسطين، وضياع فلسطين يؤدي إلى ضياع العالم العربي. أحد الحلول المطروحة للخروج من هذا المأزق الخطير هو انتفاض الضفة؛ لكي تنقذ نفسها من سلطة فتح والعدو الصهيوني في آن، ولكن هذا الحل يكاد يكون مستحيلاً، إضافة إلى أنه باهظ الثمن وغير مضمون النتائج، فالضفة الجريحة واقعة بين مطرقة الاحتلال وسندان سلطة فتح وأجهزتها الأمنية.
الحل الآخر هو تحرير منظمة التحرير وإصلاحها، أو إيجاد إطار عمل جديد يجمع القوى السياسية الفلسطينية على الثوابت المشروعة لشعبنا؛ لتقف صفاً واحداً في وجه تغول فتح على الضفة ومشاركتها العدو الصهيوني في حربه على المقاومة، ولكن هذا الحل صعب أيضاً بسبب سلبية الفصائل الفلسطينية الصغيرة وتشبثها بمصالحها الحزبية الضيقة وبالمنظمة – ولية نعمة هذه الفصائل – ورفض إصلاحها خوفاً من هيمنة حركة حماس عليها. فهذه الفصائل الصغيرة تضع مصالحها الحزبية فوق مصلحة الشعب والوطن وتفضل العيش في ظل هيمنة
وإلى حين تمكن شعبنا من حل هذه المعضلة المستعصية على الحل؛ فإن حماس ستظل حريصة على المصالحة وفق المعايير التي تصون المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني وثوابته وأرضه، وعلى أساس إنقاذ الضفة ووضع حد لمعاناة شعبنا، وليس على أساس الشراكة السياسية مع فتح. فإغلاق باب المصالحة لا يفيد حماس إطلاقاً، بل يفيد فتح والعدو الصهيوني والأمريكي والأنظمة العربية المتواطئة معهم، ولن تخسر حماس من التمسك بخيار المصالحة في ظل غياب حلول بديلة ما دامت لا تتنازل عن الثوابت.
12/9/2010

مشاركة مميزة