الاثنين، 6 سبتمبر 2010

بزنس الطب والدواء


kolonagaza7
توفيق أبو شومر
قال لي أحدهم واصفا ظاهرة (الطب التجاري):
ما كنتُ أعرف الكثير عن مجتمع تجار الطب والدواء إلا بعد أن جرّبت مراجعة عياداتهم، وصرتُ أحفظ وصفاتهم الطبية، فقد زرتُ طبيبا في مستشفى عام كمريضٍ من العوام، فكان الطبيب المعالج متجهما عابسا قاسيا، لم يحتمل أن أشرح له تاريخ المرض، فأشاح بوجهه عني وهو يكتب الدواء،ثم مزّق الوصفة الطبية من الدفتر بقرف واشمئزاز، وهو يمد لي الورقة متجنبا النظر في عينيّ!
وفجأة ابتسم لي وعاد يفحصني من جديد ، عندما سألته عن عنوان عيادته الخاصة وساعة دوامه فيها!
وعندما زرته في عيادته الخاصة كان متهللا مستبشرا فرحا، أمضى وقتا طويلا يستمع إليّ ويشرح لي مرضي ، ويمحضني النصح في طريقة التعامل مع المرض، إلى أن يحين موعد العملية الجراحية، ولما وافقتُ على العملية تهلل وطلب كشفا من الموظف المسؤول ليحدد لي موعدا أختاره أنا، بعد أن حدد المبلغ المطلوب للعملية الجراحية!
إذن هي النقود التي تسيِّر مهنة الخلق، ورسالة الطبيب السامية في عصر العولمة، فقد أصبح العلاج والطب عند كثيرين من تجار الدواء وفق مقياس واحد فقط وهو:
كم يساوي هذا المريض ؟
فما أكثر تجار الأمراض في عصرنا ممن حولوا الطب والدواء إلى وسائل للاستيلاء على آخر مدخرات الفقراء والمحتاجين المرضى ،وما أكثر الأطباء الذين يعملون عكس قسم أبوقراط الطبي، قسم الخلق والإخلاص والوفاء،خاتمة الدراسة، وبداية الممارسة العملية.
فقد غيَّر كثيرٌ من تجار الطب والدواء قسم أبقراط الطبي إلى قسم جديد يقول:
" اقسم أن أحصل على آخر فلس في جيب أفقر مريض،وأن أماطل المرضى مرات ومرات حتى أحصل على آخر نقودهم، وأقسم أن أعالج فقط من يدفع ثمن الكشف الطبي وثمن الدواء الذي أصفه من صيدليتي الخاصة، أو من الصيدلية التي تحفظ لي نصيبي من وصفات الدواء التي أوصي بشرائها من الصيدلية نفسها، وأن أقدم العون فقط لمن يُجريَ التحاليل الطبية في مختبري الخاص ، وأن أقدم عنايتي الفائقة، لمن يدفع لي ثمن العملية الجراحية مضاعفا، ولو كان ذلك على حساب مئات المرضى الآخرين!
أقسم أن يكون الوصف من الدواء بحسب نصيبي منها في كل وصفة طبية، وحسب اتفاقي مع شركة توزيع الدواء، بغض النظر عن فائدتها لمرضاي!
وأقسم أن أجعل مقر عملي الرئيس في المستشفى العام بغض النظر عن مرتبي الحكومي كلوحة إعلان ودعاية لعيادتي الخاصة وفخا لاصطياد الزبائن لعيادتي خارج وقت الدوام فقط لا غير!
وأقسم أن أفشي أسرار مرضاي حين أدخل بيوتهم، وأن أبوح بكل أسرارهم إذا لم يدفعوا لي ما يعوضوني عن تعبي وجهدي!
وأقسم بكل ما أوتيتُ من قوة أن أضن بعلمي على تلاميذتي، كي لا يكونوا في مستوى علمي وثقافتي ، حتى لا يستولوا على زبائن عيادتي، وألا أكتب تقريرا طبيا لمريض فقير إلا إذا دفع لي ثمن كتابة التقرير الطبي اللازم للتحويلات الخارجية، حتى ولو كان المريض لا يحتاج إلى العلاج في الخارج!
استدراك أخير:
كل التقدير والاحترام لكثير من الأطباء الذين ما يزالون يتمسكون بقسم أبقراط الطبي الخالد ، ويعتبرونه مرشدهم وهاديهم، فيغضون الطرف عن أجرة الكشف الطبي من الفقراء والمعدمين، ولا يصفون من الدواء إلا ما هو ضروريٌ فقطّ.

مشاركة مميزة